منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535

    #91

    جزيت خيرا أخي كدي

    الصديق الوفي نعمة وان كان الوفاء أصبح عملة نادرة في هذا الزمان

    ولكن مع ذلك لا يزال الخير في الناس الى ان يشاء الله






    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535

      #92



      أثر الخوف من الله في حياتنا



      إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له،ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:


      فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى طريق النجاة والفوز بدار النعيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً](الأحزاب). فالتقوى هي التي تُسَيِّر العبد إلى الجنة، فتعينه على كل خير، وتصده عن كل شر، وتأخذ بيده إلى فضائل الأعمال وأحسنها، وتمنعه من قبائحها وسيئها، فهي النجاة لكل من تمسك بها في الدنيا، وهي خير زاد لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها.

      عباد الله: إن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتَّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، ومن تأمل سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي أوصلهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلاً عن المحرمات.

      عباد الله: إن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين حتى يلقى الله تعالى، الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.

      ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته عن هذين الأمرين لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نصب عينيه فلا يغفل عنهما، فعن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف)(رواه الترمذي، وابن ماجة، وأخرجه الألباني في صحيح الترغيب، وقال حديث حسن صحيح).

      ولقد ذكر الله تعالى في كتابه آيات كثيرة تدل على عظم شأن الخوف وأنه منزلة لازمة للمؤمن في حياته الدنيا لكي يصل إلى رضا الله تعالى وجنته. وكلما زاد خوف العبد من ربه زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.

      فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله تعالى، فتراهم يؤدون حقوق الله وهم خائفون وجلون من عدم قبولها، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قالت عائشة هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات)(رواه الترمذي). فهم أحرص الناس على طاعة ربهم، والمسارعة إلى رضاه، والبعد عن معصيته، والفرار من سخطه وغضبه، إلا أنهم يخافون من عدم قبول أعمالهم.

      قال الحافظ بن حجر رحمه الله: (إن الخوف من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان، قال تعالى {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}(آل عمران)، وقال تعالى {فَلا تَخْشَوا النَّاسَ واخْشّوْنِ}(المائدة)، وقال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء}(فاطر)، وقال صلى الله عليه وسلم (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}(النحل)، والأنبياء بقوله {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب)، وإنما كان خوف المقربين أشد؛ لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة) ا. هـ

      • ولقد كان خوف إمام المرسلين وقدوة العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبرة للمسلمين جميعاً كي يتعلموا منه، ويأخذوا حذرهم من الغفلة والإعراض عن الله، وهو من هو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحُق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجد لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. قال أبو ذر يا ليتني كنت شجرة تعضد)(رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم2449).

      ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغاً عظيماً في هذا الباب من شدة خوفهم من الله تعالى:
      • روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو)، فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل.

      • وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي. قال: فوضعته على الأرض. فقال: (ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي).

      • وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: (أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي). ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام فما نقول نحن وقد قلت طاعتنا وكثرت ذنوبنا.. فإلى الله المشتكى من أحوالنا.

      • وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا) ولو نظر كل منا لنفسه وحاسبها لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.

      • وروي أن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر وتغير، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم). فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا، بل يدخل الواحد منا إلى الصلاة ويخرج ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


      أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

      {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}

      بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

      الخطبة الثانية:


      الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

      فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن خشية الله تعالى صفة من صفات عباده الأتقياء.

      عباد الله: إن الخوف من الله درجة عظيمة تدل على قوة الإيمان، وها هو الحسن البصري رحمه الله يقول: (إن المؤمنين قوم ذلَّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}(فاطر)، والله لقد كابدوا في الدنيا حزناً شديداً وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم).

      وعن عمر بن عبد العزيز قال: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء).

      وقال إبراهيم التيمي: (ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا:{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}).

      وروى حفص بن عمر قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: (أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي).

      وقال يزيد بن حوشب: (ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما).

      وقال أبو سليمان الداراني: (أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب).


      عباد الله:
      إن الخوف من الله له فوائد كثيرة يعود أثرها على المؤمن في الدنيا والآخرة ومن ذلك:


      • الفوز بالجنة والنجاة من النار.
      • الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
      • والخوف من الله دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
      • والخوف من الله يثمر محبة الله وطاعته.
      • وهو سبب لسعادة العبد في الدارين.
      • وهو دليل على صفاء القلب وطهارة النفس.
      • وهو سبب لهداية القلب.
      • والخوف من الله يبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والسيئات.
      • والخوف من الله يجعل الإنسان يخلص عمله لله تعالى، وأن لا يضيعه بالترك أو المعصية.
      • والخوف من الله يورث المسلم الشفقة على الخلق.
      • ويحمل الإنسان المسلم على التخلق بالأخلاق الحسنة وتجنب الكبر والعجب.


      عباد الله: احرصوا بارك الله فيكم على الخوف من الله، فمن خافه واتقاه رضي عنه وأرضاه وأنجاه من سكرات الموت وعذاب القبر وكربات يوم العرض.
      واعلموا أن الدنيا أيام قليلة، وأن من خاف ربه حسن عمله، فاتقوا الله وتزودوا للقاء الله، واحذروا من الغفلة والركون إلى الدنيا وكثرة المظالم، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.

      أيها المؤمنون:

      أسال الله تعالى بمنه وكرمه أن يرزقنا خشيته في السر والعلن، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

      هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}

      اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.

      اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن

      اللهم ارزقنا شكر نعمك وأعنا على أداء طاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا.

      اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

      اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

      ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

      عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


      ********************************************


      خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ : عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار



      التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 08-03-2012, 02:07 PM.


      تعليق

      • كدي
        مشرف ينابيع الشعر العربي
        • Feb 2009
        • 1291

        #93
        أختي الفاضلة تقبل الله فرضك
        إن هذه الموعطة جاءت في محلها وخصوصا ونحن في شهر الرحمة والغفران فأقول
        إن رجحان جانب الخوف من الله في قلب المؤمن هو وحده الذي يرجح الكفة وهو وحده الذي يعصم من فتنة هذه الدنيا
        وبدون الخوف لا يصلح قلب ولا تصلح حياة ولا تستقيم نفس ولا يهذب سلوك
        وإلا فما الذي يحجز النفس البشرية عن ارتكاب المحرمات من زنى وبغى وظلم وركون إلى الدنيا غير الخوف من الله
        وما الذي يهدئ فيها هيجان الرغائب وسعار الشهوات وجنون المطامع؟ غير الخوف من الله

        وكما جاء في خطبتك إن الخوف من الله يورث المسلم الشفقة على الخلق.

        اللهم ألف بين قلوب المسلمين واجمعهم عددا وعدة
        اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك


        خطبة جميلة استمتعت بقراءتها
        جزاك الله كل فضل واحسان
        فليرض عني الناس أو فليسخطوا ...... أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
        ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى ...... يارب حلواً قبل أن أهواك

        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535

          #94


          أحكـام في نعمـة الصحـة والكـلام





          الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
          {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

          {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

          اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ عَبدِك وَرَسُولِك، وآله وصحبه الطيبين الأطهار، وصلِّ على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات الأحياء منهم والأموات.

          عباد الله! الصوتُ نعمةٌ من الله جل جلاله، والنطقُ مِنَّةٌ من الرحمن سبحانه، فلولا الكلامُ لأصبحَ الإنسانُ شبيها بالجماد، وصعُبُ عليه التفاهم، لكن بنعمةِ النطقِ والكلامِ سهُلَ على الناسِ التخاطبُ والتفاهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ بالنطق والقول تكون عبادة الرحمن، فـ«الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: فـ«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». و«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ قَوْلَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»

          و"بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ أولها: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ..".

          والصلاة من أركانها التكبير والفاتحة والتشهد وغير ذلك وكله نطق وكلام بصوت، فقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ، وَلا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ". . وفي رواية: ".ولا ترفعوا أصواتكم فتؤذوا المؤمنين".
          ولا بد من التخشُّع عند تلاوة القرآن، فـ«إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ، الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ؛ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ».
          ويأمرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بتحسين القرآن بالصوت فيَقُولُ: «حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا».

          أما في الحج فرفْع الصوت بالذكر مشروع، بل [يؤمر الملبِّي بأن يرفعَ صوتَه بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل، فأمرني أنْ آمُرَ أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية"، وقوله: "أفضل الحجِّ؛ العجُّ والثَّجُّ". ولذلك كان أصحاب النبي في حجته يصرُخُون بها صراخا، ولذلك قال أبو حازم: (إذا أحرموا لم يبلغوا "الروحاء" حتى تبح أصواتهم) وقوله : "كأني أنظر إلى موسى ُ هابطاً من الثنية له جؤارٌ إلى الله تعالى بالتلبية".]
          وعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: (سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، حَتَّى أَنِّي لأَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ).

          وهناك أصواتٌ ممدوحة تُذكِّرُ بالله عند سماعها، وأصواتٌ قبيحة منكرة نستعيذ بالله عند سماعها، ففي الأدب المفرد [عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ من رسول الله يَقُولُ: "أَقِلُّوا الْخُرُوجَ بَعْدَ هُدُوءٍ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ خَلْقًا يَبُثُّهُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ أَوْ نهاق الحمير فاستعيذوا بالله من الشيطان".

          وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا؛ فَسَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رأت شيطانا؛ فتعوذوا بالله من الشيطان". وأصل هذه الأحاديث في الصحيحين.

          ولا يخلو أن يحدثَ في الأُسَرِ ارتفاعُ الأصواتِ بين الزوجين، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبٍ الرِّيَاحِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: (هُوَ ذَاكَ فِي ضَيْعَةٍ لَهُ). قِرْبَةٌ، فَوَضَعَ الْقِرْبَتَيْنِ، قُلْتُ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْكَ، وَلا أَبْغَضَ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْكَ!) قَالَ: (لِلَّهِ أَبُوكَ، وَمَا يَجْمَعُ هَذَا؟!) قَالَ: قُلْتُ: (إِنِّي كُنْتُ وَأَدْتُ أي قتلت بنتا لي صغيرة فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ أَرْجُو فِي لِقَائِكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؛ أَنَّ لِي تَوْبَةً وَمَخْرَجًا، وَكُنْتُ أَخْشَى فِي لِقَائِكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؛ أَنَّهُ لا تَوْبَةَ لِي). فَقَالَ: (أَفِي الْجَاهِلِيَّةِ؟) قُلْتُ: (نَعَمْ!) فَقَالَ: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ). ثُمَّ عَاجَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ، فَأَمَرَ لِي بِطَعَامٍ فَالْتَوَتْ عَلَيْهِ، أي أبت ورفضت، ثُمَّ أَمَرَهَا فَالْتَوَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، قَالَ: (إِيهًا! دَعِينَا عَنْكِ، فَإِنَّكُنَّ لَنْ تَعْدُونَ مَا قَالَ لَنَا فِيكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ). قُلْتُ: (وَمَا قَالَ لَكُمْ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ؟) قَالَ: «الْمَرْأَةُ ضِلَعٌ، فَإِنْ تَذْهَبْ تُقَوِّمُهَا تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَدَعْهَا فَفِيهَا أَوَدٌ =عوج= وَبُلْغَةٌ =ما يُكتفى به في العيش=». فَوَلَّتْ فَجَاءَتْ بِثَرِيدَةٍ كَأَنَّهَا قَطَاةٌ، فَقَالَ: كُلْ وَلا أَهُولَنَّكَ، إِنِّي صَائِمٌ. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يُهَذِّبُ الرُّكُوعَ وَيُخَفِّفُهُ، وَرَأَيْتُهُ يَتَحَرَّى أَنْ أَشْبَعَ أَوْ أُقَارِبَ، ثُمَّ جَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ مَعِي، فَقُلْتُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!) فَقَالَ: (مَا لَكَ؟! فَقُلْتُ: (مَنْ كُنْتُ أَخْشَى مِنَ النَّاسِ أَنْ يَكْذِبَنِي، فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكْذِبَنِي) قَالَ: (لِلَّهِ أَبُوكَ إِنْ كَذَبْتُكَ كِذْبَةً مُنْذُ لَقِيتَنِي). فَقَالَ: (أَلَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّكَ صَائِمٌ، ثُمَّ أَرَاكَ تَأْكُلُ؟!) قَالَ: (بَلَى! إِنِّي صُمْتُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، فَوَجَبَ لِي أَجْرُهُ، وَحَلَّ لِي الطَّعَامُ مَعَكَ).


          ومن الآداب الشرعية خفض الصوت في حضرة النبي وسائر المجالس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (الحجرات). وكذلك يخفض في مسجده وسائر المساجد، وعند العطاس، فـ"إذا عطس أحدكم فليضعْ كفَّيه على وجهِه وليخفض صوته".

          كذلك لا يشرع رفع الصوت عند الدعاء، عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما دنونا من المدينة؛ كَبرَّ الناسُ ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله : "يا أيها الناس! إنكم لا تَدْعُون أصمَّ، ولا غائباً؛ إن الذي تَدْعُونَهُ بينكم وبين أعناق ركابكم". ثم قال رسول الله : "يا أبا موسى! ألا أدلُّك على كنـز من كنوز الجنة؟!"، فقلت: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

          ويكره رفع الأصوات عند القتال والجهاد، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ قال: كان أصحاب النبي يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عند القِتَالِ.


          ويشرع رفع الصوت في الأذان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، قَالَ لَهُ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ؛ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ)، فَإِنَّهُ: «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»
          وفي رواية: "إنّ المُؤَذِّنَ يُغْفَرُ لهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ والشَّاهِدُ عليهِ خَمْسٌ وعِشْرُونَ دَرَجَةً".

          عباد الله! "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت؛ رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس".

          ويستحب رفع الصوت عند الخطبة والموعظة، فقد كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»

          وعند قول الإمام والمأموم ولا الضالين فيرفع صوته بـ(آمين) عن وائل بن حُجْرٍ قال: كان رسول الله إذا قرأ: {ولا الضالين}؛ قال: "آمين"، ورفع بها صوته.

          صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ! لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ»

          وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلاةِ، إِذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ: «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، لا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَنَاءُ الْحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
          و(كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير)

          وعن الاستئذان يرفع صوته ليعلم به أهل الدار، عَنْ أَبِي الْعَلانِيَةِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ الثَّالِثَةَ فَرَفَعْتُ صَوْتِي وَقُلْتُ: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدَّارِ)، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً فَقَعَدْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ غُلامٌ فَقَالَ: (ادْخُلْ)، فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: (أَمَا إِنَّكَ لَوْ زِدْتَ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ)، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الأَوْعِيَةِ، فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَالَ: (حَرَامٌ)، حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنِ الْجَفِّ، فَقَالَ: (حَرَامٌ). فَقَالَ مُحَمَّدٌ =هو ابن سيرين=: (يُتَّخَذُ عَلَى رَأْسِهِ إِدَمٌ، فَيُوكَأُ).

          ورفع الصوت مطلوب عند الحاجة للأكل أو الشرب من ممتلكات الآخرين فـ«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ؛ وَإِلاَّ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ»

          ويرفع الصوت عند العمل وهو يحدو ببعض الأبيات ونحو ذلك، فعَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ، وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ:

          اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

          فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

          إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

          يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ)



          وقد يسمع بعض الناس كلام بعض الملائكة فـ"بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ)، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! مَا اسْمُكَ؟) قَالَ: (فُلانٌ) -لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟) فَقَالَ: (إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ؛ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟) قَالَ: (أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)".



          إن أصواتَ بعضِ الرجال خيرٌ من كثير من الرجال وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد رجاله: «لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ»
          والفاروق عمر يفر من صوته الشيطان، عن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ .. أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "والذين نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا سَمِعَ الشَّيْطَانُ صَوْتَ عُمَرَ أَوْ حَسَّ عُمَرَ سَالِكًا فَجًّا؛ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَهُ".


          أصوات محظورة شرعا وأخرى ملعونة، وأصوات حمقاء، فمن الأصوات المنكرة صوت الحمير قال سبحانه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}

          وأصوات الجلاجل والأجراس كلها محظورة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا هِيَ عِنْدَهَا إِذْ دُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ وَعَلَيْهَا جَلاجِلُ =أجراس صغيرة= يُصَوِّتْنَ، فَقَالَتْ: (لا تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلاَّ أَنْ تَقْطَعُوا جَلاجِلَهَا)، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ»

          ومن المحظورات أصوات الموسيقى وآلات الملاهي والطبول، عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر، فسمع صوت طبل، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ثم تنحى. حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: (هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم).

          قال الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} (الإسراء)، قال مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (الإسراء: 64)؛

          وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ؛ صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَصَوْتُ رَنَّةٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ".

          ولم نُنْهَ عن البكاء بل نهينا عن الصراخ والعويل، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّخْلِ، وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْتَهَى إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوَضَعَ الصَّبِيَّ فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَنْهَانَا عَنِ الْبُكَاءِ؟) قَالَ: «لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتِ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِبٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، شَقِّ الْجُيُوبِ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ».

          وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُتْبَعَ جِنَازَةٌ مَعَهَا رَانَّةٌ). رانة: الرنَّةُ الصوت، يقال: رنت المرأة إذا صاحت).
          عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالا: أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، قَالا: ثُمَّ أَفَاقَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي! وَكَانَ يُحَدِّثُهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ».، "حلق": أي شعره عند المصيبة لأجلها، "سلق": أي رفع الصوت عند المصيبة. وقيل: هو أن تصك المرأة وجهها. "خرق": شق الثياب).

          ومن الأصوات مباحة، البكاء دون صراخ أو عويل، ففي الحديث السابق «لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ، ..». عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَبْكِي وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ لا يَنْهَانِي، قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، تَبْكِيهِ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : "تَبْكِيهِ، أَوْ لا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ".


          ومن الأصوات المباحة الدف في النكاح والأعياد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ؛ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ».

          أما أصوات الصبيان، فأصواتهم دائما عالية، خصوصا عند فرحهم ولعبهم، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! تَعَالَيْ فَانْظُرِي». فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: «أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ!». قَالَتْ: (فَجَعَلْتُ أَقُولُ: (لا!) لأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ؛ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ)، قَالَتْ: (فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا). قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ» قَالَتْ: فَرَجَعْتُ.


          وقد تُسمع أصوات بعض الجمادات عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ؛ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: (هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ؟) قَالَ: «نَعَمْ!» فَصَنَعَ لَهُ ثَلاثَ دَرَجَاتٍ، فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ، وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمِنْبَرِ، مَرَّ إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْجِذْعَ، خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى، صَلَّى إِلَيْهِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ؛ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ، فَأَكَلَتْهُ الأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا. . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



          الخطبة الثانية

          الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛

          هناك أصوات موجودة لا نسمعها، عَلِمْناها بالوحي المنزل على النبي ، ومنها أصوات الموتى فـ"إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ"

          وأهل القبور الذين يعذبون في قبورهم تخرج أصواتهم، فقد (دَخَلَ النَّبِيُّ يَوْمًا نَخْلا لِبَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رِجَالٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ؛ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ فَزِعًا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ).

          «إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ».

          وأصوات الزناة والزواني واستغاثاتهم لا تنتهي، ففي حديث سمرة الطويل: "فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ -قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ" قَالَ: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا».


          فأما إن سألتم عن أهلِ النار، وصراخِهم فيها فاستمعوا لقول الله جل جلاله، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (فاطر: 37)

          وعن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا، فَقَالا: اصْعَدْ! فَقُلْتُ: إِنِّي لا أُطِيقُهُ، فَقَالا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، .."

          وأصوات النيران غريبة مخيفة، عن عبد الله بن عَمرو، قال: (إن أهلَ النار لَيَدْعُونَ مالكًا فلا يُجيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}. ثم يَدْعُونَ ربَّهُم فيقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}، فلا يُجيبُهُم مِثْلَ الدنيا، ثم يقولُ: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}، ثم يَأْيَسُ القَومُ، فما هُوَ إلاَّ الزَّفيرُ والشَّهيقُ، تُُشْبِهُ أصواتُهُم أصواتَ الحَمير؛ أوَّلُها شَهيقٌ وآخِرُها زَفيرٌ).


          فعند الحشر ينادي الله سبحانه عباده الحفاة العراة فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا" قَالَ: قُلْنَا: (وَمَا بُهْمًا؟) قَالَ: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ" قَالَ: قُلْنَا: (كَيْفَ! وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا؟!) قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ».
          ولا أحد في قدرته الإنكار والعناد، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النور: 24) فالشهود عليك منك، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (فصلت).

          يوم الحشر يوم القيامة عند اجتماع الأولين والآخرين والجن والإنس، في هذا اليوم العظيم ماذا يسمعون؟ وهل ترتفع الأصوات {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} (طه).

          وهناك من جانب آخر وفي الحنة، أصواتٌ وأيُّ أصوات؛ في المتعة والجمال، واللذة والنعيم، «إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانْ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامْ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانْ)، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّهْ)».
          وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلاتٌ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلائِقُ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا)، قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ؟) قَالَ: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّقْدِيسُ، وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ).

          عباد الله! "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، وفي رواية: «وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».


          اللَّهُمَّ صل وسلم وبارك على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك، وآله، والخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر صحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وصلِّ على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات الأحياء منهم والأموات، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}


          ************************************************** *

          خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ : فؤاد أبو سعيد من مسجد الزعفران بغــزة





          تعليق

          • كدي
            مشرف ينابيع الشعر العربي
            • Feb 2009
            • 1291

            #95
            جمعة مباركة على الجميع
            هل حضرت لنا شيء هذه الجمعة الاخت الفاضلة
            ....
            ....
            ...
            ....
            اننا في الانتظار
            فليرض عني الناس أو فليسخطوا ...... أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
            ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى ...... يارب حلواً قبل أن أهواك

            تعليق

            • سُلاف
              مشرفة المواضيع الإسلامية
              من مؤسسين الموقع
              • Mar 2009
              • 10535

              #96
              رد: مختارات من خطب الجمعة

              المشاركة الأصلية بواسطة كدي مشاهدة المشاركة
              جمعة مباركة على الجميع
              هل حضرت لنا شيء هذه الجمعة الاخت الفاضلة
              ....
              ....
              ...
              ....
              اننا في الانتظار

              جعل الله ايامك كلها بركة اخي كدي
              طبعا موعدنا متجدد ومستمر ان شاء الله مع خطب الجمعة ، ودائما يوجد الجديد ...
              ولو ان الوقت يسعفني لكنت اليوم وضعت خطبة من الخطب غير الموجودة على النت كما وعدتكم
              لكن يلزم وقت لكتابتها ؛ والوقت والفراغ كما تعلم أخي اصبح عزيزا نادرا

              خطبتنا اليوم ان شاء الله عن بعض الأحكام المتفرقة في قضاء رمضان لمن تعذر عليه الصيام


              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535

                #97


                أحكـام في قـضاء رمضـان




                الحمد لله رب العالمين، خلق العباد لطاعته فلم يتركهم هملاً ولا سُدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله خير من عبد ربه وأطاعه وعمل بأمره ونهيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الدنيا دار امتحان وابتلاء، فمن وفى وفيَّ له، ومن فرط في أيامه وشهوره وسنواته لم يجد إلا الحسرة والندامة يوم القيامة.

                عباد الله: لقد مرت علينا أيامٌ مباركة نقية، عذبة المذاق، طيبة العيش، تقلب المسلمون فيها بين نعم الله العظيمة من صيام، وقيام، وصدقة، وبر، وتلاوة للقرآن وغير ذلك من الصالحات، عاشوا فيها لحظات جميلة، وأوقاتاً سعيدة، عاشوا فيها وهم يتمنون ألا تنقضي من بين أيديهم، ولكن هيهات هيهات لأحد أن يمسك الزمن ولو لبرهة يسيرة، فهكذا الدنيا تمر مروراً سريعاً، تحمل بين طياتها ما قدمنا فيها، فيا سعادة من ختم له بالقبول والعتق من النيران، ويا حسرة من ختم له بغير ذلك.

                عباد الله: يا من ودعتم قبل أيام شهراً كريماً، وموسماً عظيماً، صمتم نهاره وقمتم ليله، وأقبلتم فيه على كتاب ربكم تتلونه ليلاً ونهاراً، وأكثرتم فيه من الذكر والدعاء، وامتلأت قلوبكم بالخوف والرجاء، وتصدقتم وبذلتم، وتقربتم إلى ربكم طالبين الأجر والثواب، وحُق لمن كان ذلك ديدنه أن يفوز بأفضل تجارة مع الله لينال الرحمة والمغفرة والرضوان.

                عباد الله: لقد ودعنا شهرنا الحبيب بما أودعناه فيه من أعمال صالحات، فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند الله بخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، ويا خسارة من كان شاهداً عليه بسوء عمله، قال صلى الله عليه وسلم:(.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..) (رواه الترمذي وأحمد).

                عباد الله: علينا أن نلتزم بتقوى الله تعالى في كل آن، وأن يكون ذلك شعارنا طيلةَ أعمارِنا، ومن كان صادقاً مع الله لا بد أن يكون مواظباً على الطاعات، واجتناب المعاصي والمحرمات، وأن يكون ذلك منهاجاً له إلى أن يتوفاه الله، فيكون في مواسم الخير مجتهداً، وحريصاً على الطاعة، فإذا انقضت تلك المواسم فإن آثارها تبقى في حياته، سائراً على الحق المبين، لا يحيد عنه طرفة عين، وتكون حياته صوراً حية من الصدق في التعامل مع الله ومع خلقه.



                عباد الله: هناك بعض المسائل التي تتعلق بقضاء رمضان ينبغي توضيحها لمن أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي من مرض أو سفر، وكذا حيض ونفاس بالنسبة للمرأة، وهي مسائل يكثر السؤال عنها ويقع فيها بعض الناس بأخطاء كبيرة ولذا يحسن بيانها في مثل هذا الوقت ومن هذه المسائل:

                1ـ من أفطر في رمضان بعذر شرعي فعليه القضاء، وهو في ذمته، ويتأكد في حقه التعجيل به لأنه لا يدري ما يعرض له.

                2ـ الأولى تقديم القضاء على صيام الست من شوال، ومن أخره فلا حرج عليه لفعل عائشة رضي الله عنها ذلك.

                3ـ يحرم الفطر في صيام القضاء من غير عذر.

                4ـ لا يلزم التتابع في صيام القضاء، بل يجوز أن يصومه المسلم متفرقاً.

                5ـ لابد من تبييت النية من الليل في صيام القضاء، وهكذا كل صيام واجب كالنذر والكفارة.

                6ـ لا يحل للمرأة أن تفطر إذا صامت القضاء وطلب زوجها منها الفطر، لأن هذا معصية عظيمة، ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

                7ـ إذا حصلت مناسبة واجتمع أفراد الأسرة وكان بعضهم صائماً لقضاء رمضان فأحياناً يطلب منه بعض الحاضرين الفطر ويقولون تصوم مكانه يوماً آخر، وهذا قول على الله بغير علم، فليس الاجتماع عذراً يبيح الفطر، فما دام الرجل أو المرأة عزما على الصيام وبدءا به فلا يحل لهما أن يفطرا إلا من عذر يبيح لهما الفطر في رمضان كالسفر والمرض والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة.
                8ـ لا ينبغي للزوجة أن تصوم القضاء إذا منعها زوجها وكان في الوقت متسعاً، ولكن لو خالفت أمره وصامت فلا يحل له أن يلزمها بالفطر.

                أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}(الأحزاب: 36).
                بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.



                الخطبة الثانية:

                الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

                فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بصراطه المستقيم تنالوا الفوز في الدنيا والآخرة.


                عباد الله: ومن المسائل الهامة المتعلقة بالصيام والقضاء ما يلي:

                9ـ لا يحل للمرأة أن تصوم ستاً من شوال ولا أي صيام نفل إذا منعها زوجها لأن طاعة الزوجة لزوجها واجبة، وهذا صيام مستحب، ولا يقدم المستحب على الواجب.

                10ـ لا يجوز أن يجمع المسلم نيتي القضاء وست من شوال، بل القضاء يجب أن يكون بنية مستقلة، وإذا رغب في صيام ست من شوال فيكون بعد القضاء.

                11ـ إذا كان المسلم صائماً صيام نفل وحصلت مناسبة وطُلب منه أن يفطر فينبغي له ذلك لإدخال السرور على المجتمعين.

                12ـ يجب على الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها للفراش وكانت صائمة صيام نفل، ولا يحل لها أن تمتنع منه بحجة أنها صائمة، وقد ذكرنا أن طاعة الزوج واجبة، والواجب يقدم على المستحب.

                13ـ صيام ست من شوال لا يحتاج إلى نية من الليل في أصح قولي العلماء، وإذا أصبح المسلم ولم ينو الصيام بالليل جاز له الصيام من النهار في أي وقت إذا كان لم يأكل أو يشرب، ولم يفعل مفطراً من المفطرات.

                14ـ يجوز لمن صام الست من شوال أن يفرد يوم الجمعة بالصيام ما دام من الست، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.

                15ـ من لم يرغب في صيام هذه الست فلا يكون سبباً في منع غيره من صيامها، فالتطوع أجره عظيم.

                16ـ إذا أفطر المسلم في رمضان لعذر المرض واستمر مرضه إلى أن مات فلا قضاء عليه ولا إطعام لأنه لم يتمكن من القضاء.

                17ـ إذا أفطر المسلم لعذر المرض أو السفر أو الحيض أو النفاس بالنسبة للمرأة ومات بعد يوم العيد فلا قضاء ولا إطعام لأنه لم يتمكن من القضاء.

                18ـ إذا أخر المسلم قضاء رمضان إلى أن جاء رمضان الآخر من غير عذر فعليه مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.

                أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عن التقصير والزلل والعصيان، وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى طريق الهدى والرشاد.


                هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

                اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
                اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.

                اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صالح أعمالهم، واستجب دعاءهم يا كريم.
                اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان.
                اللهم أنج المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين.
                اللهم انتقم من الطغاة الجبابرة، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا متين.

                [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]

                عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



                *********************************************


                خطبة اليوم من موقع فضيلة الشيخ : عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار



                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535

                  #98


                  زكــاة الثمـــار


                  الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ ، الحمدُ للهِ البر الكريم الرؤوف الرحيم ذي الفضل والتكريم والإحسان العميم سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد لا يفنى دوامه ولا تحصى أنعامه وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وهو علام الغيوب المدبر لكل شيء والجامع لكل شيء والرازق لكل حي قدر الرزق المقسوم ووقت الأجل المعلوم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نحمَدُهُ ونسْتعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ، ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ عليهِ ، ونسْتَغفِرُهُ ونتُوبُ إليهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، يُحيِى ويُمِيتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ ، بِيدِهِ الخيرُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ ، قصم الجبارين ببطشه بعد أمنه , وأسبل على العاصين ستره بمنه وتكفل بأرزاق البرايا إنسه وجنه من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وأشْهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً مُنيراً ، أرسلَهُ رحمةً للعالَمينَ ، وسراجاً للمُهتدِينَ ، وإماماً للمُتقينَ ، فبلَّغَ الرِّسالةَ ، وأدّى الأمانةَ ، ونصَحَ الأُمَّةَ ، وكشَفَ الغُمَّةَ ، وجاهدَ في سَبيلِ ربِّهِ حتى أتاهُ اليقينُ صلى الله عليه وسلم ، وعلى آلِهِ وصحْبِهِ أجمعين، أمّا بعدُ:



                  فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكم ونفْسِي بتقوى اللهِ ، والعملِ بما فيهِ رِضاهُ ، فاتقوا اللهَ وراقبوهُ ، وامتثِلُوا أوامِرَهُ ولا تعصُوهُ ، واذكُرُوهُ ولا تنسَوهُ ، واشكُرُوهُ ولا تكفروه واعلموا أن من النعم التي امتنّ الله سبحانه وتعالى بها على الإنسان ، نعمة المال ، فعلى المسلم أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة ومِنْ شُكْرِ هذه النعمة تأديةُ الحقوق التي أوجبها الله سبحانه وتعالى في المال (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)..



                  شرع الله سبحانه وتعالى الزكاة في مال الأغنياء وجعلها حقاً واجباً للفقراء ومعونة لذوي الحاجات والضعفاء وحكمةً ألف الله سبحانه وتعالى بها بين قلوب العباد ، وأثبت بها المودة بين ذوي الفاقة والأغنياء في أقطار البلاد ليقع التعاون والتناصر بينهم على الحق وسبيل الرشاد.



                  سميت الزكاة زكاةً لأنها تزكّي المال ، أي تنمّيه وتطهره وتُنزل البركة فيه كما أنها تطهر النفوس من الشح والبخل وتمرنها على السماحة والبذل ، وهي ذريعة إلى تواصل الأنام وتطهير القلوب من درن الآثام ، وتكفير للذنوب والإجرام، ومثراة للمال ، وحصن حصين من الأهوال ، وتضعيف للحسنات في يوم المآل.



                  الزكاة قدر يسير يترتب عليها أجر كبير وخُلف من الله كثير، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج أنواع البلاء بالدعاء " وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن الصدقة تطفئ النار " وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تصدقوا فإن الصدقة تقي مصارع السوء وتدفع ميتة السوء " وسميت الزكاة صدقة لأنها تُصدق وتحقق إيمان مُخرجها كما أن منع الزكاة هو العنوان على النفاق يقول سبحانه: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).



                  عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كثر ماله ولم يزكه جاءه يوم القيامة في صورة شجاع أقرع له زبيبتان موكل بعذابه حتى يقضي الله بين الخلائق " وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمانع الزكاة قالها ثلاثاً ، والمتعدي فيها كمانعها " والمتعدي هو الذي يدفعها لغير أهلها ، والزكاة في اللغة تطلق على النماء والطهارة والبركة والزيادة والمدح والصلاح ، وفي الشرع هي ما يخرج من مال عن مال أو بدن على وجه مخصوص لطائفة مخصوصة بالنية .



                  وهنا يأتي السؤال : هل تجب الزكاة في جميع الأموال ؟



                  والجواب : من فضل الله سبحانه وتعالى ونعمته على عباده أنه لم يوجب الزكاة في جميع الأموال ، وإنما أوجبها في أصناف معينة، فتجب الزكاة في الثمار وفي الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وفي النقدين الذهب والفضة وفي الأوراق النقدية التي يتعامل بها الآن لأنها قامت في التعامل مقام الذهب والفضة ، منها تدفع الأجور ومنها تدفع المهور و بها يقع البيع والشراء ، وتجب الزكاة أيضا في التجارة وهي المال الذي أعده مالكه للبيع تكسباً وانتظاراً للربح ، أما عدا هذه الأصناف فلا زكاة فيها مهما كانت أثمانها إلا إذا اتخذت للتجارة ، أما الثمار التي تجب فيها الزكاة فهي كل ما يدخر ويقتات به كالتمر والزبيب والبر والشعير والذرة والسلت ونحوها من الحبوب التي تدخر ويقتات بها ، فتجب الزكاة في الثمار إذا بلغت النصاب ، ونصاب الثمار خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعاً .



                  والصاع أربعة أمداد ، والمد رطل وثلث ، والرطل ستة وتسعون مثقالا يساوي ثلاثمائة وأربعة وثمانين جراماً فيكون نصاب الثمار بالكيلو ستمائة وأربعة عشر كيلوا وأربعمائة غرام ، إلا الفرض وما أشبهه في الثقل فإن نصابه بالكيلو ستمائة وواحد وتسعون كيلو ومائتا غرام ، ومقدار زكاة الثمار إذا كانت تسقى بالأنهار والعيون أو الأمطار أو كانت لا تحتاج إلى سقي ففيها العشر ، وإن كانت تسقى بالنزح أو النضح أو بالمضخات ففيها نصف العشر ، فمن له مزرعة يسقيها بالنهر وحصد منها ألف كيلو فعليه أن يخرج مائة كيلو ، وإذا كان يسقيها بالمضخة فعليه خمسون كيلو، ومن له نخل يسقيها بالنهر وحصد منها ألف كيلو فعليه أن يخرج مائة كيلو تمر ، وإن كان يسقيها بالمضخة فعليه خمسون كيلو ، وإذا اشترك اثنان أو ثلاثة أو أكثر في مزرعة وحصدوا منها نصاباً كاملاً برا فعليهم الزكاة ولو لم يبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، وإن اشترك اثنان أو ثلاثة و أكثر في نخل فحصدوا منها نصاباً كاملاً تمراً فعليهم الزكاة ولو لم يبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).



                  (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .



                  وصلوا وسلموا على خاتم النبيين والمرسلين وسيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين وأفضل خلق الله أجمعين (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).



                  اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل محمد كما صليت وسلمت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدا مجيد .


                  ******************************************

                  خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ : حمود بن حميد الصوافي ( ليبيا )



                  تعليق

                  • علي محمود
                    !! عضوية الإمتياز !!
                    • Mar 2010
                    • 2221

                    #99



                    جمعة مباركة أختنا العزيزة أم سلمان ...

                    عادة جميلة وسنة حميدة إدراج خطبة كل يوم جمعة ... فتكون لذلك فائدة مضاعفة ... بعد أداء فريضة صلاة الجمعة والإستماع الى خطبة الإمام ... وبعد العودة للمنزل ... نجد خطبة أخرى من أختنا العزيزة أم سلمان ...

                    وخطبة اليوم حقا مفيدة ومطلوبة ... لأننا نتحرى دائما أن نؤدي زكاة المال وزكاة الفطر ... أما زكاة الثمار فهي ليست على نفس الدرجة من إهتمامنا خاصة إذا كانت المزرعة لا تنتج في العادة الإنتاج المرجو منها ... ولكن وجب علينا الإهتمام بها وبأدائها في موعدها ...

                    بارك الله بك أختنا الفاضلة ... وأدام عليك هذه العادة الجميلة ...ونفعنا بها ... وجعلها في ميزان حسناتك ...
                    رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة

                    تعليق

                    • Mayada oulabi
                      !! عضوية الإمتياز !!
                      • Aug 2010
                      • 3799


                      اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمدا" وعلى آله وصحبه وسلم تسلميا" كثيرا"

                      سلمت يداك أختي سلاف على التذكير

                      ان زكاة الزروع والثمار هامة جدا" أسأل الله أن يعيننا جميعا" على أدائها على وجهها الصحيح

                      وجمعة مباركة على الجميع
                      اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

                      تعليق

                      • سندس صح
                        زراعي جديد
                        • Sep 2012
                        • 15

                        ان هذه الخطبه هي شرح ممتاز عن المجتمع
                        واتمنى بصدق ان كل من يرها يتخذها عبره وقدوه له
                        بارك الله فيكي

                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535

                          مبطــلات الأعمــال





                          الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه...

                          أما بعد..

                          فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فإنها خير ما يقدم به العبد على ربه - تعالى -قال الله - تعالى : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ).



                          عباد الله احذروا الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها فإنها والله بئس زاد المرء يقدم به على ربه، فهي سبب كل شر وداء في الدنيا والآخرة، ومن شؤمها وسوء عاقبتها أن منها ما يحبط العمل ويبطل السعي ويبدد الجهد ولذا فإن الله - تعالى -أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصية الله ورسوله فقال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله - عند هذه الآية: ولاتبطلوا بمعصيتكم إياهما (أي الله ورسوله) وكفركم بربكم ثواب أعمالكم فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح.



                          أيها المؤمنون ذروا ظاهر الإثم وباطنه فإن الله - تعالى- قد توعد على بعض الذنوب بإحباط العمل وإبطال السعي فمن ذلك: الارتداد عن دين الله، والكفر بعد الإيمان، فإنه أعظم ما يبطل الأعمال ويحبطها بالكلية قال الله - تعالى -:( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال - تعالى -: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وقال - تعالى -عن أعمال الكفار والمكذبين: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله - تعالى-، دالة على أن كل من كفر أو ارتد عن دينه ومات على ذلك فقد حبط عمله وبطل سعيه ومآله إلى جهنم وبئس المصير.



                          أيها الإخوة الكرام إن الارتداد عن دين الله - تعالى -والكفر بالله - جل وعلا - يكون بأمور عديدة منها:

                          الشرك بالله - تعالى - في عبادته - سبحانه - أو ربوبيته - تعالى - ذكره أو أسمائه وصفاته - عز وجل - قال الله - تعالى -: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) فالشرك يا عباد الله يحبط العمل بالكلية فلا تنفع معه حسنة كما قال الله - تعالى -: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).



                          ولتقرير هذه الحقيقة وهي أن الشرك يحبط العمل خاطب الله - سبحانه - نبيه ورسوله الذي عصمه من الوقوع في الكبائر فضلاً عن التلطخ بأرض الشرك فقال - تعالى -مخاطباً نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).



                          أيها الناس إن الشرك بالله - تعالى - في ألوهيته أو ربوبيته أو أسمائه أو صفاته، أمر خطير عظيم خافه أولو العزم من الرسل وخافه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه - رضي الله عنهم - فاحذروا الشرك عباد الله ولا يظنن أحدكم أنه بمنأى عن الشرك أو في أمان من الوقوع فيه فإن هذا خطأ وضلال قال - تعالى -: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).



                          أيها المؤمنون إن الشرك الذي يحبط العمل بالكلية هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وذلك بأن تصرف العبادة أو نوعاً منها لغير الله - تعالى -كأن تحب غير الله أو تحب معه غيره أو تعظم غير الله أو تتوكل على غيره أو تدعو غيره أو تذبح لغيره أو تنذر لغيره أو تطيع غيره في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله - تعالى -. ومن الشرك المحبط للعمل اعتقاد العبد النفع والضر بغير الله - تعالى - وأن غيره - سبحانه - قادر على جلب المنافع ودفع المضار استقلالاً. ومن الشرك أيضاً جحد شيء من أسمائه وصفاته نعوذ بالله من ذلك.



                          عباد الله إن مما تحصل به الردة المبطلة للأعمال عدم اعتقاد كفر الكفار أو الشك في كفرهم أو تصحيح مذهبهم أو اعتقاد جواز التدين بغير دين الإسلام قال الله - تعالى -: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله - عز وجل -))(11) رواه مسلم.

                          فكل من لم يكفر الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم أو شك في كفرهم أو اعتقد صحة ما هم عليه فقد كفر بما أنزل على محمد نعوذ بالله من ذلك.



                          ومما تحصل به الردة المحبطة للأعمال بغض شيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ). فمن كره تحريم الربا أو وجوب الصلاة مثلاً فقد حبط عمله وكفر بالله - تعالى -.



                          ومما يحصل به الارتداد عن دين الله الاستهزاء بشيء من دين الله - تعالى -أو ثوابه أو عقابه أو ما يتعلق بذلك قال الله - تعالى -: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) ومنها جحد شيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ومنها سب الله - تعالى -أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن هذه الأمور مما تحصل به الردة والكفر بالله - تعالى -نعوذ بالله من ذلك.



                          أيها المؤمنون إن مما يحبط أعمال العاملين ويخيب سعيهم الرياء في العمل وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم قال الله - تعالى- في حق المرائين بنفاقهم: (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابل فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ). وفي حديث أبي أمامة قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: لاشيء له. فأعاده عليه ثلاثاً كل ذلك يقول: لاشيء له. ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه)) رواه أبو داود والنسائي وهذا يفيد أن العمل الذي لا يبتغى به وجه الله - تعالى -حابط باطل لا ينفع صاحبه، فكل من عمل عملاً طلب فيه غير وجه الله - تعالى -فإن عمله مردود عليه وليس له عند الله فيه من خلاق.



                          أيها المؤمنون إن مما يحبط العمل ويجعله هباء منثوراً انتهاك حرمات الله - تعالى - في الخلوات فعن ثوبان مرفوعاً: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً يجعلها الله - عز وجل - هباءً منثوراً. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) رواه ابن ماجه بسند صحيح.



                          الخطبة الثانية:

                          أما بعد..

                          فإن مما يبطل العمل أيها المؤمنون المن والأذى بالطاعات قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى). فمَنْ مَنَّ بصدقته وطاعته فقد حبط عمله وخاب سعيه وأوجب ذلك عقوبته فعن أبي ذر مرفوعاً: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) كررها ثلاثاً قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم. فاتقوا الله عباد الله واشهدوا مِنَّةَ الله عليكم أن هداكم للإيمان فلولا فضل الله عليكم ما زكا منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم.



                          عباد الله إن مما يحبط العمل ترك الصلاة المفروضة فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم. وفي المسند قال - صلى الله عليه وسلم -: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وقد أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على كفر تارك الصلاة فعن عبد الله بن شقيق - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة". رواه الترمذي بسند صالح. وقد جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ترك صلاة العصر حبط عمله)).



                          فهذه النصوص أيها المؤمنون تفيد أن ترك الصلاة من محبطات الأعمال قال ابن القيم - رحمه الله - عند كلامه على الحديث الأخير: والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبداً فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين في يوم معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم فالحبوط العام في مقابلة الترك العام والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين، فعلى هذا أيها المؤمنون من ترك صلاة من الصلوات في يوم من الأيام كأن يترك صلاة الفجر من يوم أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فإن عمله ذلك اليوم حابط باطل ولو كان أمثال الجبال أما من ترك الصلاة بالكلية فهذا كافر مرتد كل عمله باطل حابط نعوذ بالله من الخذلان.



                          أيها المؤمنون إن مما يحبط العمل ويفسد السعي التألي على الله - تعالى - المصاحب للعجب فعن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله - تعالى -قال: ((من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان وأحبطت عملك))



                          أيها المؤمنون ذكر أهل العلم - رحمهم الله - أن التعامل بالربا مما يحبط العمل واستدلوا لذلك بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: لما أخبرت بأن زيد بن أرقم باع عبداً بثمانمائة نسيئة واشتراه بستمائة نقداً قالت للتي أخبرتها: أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب.



                          فاتقوا الله عباد الله ولا تأكلوا الربا أضاعفاً مضاعفه واعلموا أن من السيئات ما يذهب الحسنات فذروا ظاهر الإثم وباطنه كما أمركم الله - تعالى -بذلك.



                          ----------------------------------------


                          خطبة اليوم من موقع : زاد الداعي
                          islamdoor.com


                          تعليق

                          • علي محمود
                            !! عضوية الإمتياز !!
                            • Mar 2010
                            • 2221




                            بارك الله بك أختنا أم سلمان ...

                            خطبة هامة جدا ... وفيها من العظات الكثير ... فكم من المسلمين من يفعل الأعمال الحسنة وهو مقتنع بأنه يسير في الطريق الصحيح ... ولكنه مع الأسف يفعل أشياء أخرى تبطل ما يفعله من حسنات ... فيأتي يوم القيامة ورصيده منها صفر ... أو حتى بالسالب ... !!!

                            سامحنا الله على ما فعلنا من مبطلات الأعمال الحسنة ... وباعد بيننا وبينها ...

                            شكرا أختنا الغالية أم سلمان على التذكرة وجعلها في ميزان حسناتك ...
                            رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة

                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535



                              شكرا لك أخي أبو رامي على المتابعة المستمرة

                              شكرا لكم جميعا وجزاكم الله عني كل خير ولا تنسوني من فضلة دعائكم




                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535

                                الشجـــــرة


                                الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

                                أما بعد:

                                فإن الله تعالى جعل حياة الناس على وجه الأرض مرتبطة بالنباتات، فهي تتغذى من الأرض، والإنسان والحيوان يتغذيان من النبات، ثم يتغذى الإنسان من بعض الحيوانات، وليس باستطاعة الإنسان أن يتغذى من الأرض مباشرة، وحيثما عدم الغرس والشجر عدمت الحياة.

                                ولذا كان من رحمة الله أن أنبت لنا الزرع والشجر لتكون هذه الأرض صالحة لحياة البشر عليها، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) أي ترعى أنعامكم ودوابكم . ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/10-11

                                ولم يقتصر الأمر على الغذاء فقط، بل جعل الله في النبات جمالا وتنوعا لتطيب حياة الناس، قال تعالى: ( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ . لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ . سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) يس/33-36.

                                وفي القرآن الكريم الكثير من التذكير بنعمة إنبات النبات والشجر، ليلفت انتباه الناس إلى أهمية هذه النعمة، ليشكروا الله على ذلك من جهة، وليعلموا أن حياتهم على الأرض ليست صدفة ولا فوضى، بل هي بترتيب حكيم من الله عز وجل، فهو الذي مهد الأرض لتكون صالحة لحياة البشر عليها، قال تعالى: ( وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ . وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الذاريات/48-49.

                                والله عز وجل كما مهد الأرض رسم طريق السعادة للبشر على وجهها، فمن أطاعه سعد، ومن عصاه شقي، قال تعالى: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/123-124. وهكذا تكون السعادة بالاستفادة مما خلق الله في الأرض، وبطاعته عز وجل في التصرف على وجه الأرض.

                                ومن ناحية ثانية يعلم الله الناس أن يحافظوا على الثروة النباتية، فإن حياتهم متوقفة عليها، وإذا تركوا الصحراء تبتلع الخضار فقد قضوا على وجودهم في الأرض.

                                ولذا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزراعة والغرس في أحاديث متعددة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ) متفق عليه.

                                وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فان استطاع إن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل ) رواه الإمام أحمد وغيره.

                                وهذا يعني أن استنبات الشجر عمل صالح يراعى فيه تطبيق حكمة الله في الأرض، وليس عملا تجاريا يراعى فيه إمكانية الكسب ومقداره.

                                ومن نافلة القول أن الاهتمام بالزراعة مظهر حضاري يدل على فهم المجتمع لسنة الله في خلقه، ومدى صعوده في سلم الحضارة الإنسانية، ولقد رأينا المسلمين في عهودهم الزاهرة يعتنون بالشجر حتى غير المثمر، فيكفي ظله في أيام الصيف، وما يقع عليه من طيور تسبح الله تعالى، وتدعو لمن وفر لها الظل الظليل، وكم تغنَّى شعراؤنا بالأشجار وظلالها والطيور وألحانها، وحاكوها في أشعارهم وأنغامهم.

                                إن ميزة الإنسان الراقي أنه غيري وليس أنانيا، ولذا يغرس لأن الله أمره أن يغرس، ويغرس لينفع عباد الله، ويغرس ليعبر عن حضارة أمته وشعبه، ويغرس لأن الخضرة مظهر من مظاهر الحياة، ويغرس لينفع الأجيال القادمة، سواء نفعه ذلك الغرس أم لا، ومن هنا قال آباؤنا: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. وبهذا تستمر الحياة على وجه الأرض.

                                روى الإمام أحمد وغيره أن سلمان الفارسي رضي الله عنه أسلم وهو رقيق، فشارط سيده على أن يغرس له خمسمائة نخلة، فإذا عاشت فهو حر، فلما استشار النبي صلى الله عليه وسلم وافقه على ذلك، وأمره أن يهيئ الغراس، ويحفر لها الحفر اللازمة، فإذا تم ذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ليغرسها بيده، وهكذا كان، وعاشت النخلات، وعتق سلمان رضي الله عنه، وانضم إلى الصحابة الكرام في نشر الإسلام وخدمة المسلمين، وكانت البداية غرس النخلات، وما أجدرنا أن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم فنملأ أرضنا الطيبة شجرا مباركا تبعث خضرته البهجة في القلوب، ويستظل به الناس، وتتغذى منه الأجيال.

                                في سورة الواقعة يبين الله أن مظاهر حياتها على وجه الأرض ترجع إلى أمور أربعة: تكاثر البشر، وتكاثر النبات، وهطول الماء العذب، ووجود النار، وكل ذلك بفضل الله تعالى ورحمته وقدرته، واستمرارُها أيضا بفضل الله وقدرته.

                                قال تعالى فيما يخص النبات: ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) الواقعة/63-67.

                                فانظر يا أخي المسلم كيف دلنا القرآن الكريم على مقومات الحضارة الإنسانية، إنها الإنسان والنبات والماء والنار، ذلك ليرشدنا إلى وجوب شكره عز وجل، وإلى المحافظة على هذه المقومات لتستمر الحياة الإنسانية بقدرة الله تعالى، وكأنه يقول لنا كما تحافظون على حياتكم بشتى الطرق، فحافظوا على حياة النبات بالزراعة، فإنه لا غنى لكم عنها، ولا تكون لكم حياة على الأرض إلا بها.

                                إن النبات الصامت ينطق بما يسمعه الحكماء، إنما يسبح الله قائلا: لا يخلق مثلي إلا الحكيم الخبير، وهذا معنى قول شاعرنا المسلم الموحد المتأمل في خلق الله:

                                وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

                                وقول الآخر:

                                تأمل في رياض الكون وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك

                                عيون من لجين شاخصات *** بأصداف من الذهب السبيك

                                على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك

                                إن المؤمن يتناغم في هذا الكون مع حكمة الله وقدرته، ويلاحظ فيها جمال الله وجلاله، فيبني ولا يهدم، ويزرع ولا يقطع، ويسبح الله بلسانه، ويصغي إلى تسبيح مخلوقاته، وبعكس هذا الكافر الجاحد، الذي قال الله عنه: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) البقرة/205.

                                وإن الله تعالى عندما شوق المؤمنين إلى الجنة ذكر ما فيها من جنات وبساتين وأشجار ورياحين وأنهار وثمار، وجعل الطريق إلى ذلك العمل الصالح، والذي يؤدى فيه حق الله تعالى بالطاعة، وحق العباد بالشفقة عليهم والرحمة بهم، ومحاولة إنقاذهم من نار الدنيا ونار الآخرة.

                                ألا وإن هذا موسم زراعة الأشجار، فليساهم كل منا بما يستطيع من غراسة الأشجار بكل أنواعها، وصيانتها من الإتلاف، لتكون أرضنا خضراء، ورياضنا غنَّاء، فهي الأرض المباركة بموقعها وأهلها وأجوائها ومناخها، فيها عاش الأنبياء، وعليها درج الصالحون والأولياء، فاستحقت أن تكون رياضا غناء، ومعاشا للأحفاد والأبناء.

                                اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
                                والحمد لله رب العالمين

                                ********************************************

                                خطبة اليوم من إلقاء سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله



                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X