منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535

    #61



    آثار التعبد بأسماء الله الحسنى



    الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

    أما بعد:
    عباد الله: إن لله تعالى أسماء حسنى وصفات علا يجب أن نعبده بها ونتقرب له تعالى بها،قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) ، المسلم يوقن قلبه إن لأسماء ربه وصفاته معانٍ شريفة عظيمة تليق بجلال الله وعظمته لا تشبه صفات المخلوقين الضعفاء الناقصين،لذلك يكون لهذه الأسماء أثر في زيادة إيمانه.
    قال ص: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري،بل يا عباد الله أسماء الله لا يحصيها إلا هو ، وذلك لأن شأن الله عظيم وقدره كبير ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)،ومعنى احصاها أي عرف عددها ومعانيها ودعاه بها.

    عباد الله:
    إن معرفة معاني الأسماء والصفات يحقق آثاراً ظاهرة لمن تعبّد لله بها، ومن هذه الآثار:الأنس بالله ولمّ شعث القلب وذلك إنما هو أثر تجلي الأسماء والصفات الحسنى على قلب العبد، فترتفع حجب الغفلة والشك والإعراض، ويتم استيلاء سـلـطــان المـعـرفـة على القلب وقد استولى على العبد نور الإيمان بالأسماء والصفات ومعرفتها، ودوام ذكرهـا، والنظر إلى الواحد الفرد، الأول فليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، سبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شــيء بآخـريـتــه، وعلا فوق كل شيء بظهوره، وأحاط بكل شيء ببطونه

    عباد الله:
    سيكون حديثنا في هذه الخطبة على أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته على قلب المؤمن الموحد، فسأذكر بعض أسماء الله وأبين أثرها على قلب كل واحد منّا.

    السميع:إذا استشعر العبد بقلبه سمعه سبحانه لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخفائها، وأنه سواء عنده من أسر القول ومن جهر به، ولايشغله من جهر عن سمعه لصوت من أسر، ولا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها، بل هي عنده كصوت واحد، فعلم أن الله يسمعه: فلا يقول إلا خيراً، بل يستحي أن يسمع الله من كلامه ما يخزيه ويفضحه عنده، وإنما يشتد في ألا يسمع منه إلا الكلام الحسن، بل ويكثر منه؛ حتى يحظى عند ربه سبحانه قال ص: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت..) ويستشعر المسلم كذلك أن الله يـســمـــع كلام أعدائه، وأن الله ليس بغافل عنهم ولا يرضى ما يقولون، فعند ذلك يعلم أن الله معه وأنه ناصره لا محالة، وحتى تعرف يا مسلم عظمة سمع الله أسمع هذه القصة التي ترويها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،فقد دخلت خولة تشتكي زوجها فكانت تسار النبي ص فأنزل الله تعالى ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)) قالت عائشة: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه) فعائشة خفي عليها بعض الكلام وهي في نفس الغرفة ولم يخف شيء على الله تعالى. هل سمعت هذا يا عبدالله؟ فارفع حاجتك إلى الله ولن يخيبك تعالى فهو يسمع سؤالك.

    الاسم الثاني البصير،فهو تعالى يبصرك وأنت تعمد إلى معصيته،فاستحي منه،وهو تعالى يبصرك وأنت تعبده فأكثر من عبادته،وهو تعالى يبصرك وأنت تسف الدمع تابا منيبا راجعا له فلن يخذلك أبدا (..إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) وقال تعالى: (.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))
    .
    الاسم الثالث الودود: فهو تعالى يحب عباده الصالحين ويحبونه؛ فإن العبد إذا شاهد بقلبه غنيّاً كريماً جواداً، عزيزاً قادراً، كل أحد محتاج إليه بالذات، وهو غني بالذات عن كل ما سواه، وهو ـ مع ذلك ـ يود عباده ويحبهم، ويتودد إليهم بإحسانه وتفضله عليهم: كان له من هذا الشهود حالة صافية خالصة من الشوائب.

    الاسم الرابع السلام:وحقـيـقـــة هـــذه اللفظة (السلام) هي: البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، فإذا علمت أن الله هو (السلام) فتعلم أن تجاوزه عنك في معصيتك وذنبك سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة، كما أن عذابه سلام عن أن يكون ظلماً أو قسوة، بل هــــــو محض حكمته وعدله.وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضـطــــراب وخــــلاف مـصـلـحـة العباد ورحمتهم.وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونهــا محبة حاجة إليه أو تعلق أو انتفاع بقربه.فتأمل كيف تضمن اسمه (السلام) كل ما نُزِّه عنه تبارك وتعالى، واستشعر هذا بقلـبـك؛ فإنه يبعث على تعظيم ربك سبحانه

    الاسم الرابع الجبار:ولاسمه (الجبار) ثلاثة معان:
    1- أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة، فكم جَبَر من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، فــــإذا عرف العبد هذا المعنى تعبد لله بمقتضاه، وسأله بأن يجبر كسره، ويعينه على عبادته.
    2- أنه القهار، فهو يجبر عباده على ما أراد مـمـــــا اقتضته حكمته، فيستشعر العبد أن أفعاله بقدرة الله، ويعلم أن أعداء الدين لن يصيبوه إلا بما قضى الله وأراد.
    3- أنه العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته، فلا يستطـيــع أحد منهم أن يدنو منه، فيبعثه ذلك على تعظيم ربه وإدراك عزته واستعلائه.

    ونختم باسم الوهاب: فهو أ يهب لمن يشاء كيف يشاء بلا منازع له ولا راد لحكمه ففي الأمور الدنيوية قال تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ)
    فهو تعالى في هذه الآية يندد بسوء أدب الناس مع الله، وتدخلهم فيما ليس من شأن العبيد. والله يعطي من يشاء ويمنع من يريد. وهو العزيز القادر الذي لا يملك أحد أن يقف لإرادته. وهو الوهاب الكريم الذي لا ينفد عطاؤه.
    وهو تعالى خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء.
    وفي أمور الأخروية ينطرح العبد بين يديه وهو يكرر مرة بعد مرة ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)) فهو الوهاب،وهاب الدنيا والآخرة ، هذا هو حال الراسخين في العلم مع ربهم وهو الحال اللائق بالإيمان المنبثق من الطمأنينة لقول الله ووعده والثقة بكلمته وعهده والمعرفة برحمته وفضله والإشفاق مع هذا من قضائه المحكم وقدره المغيب والتقوى والحساسية واليقظة التي يفرضها الإيمان على قلوب أهله، فلا تغفل ولا تغتر ولا تنسى في ليل أو نهار..
    وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته. وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله.. فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدهم بالعون والنجاة.
    عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله ع كثيرا ما يدعو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء. فقال: ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن. إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه
    قال الخطابي: فكل من وهب شيئا من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أن يسمى وهابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت،والمخلوقين يملكون أن يخبوا مالا أو نولا في حال دون حال،لكن لا يملكون أن يهبوا شفاء لمريض،ولا ولدا لعقيم،ولا هدى لضال،والله هو الوهاب يملك جميع ذلك وسع الخلق جوده فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده


    الحمد لله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارى ء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المعطي المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور،والصلاة والسلام على عبده ورسوله وسلم
    وبعد:
    فيا عبد الله تقرب إلى الله بمعرفة أسمائه وصفته فإن ذلك من تعظيمه وذكره،وتفكر في معان أسماء الله وصفاته.
    فستشعر بحالة من الطمأنينة واليقين إلى أسماء الرب وصفاته فلن تعدم الرزق من رب غني رزاق كريم
    ولن تعدم التوبة من ذنوبك من رب غفور عفو رؤوف
    ولن تعدم دخول الجنة من رب رحمن رحيم
    فتفكر في هذه الأسماء وأجعل لها أثر على قلبك وعندها ستأنس بالله جل وعلا.



    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن محمد الهرفي






    تعليق

    • ابو حسام الشهري
      زراعي مميز
      • Feb 2012
      • 329

      #62
      وفقك الله اختي سُلاف ..

      وكتب اجرك ..

      وجعل ما نقلتي لنا في موازين حسناتك ..

      لكِ اطيب التحايا ؛؛؛

      تعليق

      • علي محمود
        !! عضوية الإمتياز !!
        • Mar 2010
        • 2221

        #63


        أهلا بأختنا العزيزة أم سلمان ...

        خطبة هايلة ما شاء الله ... اللهم بارك لقائلها ... وناقلتها ...

        أن تتحول الأسماء الى أفعال ... شئ جميل ... وأن تكون الأفعال ... تعبد ... هذا هو الأجمل ...

        اليوم ستة من الأسماء ... المشوار لسة طويييييييل ... إنهم تسعة وتسعون إسماً ...!!

        متابعين معك ان شاء الله ... الله يعينك
        رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة

        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535

          #64



          العمل الصالح أنواع




          الخطبة الأولى

          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره. عم برحمته جميع العباد، وخص أهل طاعته بالهدى والسداد، ووفقهم للأعمال الصالحات، ففازوا في الحياتين ببلوغ المراد. واشهد ألا إله إلا الله وحده، تنزه عن الشركاء والنظراء والأنداد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ـ أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، فأقام أركان الحنيفية وأشاد. صلى الله و سلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. آمنوا بربهم، وجاهدوا مع رسولهم، وعملوا الصالحات فطابت حياتهم، وحسنت عاقبتهم وصاروا مناراً لمسالك الخير والإسعاد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد.

          أما بعد:

          فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ اتقوا الله و آمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نوراً تمشون به و يغفر لكم.

          اتقوا الله واعملوا صالحاً: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

          أيها المسلمون، العمل الصالح في كتاب الله قرين الإيمان، وكل بني آدم خاسر إلا من آمن وعمل صالحاً.

          العمل الصالح ميدانه واسع، ومفهومه شامل، ينتظم أعمال القلوب والجوارح، في الظاهر والباطن، في القوى والملكات، والمواهب والمدركات، أعمال خاصة وعامة، فردية وجماعية.

          إن من الأعمال الصالحة ما يمتد إلى ما بعد الممات. من الصدقة والعلم والذرية الطيبة. "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

          أيها الأخوة، إن من الأعمال التي يقوم بها الإنسان أعمالاً يومية معتادة، بل منها ما هو من لوازم بناء الحياة، و لكنها تكون أعمالاً صالحةً محسوبةً في ميزان العبد، إذا صحت بها النوايا، واستقامت على الطريقة، وأتقن أداؤها. احفظوا أوقاتكم، ولا تحقروا من الأعمال شيئاً، فكل عمل في الإسلام معتبر، مهما قل أو صغر (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).

          العمل الصالح بشتى أنواعه وألوانه. يحفظ على المرء دينه وعرضه، ويكسب الحياة المطمئنة، ويقوده إلى الخير وراحة البال.

          وأعمالكم سوف يراها ربكم ونبيكم والمؤمنون: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). الأعمال واسعة وميادينها فسيحة، في أعمال بدنية ولسانية وقلبية.

          فالشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج في مقدمة الأعمال الصالحات، وبقية الفرائض والواجبات والمندوبات والمستحبات من الأعمال الصالحات، وفي الحديث الصحيح: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها". و إن شئتم مزيداً من الأعمال البدنية، فاذكروا بر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الضيف والجار، والجهاد في سبيل الله، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الداعي، ونصرة المظلوم.

          ومن الأعمال الجليلة الجميلة ـ أيها المسلم ـ أن تواسي فقيراً، وتكفل يتيماً، وتعود مريضاً، وتنقذ غريقاً، وتساعد بائساً، وتنظر معسراً، وترشد ضالاً، وتعين رجلاً في مركوبه ليركب، وترفع متاعه عليه ليحمل، تسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بقوة ساعديك لتعين المحتاج والضعيف.

          ولا يقتصر العمل الصالح على الإنسان وأخيه الإنسان. استمعوا إلى هذا السؤال الطريف من الصحب الكرام مع الجواب الحصيف من النبي عليه الصلاة والسلام: فقد سألوا وقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "في كل ذات كبد رطبة أجر". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

          الرفق بالحيوان عمل صالح، ركوبه بإحسان عمل صالح، والإحسان في ذبحه عمل صالح: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته". من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

          سقي الحيوان وإطعامه عمل مبرور بل أكل الطير والبهيمة من حقل الإنسان وزرعه فيه صدقة وأجر. "ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه. وحينما رأى الصحابة ـرضوان الله عليهمـ سعة دائرة العمل الصالح استطردوا في السؤال قالوا: أيأتي أحدنا شهوته و يكون له فيها أجر؟ فكان الجواب النبوي الكريم، قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

          أما الأعمال اللسانية فبابها كبير ذكر و دعاء، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتعليم العلم النافع، ناهيك بالشفاعة الحسنة، تفك بها أسيراً، وتحقن بها دماً، وتجر بها معروفاً وإحساناً وتدفع بها مكروهاً (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى).

          والتبسم في وجوه الإخوان عمل كريم، ينضم إلى ذلك الإصلاح بين الناس، ورد السلام وتشميت العاطس، وكل قول جميل، وكلام طيب. منطوقاً ومكتوباً، ومذاعاً ومنشورا.

          أما ميدان الأعمال القلبية فواسع. من الإيمان بالغيب، والحب والبغض، والغضب والرضا، والخوف والرجا، والخشية والصبر، والتذلل للمولى جل وعلا، والانكسار بين يديه، وتعلق القلب بالمساجد، ومن ذلك الأعمال الفكرية، من التخطيط والتفكير والتأمل والعزم والتصميم. بل النيات والمقاصد لها في الإسلام شان عظيم، فإنما الأعمال بالنيات.

          واستمعوا ـرحمكم الله ـ إلى هذا الحديث الجامع: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك". من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

          معاشر الأحبة: من هذه الدائرة الواسعة للأعمال الصالحة، فإن صاحب المال ينفع بماله، وذا النفوذ يفيد من نفوذه، ورب الجاه ينفع الناس بجاهه.

          أما العمل للاقتيات، والكسب من أجل التعفف، والكد على العيال فمن شيم الأنبياء والمرسلين، زراعة وصناعة، وتجارة وحرفة، وإجارة ورعياً، وهو من بعدهم من سمات المسلمين المتبعين، وعلامة من علامات الاستجابة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومظهر من مظاهر العزة والكرامة، وملك من مسالك الفقه في الدين والحياة.

          أعمال نزيهة شريفة محكومة بإطار متين من العفة والصدق، والعدل والرحمة. مر عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ على زيد بن مسلم وهو يغرس في أرضه فقال له عمر: أصبت. استغن عن الناس يكن أصون لدينك، وأكرم لك عليهم. ومن مقولات علي ـرضي الله عنه: التجارة ثلث الإمارة.

          مكاسب طيبة وأعمل صالحة، ودروب خيرة مبرأة من الحرام بعيدة عن المشتبهات. (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).

          نفعني الله وإياكم بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وألهمنا الدعاء والتسبيح والاستغفار.

          أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، ومن كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


          الخطبة الثانية

          الحمد لله جل جلاله، وعظم ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده، لا تحصى نعماؤه. أحمده سبحانه واشكره و توب إليه واستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، المبعوث بالهدى ودين الحق، ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه هم بدور الدجى وسناؤه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد:

          فاتقوا الله عباد الله، شريف النفس عظيم الهمة من أحس في نفسه القدرة على العمل، وقضى أعماله بنفسه، وباشر حاجاته بيده، ليس من الأعمال المباحة شيء يزدرى، فلأن يأخذ الرجل الحبل. فيحتطب على ظهره. خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه أو منعه. والبطالة تلبس ثوب الحقارة، والعمل يكسو رداء العزة والكرامة. وما يصير إلى العجز والكسل إلا ساقط الهمة. فاتر العزيمة، ولا يقعد عن العمل إلا ضعيف الإرادة، قد هان على نفسه ينتظر إحسان المحسنين، وصدقات المتصدقين، ألف الراحة، وأنس البطالة، هان عليه أن يجعل من الاستجداء والسؤال حرفة، إن هذا وأمثاله ممن اعتادوا على التردد على أبواب الناس، يمدون أيديهم، ويذلون أنفسهم، يستجدون ويسألون، منذرون بسوء العاقبة والخزي يوم البعث: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة و ليس في وجهه مزعة لحم".

          فاتقوا الله رحمكم الله، واستعيذوا مما استعاذ منه نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم استعيذوا من العجز والكسل، والجبن والبخل..


          *************************************************

          خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ :أحمد امجرزي العلوي





          تعليق

          • المهندس احسان عبد الكريم
            زراعي مميز
            • Jul 2011
            • 415

            #65
            حكمة بالغة وموعظة حسنة وقول فصل...
            أحسن الله تعالى الى الشيخ الفاضل,وأحسن اليك سيدتي الكريمة ووالديك ومن ذكرك بخير ودعا لك ودعوت اليه....امين اللهم امين ببركة القران الكريم وبجاه الحبيب الطبيب ....
            يا رب أخت لنا بطنجة المغرب***أرحم قليب لها بالهاشمي مشرب




            ا
            اذا كان لك رغيفان فكل احدهما واشتر بالثاني زهور

            تعليق

            • Mayada oulabi
              !! عضوية الإمتياز !!
              • Aug 2010
              • 3799

              #66
              ((رَبَّنَا لا تُزِغْ
              قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ
              أَنْتَ الْوَهَّابُ))
              أستمتعت كثيراّ بخطبة أسمآء الله الحسنى
              واسم الوهاب كم هو محبب لي
              وللأسف البعض يسيء فهمها ويستخدم لفظة الوهابي أستخداماّ مسيئاّ من غير تفكير بمعناها ..

              أما عن خطبة العمل الصالح أسمتعت بقرآتها أكثر
              أشكرك سلاف من قلبي
              جزآك الله كل الخير

              كم أحب (خبيئة العمل الصالح)
              أتمنى كل يوم لو أستطيع أن أعمل عملاّ صالحاّ خبيئاّ بيني وبين الله سبحانه وتعالى ..
              ولا يعلمه غير الله
              وكم تكون سعادتي كبيره عندما أنا جيه وأخبره بأنها خاصة لوجهه الكريم

              يارب تقبل منا ..

              يالله

              كم أحبك يالله

              فلك الحمد ولك الشكر ياواهب النعم

              وهل هناك أجمل من نعمة الأسلام ؟

              يارب لك الحمد ولك الشكر
              اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

              تعليق

              • علي محمود
                !! عضوية الإمتياز !!
                • Mar 2010
                • 2221

                #67



                أهلا بالعزيزة أم سلمان ... أصبح قراءة هذا الباب من من طقوس يوم الجمعة ...

                ... العمل الصالح وما أدراك ما العمل الصالح ... إنه مقرون دائما ... بالتوبة والإيمان ... ويأتي بعدهما العمل الصالح ... لأنه الدليل الحي والواقعي لهما ...

                ودائما ما تكررت الآية الكريمة " من تاب وآمن ... وعمل صالحا ... "

                دائما العمل الصالح هو الشاهد على أن التوبة نصوحة ... وأن الإيمان حق لا ريبة فيه ...

                بارك الله بك أختنا الفاضلة على هذا " العمل الصالح " الذي تقدميه لنا كل اسبوع ...
                رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة

                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535

                  #68

                  شكرا لكم جميعا على المتابعة وأسأل الله أن يلهمني واياكم التوفيق دوما الى صالح الأعمال

                  جزاكم الله كل خير وفضل والى الجمعة المقبلة ان كان بالعمر بقية ...



                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535

                    #69




                    الأعمال الخالدة بعد الموت



                    الخطبة الأولى
                    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شر ور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا عادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :

                    فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).
                    في هذا الحديث العظيم يبين النبي إن عمل الإنسان ينقطع بالموت فإن من مات فقد انقطع عن دار العمل وانتقل إلى دار الجزاء والحساب ، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا وأن يتزودوا بالأعمال الصالحة : فرصة لأن ينيبوا إلى الله تعالى ويرجعوا إليه .

                    إنك أيها الإنسان الآن في دار يتمناها الأموات لكي يعملوا صالحاً وما من ميت يموت إلا وقد ندم إن كان محسنا ندم ألا يكون قد ازداد وإن كان مسيئا ندم ألا يكون قد استعتب وأناب .. ..
                    روي بعض الموتى في المنام فقال: نحن أيها الأموات نعلم ولا نستطيع أن نعمل. وأنتم أيها الأخيار تعلمون ولا تعملون والله لتسبيحة واحدة يجدها أحدنا في صحيفته خير من الدنيا وما فيها .
                    ولذلك فقد نُهِي عن تمني الموت لأنه بالموت تنقطع الأعمال ففي صحيح مسلمعن أبي هريرة أن رسول الله قال :( لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به إن المؤمن إذا مات انقطع عمله وإن المؤمن لن يزيده عمره إلا خيراً )
                    أيها الإخوة في الله : وفي هذا الحديث العظيم يخبر الصادق المصدوق بأن أموراً ثلاثة لا تنقطع بالموت وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته ... نعم إن الموت تنقطع به الأعمال لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت.

                    الأمر الأول : صدقة جارية والصدقة الجارية هي الوقف والسبيل في أمور الخير فما وقفه المسلم لله تعالى فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته ، كعمارة المساجد، والأوقاف التي تسبل وتوقف للفقراء والمحتاجين والمعوزين ونحو ذلك من الأوقاف في أمور الخير.
                    والوقف يا عباد الله هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فلا يباع ولا يورث ولا يوهب وهو من أفضل القرب إذا كان في أمور الخير ويكفي في بيان فضله أن ثوابه يستمر للإنسان بعد مماته ولذلك فقد أشار به النبي على عمر بن الخطاب لما استشاره في أنفس مال أصابه ماذا يفعل به ففي الصحيحين عن ابن عمر ما قال : أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي يستأمره فيها فقال : يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به ؟ قال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ( أي أوقفتها ) قال : فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً.
                    فتأملوا رحمكم الله هذه القصة وكيف أمر النبي أشار على عمر في أنفس مال أصابه بأن يوقفه فأوقف عمر أرضه على الفقراء وعلى أقاربه وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولهذا فقد حرص الصحابة م على الوقف حتى أنه كما يقول جابر : ما من أجر : أنها وقف .

                    عباد الله : تحروا بمصاريف أوقافكم الفقراء والأقارب وما يشمل نفقه وتشتد الحاجة إليه ( كالمساجد والكتب الدينية ومكاتب الدعوة إلى الله وتوعيه الجاليات ونحو ذلك واحذر من وقف الإضرار والمحاباة كمن يقصد بالوقف إضرار شريك أو حرمان وارث أنفعه فإن من الناس من يوقف أوقافا بقصد حرمان بعض الورثة من الإرث وهذا لا يحل لهم دون غيره من الورثة فإن الوقف عبادة لله لا تصح إلا إذا خلصت لله موافقة لشرعه ... .

                    الأمر الثاني : مما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته: علم ينتفع به والمراد بهذا العلم : العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله ، ويكون توريثه بالتعليم والتأليف والنشر ونحو ذلك وها نحن يا عباد الله نذكر علماء ماتوا من مئات السنين ونترحم عليهم وندعو لهم هذا هو العلم النافع الذي يبقى للإنسان بعد وفاته وكلما كان العلم أكثر نفعاً وأوسع انتشاراً كلما كان أعظم ثواباً وأجرا ويدخل في ذلك من دعا إلى هدى فإن له مثل أجر من تبعه ولو كان ذلك بعد وفاته يقول النبي ( ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).
                    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

                    الخطبة الثانية
                    الحمد لله العلي الأعلى ، الكامل في الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، رب السموات والأرض رب الآخرة والأولى ...
                    عباد الله: وثالث الأعمال التي لا نتقطع بالموت دعاء الولد الصالح وهنا نقف وقفة مع هذا الأمر: كيف اعتبره النبي عملا للإنسان وكسباً مع أن الدعاء من عمل شخص آخر وهو الولد ؟
                    قال أهل العلم: أن الولد يعتبر من كسب الإنسان وفي هذا دليل على انه ينبغي للمسلم إن يسعى لطلب الولد عن طريق الزواج فان الزواج من سنن المرسلين كما قال الله تعالى (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ....))
                    وقال النبي ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ثم إنه ينبغي بعد ما يرزقه بالولد أن يسعى في إصلاحه وتربيته وذلك ببذل أسباب الهداية وسؤال الله تعالى أن يهديه هداية الإلهام والتوفيق.
                    وفي هذا الحديث دليل على أن دعاء الولد الصالح لوالديه ينفعهما بعد مماتهما قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : في هذا الحديث من الفوائد : أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة وهي مجمع عليهما وكذلك قضاء الدين بل أن دعاء الولد لوالديه حري بالإجابة لأن الله تعالى قد أمر به في قوله سبحانه (( وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ))
                    قال بعض المفسرين في هذه الآية: أن الدعاء للوالدين مستجاب لأن الله أذن منه.
                    وحديث ( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث ) مؤيد لذلك إذ جعل دعاء الولد عملا لأبويه. فينبغي لك أخي المسلم أن تجتهد في الدعاء لوالديك في حياتهما وبعد مماتهما وأن الوالد الذي يدعو لوالديه خاصة بعد مماتهما وانقطاع أعمالهما حري بأن يقيض الله له من أولاده من يفعل ويدعو له . كما أنه ينبغي للوالدين أن يربيا .. إن من الناس من يموت ولا يكون له أي أثار من أعمال صالحة بل تطول صحيفة حسناته بموته أو من الناس من يوفق فيكون له أثار من أعمال صالحة.. هو من عدد الأموات لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته أو علم ينتفع بها بقيت أثاره بعد مماته أو دعاء ولد صالح .

                    عباد الله : وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم ولكن بعض الناس يؤتى من جهة التفريط والإمهال وطول الأمل حتى يبغته الموت أو يبغته مرصد الموت فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه ولهذا قال : ( وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به إلا وصيته مكتوبة عند رأسه ).. قال ابن عمر ا: ما بيت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي.
                    اللهم وفقنا للعمل الصالح يا رب العالمين ..

                    وهذا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم الله بذلك


                    *************************************



                    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ د. سعد بن تركي الخثلان





                    تعليق

                    • Mayada oulabi
                      !! عضوية الإمتياز !!
                      • Aug 2010
                      • 3799

                      #70

                      (وإن المؤمن لن يزيده عمره إلا خيراً )..

                      نسأل الله حسن الخاتمه ..
                      والثبات عند سؤآل الملكين ...
                      والصحبة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقاّ..




                      أشكرك سلاف على ما تقدميه لنا دائماّ من تذكرة ..
                      أسأل الله أن يجعله في موازين حسناتك ..
                      اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

                      تعليق

                      • سُلاف
                        مشرفة المواضيع الإسلامية
                        من مؤسسين الموقع
                        • Mar 2009
                        • 10535

                        #71


                        بارك الله بك أختي ميادة وجزاك عني كل خير

                        تحياتي وأشواقي لك




                        تعليق

                        • العجه
                          زراعي جديد
                          • Nov 2010
                          • 24

                          #72
                          جــــــــــــزاك الله خير

                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535

                            #73
                            رد: مختارات من خطب الجمعة

                            المشاركة الأصلية بواسطة العجه مشاهدة المشاركة
                            جــــــــــــزاك الله خير
                            جزانا وإياك كل الخير

                            شكرا لك



                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535

                              #74


                              معجـزة الإسـراء والمعــراج




                              إنّ الحمدَ للهِ نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ ولا جَوَارِحَ ولا جِسْمَ وَلا حَيِّزَ ولا مكانَ لهُ، جلَّ ربِّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ ولا يحلُّ في شىءٍ ولا ينْحَلُّ منهُ شىءٌ، ليس كمثلِهِ شىءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ، بلَّـغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصَحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جزَى نبيًّا من أنبيائهِ، اللهمَّ صَلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تَقضي بها حاجاتِنا، اللهمّ صلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تُفرِّجُ بها كُرُباتِنا، اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تَكْفِينَا بِهَا شَرَّ أَعْدَائِنا وَسَلِّمْ عليهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيّبينَ سلامًا كثيرًا.

                              أما بعدُ، معشرَ الاخوةِ المسلمينَ، أُوصِي نَفْسِي وأوصيكُم بتقوى اللهِ العليِ العظيمِ اتقُوا اللهَ حقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنتُم مُسلِمُونَ واعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الذينَ يَتَّقُونَ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَه لِنُرِيَه مِنْ ءاياتِنَا﴾ سورةُ الإِسْراءِ / ءاية 1.

                              إِخْوَةَ الإِيمانِ، لَقَدْ ثَبَتَ الإِسْرَاءُ بِنَصِّ القُرْءانِ والأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ أَيْ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَسْرَى اللهُ بِهِ لَيْلاً مِنَ المسجدِ الحرامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى وَأَهْلُ الحَقِّ مِنْ سلفٍ وَمُحَدِّثينَ وَمُتَكَلِّمينَ وفُقَهَاءَ وعُلَمَاءَ أجمعُوا عَلَى أنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ بِالرُّوحِ وَالجَسَدِ وَفِي اليَقَظَةِ. وهذا هُوَ الحقُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِم مِنَ الصَّحَابَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ وَقَوْلُ الطبريِّ وغيرِهِ مِنَ المُفَسِّرينَ وَقَدْ كَانَ إِسْرَاؤُهُ صلى اللهُ عليه وسلم بالرُّوحِ وَالجَسَدِ وفِي اليَقَظَةِ فهذا ليسَ بِعَزِيزٍ عَلَى اللهِ لأنَّ اللهَ عَلَى كلِ شئٍ قديرٌ. ومن هُنَا نقولُ إنَّ علماءَ الإسلامِ قد قالوا إنَّ مَنْ أنكَرَ مُعجِزَةَ الإسراءِ فقد كذَّبَ القُرءانَ ومُكَذِّبُ القُرءانِ لا يَكونُ من المُسلمينَ. حَفِظَنَا اللهُ وإيّاكُمْ مِنَ الوُقوعِ فيما يُخَالِفُ شَرْعَ اللهِ وَأَحْكَامَهُ.

                              عبادَ اللهِ، قَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ شَدَّاد بْنِ أَوْسٍ قَالَ: "قُلْنَا يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قالَ: صَلَّيتُ لأَصْحابِي صَلاةَ العَتَمَةِ بِمَكَّةَ مُعْتِمًا وَأَتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلامُ بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ فَوْقَ الِحمَارِ وَدُونَ البَغْلِ فَقَالَ: ارْكَبْ فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فَدَارَهَا بأُذُنِهَا ثُمَّ حَمَلَنِي عليهَا فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حافِرُها حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُها حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ فَأَنْزَلَنِي فَقَالَ: صَلِّ: فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلمُ قَالَ: صَلَّيتَ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتَ بِطَيبةَ". وهَكذا بَاتَ النَّبيُّ يَنْتَقِلُ مِنْ أَرْضٍ إلَى أرضٍ علَى البُرَاقِ وَمَعَهُ جبريلُ عليهِ السلامُ فصلَّى بِطُورِ سِينَاءَ حَيْثُ كلَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ مُوسى عليهِ السّلامُ، ثُمَّ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عيسَى المسيحُ ابنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلامُ، ويَقُولُ الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ انطلَقَ بِي (أَيْ جِبْريل) حتّى دَخَلْنَا المَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا اليَمَانِيِّ فَأَتَى قِبْلَةَ المَسْجِدَ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ وَدَخَلْنَا المَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ فَصَلَّيْتُ مِنَ المَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ".

                              مَعْشَرَ الإِخْوَةِ المسلمينَ، إنّها لَذِكْرَى عَظِيمَةٌ تُعِيدُ إلَى الأَذْهَانِ سِيرَةَ أعظَمِ الخلائِقِ وسيِّدِهَا، ومُبَيِّنِ الحقائِقِ ومُظْهِرِهَا، وصاحبِ المُعجزاتِ الباهِراتِ الظّاهِراتِ سَيِّدِ الأنبياءِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وَفِي تِلْكَ الليلةِ العَظِيمَةِ أَظْهَرَ اللهُ أَفْضَلِيَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم على سائِرِ الأَنبياءِ والمُرسَلِينَ حَيْثُ جَمَعَ اللهُ لهُ جَمِيعَ الأنبياءِ في بَيْتِ المقدِسِ من ءَادَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ فصلّى بِهِم إِمَامًا، قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "ثُمَّ دَخَلْتُ بيتَ المَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الأَنْبِياءُ عليهِمُ السّلامُ فَقَدَّمَنِي جِبريلُ حَتَّى أَمَمْتُهُم ثمَّ صَعدَ بِي إلَى السَّمَاءِ". وَنَبِيُّنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم رأى في إسرائِهِ الكثيرَ الكثيرَ مِنَ العَجَائبِ مِمَّا فيهِ لنَا العِبْرَةُ والموعِظَةُ فَمِنْ ذَلِكَ أنَّهُ لَمَّا مَرَّ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرِ مَاشطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ شَمَّ رائِحَةً طَيِّبَةً تَنْبَعِثُ مِنْ قَبْرِ تِلْكَ الْمُسْلِمَةِ الصَّالِحَةِ، ذَاكَ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْماً تَمْشُطُ رَأسَ بِنْتِ فِرعَوْنَ فَسَقَطَ المِشطُ من يَدِهَا فَقَالَتْ بسمِ اللهِ، فَسَأَلَتْهَا بِنتُ فرعون أَوَلَكِ رَبٌّ إلَهٌ غيرُ أَبي؟ فَقَالتِ الماشِطَةُ نعمْ رَبِّي ورَبُّ أَبِيكِ هُوَ اللهُ فأَخْبَرَتْ أَبَاهَا فَطَلَبَ منها الرُّجُوعَ فَأَبَتْ فَحَمَّى لَهَا ماءً وجَعَلَ يُلْقِي فيهِ أولادَهَا الواحِدَ تِلْوَ الآخَرِ وهيَ لا تَقْبَلُ التخَلِّي عن إِيمَانِهَا إلَى أَنْ حَانَ دَوْرُ طِفْلِهَا الرَّضِيعِ فَإِذْ بِهِ يُكَلِّمُهَا وأنْطَقَهُ اللهُ الذي أنْطَقَ كُلَّ شَىْءٍ لِيَقُولَ: "يا أُمَّاهُ اصبِرِي فإنَّ عَذابَ الآخِرَةِ أشَدُّ من عَذَابِ الدُّنيا فَلا تَتَقَاعَسِي فإنَّكِ على الْحَقِّ".

                              مَعْشَرَ الإخوةِ المؤمنينَ، أينَ نَحْنُ اليومَ مِنْ مِثْلِ هذا اليَقِينِ بِالحَقِّ، أينَ نحنُ اليومَ مِنَ الالتِزَامِ الكَامِلِ بِنَهْجِ قَائِدِ الأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أيْنَ نَحْنُ من هَذَا ومُجْتَمَعُنَا يَنْسَى يَومًا بعدَ يومٍ هذِهِ المعانِيَ وَيغفُلُ يَومًا بعدَ يومٍ عن مَدَى الحاجَةِ للتَّمَسُكِ بالعَقِيدَةِ المُحمَّديَّةِ، أينَ نحنُ اليومَ من أداءِ الواجِبَاتِ كُلِّهَا واجتِنَابِ المُحرَّماتِ بِأَنْواعِهَا فَسَلْ نَفْسَكَ يا ابنَ ءادمَ هل أَدّيْتَ ما افتَرَضَ اللهُ عليكَ وهلِ اجتَنَبتَ كُلَّ ما حَرَّمَ، هل أدَّيْتَ الصَّلاةَ في وقْتِهَا، هل أَدَّيْتَ الزَّكَاةَ كَمَا يَجِبُ، فإنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى أثناءَ إِسْرَائِهِ أُنَاساً يَسْرَحُونَ كالأَنْعَامِ عَلَى عَوْرَاتِهِم رِقَاعٌ، قالَ لَهُ جبريلُ: هَؤُلاءِ الذِينَ لا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ ورأى قَوماً تُرْضَخُ رُؤُوسُهُم أي تُكْسَرُ ثم تَعُودُ كَمَا كانَتْ فَقَالَ جبريلُ: هؤلاءِ الذينَ تَتَثَاقَلُ رُؤُوسُهُم عن تَأْدِيَةِ الصّلاةِ. وَفَّقَنَا اللهُ وإيّاكُمْ إلى الإلتِزَامِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ فإنَّهُ لا حولَ ولا قُوَّةَ إلاّ بِهِ نَعُوذُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إليهِ أقولُ قولي هذا وأسْتَغفرُ اللهَ لي وَلَكُم.

                              الخطبة الثانية:

                              إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهْدِيهِ ونشكُرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومنْ سيّئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ. والصّلاةُ والسّلامُ عَلَى سيِّدِنا محمّدِ رَسُولِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاهُ. عبادَ اللهِ أُوصيكم ونَفسي بتقوى الله العليّ العظيمِ.

                              أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ، فَإني أوْصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ: ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنَّةُ المَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى﴾ سورة النجم.

                              مَعْشَرَ الإخوةِ المسلِمينَ، إنَّ المقصُودَ منَ المعراجِ تَشْرِيفُ الرَّسُولِ بِإِطْلاعِهِ عَلَى عَجَائِبِ العَالَمِ العُلْوِيِّ وَتَعْظِيمُ مَكانَتِه وَلَيسَ الأمرُ كما يدَّعِي بَعْضُ الذينَ لا فِقْهَ لَهُمْ إنَّ المقصُودَ مِنَ المِعْرَاجِ هُوَ وُصولُ النَّبِيِّ إلَى مَكَانٍ يَنْتَهِي فِيهِ وُجُودُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فالنبيُّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِاللهِ، فَاللهُ لا يَحْتَاجُ إلَى مَكَانٍ أو جهةٍ أو حيِّزٍ قالَ تعالَى في القُرْءَانِ الكَريم: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شئٌ وهو السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في المعراجِ رأى ربَّهُ بفُؤَادِه وَرُؤْيَةُ اللهِ ليست أَمْرًا مُسْتَحِيلاً بَلْ وَرَدَتْ في القُرْءَانِ فِي قَولِ اللهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّها نَاظِرَة﴾ وَلوْ كانَتِ الرُّؤْيَةُ للهِ تعالَى مُسْتَحِيلَةً لَمَا كَانَ طَلَبَ ذَلِكَ سَيِّدُنا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ طَلَبَ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَرَاهُ فَقَالَ: ﴿أرِني أنظُرْ إليك﴾ فرؤيةُ النبيِّ للهِ ثابتةٌ كما أكدَ ذلك ترجمانُ القرءانِ في قولِه: "رأى محمدٌ ربَّه بفؤادِه مرتين".

                              ومنْ عجائِبِ ما أكرم اللهُ نبيَّه بإطلاعِهِ عليهِ أنهُ رأى مالِكاً خازنَ النارِ، كما رأى صلى الله عليه وسلم البيتَ المعمورَ وسدرةَ المنتهى والجنةَ والعرشَ ووصلَ إلى مستوى يسمعُ فيهِ صريفَ أقلامِ الملائكةِ ورأى سيدَنا جبريلَ عليه السلامُ للمرةِ الثانيةِ على هيئتِهِ الأصليةِ وهنا لا بدَّ من التحذيرِ من بعضِ الكُتبِ التي تذكرُ أن اللهَ دنا من الرسولِ حتى قَرُبَ منه بالمسافةِ قدرَ ذراعينِ أو أقلَّ وهذا ضلالٌ والعياذُ باللهِ تعالى لِما فيهِ من تشبيهٍ وتجسيمٍ وهم يُموِّهونَ على الناسِ مُسْتَنِدِينَ بادِّعائِهم هذا إلى الآيةِ: ﴿ثم دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ وقد روى مسلمٌ عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنها قالت في هذهِ الآية: إنما ذاك جبريلُ كانَ يُأْتِيهِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ في هَذِهِ المَرَّةِ في صُورَتِه التِي هِيَ هَيْأَتُهُ الأَصْلِيَّةُ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ.

                              معشرَ الأحبةِ المؤمنين، هذا بعضُ ما وردَ في ذكرى الإسراءِ والمعراجِ عَلَّهَا تَكُونُ بُشْرَى خَيْرٍ وَمُنْطَلَقاً لأُمَّةٍ تُريدُ الخلاصَ وتسعى إليهِ بتقوى اللهِ عز وجل ومنطلقاً إلى مزيدٍ منَ التَّمَسُّكِ بالشريعةِ والتَّخَلِّي عن الأهواءِ ولتكُنْ هذه الذكرى محطةَ تأمُّلٍ واعتبارٍ لاستخلاصِ الحكمةِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾.

                              واعْلَمُوا بأنّ اللهَ أَمَرَكُم بأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُم بالصّلاةِ على نبيِّهِ الكريمِ فَقَالَ: ﴿إنّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصلّونَ على النّبيِ يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا صلّوا عَلَيْهِ وَسلِّمُوا تَسْليماً﴾ اللّهُمّ صلّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صلّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدُ مجيدُ اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كَمَا بَاركْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. اللّهُمّ إنّا دَعَوْناكَ فاستجِبْ لَنَا دُعاءَنا فاغفِرِ اللّهُمّ لنا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا في أمْرِنَا وَكَفِّرْ عنّا سيّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا بِرَحمتكَ مُؤمنينَ يا ربَّ العالمينَ. اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم نَقِّنَا من الذُّنوبِ والخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبيَضُ مِنَ الدّنَسِ يا ربَّ العالمينَ اللّهُمّ عَلِّمْنَا ما جَهِلْنَا وذَكِّرْنَا ما نَسينا واجعَلِ القُرءانَ ربيعَ قُلُوبِنَا ونُوراً لأبْصارِنَا وَجَوَارِحِنَا وَتَوَفَّنَا على هَدْيِهِ وأكْرِمْنَا بِحِفْظِهِ واحْفَظْنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ نَبيِّكَ مُحمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ واغفِرِ اللّهُمَ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ الأحْياءِ مِنهُم والأمواتِ إنّكَ يا حيُّ يا قيومُ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدّعواتِ، عِبادَ اللهِ إنّ اللهَ يأمُرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى ويَنْهى عنِ الفَحْشاءِ والمُنكَرِ والبغْيِ يَعِظُكُمْ لعلّكُم تَذَكّرُونَ اذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُمْ واشكُرُوهُ يَزِدْكُمْ واسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ واتّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكم مَخْرَجاً. وَأَقِمِ الصّلاةَ.



                              تعليق

                              • المهندس احسان عبد الكريم
                                زراعي مميز
                                • Jul 2011
                                • 415

                                #75
                                السلام عليكم
                                جزاك الله اختي المباركة سلاف وجزى من قال الخطبة المباركة خير الجزاء ونور وجهك ووجهه وجعلها ناضرة الى ربها ناظرة....امين
                                وجزاك خيرا ان ابتدعت هذه البدعة الحسنة لفائدة متصفحي المنتدى واعضائه ,
                                اسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يجعلك من اهل النعيم ووالديك ومن تحبين ,وان يسري بك في مقامات الصالحين ويعرج بك الى صفو المحبين من احباب سيد المرسلين ....
                                كنت قد قرأت فيما قرأت ان الفلسفة السائدة عند قدماء الاغريق واليونان للكون انه قبة سماوية شفافة مرصعة بالكواكب والنجوم وان هذه القبة تدور فتدور بدورانها النجوم والكواكب في مواقع وابراج معلومة ,
                                وان من توابع هذه النظرية ولتبقيها مقبولة ومعقولة انه لا يجوز الخرق والرتق لهذه القبة الفلكية .....ولكن حادث الاسراء وعروج الحبيب بجسدة الشريف واختراقه السموات عند الذهاب والاياب زلزل ذلك الفهوم القديم وبين بطلانه...
                                شكر الله لك سيدتي.
                                اذا كان لك رغيفان فكل احدهما واشتر بالثاني زهور

                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X