منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Mayada oulabi
    !! عضوية الإمتياز !!
    • Aug 2010
    • 3799

    #31


    جزاك الله خيرا" اختي سلاف على تلك التذكره

    يالهناه وسعادته كافل اليتيم

    وكم آعجبني هذين البيتين
    أفكر في وضعهما في برواز وأعلقه ليراه الجميع




    يا خادم الجسم كم تسعى لراحـته
    أتطلب الربح فيما فيه خسران
    أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت
    بالروح لا بالجسم إنسان
    اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535

      #32


      شرح حديث : اغتنم خمسا قبل خمس



      الحمد لله رب الكائنات، المنَزّه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ومن وصف الله بمعنىً من معاني البشر فقد كفر.

      والصلاة والسلام على خير الكائنات سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه النبيين المؤيّدين بالمعجزات الباهرات فبعصا موسى انفلق البحر وبدعاء نوح نزل المطر ولمحمد شهد الشجر والحجر وانشق القمر.

      أما بعدُ عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله العظيم القائل في محكم التنْزيل:

      " يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ واتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ" الحشر /18.

      واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ اغتنم حياتَكَ قبلَ موتِكَ وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ وشبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ".

      إخوة الايمان، إن الإنسان العاقلَ هو من يهتمُّ بما تضمنَه هذا الحديثُ إن عمِلَ خَيْرًا، أطاعَ اللهَ تباركَ وتعالى، تعلمَ الحلالَ والحرامَ وعمِلَ بما تعلَّمَ بأنْ أدَّى الواجباتِ واجتَنَبَ المحرمات، يكونُ له ذخرٌ كبيرٌ في الحياةِ الثانية، الحياة التي بعدَ الموت. فَمَنْ عَمِل لما ينفعُه بعدَ موتِه، لا يندمُ في الآخرة.

      كذلكَ منِ اغتنَمَ صحتَهُ قبلَ مرضِهِ يكونُ جمعَ خيرًا كثيرًا، لا يستطيعُ أن يفعلَه في مَرَضِه، لأنَّ المرضَ يمنعُ الإنسانَ من أشياءَ كثيرةٍ كانَ يستطيعُ أن يعملَها في صِحَّتِه.

      كذلكَ العاقلُ يغتنِمُ شبابَه قبلَ هَرَمِه، فلا ينبغي أن يكونَ الشابُّ غافِلاً عمَّا يستطيعُ أنْ يفعلَه لآخرتِه قبلَ أن يُدْرِكَه الهرَم.

      كذلك ينبغي للعاقلِ أن يغتنِمَ غناهُ قبلَ فَقْرِه، المعنى أنَّه يعمَلُ منَ الصالحاتِ في غناهُ قبلَ أن يُصيبَه الفقر. الغنيُّ الذي عندَه المال يستطيعُ أن يعملَ لآخرتِه الشىءَ العظيم، وينفق على الفقراء والمساكين، وقد يبني مسجِدًا لله تعالى فيكون له صدقة جارية أي دائمة. ويستطيع أن يصلَ أرحامَه بالإحسان إليهم مما رزقَه الله. أما إذا لم يفعلْ ذلك حتى أصابَه الفقرُ فيندم يقول يا ليتني عمِلتُ كذا لآخرتي.

      قال عليه الصلاة والسلام:" وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ" المعنى أنَّ الإنسانَ المسلمَ ينبغي أنْ يغتنِمَ عملَ البرِّ والخيرِ والإحسانِ لما يكون عنده فراغ، قبل أن يذهبَ هذا الفراغُ وينشغل، أي ينشغلُ عما ينفعه في الآخرة.

      وأكثرُ الناسِ يُضيِّعونَ هذه النعمَ الخمسةَ ثم منهم من لا ينتبِهُ إلا لما يصيرُ منْ أهلِ القبورِ كما قال سيّدُنا عليٌّ رضيَ الله عنه:" الناسُ نِيَامٌ فإِذا مَاتُوا انتَبَهُوا" معناهُ أنَّ أكثرَ الناسِ نيامٌ، أي غافِلُونَ عمَّا ينفعُهم لما بعدَ الموت، ثم بعدَ الموتِ يعرفونَ فيندَمُون. في حالِ سكَراتِ الموتِ، لما يَيْأَسُ منَ الحياةِ وبعدَ أن يُدفَنَ يَندَمُ، يقولُ يا ليتني أدَّيْتُ ما فرضَ اللهُ عليَّ، واجتَنَبْتُ ما حرّمَ اللهُ عليَّ، هذا معنى قولِ سيِّدِنا عليٍّ رضيَ الله عنه:" الناسُ نِيامٌ فإذا ماتُوا انتَبَهُوا".

      وعن عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابنُ عمرَ يقول:" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخُذ من صحتِكَ لمرضِك، ومن حياتِكَ لموتِك". (كن في الدنيا كأنك غريب) أي بعيدٌ عن موطنه، لا يتخذُ الدارَ التي هو فيها مَوطناً، ولا يحدِّثُ نفسَه بالبقاء، وهذه كلمةٌ جامعةٌ لأنواعِ النصائح، إذِ الغريب، لقلِّةِ معرفَتِه بالناس، قليلُ الحسدِ والعداوةِ والحقدِ والنفاقِ والنِّزاع، وسائرُ الرذائل مَنشؤُها الاختلاطُ بالخلائق، ولِقِلَّةِ إقامته، قليلُ الدارِ والبستان والمزرعة والأهلِ والعيال وسائرِ العلائق، التي هي منشأُ الاشتغالِ عن الخالق. (أو عابر سبيل) مار بطريق، وتعلقاتُه أقل من تعلقاتِ الغريب. (خُذ من صحتك لمرضك) أي اشتغل حالَ الصحَّةِ بالطاعات، بقدْرٍ يسدُّ الخلَلَ والنَّقصَ الحاصلَ بسببِ المرض، الذي قد يُقعِدُك عنِ القيامِ بالطاعات. (من حياتك لموتك) اغتنم أيامَ حياتِكَ بالأعمالِ التي تنفعُك عندَ الله تعالى بعد موتِك.

      ولْيُعْلَم أنَّ أفضلَ الأعمالِ عندَ اللهِ الإيمانُ باللهِ ورسولِه أي معرفة اللهِ بأنَّه موجودٌ لا يُشبِهُ شَيئًا وأنَّه مُتَّصِفٌ بعلمٍ وإرادةٍ وقُدْرةٍ وسمعٍ وبَصَرٍ وكلامٍ ووجودٍ أزليٍّ غيرِ حادِثٍ ولا يطرأُ عليه التغيُّرُ لأنَّهُ لو كانَ يتغيَّرُ منْ حالٍ إلى حالٍ لم يَكُن إلـهًا لهذا العالم.

      واللهُ هو المنفرِدُ بِخَلْقِ الأشياءِ أي إبرازِها من العدَمِ إلى الوجود. الأشياءُ التي لها حجمٌ كالإنسان والأرضِ والنبات، والأشياءُ التي ليست أجسامًا صلبةً كالنورِ والظلامِ كلُّ ذلك هو خالقُه. كذلك حركاتُ الإنسانِ وسكونُه وتفكيراتُه ونواياهُ القلبيةُ كلُّ ذلك هو يخلُقُه ليس العبد يخلقه.

      كلُّ أفعالِ العبادِ وحركاتِهم وسكناتِهم التي يفعلونها بإرادةٍ والتي تحصُلُ منهم منْ غيرِ إرادةٍ كلُّ ذلك منَ الله، العبادُ لا يخلقونَ شيئًا. الله تعالى هو خلقَ القلوبَ وهو الذي يحرِّكُها ويُصَرِّفُها كيفَ يشاء.

      الرسولُ قال: "اللهُمَّ مُصَرِّفَ القلوب صَرِّفْ قلوبَنَا على طاعَتِك" وقال الرَّسولُ:" إنَّ القلبَ أشدُّ تقَلُّبًا منَ القِدرِ إذا استجمعتْ غَلَيانًا" أي أن تقلُّبات القلوبِ أسرعُ من غلَيانِ الماء في القِدْر، فتقلباتُ القلوبِ التي هي سريعةٌ سرعة عظيمة هو خالقُها فكيف بحركاتِ الرِّجلِ واليدِ واللسانِ كل ذلك بخلقِ الله.

      ثم الأمرُ الثاني بعدَ معرفةِ اللهِ كما يجِبُ معرفةُ سيّدِنا محمّدٍ لأنَّه رسولُ الله، وهو صادقٌ في كلِّ ما جاءَ به إلى الناس، إنْ أخبرَ عنِ الماضي بما حصلَ لآدمَ أو مُوسى أو إبراهيم أو نوح أو غيرِهم منَ الأنبياءِ أو تحدَّثَ عن فرعونَ ونحو ذلك، فهو صادق، وكلامُه صحيحٌ لا يحتَمِلُ الكذِب والخطأ. كذلك إذا أخبرَ عما يحصُلُ في المستقبلِ فهو صادق. ويدخُلُ في ذلك ما يحصُلُ للناسِ في القبرِ فمَا أخبرَ عمّا يحصُلُ في القبرِ فهو صادقٌ. وكذلك ما أخبرَ به أنه يحصُلُ بعد الخروجِ منَ القبورِ بعَوْدِ الرُّوحِ إلى الجسَدِ منَ الأهوال ومن الفرحِ والنعيمِ في تلك الدارِ التي لا نهايةَ لها هو صادق.

      فمنْ ماتَ وهو على هذا نَجَى يومَ القيامة منَ الخلودِ في النَّار، ومَن ماتَ على هذا معَ أداءِ فرائضِ اللهِ دخلَ الجنةَ بلا عذابٍ فسبيلُ النجاةِ أنْ يتعلمَ ما فرضَ اللهُ وما حرمَ الله. ثم يُؤدِّي ما فرضَ اللهُ ويجتنبُ ما حرمَ الله.

      علمُ الدينِ هو سبيلُ النجاة. الذي يطلبُه لوجْهِ الله ثوابُه عظيمٌ. فنسألُ الله تعالى أنْ يعلمَنا ما جهلنا وينفعَنا بما علَّمَنا ويزيدَنا علما.

      أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم


      *******************************


      خطبة اليوم من القاء فضيلة الشيخ والعلامة المحدث

      "عبد اللـــه الهـــرري"




      تعليق

      • Mayada oulabi
        !! عضوية الإمتياز !!
        • Aug 2010
        • 3799

        #33


        جزاك الله خيرا" أختي سلاف على هذه الخطبة الهامة لنا جميعا"

        (أغتنم خمسا" قبل خمس )

        جعل الله ذلك في موازين حسناتك ..
        اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535

          #34
          رد: مختارات من خطب الجمعة

          المشاركة الأصلية بواسطة Mayada oulabi مشاهدة المشاركة


          جزاك الله خيرا" أختي سلاف على هذه الخطبة الهامة لنا جميعا"

          (أغتنم خمسا" قبل خمس )

          جعل الله ذلك في موازين حسناتك ..

          اللهم آمين يا رب العالمين

          بارك الله بك عزيزتي ام النعمان وحفظك بما حفظ به الذكر الحكيم


          تعليق

          • Mayada oulabi
            !! عضوية الإمتياز !!
            • Aug 2010
            • 3799

            #35

            أشكرك ياغالية على دعائك ..


            حفظنا الله جميعا"
            اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

            تعليق

            • سمسم
              !! عضوية الإمتياز !!
              • May 2009
              • 3333

              #36
              اختي سلاف الف شكر على الخطبه المفيدة والمبسطه
              جعله صدقه جاريه وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
              "اللهُمَّ مُصَرِّفَ القلوب صَرِّفْ قلوبَنَا على طاعَتِك" وقال الرَّسولُ:"
              sigpic

              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535

                #37
                بارك الله فيكم جميعا على المتابعة وعلى دعواتكم الصادقة ايها الأحبة

                بارك الله لكم في يومكم هـــذا


                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535

                  #38


                  أدِم صلتـك بربــك



                  الْحَمْدُ للهِ ذِي المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ، الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ اتَّصَلَ بِهِ عَزَّ وَاهتَدَى، وَاستَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ أَدَامَ الصِّـلَةَ بِرَبِّ العَالَمِيْنَ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَصَحْبِهِ المُجتَهِدِينَ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

                  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ :
                  تَتَعَاقَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ، وَتَمُرُّ الشُّهُورُ وَالأَعْوَامُ، غَيْرَ أَنَّ المُؤْمِنَ الَّذِي يَنْبِضُ قَلْبُهُ بِاليَقِيْنِ، وَتَغَذَّى بِالفِكْرِ السَّلِيمِ، يُدْرِكُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَمَلاً، وَلَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا، بَلْ خُلِقَ لِحِكْمَةٍ جَلِيلَةٍ، وَغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، تَبَيَّـنَهَا مِنْ قَولِ الحَقِّ سُبْحَانَهُ:((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))، فَتَظَلُّ عِبَادَةُ رَبِّهِ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، يَعْمُرُ لأَجْـلِهَا دُنْيَاهُ، وَيَستَعِدُّ بِهَا لأُخْرَاهُ، مُوقِنًا أَنَّ عِبَادَةَ اللهِ، وَدَوَامَ الصِّـلَةِ بِمَوْلاهُ، هِيَ سِرُّ وُجُودِهِ، وَمَصْدَرُ قُوَّتِهِ، وَأَنَّ مَنِ اعتَصَمَ بِاللهِ فَقَدْ أَوَى إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَتَمْلأُ قَلْبَهُ العِزَّةُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا))، إنَّ إِيْمَانَهُ بِرَبِّهِ يَبُثُّ فِي قَلْبِهِ النُّورَ وَالضِّيَاءَ، ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ))، كَمَا أنَّ صِلَتَهُ الدَّائِمَةَ بِرَبِّهِ تُرشِدُ مَسْلَكَهُ، وَتُنِيرُ حَيَاتَهُ، فَيَسِيرُ فِي دَرْبِ الهِدَايَةِ، وَيَتَجَنَّبُ طُرُقَ الغَوَايَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، وَيَقُولُ: ((وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ))، وَكَلَّمَا زَادَ المُؤْمِنُ صِلَةً وَاجتِهَادًا؛ ازْدَانَ قَلْبُهُ هِدَايَةً وَرَشَادًا، فَيَكُونُ مِمَّنْ وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ بِقَولِهِ: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))، نَعَمْ فَقَدْ كَانَ مَعَ اللهِ فِي سَائِرِ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ، فَكَانَ اللهُ مَعَهُ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ وَالأَحْوَالِ، وَوَفَّقَهُ لِكُلِّ تَقْوى وَخَيْرٍ، وَيَسَّرَ لَهُ سُبُلَ الإِحْسَانِ وَالبِرِّ، ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)).
                  أَيُّهَا المُسلِمُونَ :
                  لَقَدْ رَبَّى الإِسْلامُ أَتْبَاعَهُ عَلَى دَوَامِ الصِّلَةِ بِاللهِ، وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ لَيْسَ لَهَا زَمَانٌ وَمَكَانٌ، فَالإِنْسَانُ مُلْكٌ للهِ، وَكُلُّ يَومٍ نَعِيشُ فِيهِ عَلَى هَذِهِ البَسِيطَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَكُلُّ الشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ صُنْعِ اللهِ، فَلِذَا جَعَلَ اللهُ عِبَادَتَهَ مُوَزَّعَةً عَلَى الأَوقَاتِ، غَيْرَ مَحْصُوْرَةٍ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَهَا هِيَ الصَّلاةُ عَمُوْدُ الدِّينِ وَمِقْيَاسُ الإِيْمَانِ، افْتَرَضَهَا اللهُ عَلَيْنَا خَمْسًا فِي اليَومِ وَاللَّيْلَةِ، بَلْ وَصَلَ بَعْضَهَا بِوَقْتِ الَّتِي تَلِيهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِتَكُونَ قُلُوبُنَا بِاللهِ مُتَّصِلَةً، وَأَفْئِدَتُنَا بِهِ مُعَلَّقَةً، إِنَّهَا عَوْنٌ دَائِمٌ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَعِمَارَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ))، وَهِيَ اغْتِسَالٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الذُّنُوبِ وَالأَخْطَاءِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( أَرَأَيْتُمْ لَو أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟ قَالُوا: لا يَبقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّـلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا))، وَجَعَلَ اللهُ مِنَ الصَّلاةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ كُلُّ أُسْبُوعٍ، وَيَجْمَعُ المُؤْمِنِينَ فِي لِقَاءٍ رُوْحَانِيٍّ، فَشَرَعَ لَهُمْ صَلاةَ الجُمُعَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا، وَعَدَمِ الاشْتِغَالِ عَنْهَا فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ))، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِكَي يَتَرَبَّى المُؤْمِنُ عَلَى حُسْنِ الصِّلَةِ بِرَبِّهِ، وَيَبقَى للهِ ذَاكِرًا، فَبِالذِّكْرِ حَيَاةُ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَلِذَا أَمَرَ اللهُ بِهِ بِالقَلْبِ قَبْلَ اللِّسَانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ))، وَأَمَرَ بِالإِكْثَارِ مِنْهُ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا))، بَلْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ وَقْتًا مُحَدَّدًا، فَهُوَ شُغْلُ اليَومِ وَاللَّيلَةِ، فَقَالَ عَزَّ قَائِلاً حَكِيمًا: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى))، وَقَالَ: ((وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً))، وَقَدْ يَسَّرَ اللهُ أَمْرَهُ، وَشَرَعَهُ بِكُلِّ الأَحْوَالِ وَلَمْ يَحْصُرْهُ فِي حَالٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ قِيَامًا وَقُعُودًا وَحَتَّى وَالإِنْسَانُ مُضْطَجِعٌ، وَأَشَادَ بِمَنْ يُلازِمُهُ فَقَالَ: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ))، إِنَّ المُؤْمِنَ حِينَ يُلازِمُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى يَشْعُرُ بِالطُّمَأْنِينَةِ تَمْلأُ قَلْبَهُ وَوِجْدَانَهُ، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))، فَيُحِسُّ أَنَّ رَبَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وَصَبَرَ وَرَضِيَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
                  عِبادَ اللهِ :
                  لَقَدْ يَسَّرَ اللهُ لَنَا فِي تَشْرِيْعَاتِ الدِّينِ الحَنِيفِ مَا يُعِينُنا عَلَى دَوامِ الصِّـلـَةِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَعَانَا إِلى أَنْ نُلازِمَ عِبَادَتَهُ مَا دُمْنَا أَحْيَاءً، فَالمُؤْمِنُ لا يَعْرِفُ رَبَّهُ فِي شَهْرٍ وَيَنْسَاهُ فِي آخَرَ، بَلْ يَظَلُّ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ فِي كُلِّ الأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَهَذَا مَا دَأَبْـتُمْ عَلَيْهِ بِحَمْدِ اللهِ، فَطُوبَى لَكُمْ أَنْ خَتَمْـتُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ، ثُمَ وَاصَلْتُمُ المَسِيرَةَ بِحُسْنِ العَمَلِ وَجَمِيلِ السِّيرَةِ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ بَعْدَ الشَّهْرِ الفَضِيلِ مَا تُكْمِلُونَ بِهِ مَا بَدَأْتُمْ، فِإِنَّ القَلِيلَ الدَّائِمَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، وَهَذَا مَا وَجَّهَنَا إِلَيْهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حِيْنَ قَالَ: ((أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ))، فَهَا أَنْتُمْ تَلْتَزِمُونَ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ، وَهَذَا أَوَّلُ مَا يُعِينُ عَلَى دَوامِ الصِّـلَةِ بِاللهِ، وَأَحَبُّ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ زُلْفَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ))، وَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَحْرِصُوا عَلَى النَّوَافِلِ وَتُكْثِرُوا مِنَ القُرُبَاتِ، لِتَنَالُوا مَحَبَّةَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، القَائِلِ: ((وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)).
                  أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
                  إِنَّ الدُّعَاءَ سِلاحُ المُؤْمِنِ، يَلْجَأُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ، فَيَجِدُهُ مِنْهُ قَرِيْبًا، وَلَهُ مُجِيبًا، فَتَقْوَى بِهِ صِلَتُهُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))، وَالدُّعَاءُ لَيْسَ مَحْصُورًا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، وَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الدُّعَاءِ الأُخْرَوِيِّ، بَلْ أَنْتُمْ فِي حَاجَةٍ دَائِمَةٍ إلى اللهِ، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ لَكُمْ أَبْوَابَهُ فَقَالَ: ((وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ))، وَحَثَّكُمْ عَلَى الإِخْلاصِ فِي دُعَائِكُمْ فَقَالَ: ((قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ))، إِنَّكُمْ حِينَ تَدْعُونَ اللهَ بِصِدْقٍ وَإِخْلاصٍ، فَإِنَّمَا ذَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خَوْفِكُمْ وَرَجَائِكُمْ، فَهَنِيْئًا لَكُمْ بُشْرَى رَبِّكُمْ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)).
                  فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَدِيمُوا الصِّـلَةَ بِرَبِّكُمْ كَمَا كُنْتُمْ فِي رَمَضَانَ، وَاحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَزْدَادُوا كُلَّ يَومٍ مِنْهُ قُرْبًا، تَجِدُوهُ رَحِيْمًا كَرِيمًا مُجِيبًا.
                  أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                  *** *** ***
                  الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
                  أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
                  إنَّ تَنْظِيمَ الأَوقَاتِ، وَحُسْنَ تَرتِيبِهَا، وَاستِغْلالَهَا الاستِغْلالَ الأَمثَلَ، سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ النَّجَاحِ فِي شَتَّى مَيادِينِ الحَيَاةِ، فَإِذَا أَرَادَ المُؤْمِنُ أَنْ يَنْجَحَ فِي دَوَامِ صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ أَمَامَهُ الأَهْدَافَ جَلِيَّةً، وَالغَايَاتِ وَاضِحَةً، ثُمَّ يُرَتِّبَ أَوَّلِيَّاتِهِ، فَيَبْدَأُ بِالأَهَمِّ ثُمَّ المُهِمِّ، وَيُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فِإِنَّ عِبَادَةَ اللهِ لا تَقْتَصِرُ عَلَى المَسَاجِدِ، أَوْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ وَالشَّعَائِرِ، فَمَتَى مَا أَخْلَصَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ لِمَولاهُ؛ أَثَابَهُ اللهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))، فَالعَمَلُ عِبَادَةٌ، وَخِدْمَةُ الوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ، وَرِعَايَةُ الأَهْلِ وَالقِيَامُ بِشُؤُوْنِهِمْ عَبَادَةٌ، وَهَكَذَا تَدُوْرُ سَاعَاتُ المُؤمِنِ وَأَيَّامُهُ، يَتَنَقَّلُ مِنْ طَاعَةٍ إِلَى طَاعَةٍ وَمِنْ ثَوَابٍ إِلَى ثَوَابٍ، مَتَى مَا صَفَّى نِيَّـتَهُ وَأَقَامَ وَاجِبَهُ، وَاجتَنَبَ مَا نَهَاهُ اللهُ عَنْهُ، وَفِي الحَدِيثِ أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لِرَبِّـكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَـقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((صَدَقَ سَلْمَانُ))، إِنَّ التَّوَازُنَ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنْ أَكْبَرِ مَا يُعِينُ المُؤْمِنَ عَلَى حُسْنِ المُجَاهَدَةِ وَدَوَامِ الصِّـلَةِ، فإِنَّ النَّفْسَ إِذَا أُعْطِيَتْ كُلَّ مَا تُرِيدُ بَطِرَتْ وَخَابَ صَاحِبُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))، وَكَذَا إِذَا حُرِمَتْ وَلَمْ تَجِدْ مُتَنَفَّسًا وَرَاحَةً، فَإِنَّهَا تَمَلُّ وَتَنْفِرُ فَيَصْعُبُ قِيَادُهَا، وَالقُلُوبُ إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ، فَلا بُدَّ مِنَ التَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ بَعْدَ كُلِّ عَمَلٍ يُتْعِبُهَا، سَوَاءً كَانَ بَدَنِيًّا أَوْ فِكْرِيًّا؛ تَجْدِيدًا لِلنَّشَاطِ، وَاسْتِعْدَادًا لِمُوَاصَلَةِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ، وَامتِدَادًا لِلصِّـلَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّ حُسْنَ صِلَتِكُمْ بِمُجتَمَعِكُمْ مِمَّا يُقَوِّي صِلَتَكُمْ بِرَبِّكُمْ، فَالتَّعَاوُنُ الأُسْرِيُّ، وَالتَّكَاتُفُ الاجْتِمَاعِيُّ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالتَّنَاصُحُ فِي الخَيْرِ، وَاصْطِنَاعُ المَعْرُوفِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ، مِمَّا يُحَبِّبُكُمْ إِلَى اللهِ، وَيُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ.
                  فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلْتَكُنْ حَيَاتُكُمْ بِالخَيْرِ عَامِرَةً؛ تَكُنْ صِلَتُكُمْ بِاللهِ دَائِمَةً.
                  هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .
                  اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
                  اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                  اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
                  اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
                  اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                  رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
                  عِبَادَ اللهِ : ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).


                  ***************************************


                  خطبة اليوم مأخوذة من موقع وزارة الشؤون الإسلامية بسلطنة عمــان



                  تعليق

                  • سمسم
                    !! عضوية الإمتياز !!
                    • May 2009
                    • 3333

                    #39
                    في الفترات الماضيه لم يسمح لي الوقت في يوم الجمعه ان ادخل الى المنتدى بسبب الاشغال والاعمال الكثيرة لهذا اليوم...منذ ان بدات بموضوع مختارات خطب الجمعه احاول ان اخصص وقت لقراءة الخطبه واستفيد منها كل مرة شي جديد وتذكرنا من الاعمال التي ننساها
                    غجبني اليوم هذا المقطع من الخطبه

                    إنَّ تَنْظِيمَ الأَوقَاتِ، وَحُسْنَ تَرتِيبِهَا، وَاستِغْلالَهَا الاستِغْلالَ الأَمثَلَ، سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ النَّجَاحِ فِي شَتَّى مَيادِينِ الحَيَاةِ، فَإِذَا أَرَادَ المُؤْمِنُ أَنْ يَنْجَحَ فِي دَوَامِ صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ أَمَامَهُ الأَهْدَافَ جَلِيَّةً، وَالغَايَاتِ وَاضِحَةً، ثُمَّ يُرَتِّبَ أَوَّلِيَّاتِهِ، فَيَبْدَأُ بِالأَهَمِّ ثُمَّ المُهِمِّ،

                    فعلا تنظيم الوقت سر النجاح

                    جعله الله في ميزان حسناتك
                    sigpic

                    تعليق

                    • كدي
                      مشرف ينابيع الشعر العربي
                      • Feb 2009
                      • 1291

                      #40
                      الله يجازيك كل خير ويجعل الجنة مقامك بل الفردوس الاعلى منها
                      كما أسأل الله في هذا اليوم المبارك وفي هذه الساعة الطيبة أن يديم عليكي
                      الصحة والعافية
                      والله إن كل الخطب والمواعط محتاجين لها في زماننا هذا
                      واستسمحك عذرا أن أنقلها الي مفكراتي ....
                      في انتظار خطبة اليوم
                      دمتي بسلام دوما
                      فليرض عني الناس أو فليسخطوا ...... أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
                      ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى ...... يارب حلواً قبل أن أهواك

                      تعليق

                      • سُلاف
                        مشرفة المواضيع الإسلامية
                        من مؤسسين الموقع
                        • Mar 2009
                        • 10535

                        #41



                        الديـــن النصيـحـــة



                        الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

                        أيها الأخوة الكرام، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( إنّ أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليُمِطه عنه ))
                        وفي حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( المؤمن مرآة المؤمن ))
                        وفي حديث ثالث يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه ))
                        وقد ورد في البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث رابع:(( المسلم مرآة المسلم فإذا رأى به شيئاً فليأخذه عنه، وإن كان الشيء صالحاً فليأخذه منه ))

                        أيها الأخوة الكرام، (( المؤمن مرآة المؤمن )). المؤمن كأنه مرآة تريه محاسن أخيه ومعايبه، الوجه الحسن يُرى في المرآة والوجه الكالح يُرى في المرآة، لكن بينه وبينه، إن النصيحة في الملأ فضيحة، إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإخبار أخيه من دون ضجيج، من دون تشهير، من دون فضائح، من دون إعلان، والمؤمن لأنه مرآة أخيه المؤمن يكشف له الخلل فيمنع تلفه وخسرانه.

                        أيها الأخوة ، أما قول النبي عليه الصلاة والسلام: (( يكف عليه ضيعته ))، أي يكف عليه ما يهلكه في معاشه و(( يحوطه من ورائه )). أي يحفظه ويصونه ويدافع عنه بقدر الطاقة، هذا شرح بعض شراح الحديث لهذه الأحاديث المتعددة ذات المضمون الواحد.
                        أيها الأخوة، هذا الحديث وأمثاله مهم جداً في العلاقة بين المؤمنين، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: (( المؤمن مرآة المؤمن )). هذا الحديث على قلة كلماته هو عظيم المعاني، كثير الدلالات، ينطوي على معانٍ تربوية نحن في أمس الحاجة إليها، وبخاصة في هذه الأيام التي يمر بها المسلمون، وهم غارقون في مشكلات فيما بينهم، المرآة أيها الأخوة تظهر عيوب من دون سخط، من دون جدال، انصح أخاك بينك وبينه، من دون فضيحة، من دون تهويل، من دون مبالغة، من دون جلبة، من دون تشهير، المرآة تعكس العيوب بصمت، فكن كهذه المرآة، لأنك كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام مرآة أخيك وأخيك مرآتك، هذا هو التناصح.

                        أيها الأخوة، كما قلت قبل قليل المرآة تكشف العيوب من دون صخب ولا ضجيج، كن في تصحيح المسار، كن في رأب الصدع و لمِّ الشمل و إصلاح الخلل بينك وبين أخيك كهذه المرآة، تعمل بصمت، تعمل بستر، تعمل بهدوء، تعمل بخصوصية من دون ضجة لأن في الضجة فضيحة، من دون تشهير لأن في التشهير إيذاءً للإنسان.
                        لكن أيها الأخوة، المرآة كما أنها تبدي العيوب تبدي المحاسن، إنها تعكس كل شيء لعلها تعكس المحاسن قبل المساوئ، فلا تكن إلا كهذه المرآة إن كان في أخيك فضيلة، إن كان فيه خير، إن كان فيه محاسن، أبرز هذه المحاسن، وإن كان فيه معايب اجعلها بينك وبينه، المحاسن أبرزها، زوج نصح زوجته ليلة العرس قال لها ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها.
                        لذلك من واجبك فضلاً عن أن تنصحه في عيوبه أن تبرز محاسنه للناس، إن أبرزت محاسنه للناس دعمت الحق، وهذا دعم لأخيك، وهذا إعلام عن أخوتك الصادقة، أما إذا عكست هذه المرآة بعض المساوئ فينبغي أن يكون هذا بينك وبين أخيك، بهدوء بتلطف، بأجمل كلمة، بأرقى عبارة، بألطف أسلوب، لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ومن نهى عن منكر فليكن نهينه بغير منكر.

                        أيها الأخوة، ما منا واحد إلا وفيه بعض المحاسن، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يبرز هذه المحاسن من أجل أن يشجع عليها، وكان عليه الصلاة والسلام يحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، فإذا رأيت في أخيك بعض المحاسن فأبرزها.
                        النبي عليه الصلاة والسلام سمع جلبة وضجيجاً لأن بعض المصلين أراد أن يلحق بالركعة الأولى في صلاة النبي فأحدث جلبة بين أصحابه، فلما انتهت الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: زادك الله حرصاً. أثنى على حرصه ولا تعد، زادك الله حرصاً ولا تعد.
                        أخطأ لكن هذا الخطأ ينطلق من رغبة أن يلحق مع النبي الركعة الأولى، أبرز هذه المحاسن كما أبرز النبي عليه الصلاة والسلام هذا الموقف الذي آذى الصحابة لكنه ينطلق من حرص على أن يلحق الصحابي الركعة الأولى مع النبي عليه الصلاة والسلام، زادك الله حرصاً ولا تعد.
                        كن موضوعياً، الموضوعية قيمة أولى في العلم، كن موضوعياً والموضوعية قيمة أولى في الأخلاق، وفي هذه الموضوعية يلتقي العلم مع الأخلاق.

                        أيها الأخوة الأكارم، إذا رأيت السلبيات فلا تنسى الإيجابيات، إذا رأيت القبائح فلا تنسى المحاسن (( لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر ))
                        أحد ملوك الأندلس كان يمشي في حديقته فرأى بركة ماء وقد نسج عليها الريح زرداً، يعني كأنه سلسلة فقال: نسج الريح على الماء زرد، ولم يستطع إكمال البيت، وراءه جارية قالت له: يا له درعاً متيناً لو جمد. أعجبته الجارية بفصاحتها وشعرها، فتزوجها وجعلها سيدة القصر، أكرمها إكراماً لا حدود له، اشتهت مرة حياة الفقر أرادت أن تدوس في الطين فجاء لها بالمسك والعنبر وخلطه بماء الزهر وجعله طيناً كي تدوس فيه، ثم جاء ابن تاشفين فقضى على ملوك الطوائف، وأودعهم في السجن، وساءت حال هذا الملك ابن عباد، تبرمت به زوجته الجارية سابقاً، وقالت لم أرَ منك خيراً قط، فقال لها: ولا يوم الطين.
                        إن رأيت المساوئ لا تنسى المحاسن، إن رأيت السلبيات فلا تنسى الإيجابيات، إذا رأيت أن هذا الموظف تأخر لا تنسى أنه أمين، إن رأيت هذا الابن لم ينجح لا تنسى أنه مستقيم، فإذا رأيت المساوئ لا تنسى المحاسن، هذا موقف النبي عليه الصلاة والسلام.
                        أيها الأخوة، كن موضوعياً، كن كالمرآة تبرز المحاسن والعيوب بصمت، أعلن المحاسن واسكت عن العيوب واجعل العيب بينك وبين أخيك، ناصحاً على انفراد في مكان مغلق يرتاح لك ويشكرك، أما إذا نصحته أمام الناس فهذه فضيحة وليست نصيحة.

                        أيها الأخوة، المرآة لا تضعف العيوب، مرآة مسطحة وليست مقعرة، المرآة المقعرة تكبر الوجه، والمسطحة ترسم الوجه تماماً بحجمه، بأبعاده، بتفاصيله، المرآة المحدبة تصغر، ينبغي أن تكون مرآةً مسطحة لا محدبة ولا مقعرة، لا تبالغ ولا تقلل.
                        أيها الأخوة، كن كالمرآة الثقيلة لا محدبة ولا مقعرة، كن مرآةً صادقةً في كشف الخطأ، أصلحه بقصد صلاح الحال، هذا الذي لا يعنيه أمر المسلمين، ولا يحمل همّ المسلمين ليس من المسلمين، هذا الذي لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً ليس من المسلمين.
                        أيها الأخوة الكرام، وهذا الذي يقول أنا على حق ولا شأن لي بالآخرين هذا لا ينتمي إلى المجموع لا يحرص على هدايتهم.
                        الذي ورد: أن الله عز وجل أرسل الملائكة لإهلاك قرية، فقالوا: إن فيها رجلاً صالحاً ؟ قال: به فابدؤوا، ولمَ يا رب ؟ قال: لأنه لم يكن يتمعر وجهه إذا رأى منكراً.

                        أيها الأخوة، قصة نقرؤها كثيراً: حاطب بن أبي بلتعة عمل عملاً لا يمكن أن يقبل في أي زمان ولا في أي مكان، بأي نظام في الأرض يعد خيانة عظمى، أرسل رسالة إلى قريش، مضمونها إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم.
                        الله عز وجل عن طريق الوحي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فأرسل صحابياً إلى المرأة التي تحمل الكتاب، وجاء بالكتاب، واستدعى حاطباً، قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر، إنه شهد بدراً. قال: تعال يا حاطب، ما حملك على ما فعلت ؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتددت، ولكنني لصيق في قريش، أردت بهذا الكتاب أن يكون لي عندهم يد أحمي بها أهلي وأولادي وأموالي، وأنا موقن أن الله سينصرك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أنا صدقته فصدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
                        قال شراح السيرة إن عمراً رآها خيانة عظمى فقال: دعوني أضرب عنق هذا المنافق، أما النبي عليه الصلاة والسلام رآها زلة قدم فغفرها له، وقال إني صدقته فصدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
                        لذلك أيها الأخوة ورد: التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة.

                        لكن المرآة لا يمكن أن تعكس العيوب إلا إذا كانت نظيفة، طاهرة، صقيلة، فإن لم تكن مرآة الإنسان نظيفة هذا الإنسان ليس مؤهلاً أن ينصح أحداً، يقال له يا طبيب طبب نفسك، كن صافياً، كن نظيفاً، كن منزهاً عن كل غرض أرضي، كن منزهاً عن الشماتة، لذلك قالوا:(( الذنب شؤم على غير صاحبه ))
                        طبعاً صاحبه له حساب طويل أما صديق هذا المذنب قال: إن ذكره فقد اغتابه، وإن عيره ابتلي به، وإن رضيه شاركه في الإثم، فالذنب شؤم على غير صاحبه، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس )) (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه ))
                        إذاً لا يمكن أن تعكس المرآة العيوب إلا إذا كانت نظيفة، وصقيلة، وطاهرة، لكن الأولى أن يُعنى الإنسان قبل كل شيء بتنظيف نفسه، بتطهير عيوبه، بثقل أخطائه حتى يقنع الناس بنصيحته، إن كنت على غير ما تقول لا أحد يلتفت إليك، المرآة تعكس العيوب ولا تدري من الذي أمامها كبير أم صغير، قوي أم ضعيف، تعكس أي عيب للكبير والصغير، فالذي يتصيد عيوب الضعفاء فقط ويغض الطرف عن عيوب الكبراء هذا مرآة لكنها ليست صادقة منحازة، المرآة تعكس كل العيوب ولجميع الأشخاص والأقدار، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
                        (( وإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، ويم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ))

                        الصغار الضعاف تمطرهم بالنقد، والكبراء تنبطح أمامهم، هذا ليس مؤمناً، الصغار الضعفاء تمطرهم بنقدك اللاذع، أما الكبراء يرتكبون الكبائر وأنت منبطح أمامهم أهذه موضوعية ؟ لا والله.
                        على المؤمن ألا ينتظر مديحاً أو ثناءً من أخيه إن أسدى له نصيحة :
                        أيها الأخوة، المرآة تعكس العيوب، ولا تنتظر مغنماً، ولا شكراً، ولا تقديراً، وهكذا المؤمن، لا ينتظر على نصيحته جزاءً، ولا تقديراً، ولا مديحاً، ولا ثناءً، ولا شكراً، أما الإنسان العاقل إن كان عنده مرآة ينبغي ألا يكسرها، وينبغي ألا يهملها، يعني إذا جاءتك نصيحة من مؤمن أصغِ إليها، إصغاؤك لها يكسبك الأجر وليس أجر الذي يقبل النصيحة بأقل من الذي يسديها، قبول النصيحة.
                        الحقيقة موقف بالسيرة دقيق جداً يحتاج إلى وعي وفهم، النبي معصوم إذاً كل الفضائل تظهر منه إلا فضيلة واحدة، فضيلة الرجوع عن الخطأ، هو لا يخطئ معصوم، لكن لأن الله عز وجل أراد أن يكسبه هذه الفضيلة حجب عنه الموقع المناسب يوم بدر حجبه عنه وحياً، وإلهاماً، واجتهاداً، فجاء صحابي جليل يقطر أدباً ورقّة، قال يا رسول الله: هذا الموقع وحي أوحاه الله لنا أم هو الرأي والمشورة ؟ انتبه إلى أدب هذا الصحابي، يعني إذا كان وحياً ولا كلمة، أما إذا كان رأياً ومشورة لي قول، قال له: هو الرأي والمشورة، قال له: والله ليس بموقع، ببساطة ما بعدها بساطة، بتواضع ما بعده تواضع، بلطف ما بعده لطف، قال له: جزاك الله خيراً وأمر أصحابه أن يتحولوا إلى الموقع الجديد.

                        أن ترجع عن خطئك أيها الزوج فضيلة، أحياناً تخطئ أنت والزوجة على صواب، لا تعترف بصوابها وتبالغ في تقدير خطئك، أحياناً شيخ، أحياناً داعية سمع نقداً من أحد أخوانه لا يقبله أبداً، يتهمه بأنه مقصر وأنه لا يرى الحقيقة، لا، سيد الخلق وحبيب الحق رجع إلى رأي هذا الصحابي الحباب بن المنذر فمن أنت ؟ قال تعالى:
                        ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾
                        لقد أُمر النبي وهو المعصوم أن يشاور أصحابه، ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾، ووصف مجتمع المؤمنين بأن:﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾
                        لذلك ورد عن آخر الزمان:(( إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ))
                        عود نفسك الحوار، أن تسأل، أن تتأكد من صوابك، اجعل مجتمع المؤمنين فريق عمل، اجعل كل مؤمن تفوق في جانب وأنت غاب عنك هذا الجانب، وأخوك تفوق في جانب وغاب عنك هذا الجانب، اجعل الحوار والسؤال والجواب والمدارسة والتباحث ديدناً لك ما الذي أخّر المسلمين ؟ صراعاتهم واختلافهم وتنافسهم والأنا عندهم.

                        أيها الأخوة، إذا اعتززت بنفسك ولم تلقَ أذناً صاغيةً، إذا اعتززت بنفسك ولم تأبه إلى هذه النصيحة، فكأنك كسرت هذه المرآة، الذي عنده مرآة يرى بها محاسنه وعيوبه لماذا يكسرها ؟ فالذي يرفض النصيحة فكأنما كسر هذه المرآة، لذلك ورد: أن تعلموا قبل أن ترأسوا، فإن ترأستم فلن تعلموا، الإنسان قد يصل إلى قمة النجاح بجهد جهيد ولكنه يسقط من هذه القمة بغرور قليل، الصعود إلى هذه القمة طريق وعر، أشواك، حفر، أكمات، صخور، غبار، ولكن النزول منها بطريق زلق جداً، فالغرور آفة الناجحين في الحياة، حينما تغتر بعلمك، أو تغتر بمكانتك، أو بحكمتك انتهيت، لذلك دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً، مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل.

                        أيها الأخوة، المؤمن ينصح من مركز قوة، ومن مركز ضعف، النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي علة خيرية هذه الأمة:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
                        إذاً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون ))
                        (( كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))
                        عندئذ فقدنا خيريتنا، وأصبحنا أمة كأية أمة خلقها الله عز وجل، وأصبح حالنا كحال الذين قالوا:﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ بماذا ردّ الله عليهم ؟ قال:﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

                        هناك شيء آخر، سيدنا عمر لما رأى عمير بن وهب متوشحاً سيفه في المدينة ألقى القبض عليه، وكتفه بحمالة سيفه، عمير بن وهب ابنه أسير في المدينة، التقى مع صفوان بن أمية فقال له عمير: والله يا صفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فصفوان استغلها استغلالاً شيطانياً قال: أما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامضِ لما أردت، فهذا عمير بن وهب سقى سيفه سماً، ووضعه على عاتقه، وتوجه إلى المدينة بغطاء أنه ذهب إليها ليفدي ابنه الأسير، لما وصلها رآه عمر وقال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي: ادنُ مني يا عمير، فكّ قيده يا عمر وابتعد عنه، فدنا منه قال له: سلم علينا، قال له: عمت صباحاً يا محمد بكل غلظة، قال: قل السلام عليكم، قال: هذا سلامنا ليس بعيداً عنك، قال: ما الذي جاء بك يا عمير ؟ قال: جئت أفك أسر ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك، قال: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فوقف وقال: أشهد أنك رسول الله لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله وأسلم.
                        يقول سيدنا عمر، الشاهد هنا، يقول دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض إخواني.
                        لا يوجد بالإسلام حقد، كما أن هذه المرآة حينما تعكس الخطأ لا تحقد ما في عندها تخزين، خزنت هذه العيوب، عكستها لتوها وانتهى الأمر، يعني المؤمن كالمرآة ما عنده تخزين، أحقاد، تكديس، الأخطاء مسجلة، لا، ببراءة، وببساطة، وبنظافة، وبعفوية، هذا الخطأ كشفه وانتهى الأمر، فالمرآة ليس فيها خزان للعيوب وليس عندها حقد.

                        لذلك احرص على هذه القاعدة نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، وأرح نفسك من تقييم الخلق، دع تقييم الخلق لله عز وجل:﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا ﴾
                        لذلك المرآة لا تؤدي دورها إلا إذا وقف الإنسان أمامها، واعترف بقيمتها، وبفائدتها، لكن الذي لا يسأل، ولا يستنصح، ولا يجلس مع المؤمنين، فكأنما هرب من المرآة، يجلس وحده، يجتهد وحده، يفتي لنفسه، غارق في ملذاته، لذلك الجماعة رحمة والفرقة عذاب:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

                        أيها الأخوة الكرام، أذكركم بهذه الأحاديث الأربعة:(( إنّ أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليُمِطه عنه ))

                        و الحديث الثاني:(( المؤمن مرآة المؤمن ))

                        والثالث:(( المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه ))

                        والحديث الرابع:(( المسلم مرآة المسلم فإذا رأى به شيئاً فليأخذه ))

                        أيها الأخوة المؤمنون، كونوا كهذه المرآة تعكس المحاسن قبل المعايب، تعكسها بصمت، كونوا كالمرآة ولنتناصح، والقاعدة الشهيرة: نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا. عدلت هذه المقولة فجعلتها كما يلي: نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا. النصيحة المؤدبة الهادفة الصادرة عن إنسان مخلص هذه نصيحة توضع على العين والرأس.
                        أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.


                        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، و على آل بيته الطيبين الطاهرين.

                        أيها الأخوة الكرام: هناك حديث جامع مانع موجز لا يزيد عن كلمتين، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ))
                        أذكركم بحديث ورد عرضاً في الخطبة حينما أمر الله الملائكة لإهلاك قرية، فقالوا: إن فيها رجلاً صالحاً ؟ قال: به فابدؤوا، ولمَ يا رب ؟ قال: لأنه لم يكن يتمعر وجهه إذا رأى منكراً.
                        هناك نوع من المؤمنين همه نفسه يقول لك: أنا مستقيم والحمد لله ومن بعدي الطوفان، لا، لأن الله عز وجل:﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
                        لم يقل صالحون، الصالحون تركوا فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أقسم لي شخص أن سبب توبته من شرب الخمر، أنه في وقت ازدحام السير انتظر ساعة حتى وقفت له سيارة تكسي معه خمر بالحقيبة وظاهر الخمر فلما رأى صاحب المركبة هذا الخمر اعتذر، قال: بقيت ساعة ثانية شعرت بالمهانة، ماذا فعل ؟ ما فعل شيئاً اعتذر عن أن يأخذه لهذا المكان لأنه رأى معه الخمر، طبعاً أنت حينما تأمر بمعروف، لكن من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ومن نهى عن منكر فليكن نهينه بغير منكر، إذا كنت توضح وتبين بأدب وبدليل فأنت تنتمي إلى خير أمة، أما إذا قلت مالي وللناس المهم أنا، عندئذ تنتمي إلى أية أمة خلقها الله.

                        من هنا قسم العلماء أمة الإسلام إلى أمتين، أمة التبليغ هذه الأمة تحتاج إلى تبليغ، وأمة التكريم (أمة الاستجابة) التي استجابت لربها فيما أمرها، بين أمة التبليغ وبين أمة الاستجابة، و الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، الله عز وجل يقول:﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ )
                        ما دامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام مطبقة في بيوتهم، وفي أعمالهم، فنحن في مأمن من عذاب الله.

                        اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.
                        والحمد لله رب العالمين


                        *********************************************


                        خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ : د. محمد راتب النابلسي بارك الله بعمره





                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535

                          #42


                          سبب عداوة الشيطان للإنسان والعاصم منها



                          الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
                          ما قرأت في كتاب الله تعالى تحذيراً أبلغ ولا أجلى ولا أخطر من قوله عز وجل وهو يخاطب عباده قائلاً:
                          (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
                          ولكن لابد أن يتساءل كل منا يا عباد الله فيم جعل الشيطان من نفسه عدواً للإنسان؟ لماذا جعل الشيطان من نفسه خصماً لدوداً للإنسان كما يقول الله عز وجل وكما يحذرنا من عقابيل مكره وعدوانه؟ لقد أجاب بيان الله عز وجل عن ذلك، ولكن قبل أن أذكر لكم جواب الله عز وجل أجيب عما قد يخطر في البال بالنسبة لكثير من الناس، لعل فيهم من قد يقول: وأين هو هذا الشيطان؟ ولماذا لا نراه؟ لقد أجاب بيان الله عز وجل عن ذلك سلفاً وذلك عندما قال:
                          (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ)
                          ومتى كانت العين ميزان لما هو موجود ومفقود؟
                          أجل تعالوا إذاً نصغي السمع إلى السبب الذي بيَّنه الله عز وجل لعداوة الشيطان للإنسان، يقول الله سبحانه وتعالى:
                          (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)
                          ذلك هو السبب الذي دعا إبليس إلى أن يعلن عداوته لك يا ابن آدم، لأنه رأى أن الله عز وجل طرده من حظيرة رحمته ومن واسع فضله ومِنَنِهِ وأعلن طردَهُ من رحمته ولعنَتَهُ من ألطافه في سبيلك أنت لأنه استكبر عليك فلم ينفذ أمره إذ كرَّمَك وأمر ملائكته بالسجود لك في شخص آدم سجود تكريم لا سجود عبادة، فهذا هو سبب العداوة التي يُكِنَّهَا الشيطان لهذا المخلوق، ومن أجل ذلك يقول ربنا محذراً:
                          (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
                          ولكن فما هو العاصم يا عباد الله من عداوة هذا المخلوق الذي استكبر على الله ومن ثم استكبر عليك يا ابن آدم؟ اسمعوا بيان الباري عز وجل وحديثه عن العاصم الذي يعصمك يا ابن آدم من عداوة الشيطان ومكائده، يقول الله عز وجل حكاية لخطابه الذي أجاب به إبليس إذ أعلن استكباره على الإنسان لأنه مخلوق من نار والإنسان مخلوق من طين:
                          (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)
                          متى قال الله عز وجل لإبليس هذا؟
                          عندما توعَّدَكَ يا ابن آدم ألا يألو جهداً في أن يزجك في أسباب الشقاوة والطغيان، عندما آل على نفسه ألا يألو جهداً في أن يجعلك شريكاً معه في اللعن الذي حاق به من قبل الله عز وجل وذلك عندما قال:
                          (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)
                          عندئذٍ أجابه بيان الله قائلاً:
                          (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)
                          ولكن هذا الكلام يضعنا أو يزجنا أما إشكال خلاصته أن الناس كلهم عبادٌ لله، كلهم بما فيهم الفجرة والطغاة والمارقون والمؤمنون والملحدون، كلهم مصطبغون بصبغة العبودية لله، أيقنوا بذلك أو جحدوا، فهل هذا يعني أن كل الناس إذاً مُحَصَّنون ضد عداوة الشيطان؟ هل معنى ذلك أن الشيطان لن يستطيع أن ينال منهم منالاً؟ لا يا عباد الله، ليس هذا معنى كلام الله عز وجل، إن معنى قوله: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) أي إن كل من تحقق بمعنى العبودية لي ودخل مدخل هذه العبودية باختياره وطوعه متحققاً بهذا الوصف الذي أقمته فيه (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ). إذاً هنالك في الناس فريقان؛ فريق أعرض عن واقع عبوديته لله عز وجل وذهل عنها كما ذهل الشيطان وعاش متجاهلاً مستكبراً عليها، ليس الحديث عن هؤلاء في هذا الذي يقوله الله عز وجل (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، وإنما الحديث عن الفريق الثاني وهم أولئك الذين وضعوا عبوديتهم لله موضع التنفيذ، عرفوا هوياتهم مملوكين عبيداً لله سبحانه وتعالى ودانوا من ثم لله عز وجل بذل العبودية له، هؤلاء هم الذين يقول الله عز وجل عنهم: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، كيف؟ أفيكونون معصومين من الذنوب؟! لا يا عباد الله، نحن نعلم أن الناس كلهم كانوا ولا يزالون خطائين، حاشى الرسل والأنبياء، إذاً ما معنى قوله: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)؟ معنى هذا أن كل من دان بالعبودية لله وعلم أنه مخلوق لله عز وجل الواحد القهار، وعلم أن له وقفة بين يدي الله عز وجل لها ميقاتها الذي لن يتقدم ولن يتأخر، كل من علم هذه الحقيقة واصطبغ بها، مهما ارتكب من المعاصي لابد أن يقوده شعوره بذل العبودية لله إلى التوبة، إلى الإنابة، إلى الندم بين يدي الله عز وجل وعندئذٍ يلقى إلهاً تواباً رحيماً، وصدق الله القائل:
                          (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)
                          وأضعكم أمام صورة هذا العبد الذي دان بمعنى العبودية لله ووضع عبوديته لله موضع التنفيذ، قد تزل به القدم، قد تهتاج به رعوناته، أهواؤه فيرتكب محظوراً نهى الله عز وجل عنه لكنه ما إن يتجاوز هذا المنكر الذي اقترفه حتى تستيقظ مشاعر عبوديته لله فيعض على أكف الندم ويقوده الندم خجلاً إلى باب الله عز وجل يعلن التوبة وعندئذٍ يتوب الله عز وجل عليه، يمشي أياماً أو ساعاتٍ ربما وتزل به القدم مرة أخرى وتهتاج به النفس الأمارة بالسوء ويمكر به الشيطان ويدعوه ويغريه فيقع الثانية في المعصية، ثم إن عبوديته لله تقوده بعد ذلك مرة ثانية إلى الإنابة والتوبة ولن يجد إلا رباً غفوراً رحيماً، ومهما عصى الله عز وجل فإن عبوديته – مادام أنه قد وضعها موضع التنفيذ ودان لها – لابد أن تقوده إلى محراب التوبة والإنابة لله عز وجل، ومن ثم فإن الشيطان يفرح في الساعة الأولى إذ زجَّه في المعصية واستطاع أن يكيد له ولكن الفرحة ما تلبث أن تتحول إلى أسى وخيبة أمل إذ يجد أن هذا العاصي قد تاب إلى الله وأن الله عز وجل قد تاب عليه. واسمعوا – يا عباد الله – هذه الحقيقة كيف يصورها لنا بيان الله في هذا الحديث القدسي المتفق عليه:
                          يروي رسول الله r عن ربه قائلاً: يقول الله تعالى: أذنب عبدٌ ذنباً – نموذج لمئات الملايين من أمثاله – فقال أي رب لقد أذنبت ذنباً فاغفر لي ذنبي، قال الله: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً ثانياً فقال: أي رب لقد أذنبت ذنباً فاغفر لي ذنبي، قال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقد غفرت لعبدي، ثم إنه يذنب ذنباً ثالثاً فيقول: أي رب لقد أذنبت ذنباً فاغفر لي ذنبي، قال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فليفعل عبدي ما يشاء فقد غفرت له.
                          إياكم أن تتصوروا معنى خاطئاً لهذا الكلام الذي يرويه رسول الله r عن ربه، فيقول قائل منكم إذاً فلنفعل ما شئنا من المعاصي فلقد أعلن الله عز وجل لنا التوبة سلفاً، لا ليس هذا معنى كلام الله، ولكن معنى هذا الكلام أن هذا العبد إذا كان شأنه هكذا كلما ارتكب معصية ساقته الندامة الحقيقية إلى التوبة والإنابة إلى الله فلسوف يجد رباً تائباً تائباً مهما عصى الله عز وجل لكن بشرط أن تكون إنابته إلى الله إنابة صادقة وأن يعزم على ألا يعود، ولكن مهما أطغاه الشيطان ومهما كاد له ومهما نجح في الكيد فإن التوبة تمحو السيئات كلها يا عباد الله.
                          هذا هو العلاج يا عباد الله، علاجنا الذي ينبغي أن نتخذه ضد مكائد الشيطان، علاجنا الذي ينبغي أن نستعمله أمام هذا التحذير الذي يحذرنا به بيان الله عز وجل أن نغذي مشاعر عبوديتنا لله وألا نستكبر على الله عز وجل كي لا نقع في الداء الذي أهلك الشيطان وكان سبباً لطرد الله سبحانه وتعالى له من رحمته وفضله.
                          إننا ينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد سبقت رحمته غضبه وأن الإنسان ليس بينه وبين أن يلقى رباً كريماً غفوراً رحيماً إلا أن يكون صادق الالتجاء إلى الله، ليس بينه وبين هذه السعادة إلا هذه الخطوة، وانظروا إلى هذا الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله إذ أُتِيَ بأسرى – في أعقاب حرب كانت آنذاك – ونظرنا فوجدنا امرأة تركض في هلع بين الأسرى تبحث عن شيء، ثم إنها وقعت على طفل صغير أخذته وألصقته بصدرها وأخذت ترضعه، قال لنا رسول الله r: أترون إلى هذه المرأة أملقية وليدها في النار؟ قلنا لا والله يا رسول الله، قال: لَلّه أشد رحمة بعباده من هذه بوليدها. نعم لَلَّه أشد رحمة بعباده من هذه بوليدها.
                          ولكن ما المعنى العميق لهذا الكلام؟ أي كن يا ابن آدم في علاقتك مع الله وصلتك بالله كهذا الطفل في علاقته بأمه تجد رباً رحيماً غفوراً كريماً يصفح عنك ويغفر الذنوب كلها، أي أن الطفل مهما كان يتصف بالشقوة أشكالاً وأنواعاً، مهما رأيته يكسر ويخرب ويفعل، ماذا يكون شأنه إذا طاف به خطر؟ ماذا يكون من شأنه إذا أقبلت إليه مخافة؟ يلجأ رأساً إلى أحضان أمه، يلجئ إليها ويتشبَّثُ بها.
                          كن في واقعك كهذا الطفل، عندما ترتكب المعاصي وتشعر بثقلها على كاهلك وأنت تمضي إلى ديان السموات والأرض كن كهذا الطفل في التجائك إلى الله كما يلتجئ هو إلى أمه، كن كهذا الطفل عندما تطوف بك الأخطار، الابتلاءات، المصائب الدنيوية أو الأخروية المختلفة، كن كهذا الطفل إذ يلتجئ في مثل هذه الحال إلى أمه تلتجئ إلى ربك، تصلح ما بينك وبينه، إذاً ستجد رباً غفوراً رحيماً كريماً.
                          لكن أرأيت إلى من يستكبر على الله في الرخاء، في الشدة، عند الابتلاءات، عند المحن، عند المنح ولا يتعرف على الله، أرأيتم طفلاً صغيراً هكذا يكون شأنه.
                          عباد الله: هذا هو الداء وذلك هو التحذير وهذا هو العلاج الذي يضعه أمامنا بيان الله عز وجل.
                          والآن تعالوا نقف أمام هذه الصورة من العتاب الرقيق المذيب لإنسانية الإنسان عندما تكون يقظة ظاهرة، عتاب رقيق رباني، ما وقفت في يوم من الأيام وأنا أتلوا كتاب الله عنده إلا وأعدته مثنى وثلاث ورباع وأنا أشعر بالألم الشديد والحياء الكبير من الله، اسمعوا قوله:
                          (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)
                          أتأملتم في هذا العتاب؟ أنا طردت إبليس في سبيلكم عندما كَرَّمْتُكُم، لعنته من أجلكم، والآن تعرضون عني وأنا الرب الرحيم المكرِّمُ لكم وتتخذون من هذا العدو الذي طردته في سبيلكم تتخذونه ولياً من دوني!
                          (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)
                          أقول باسمي وباسمكم: لا يا مولانا، لا يا رب العالمين ما اتخذنا الشيطان ولياً من دونك قط، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، أنت ولينا، لكنه الضعف الذي ابتليتنا به يجعلنا نقع في مكائد الشيطان والنفس والهوى ولكنا لا نلبث أن نتوب وأن نؤوب إليك يا ذا الجلال والإكرام.
                          ربنا القائل:
                          (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)
                          وها نحن مؤمنون بك، أخرجنا من ظلمات نفوسنا، أخرجنا اللهم من ظلمات أهوائنا، أكرمنا بنور المعرفة، بنور الهداية والعرفان.
                          اللهم ثبتنا على هذه الحقيقة التي ندين لك بها في دنيانا إذا آل الناس إليك وإذا وقفوا بين يديك، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


                          خطبة اليوم من إلقاء فضيلة الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
                          بارك اللـــه بعمره



                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535

                            #43


                            ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب




                            الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

                            أما بعد فيا عباد الله:
                            ورد في أسباب النـزول أن ثلة من اليهود تباهوا على النصارى وعلى المسلمين قائلين إن نبينا موسى الكليم ناجاه ربه سبحانه وتعالى مباشرة وعياناً وهي مزية انفرد بها عن سائر الأنبياء، فقالت ثلة النصارى إن نبينا عيسى ابن مريم معجزة الله عز وجل في الأرض أحيا به الله عز وجل الأموات، وقالت ثلة من المسلمين إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو آخر الرسل والأنبياء وبُعِثَ للعالم كله فأنزل الله عز وجل قوله: ”ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجْزَ به ولا يجد من دون الله ولياً ولا نصيراً“.

                            الأماني يا عباد الله جمع الأمنية والأمنية هي الرغبة التي تهيمن على كيان الإنسان دون أن يسلك أي سبيل للوصول إليها، تلك هي الأمنية، ومعنى كلام الله عز وجل الذي توجه به الباري عز وجل إلى كل هذه الفئات أن هذه الأماني لا تقربكم إلى الله شروى نقير
                            اعتزاز المسلمين بانتمائهم إلى آخر الرسل والأنبياء واعتزاز النصارى بعيسى ابن مريم الذي ميزه الله عز وجل على سائر الأنبياء بما ميزه به واعتزاز اليهود أيضاً بسيدنا موسى الكليم ...
                            كل ذلك من الأماني التي لا تفيد أصحابها شروى نقير إنما الذي يفيدهم السلوك، إنما الذي يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى الانقياد لما قد أمر به الله سبحانه وتعالى والابتعاد عما قد نهى عنه الله عز وجل ومن ثم فإن كل من يتورط ويرتكب سوءاً لابد أن يُجزى به مؤمناً كان مسلماً كان أو غير مسلم، والمفهوم المخالف لذلك يعني أن كل من قام بعمل من الأعمال الصالحة للمجتمع لابد أن يجزيه الله عز وجل الجزاء الأوفى، إن كان مسلماً فجزاؤه في الدنيا والآخرة معاً وإن كان غير مسلم فلابد أن يعجل الله عز وجل له الجزاء الأوفى في دار الدنيا وصدق الله القائل: ”كُلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً“.

                            عباد الله كم هو ضروري أن نتذكر هذه الآية وسبب نزولها في هذا المنعطف الخطير الذي يمر به العالم أجمع عندما نجد العالم الإسلامي وقد ركن معظم المسلمين فيه قادة وشعوباً إلى الأماني دون أن تحركهم هذه الأماني إلى النهوض بأي واجب، يعتزون بانتمائهم التراثي إلى الإسلام، يعتزون بانتمائهم إلى الحضارة الإسلامية حتى إذا جاء ميعاد التطبيق والتنفيذ والالتزام بهذا الميزان الذي شرفنا الله عز وجل به وألزمنا به إذا قال: ”والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان“ رأينا معظم هؤلاء الذين يعتزون بانتماءاتهم الإسلامية ويتعزون بصلة التراث، التراث، الذي يربطهم بالحضارة الإسلامية نجدهم قد أعرضوا عن هذه التعاليم، نجدهم قد تجاهلوا الشرائع التي قد شرفنا الله عز وجل بها، نجدهم يترفعون أو يخجلون من أن يصطبغوا بالعبادات التي كلفهم الله عز وجل بها لاسيما رأس العبادات وهي الصلاة. ينبغي يا عباد الله ونحن نرى حالنا هذه في عالمنا العربي والإسلامي أن نتذكر هذا البيان الإلهي المخيف ”ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجْزَ به“، أمانيكم لا تفيدكم شيئاً، اعتزازكم بالإسلام التراثي لا يقربكم إلى الله عز وجل شروى نقير.

                            عباد الله كم هو عجيب عجباً لا ينتهي أن أنظر إلى حال كثير من المسلمين قادة وشعوباً، ولا أقول كل المسلمين، فأجدهم يخجلون من أن يُتَوِّجُوا اعتزازهم التراثي بالإسلام بالسلوك الذي أمر به الله عز وجل، يخجلون أن يصطبغوا أمام الراحي والآتي والغادي بصبغة العبودية لله سبحانه وتعالى لاسيما الصلاة التي هي شبكة الاتصال بين العبد وربه سبحانه وتعالى في حين أنني أنظر إلى كثير من أعضاء المجتمعات الغربية وهم يعلمون أنهم يرتبطون من دينهم بتقاليد وطقوس ولربما يعلمون أن موازينهم العلمية لا تتفق مع تلك الطقوس ولكنك تنظر فتجد أنهم يضعون هذه الطقوس من حياتهم في موضع السلوك القدسي أجل، وتنظر إلى لقاءاتهم المتنوعة المختلفة وإذا بصلواتهم في كثير من الأحيان جزء لا يتجزأ من اجتماعاتهم ولقاءاتهم تلك، ولكم وُجِدتُ في مناسبات شتى فيما بينهم فرأيتهم لا يبدؤون عملاً يمارسونه أياً كان إلا بصلوات يؤدونها على طريقتهم الخاصة ولقد كُلِّفْتُ يوماً من الأيام بأن أبدأ أنا مجلسهم ذاك بصلوات أي ابتهال ودعاء أتوجه به إلى الله باسمهم جميعاً، ألا يثير هذه الظاهرة العجبَ يا عباد الله! نحن الذين نعلم أننا نرتبط بحقائق دينية تسجد لها قواعد العلم، نرتبط بقيم إسلامية دينية جعلها الله سبحانه وتعالى موئل النصر في تاريخنا القصي والقريب، جعلها الله سبحانه وتعالى معين حضارة إنسانية بازخة كَسَفَتْ نور الحضارات الأخرى، نعلم هذا كله ثم إننا نخجل أن نجعل من انتمائنا إلى هذا الإسلام الذي تسجد له حقائق العلم نخجل من أن نحيل ارتباطنا به إلى سلوك، نخجل من أن نصطبغ بصبغة العبودية لهذا الإله الذي شرفنا بهذه التعاليم، شرفنا بهذا الميزان الذي جعله أمانة في أعناقنا إذ قال: ”والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان“، كيف هذا؟ أهو ازدواج في الشخصية نعاني منه! لنا شخصيتان شخصية دينية نذكرها ونرفع الرأس بها عالياً عند الانتماء وهو انتماء تراثي وكثير ما نُلِحُّ على هذه الكلمة تراثي حتى إذا حان الانضباط بهذا الانتماء الذي شرفنا الله عز وجل به تبرمنا أو تجاهلنا أو خجلنا وترفعنا، كيف يمكن أن نحل هذه الظاهرة بل هذه المقارنة التي وضعتكم أمامها وأنا أرى ذلك بعيني فيما أذهب وآتي. لقد تعلمت من هذا الذي تأملته ورأيته في ربوع الغرب، تعلمت مزيداً من الاعتزاز بهذا الدين الذي شرفنا الله به. أنا معتز به ولكني عندما أجد هؤلاء الغربيين لا يعلنون عن صلتهم بطقوسهم الدينية انتماءً على طريقتنا نحن بل يعلنون عن انتماءهم إلى هذه الطقوس بالسلوك وبالاعتزاز بل بلقاءات في كثير من الأحيان رسمية علمني ذلك أن أزداد اعتزازاً بهذا الذي شرفنا الله عز وجل به. العبودية هي تاج، تاج كم وكم انتشيت بشعوري بأنني أصطبغ بهذا الذي شرفني الله عز وجل به
                            ومما زادني شرفناً وتيـــهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
                            دخولي تحت قولك يا عبادي أن صيرت أحمد لي نبيـاً
                            نعم، هذا الذي علمني ألا أشعر بأي حرج عندما تحين ساعة الصلاة وأنا في مكان كطائرة تقلني إلى مكان ما ولا يمكن أن أجمع هذه الصلاة إلى غيرها مما قبلها أو بعدها قمت وأعلنت أنني أريد أن أؤدي فريضة ربي، أما عندما كنت على متن طائرة من الطائرات العربية والإسلامية فما أكثر ما ووجهت بالاستخفاف، ما أكثر ما ووجهت بالمنع والازدراء إن بشكل مباشر أو غير مباشر ولكن عندما كنت مسافراً على متن طائرة أوروبية وحان ميقات الصلاة وقلت لطقم المضيفين إنني بحاجة إلى أن أؤدي شعيرة ربي أقبل فريق المضيفين جميعاً وبحثوا عن مقعد فارغ، طووا هذا المقعد ووسعوا منه مكانٍ للصلاة وأقبلوا إليَّ يطلبون مني أن أقوم فأصلي وعندما قمت لأصلي اتجهوا إليَّ يرجونني أن أدعو الله لهم بالهداية، نعم هذا الذي أقوله لكم تعلمت قسطاً منه من اعتزاز أولئك الناس بطقوسهم الدينية. وإنني لأذكر ساعة ما أعلم أنني انتشيت في عبادة لوجه ربي فيها مثل تلك الساعة، في مطار من تلك المطارات الأوروبية أنتظر ميقات الإقلاع حانت الصلاة وخفت أن تفوتني والمصلى في المطار موجود لكنه بعيد، قمت بسطت ردائي الخاص بالصلاة واجتهدت في القبلة ووقفت أصلي وتذكرت حديث رسول الله الذي يرويه مسلم العبادة في الهرج كهجرة إليّ، العبادة في الهرج أي في الصخب والضجيج واللهو المنسي عن الله عز وجل كهجرة إليّ، وقفت أصلي، وقفت أناجي الله عز وجل والقوم من حولي غادون رائحون في شؤونهم وأعمالهم ولكني أناجي الخالق، أناجي مولاي وخالقي، شعرت بنشوة ما مثلها نشوة، وأنا أصدقكم ما من عين رمقتني وأنا أصلي لله وحيداً في ذلك المكان إلا وكانت نظرة صاحب هذه العين إليّ نظرة إكبار، نظرة إجلال، تُرَى ما سر هذه الظاهرة يا عباد الله؟ لعل سرها يكمن في التالي: كثيراً ما يكون المحروم متشوقاً إلى النعمة التي حُرِمَ منها فإذا رأى من يتمتع بها اهتاجت مشاعر الشوق بين جوانحه لهذا الذي متعه الله عز وجل به وكثيراً ما يكون الإنسان المُمَتَّعُ بالنعمة والذي مضى عصر بل دهر بل سنوات عليه وهو يتمتع بنعمته هذه كثيراً ما يكون قد شبع منها وتبرم منها فهو ينظر إلى البديل لعل هذا هو السر.

                            أعود فأقول لكم يا عباد الله أذَكِّرُ نفسي وأذَكِّرُكم بهذا البيان الإلهي المخيف ”ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجْزَ به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا“. الاعتزاز بالإسلام وحده لا يكفي، الانتماء التراثي إلى الإسلام لا يكفي، الإصلاح هو الذي يُقَرِّبُ العبد في ميزان الله والفساد هو الذي يُبْعِدُ العبد في ميزان الله عز وجل سواء كان هذا الإنسان مسلماً أو غير مسلم

                            أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


                            خطبة اليوم لـ : فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بارك الله بعمره
                            التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 04-27-2012, 05:48 PM.


                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535

                              #44

                              "الفتنة" في القرآن والسنة



                              الحمد لله وحده ، جعل موالاة المسلمين للكافرين من علامات الضلال والكفر والنفاق
                              أحمده تعالى وأشهد أن ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، أمر المسلمين بالاتحاد والاتفاق ، ونهاهم عن الاختلاف والتفرق والانشقاق
                              وأشهد ان نبينا وسيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله ، أخبر بوقوع الفتن في الأزمان والآفاق ، وحذر أمته غوائلها المؤدية الى التنافر والتناحر بين الاخوة والرفاق
                              صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الذين نصروه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه على العهد والميثاق

                              أما بعد
                              يقول الله سبحانه في كتابه الكريم :{ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }
                              ويقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجأ او معاذا فليعذ به }
                              وقال أيضا في حديث آخر:{ ستكون أحداث وفتن وفرقة واختلاف ، فان استطعت ان تكون المقتول لا القاتل فافعل }


                              دعونا اولا نلقي لمحة موجزة عن سبب نزول الآية الكريمة ونتعرف على المقصود من الفتنة في هذه النصوص
                              واسباب وقوعها وما هو الموقف الذي يجب ان يقفه المؤمنون ازاء الفتن عند وقوعها
                              اقول وبالله التوفيق
                              ان المراد بالناس في الآيات الكريمات{ أَحَسِبَ النَّاسُ } قوم من المؤمنين كانوا بمكة وكان كفار قريش يؤذونهم بأشد أنواع العذاب بغية افتانهم وردهم عن دينهم الذي اعتنقوه
                              ومنهم بلال وعمار بن ياسر وابيه وأمه وغيرهم كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
                              وكانت صدور هؤلاء المعذبين تضيق ازاء هذه المعاناة ، مما جعلهم يتساءلون مع أنفسهم كيف يُمَكن الله الكفارَ من عباده ؟ المؤمنين فنزلت هاته الآيات تسلية لهم وتعليما لغيرهم بأن سنة الله في عباده أن يمتحنهم ويختبرهم حتى يظهر الصادقون الصابرون من غيرهم
                              والآية وان كان سبب نزولها هو ما ذكرنا فهي باقية في أمة سيدنا محمد ما بقي الدهر وما بقي المتضادان الكفر والايمان على وجه هذه البسيطة
                              ففتنة الكفار للمسلمين في ثغورهم بالقتل والأسر والمكر والخديعة لا تزال في كل وقت وحين وتزداد حدة وشدة
                              ففي الحديث الذي رواه البخاري و أحمد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وان كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة }
                              وقد ابتلى الله سبحانه وتعالى رسله وأنبياءه وأولياءه بأنواع من البلايا لا تعد ولا تحصى ...

                              اما الفتنة فمعناها في اللغة الابتلاء والامتحان والاختبار ، وهي مأخوذة من (فتن الذهب) اذا اختبره بالنار
                              وقد ترد الفتنة بمعنى العذاب كما في قوله عز وجل :{ يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون}
                              وقد ترد بمعنى الشرك كما في قوله تعالى :{ والفتنة أشد من القتل }،{ والفتنة أكبر من القتل} ، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}
                              وقد ترد الفتنة بمعنى العبرة كما في قوله جل وعلا : {لا تجعلنا فتنة للذين كفروا}،{لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين}

                              بم تقع الفتنة :
                              الفتن تحصل بأشياء كثيرة في مقدمتها : الاغترار بالملك والجاه
                              فكم من الناس من يفتنه الملك فيظلم ويطغى ويفتك ويبطش ويأكل أموا الناس بالباطل فلا يطول به زمن حتى تدول دولته وتذهب صولته ويصير الى ذل وهوان بعد ملك وجاه وعز
                              واذا امتد به الزمان واستدرجه الله من حيث لا يعلم صار الى أجله المحتوم فانتقل من بهجة القصر الى ظلمة القبر
                              قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ ان الله ليملي للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته}

                              الشئ الثاني الذي تقع به الفتنة : هو الاغترار بالأموال والأولاد والنعم { فاذا مس الانسان ضر دعانا ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون }، {انماأاموالكم و أودلادكم فتنة}
                              فكم من الناس فتن بماله فظن انه أحسن الناس وأنه لا سبيل لأحد أن يصل درجته فاستعمل هذا المال فيما يغضب الله ولا يرضيه
                              وكم من الناس فتن بأولاده فأقرهم على ترك الطاعات وسكت عنهم في فعل المعاصي
                              بل واتجه معهم في اعتناق المذاهب الغريبة والضالة مفتخرا متباهيا بما وصلوا اليه من حمل الشهادات والحصول على المراكز المهمة في الدولة

                              الشئ الثالث الذي تقع به الفتن موالاة المسلمين للكافرين قال الله تعالى: { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير }
                              ومعنى الآية أن الله عز وجل حرم الولاية والنصرة بين الكفار والمؤمنين فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض ، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم
                              لأن المجتمع الكافر لا يتحرك كأفراد وانما يتحرك ككائن عضوي تندفع أعضاؤه للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه ، فهم بعضهم أولياء بعض
                              ومن ثم لا يملك الاسلام ان يواجههم الا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى
                              فاذا لم يفعل المسلمون ذلك ووالوا الكفار كما وقع في حرب الخليج ، فستقع الفتنة لأفراد المجتمع الاسلامي لأنهم لا يملكون ان يواجهوا المجتمع الكافر المتكافل بأحلافه وموالاة المسلمين المتخاذلين له ، وتقع الفتنة بغلبة الكفر على الاسلام وبطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله ووقوع الناس عبيدا للعباد بعد أن تحرروا وصاروا عبيدا لله الواحد القهار
                              وهذا أفسد الفساد في الأرض

                              وهل هناك فتنة أكبر من أن نرى العربي المسلم يقبل العلم الأمريكي !
                              ويحمله الشباب في أيديهم بفخر واعتزاز وفرحة يلوحون به كدليل على انتصارهم وتحرير بلادهم !
                              ممن حرروها ؟ وعلى من انتصروا لو كانوا يعقلون ؟
                              فهل هذا انتصار أم انتحار ؟ وهل هذا تحرر أم استعمار ؟!
                              لو كان مثل هذا العمل يعد انتصارا لما نهى الله عز وجل عنه ولما تبرأ من فاعليه حيث قال في كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه : {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ }
                              فليس بعد هذا النذير نذير ولا بعد هذا التحذير تحذير، فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

                              والسؤال المطروح هو : هل للمجتمع الغربي من المزايا والخصال الحسنة ما يغري الانسان المسلم المؤمن بربه ويجعله يرتمي في أحضانه بالنصرة والولاية والتأييد حتى على اخوانه وأبناء ملته وسكان بلدته ، كالعدالة والمروءة وفعل الخير والبر والاحسان وغيرها من الخصال الحميدة التي تحقق لصاحبها السعادة في الدنيا والفوز بالنعيم الدائم في الحياة الآخرة ؟
                              الجواب : كلا وألف كلا ، فليس عند الغرب شئ من هذا كله الا ظاهريا ونسبيا ومن يطلع على حقيقة المجتمع الغربي عن قرب قد يفاجأ بما يوجد فيه تفكك اجتماعي وانسياق وراء المصالح المادية واختلال موازين العدالة الاجتماعية التي تستمد روحها من القوانين الوضعية التي وضعها البشر
                              ومهما كان واضعو هذه القوانين من ذوي الكفاءات العلمية المشهود لها بالبراعة وذوي الشهادات العليا المعترف بها عالميا
                              فانهم لن يكونوا أعلم بالانسان وما يحتاجه من قوانين وتشريعات تنظم حياته الدنيوية والأخروية معا من خالقه وبارئه
                              { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}
                              نعم عند الغرب من التقدم الصناعي والتكنولوجي ولا سيما الصناعة العسكرية والحربية وغيرها من الصناعات التي لا تتعدى فوائدها واغراضها هذه الحياة الفانية التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وشبهها بقائل تحت شجرة ثم راح وتركها ...
                              ولكن ما يضمن السعادة في الدراين معا لا يكفله هذا التقدم العلمي والتكنولوجي مهما بلغ من رقي

                              ولا يفهم من قولنا وفقكم الله اننا ضد التقدم الصناعي وما يوفره للانسان من اسباب الراحة والرفاهية
                              لا أبدا أيها الاخوة
                              انما الذي اود أن أنبهكم اليه ان البناء أي بناء ، اذا تداعت وضعفت أعمدته التي يقوم عليها فان انهياره قريب لا محالة مهما حاولنا الاصلاح والتطوير، لأن الأساس منذ البدء غير متين
                              وقد عاش العالم كله هاته الحقيقة عند انهيار "ارم ذات العماد" الأمريكية يوم الحادي عشر من سبتمبر المنصرم
                              في دقائق معدودة تهاوى ذلك البناء العظيم وتبعته سلسلة من الانهيارات المادية والمعنوية في امريكا كلها حكومة وشعبا
                              انهيار في العقول وانهيار في الاعصاب وانهيار في الاقتصاد وانهيار في العدالة والانصاف وانهيار في الديمقراطية الكاذبة وانهيار في القيم الانسانية كلها ... وستبدي لنا الايام المزيد والمزيد من هذه الانهيارات
                              الشئ الذي جعل امريكا تنصب نفسها خصما وحكما في آن واحد ولا تحتكم الى عقل ولا تعترف بقانون
                              وكل أمة وصلت الى هذا المستوى من الغطرسة والكبر والاغترار بالقوة ، مآلها الانهيار في جميع مرافق الحياة سياسيا واقتصاديا وصناعيا ... وصدق الله العظيم اذ يقول : {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}
                              وقوله :{ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا}

                              فاللهم انا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ونعوذ بك من الخيانة فانها بئست البطانة
                              ونعوذ بك من الذل والجبن والاستكانة
                              ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
                              ونعوذ بك من الكفر والفقر و وسوسة الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر وعذاب النار
                              انك سميع مجيب الدعوات
                              آمين آمين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

                              **********************************************

                              خطبة اليوم من إلقاء والدي الحبيب سنة 2002 بمدينة طنجة


                              التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 05-04-2012, 10:26 PM.


                              تعليق

                              • Mayada oulabi
                                !! عضوية الإمتياز !!
                                • Aug 2010
                                • 3799

                                #45

                                فاللهم انا نعوذ
                                بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ونعوذ بك من الخيانة فانها بئست
                                البطانة
                                ونعوذ بك من الذل والجبن والاستكانة
                                ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات
                                ومن فتنة المسيح الدجال
                                ونعوذ بك من الكفر والفقر و وسوسة الصدر وشتات الأمر
                                وعذاب القبر وعذاب النار
                                انك سميع مجيب الدعوات
                                آمين آمين وآخر دعوانا ان
                                الحمد لله رب
                                العالمين

                                **********************************************

                                خطبة اليوم من إلقاء والدي الحبيب سنة 2002 بمدينة
                                طنجة




                                جزاك الله خيرا" أختي سلاف على ماتقدمه

                                وليس بوسعنا الا قول آمين آمين آمين

                                حفظ الله الوالد وأمد وأطال في عمره
                                اللَّهُمَّ عَامِلْنا بِإِحْسَانِكَ، وَتَدَارَكْنَا بِفَضْلِكَ وَامْتِنَانِكَ، وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X