منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535





    الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى








    الخطبة الأولى

    الحمد لله، الحمد لله الذي جعلَ حبَّه أشرفَ المكاسِب، وأعظمَ المواهِب، أحمده - سبحانه - وأشكرُه على نعمة المطاعِم والمشارِب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المُنزَّه عن النقائِص والمعايِب، خلقَ الإنسانَ من ماءٍ دافِقٍ يخرجُ من بين الصُّلب والترائِب، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى الهُدى والنور وطهارة النفسِ من المثالِب، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي سبيلُ النجاة والفلاح، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
    محبَّةُ الله من لوازِم الإيمان، ولا يتمُّ التوحيدُ حتى تكتملَ محبَّةُ العبد لربِّه، والمحبَّةُ لا تُحدُّ بحدٍّ أوضحَ منها، ولا تُوصَفُ بوصفٍ أظهرَ منها، وليس هناك شيءٌ يُحبُّ لذاتِه من كل وجهٍ إلا اللهُ - سبحانه - الذي لا تصلحُ الألوهيةُ والعبوديَّةُ والذلُّ والخُضوعُ والمحبَّةُ التامَّةُ إلا له - سبحانه -.
    محبَّةُ الربِّ - سبحانه - شأنُها غيرُ الشأن؛ فإنه لا شيءَ أحبُّ إلى القلوبِ من خالقِها وفاطِرها، فهو إلهُها ومعبُودُها ووليُّها ومولاها وربُّها ومُدبِّرُها ورازِقُها ومُميتُها ومُحيِيها؛ فمحبَّتُه نعيمُ النفوس، وحياةُ الأرواح، وسُرورُ النفس، وقُوتُ القلوب، ونورُ العقول، وقُرَّةُ العيون، وعمارةُ الباطن.
    فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكِية أجملُ ولا ألذُّ ولا أطيَبُ ولا أسرُّ ولا أنعمُ من محبَّة الله والأنسِ به، والشوق إلى لقائِه.
    قال يحيى بن مُعاذ: "عفوُه يستغرِقُ الذنوبَ؛ فكيف رِضوانُه؟ ورِضوانُه يستغرِقُ الآمال؛ فكيف حُبُّه؟ وحبُّه يُدهِشُ العقول؛ فكيف ودُّه؟ وودُّه يُنسِي ما دُونَه؛ فكيف لُطفُه؟".
    وبمِقدار ما يستكثِرُ المرءُ من حبِّ الله بمِقدار ما يشعُر بلذَّة الإيمان وحلاوتِه، ومن غمرَ قلبَه بمحبَّة الله أغناه ذلك عن محبَّة غيره وخشيتِه والتوكُّل عليه؛ فلا يُغنِي القلب ولا يسُدُّ خلَّتَه، ولا يُشبِعُ جوعتَه إلا محبَّتُه - سبحانه -.
    ولو حصلَ له كلُّ ما يلتذُّ به لم يأنَس ولم يطمئِنّ إلا بمحبَّة الله - عز وجل -، وإذا فقدَها القلبُ كان ألمُه أعظمَ من ألَم العين إذا فقدَت نورَها، والأُذن إذا فقدَت سمعَها، والأنف إذا فقدَ شمَّه، واللسان إذا فقدَ نُطقَه؛ بل فسادُ القلب إذا خلا من محبَّة فاطِره وبارِئِه وإلهِه الحق أعظمُ من فساد البدَن إذا فقدَ الروح.
    حقيقةُ المحبَّة: أن تهبَ كلَّك لمن أحبَبتَه حتى لا يبقَى لك منه شيءٌ، وتسبِقَ محبَّةُ الله جميعَ المحابِّ وتغلِبَها، وتكون سائرُ محابِّ العبد تبَعًا لهذه المحبَّة التي بها سعادةُ العبد وفلاحُه.
    يتفاوَتُ المُحِبُّون في قدر المحبَّة؛ لأن الله تعالى وصفَ المؤمنين بشدَّة الحُبِّ له، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾
    وفي قوله: أَشَدُّ دليلٌ على تفاوُتهم في المحبَّة؛ لأن المعنى: أشدُّ فأشدُّ.
    محبَّةُ الله: إيثارُه لمحبوباتِه على نفسِك وروحك ومالِك، ثم مُوافقتُك له سرًّا وجهرًا، ثم علمُك بتقصيرِك في حبِّه؛ أي: أن يكون كلُّك بالمحبوب مشغولاً، ونفسُك له مبذُولة، مع سفر القلب في طلب المحبوب، ولهَج اللسان بذِكره على الدوام، وقد قال نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -: «وأسألُك حبَّك، وحبَّ من يُحبُّك، وحبَّ عملٍ يُقرِّبُ إلى حُبِّك».
    المحبَّةُ إذا اشتدَّت وعظُمَت عند صاحبِها وارتقَت فإنها تُصبِحُ ولهًا، والوَلَهُ هو شدَّةُ المحبَّة، والتألُّه لله - تبارك وتعالى - هو شدَّةُ محبَّة الله، ومحبَّةُ ما جاء من عند الله - تبارك وتعالى -، وحاجتُهم إلى التألُّه أعظمُ من حاجتِهم إلى الغِذاء؛ فإن الغِذاءَ إذا فُقِد يفسُد الجسمُ، وبفقدِ التألُّه تفسُد النفسُ.
    المؤمنُ إذا عرفَ ربَّه أحبَّه، وإذا أحبَّه أقبلَ إليه، وإذا وجدَ حلاوةَ الإقبال إليه لم ينظُر إلى الدنيا بعينِ الشهوة،ولم ينظُر إلى الآخرة بعين الفترة.
    حبُّ الله يحمِلُ المرءَ على فعل الواجِبات وتركِ المُحرَّمات، ويحمِلُ العبدَ على فعل المُستحبَّات، وينهَاهُ عن المكرُوهات.
    حبُّ الله يملاُ القلبَ بلذَّة الإيمان وحلاوتِه، «ذاقَ طعمَ الإيمان من رضِيَ بالله ربًّا، وبالسلام دينًا، وبمُحمَّدٍ رسولاً».
    محبَّةُ الله تُخرِجُ من القلب محبَّةَ كلَّ ما يكرهُه الله، وتنبعِثُ الجوارِحُ بمحبَّة الله إلى الطاعات، وتغدُو النفسُ مُطمئنَّة، وفي الحديث القُدسي: «.. فإذا أحبَبتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشِي بها».
    المُحبُّ يجِدُ من لذَّة المحبَّة ما يُنسِيه المصائِب، ولا يجِد من مسِّها ما يجِدُ غيرُه. محبَّةُ الله من أقوَى الأسباب في الصبر عن مُخالَفتِه ومعاصِيه؛ فإن المُحبَّ لمن يحبُّ مُطيعُ.
    وكلما قوِيَ سُلطانُ المحبَّة في القلب كان اقتِضاؤُه للطاعة وترك المُخالفة أقوى، وإنما تصدُرُ المعصيةُ والمُخالفةُ من ضعفِ المحبَّة وسُلطانها.
    والمُحبُّ الصادقُ عليه رقيبٌ من محبوبِه يرعَى قلبَه وجوارِحَه، والمحبَّةُ المُجرَّدة لا تُوجِبُ هذا الأثرَ ما لم تقترِن بإجلال المحبوب وتعظيمِه، فإذا قارنَها الإجلالُ والتعظيمُ أوجبَت هذا الحياءَ والطاعةَ، وإلا فالمحبَّةُ الخاليةُ عنهما إنما تُوجِبُ نوعَ أُنسٍ وانبِساطٍ وتذكيرٍ واشتِياقٍ، ولهذا يتخلَّفُ أثرُها ومُوجَبُها، ويُفتِّشُ العبدُ قلبَه فيرَى نوعَ محبَّةٍ لله، ولكن لا تحمِلُه على ترك معاصِيه.
    وسببُ ذلك: تجرُّدُها عن الإجلالِ والتعظيمِ، فما عمرَ القلبَ شيءٌ كالمحبَّة المُقترِنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهِب الله للعبد - أو أفضلُها -، وذلك فضلُ الله يُؤتيه من يشاء.
    وإذا تجرَّدَت المحبَّةُ عن الخضوعِ والذلِّ أصبحَت المحبَّةُ دعوَى لا قيمة لها، وهذا حالُ من ادَّعَى محبَّةَ الله، ولكنه لم يأتمِر بأمر الله، ولم يخضَع لسُنَّة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُحكِّمها في أقوالِه وأعمالِه وعباداته.
    ولا يحبُّ الله ولا يدَّعِي محبَّتَه أحدٌ لا يُتابِعُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قالت اليهودُ والنصارى كما حكَى الله عنهم بقوله: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
    فالدعوَى المُجرَّدةُ كلٌّ يدَّعِيها، وقضَى الله على الدعاوَى، وبيَّن الحقيقةَ من الزَّيف بقوله - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ومن علامة محبَّة الله: محبَّةُ أهل طاعته، ومُوالاةُ أوليائِه، ومُعاداة أهل معصيته، ومُجاهدةُ أدائِه، ونصرُ أنصارِه، وكلما قوِيَت محبَّةُ العبد لله في قلبِه قوِيَت هذه الأعمال.
    وهنا يجدُرُ بنا أن نعرِفَ الأسبابَ الجالِبَةَ لمحبَّةِ الله، ومنها: معرفةُ نعم الله على عباده التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ ، ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ ومن الأسباب:معرفةُ الله تعالى بأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه؛ فمن عرفَ اللهَ أحبَّه، ومن أحبَّ اللهَ أطاعَه، ومن أطاعَ الله أكرمَه، ومن أكرمَه الله أسكنَه في جِوارِه، ومن أسكنَه الله في جِوارِه فطُوبَى له.
    ومن أعظم الأسباب:التفكُّرُ في ملكوت السماوات والأرض وما خلقَ الله من شيءٍ من الآيات الدالَّة على عظمته وقُدرته وجلالِه وكمالِه وكِبريائِه ورأفتِه ورحمتِه ولُطفِه، إلى غير ذلك من أسماء الله الحُسنى وصفاتِه، فكلما قوِيَت معرفةُ العبد بالله قوِيَت محبَّتُه له ومحبَّتُه لطاعته.
    ومن الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله - عز وجل -: مُعاملةُ الله بالصدقِ والإخلاص، ومُخالفةُ الهوى؛ فإن ذلك سببٌ لفضل الله على عبدِه وأن يمنحَه محبَّتَه.
    ومن أعظم ما تُستجلَبُ به المحبَّة: كثرةُ ذكرِ الله؛ فمن أحبَّ شيئًا أكثرَ من ذِكرِه، قال الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
    الخطبة الثانيةالحمد لله الذي نصرَ عبادَه بصالح الدعوات، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه وأيُّ المُكرَمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ البريَّات، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُؤيَّدُ بالمُعجِزات، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.
    أما بعد:فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
    وها هنا - إخوة الإسلام - أربعةُ أنواعٍ من المحبَّة يجبُ التفريقُ بينها:أحدها: محبَّةُ الله، ولا تكفِي وحدَها في النجاة من عذابِ الله والفوزِ بثوابِِه؛ فإن المُشرِكين وعُبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يُحبُّون الله.
    الثاني: محبَّةُ ما يُحبُّ الله، وهذه هي التي تُدخِلُ في الإسلام وتُخرِجُ من الكفر، وأحبُّ الناس إلى الله أقومُهم بهذه المحبَّة وأشدُّهم فيها.
    ثالثًا: الحبُّ في الله ولله، وهي من لوازِم محبَّة ما يُحبُّ، ولا تستقيمُ محبَّةُ ما يُحبُّ إلا فيه ولَه.
    الرابع: المحبَّةُ مع الله، وهي المحبَّةُ الشركيَّةُ، وكلُّ من أحبَّ شيئًا مع الله لا لله ولا من أجلِه ولا فيه فقد اتَّخَذَه ندًّا من دون الله، وهذه هي محبَّةُ المُشرِكين، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾
    ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسولِ الهُدى؛ فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
    اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذرِّيَّته كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك اللهم على محمدٍ وأزواجه وذرِّيَّته كما بارَكتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
    اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمُشركين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلَدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين.
    اللهم إنه قد نزلَ بإخواننا في الشام ما أنت عليمٌ به وقادرٌ على كشفِه، اللهم ارفع عنهم البلاءَ والضرَّ الذي نزلَ بهم، اللهم وحِّد صفَّهم، واجمَع كلمتَهم، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا يا رب العالمين، اللهم وحِّد صفوفَهم، وسدِّد رميَهم، الله اصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين.
    اللهم عليك بعدوِّهم، اللهم عليك بطاغية الشام وأعوانِه يا رب العالمين، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعَل الدائِرَة عليهم يا قوي يا عزيز.
    اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِي السحاب، هازِم الأحزاب، اهزِم عدوَّهم وانصُرهم يا رب العالمين، اللهم اهزِم عدوَّهم في الشام وانصُر إخوانَنا في الشام على عدوِّهم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
    اللهم إن إخواننا بالشام عُراةٌ فاكسُهم، وجِياعٌ فأطعِمهم، وحُفاةٌ فاحمِلهم، ومظلومون فانتصِر لهم، اللهم إنهم مظلومون فانتصِر لهم، اللهم إنهم مظلومون فانتصِر لهم، اللهم إنهم مظلومون فانتصِر لهم يا قوي يا عزيز يا جبار، إنك على كل شيء قدير.
    اللهم استجِب دعاءَنا، اللهم استجِب دعاءَنا، اللهم استجِب دعاءَنا.
    اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ.
    اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.
    اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.
    اللهم اجعَلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبِتين، لك أوَّاهِين مُنيبين.
    اللهم تقبَّل توبتَنا، وأجِب دعوتَنا، واسلُل سخيمَةَ صدورِنا يا رب العالمين.
    اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين، واغفِر لموتانا وموتى المُسلمين يا رب العالمين.
    اللهم وفِّق إمامنا لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك، وتحكيم شرعِك يا رب العالمين.
    ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ ، ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
    ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾
    فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون




    **************************************************



    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الباري بن عوض الثبيتي













    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535






      الإيمان بالقدر خيره وشره










      أما بعد: فاتقوا الله -أيها الناس- وأطيعوه، وأخلصوا له العبادة ووحدوه، واعلموا أن أفضل ما وعظ به الواعظون وذكر به المذكرون معرفة الله تعالى بأنه رب العالمين الرحمن الرحيم المالك المتصرف ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وأن جميع الكون وكل ما فيه خلقه وملكه وعبيده وتحت ربوبيته وتصرفه وقهره.
      عباد الله: لقد أخبر -صلى الله عليه وسلم وخبره صدق- عن افتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم ضُلال إلا فرقةً واحدةً، هي التي وافقت هدي الكتاب والسنة، وسارت على نهج المصطفى ونهج أصحابه من بعده، وإن هذا الافتراق شامل لكل أمور الدين والعبادة، ولكن عند إطلاقه يتبادر إلى ذهن قائله وسامعه التفرق في باب التوحيد والاعتقاد؛ لأن هذا الباب هو الباب الذي إذا كُسر لا يمكن إصلاحه إلا بإعادته جديدًا كما كان، فلا يصلح فيه باب فيه ثقوب أو خلل، فأهل الزيغ والضلال في باب الاعتقاد طوائف شتى وفرق عديدة، وكل فرقةٍ فرحة بما عندها.

      أما أهل السنة والجماعة الذين ساروا على النهج القويم فإنهم على خطٍ مستقيمٍ في هذا الأمر، بل وفي جميع أمورهم، ولكن باب العقيدة والتوحيد يخصونه بمزيد اهتمام ومزيد عناية؛ لأن الضلال فيه ضلال كبير ليس كالضلال في غيره، والخطأ في التوحيد والعقيدة ليس مثل الخطأ في غيره، وأكثر ما دخل الانحراف على طوائف شتى في هذا الباب بسبب أمرين:

      أولهما: الجهل، فكثير هم الذين يجهلون أمور معتقدهم، وقليل من يتحدث عنها، ولو أن الناس إذا جهلوا شيئًا سألوا عنه لبلغوا مرادهم، ولكن على نفسها جنت براقش، ولا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر.

      أما السبب الثاني: فهو أن فئامًا منهم أخذوا هذا العلم من غير مصدريه وهما الكتاب والسنة.

      العقل –أيها الناس- لا دخل له في باب العقيدة؛ لأنها من باب الغيب، والغيب لا يُعلم إلا بوحيٍ.

      إذا كان ذلك كذلك فاعلموا -أيها الناس- أن عليكم أن تعلموا أن دين المرء يقوم على ستة أصول، هي كالعمد للبنيان، لو سقط منها عمود سقط البناء أو لا يزال متخلخلاً.

      ستة أصول ينبغي لكل مؤمنٍ ومؤمنةٍ الإيمان بها والإقرار بمضمونها، إيمانًا لا خلل فيه، وإقرارًا لا نقص فيه، لخصها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حينما جاءه جبريل -عليه السلام- في صورة أعرابيٍ غريبٍ فسأله عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".

      الإيمان بالقضاء والقدر زلّت فيه أقدام، وضلّت فيه أفهام، وتحيرت فيه عقول، تنازع الناس في القدر منذ زمنٍ بعيدٍ حتى في زمن النبوة، كان الناس يتنازعون ويتمارون فيه، ولقد روي أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك، وأخبرهم أنه ما أهلك من قبلهم إلا تنازعهم فيه.

      ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يتجادلون فيه، ولكن الله هدى عباده وفتح على المؤمنين من السلف الصالح بالعدل فيما علموا وما قالوا؛ لأن الحق فيه واضح لا مراء فيه.

      عباد الله: الإيمان بالقدر جزء من أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فيندرج تحت توحيد الربوبية الإيمانُ بقدر الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله".

      أيها المؤمنون، لا بد لكل مؤمنٍ بالقضاء والقدر الإقرار بأربعة أمورٍ هي معنى القضاء والقدر، من أقرّ بها فقد استكمل إيمانه بهذا الركن، ولا عليه بعد ذلك من تفاصيل العلماء التي دعت إليها مجادلة أهل الباطل.

      أول هذه الأمور: العلم بأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا، فيؤمن الإنسان إيمانًا جازمًا لا شك فيه بأن الله بكل شيءٍ عليمٍ، وأنه يعلم ما في السموات والأرض جملةً وتفصيلاً، سواء أكان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما مضى وما هو حاضر الآن وما هو مستقبل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، من أنكر هذا الأمر فقد كفر؛ لأنه ليس ضد العلم إلا الجهل، ومن قال: إن الله جاهل فقد دخل في أمرٍ لا خلاص له منه.

      إذا أقرّ الإنسان بهذا الأمر فليعلم بعد ذلك أن كل شيءٍ من أمور الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه، يقول –صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟! قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"، يقول الله سبحانه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، فكل شيءٍ معلوم عند الله، وهو مكتوب عنده في كتاب.

      ولما سئل –صلى الله عليه وسلم- عما نعمله: أشيء قد مضى منه وفرغ؟! قال: "إنه قد مضى وفرغ منه"، وقال له الصحابة: أفلا نتّكل على الكتاب المكتوب وندع العمل؟! فقال: "اعملوا فكل ميسّر لما خلق له"، وتلا قوله سبحانه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) رواه البخاري ومسلم.

      روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة".

      عباد الله: إذا أقرّ المرء بهذا الأمر فليعلم أن كل ما في هذا الكون فهو تحت مشيئة الله، فلا يكون شيء إلا إذا شاءه الله سبحانه، سواء من فعله أو من فعل مخلوقاته: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ويقول سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ)

      أما آخر الأمور الأربعة التي من أقرّ بها فقد استكمل الإيمان بالقضاء والقدر: فهو أن يقر بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فالله -عز وجل- هو الخالق وما سواه مخلوق، ما من موجودٍ في السماوات والأرض إلا والله خالقه، حتى الموت خلقه الله -تبارك وتعالى-، يقول سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإذا علم المؤمن ذلك فليعلم أن خلقه أحكم خلقٍ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .

      الإيمان بالقضاء والقدر شريعة جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين، فإبراهيم يقول لقومه: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ، وموسى لما جادله فرعون قائلاً: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) ، ونوح لما خاطب ابنه كي ينجو من الغرق قال الابن: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) [هود:43]، ولما تعجب زكريا كيف يأتيه الولد وهو طاعن في السن (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [آل عمران:40]، ومريم البتول تقول: (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .

      اللهم اجعلنا ممن ييسَّرون لعمل أهل السعادة، اللهم اكتب لنا الصلاح في الدنيا والآخرة.

      أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
      الخطبة الثانية:
      الحمد لله، خلق فسوى وقدر فهدى، له مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، بيده الخلق والأمر، وإليه يرجع الأمر، لا راد لقضائه ولا دافع لأمره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

      أما بعد:

      فاعلموا -أيها الناس- أن المؤمن ما دام يسير في هذه الدنيا وهو متمسك بدينه قولاً وفعلاً فلا شك أنه سيجد السعادة في دنياه هذه ويوم القيامة: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) .

      عباد الله: إن المؤمن إذا آمن بالقضاء والقدر اعتمد على الله -عز وجل- وحده عند فعله للأسباب؛ بحيث لا يعتمد على السبب نفسه؛ لأن كل شيءٍ بقدر الله تعالى، فالمريض مثلاً يشرب الدواء ويترك الطعام طلبًا للصحة، فيعلم أن هذه الأمور لا دخل لها، وأن الأمر كله لله وحده، هو المنزل له وهو الدافع، وأن المؤمن إنما يفعل الأسباب.

      إذا أقر الإنسان بالقضاء والقدر لم يعجب بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فعليه شكر هذه النعمة، وإعجابه بنفسه ينسيه شكرها، فالطالب إذا نجح والتاجر إذا ربح فالشكر لله أولاً لأنه هو الذي يسر لهما ذلك، لا دخل لأنفسهما إلا بسبب تقدير الله -عز وجل-: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) .

      أيها الناس: إذا اعتقد المؤمن عقيدة القضاء والقدر زال عنه القلق والضجر حين يفوت عليه مراده أو يحصل له ما يكره؛ لأنه يعلم أن ذلك مقدر عليه من ملك السماوات والأرض، وما قدر كائن لا محالة، عند ذلك يصبر ويحتسب، لو علم المرضى أن المرض إنما جاء بتقدير الله سبحانه ما جزع مريض من مرضه ولا اشتكى إلى الناس مما أصابه.

      إذا آمن الإنسان بالقضاء والقدر حصل له راحة نفسٍ وطمأنينة قلبٍ، فلا يقلق بفوات محبوبٍ أو حصول مكروهٍ.

      أيها الناس: لا أحد أطيب عيشًا ولا أريح نفسًا ولا أقوى طمأنينةً ممن آمن بالقدر، ويجمع الله سبحانه كل هذه الأمور فيقول: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
      اللهم ثبتنا على عقيدة القضاء والقدر، اللهم حقّق لنا ثمرتها، وزدنا من فضلك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
      اللهم صل على عبدك ورسولك محمد...



      ******************************************



      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الرحمان بن علي العسكر









      تعليق

      • سُلاف
        مشرفة المواضيع الإسلامية
        من مؤسسين الموقع
        • Mar 2009
        • 10535





        أقبــل شهــر شعبـــان فماذا أعــددنــا له !










        الخطبة الأولى


        أما بعد: إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما استطاعته نفسه وتحملته.

        وها قد مضى أيها الأحبة شهر رجب، ودخل شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة. ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه.

        عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال : ((ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) [رواه النسائي]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، [رواه الإمام أحمد].

        ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان، فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله، وفي رواية لأبى داود قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان.

        وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)). ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [رواه مسلم].

        وعند النسائي بسند صحيح عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)). وذكر أهل العلم حكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: منها: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ولذلك فإنك تجد رمضان يسبق بالصيام من شعبان والاستكثار منه ثم بعد انقضاء رمضان يسن صيام ست من شوال، فهي كالسنن الرواتب التي قبل وبعد الصلاة المفروضة.

        ومن الحكم كذلك في الإكثار من صيام شعبان: ما تضمنه حديث أسامة بن زيد المتقدم ذكره وفيه قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فبين له صلى الله عليه وسلم سبب ذلك فقال له: ((ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان)) وماذا أيضا؟ قال: ((وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)).

        إن هذا الحديث تضمن معنيين مهمين:أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان.وثانيهما: أن الأعمال ترفع وتعرض على رب العالمين، فأما كون شعبان تغفل الناس فيه عنه، فإن ذلك بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فاشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للأحاديث المتقدمة.

        وفي قوله: ((يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان)) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو حتى الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو الخصوصية فيه، لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عندهم عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، ولما كان الناس يشتغلون بغير شعبان عن شعبان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمره بالطاعة وبالصيام، ويقول لأسامه لما رآه مستفهما عن سبب الإكثار من الصيام في شعبان، ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، ولذلك قال أهل العلم: وهذه لفتة فتنبه لها يا عبد الله قالوا: هذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر كما قال: ((إن افضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل)) ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء لنصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهل، أو غير ذلك؟ فقال حين خرج: ((انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة)) [رواه مسلم]. وفي رواية: ((ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم)) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر ولاستيلاء الغفلة على الناس، ولهذا لو نظرت إلى الفضائل والدرجات التي منحت للذاكرين في وقت غفلة الناس تجد شيئا عجبا، فهذا الرجل الذي يدخل السوق فيذكر الله، له أجر عظيم لأنه ذكر الله في مكان غفلة الناس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((من دخل السوق فقال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبني له بيتا في الجنة)) ومما يؤكد هذا المعنى ما دار بين طارق بن شهاب وسلمان الفارسي رضي الله عنه عندما بات طارق عند سلمان لينظر اجتهاده، قال: فقام يصلي من آخر الليل، فكأنه لم ير الذي كان يظن، فذكر ذلك له، فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل، منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس، فركب فرسه في المعاصي فذلك عليه ولا له [ هؤلاء الذي يغتنمون غفلات الناس عنهم فيعبون من الفواحش عبا ] ومن له ولا عليه: فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي، فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه: فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه، إياك والحقحقة، وعليك بالقصد وداوم " والحقحقة: هو أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته أو تقف.والأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس كثيرة ومتنوعة، فتعرضوا لنفحات الله، أيها الأحبة، وتلمسوا مرضاته.

        ثم اعلم يا عبد الله أن إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فيه فوائد:1- إن فعلك لهذه الطاعة يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لاسيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء، وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان، فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما في سوقه، ويظن أهل سوقه أنه أكلها في بيته.

        2- الفائدة الثانية في إحياء وقت غفلة الناس بالطاعات أنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس إن كان على السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأجر على قدر النصب)).والسبب في أن الطاعات في وقت غفلة الناس شاقة وشديدة على النفوس، هو أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين لهم، فسهلت الطاعات، وتأمل كيف أن كثيراً من الناس يشق عليهم الصيام في غير رمضان: فإذا جاء رمضان سهل عليهم الصيام ولم يجدوا مشقة في صيامه، وذلك لأن الناس من حولهم يؤدون هذه العبارة الجليلة، والناس كأسراب القطا يتبع بعضهم بعضا، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الناس أشبه بأهل زمانهم منهم بآبائهم.

        وأما إذا أكثرت غفلة الناس تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المتيقظين والطالبين لمهر الجنة تشق عليهم طاعاتهم، لقلة من يقتدون بهم في هذه الأوقات المغفول عنها، ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم في حال الغرباء في آخر الزمان: ((للعامل منهم أجر خمسين منكم – أي من الصحابة – إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون))[وفي مسلم] ((فطوبى للغرباء)) ولهذا جاء في صحيح مسلم أيضا من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبادة في الهرج كالهجرة إلي)) وعند الإمام أحمد بلفظ: ((العبادة في الفتنة كالهجرة إلي))وسبب ذلك أن الناس في وقت الفتن تستولي عليهم الغفلة، ويتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين، وينشغلون عن عبادة ربهم بهذه المحدثات والمضلات من الفتن، ويكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، متبعاً لأوامره مجتنبا لنواهيه، محافظا على سنته وهديه وطريقته صلى الله عليه وسلم، في كل زمان ومكان، والفوائد في هذا الباب والمعنى كثيرة لمن تأملها ووقف معها واستزاد منها.

        ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران، قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات:مضى رجب وما أحسنت فيـه وهذا شهر شـعبان المبـاركفيـا من ضيع الأوقـات جهلا بحرمتها أفق واحـذر بواركفسـوف تفـارق اللذات قهـرا ويخلى الموت قهرا منك داركتدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مـداركعلى طلب السـلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تداركأقول قولي هذا واستغفر الله. .

        الخطبة الثانية
        الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين.أما بعد:

        وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) [رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح].ولنا مع هذا الحديث الذي يتعلق بالنصف من شعبان أربع وقفات مهمة:

        الأولى: أن الله يغفر فيها لكل عباده إلا المشرك فتفقد نفسك يا عبد الله، وفتش باطنها، فلعلك أن تكون مبتلى بشيء من هذه الشركيات المنتشرة في الأمة، ولا تظنن بنفسك خيرا بل فاتهمها في جانب الله وفي تقصيرها، ولا تقل أني بريء من الشركيات، ولا يمكن أن أقع فيها، ويكفى أنني أعيش في بلد التوحيد، فإن هذا غرور وجهل منك، إذا كان أبو الأنبياء وإمام الحنفاء خليل الرحمن يخشى على نفسه الشرك، بل يخشى على نفسه وعلى بنيه عبادة الأصنام، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام وقد بين إبراهيم ما يوجب الخوف من ذلك فقال: رب انهن أضللن كثيراً من الناس.

        قال إبراهيم التيمي: من يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به، وبما يخلصه منه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه؟ فقال: الرياء)) ومن عظيم فقه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد أن جعل بابا بعنوان: باب الخوف من الشرك ثم ساق الآيات والأحاديث في هذا المعنى، والله عز وجل قد حذر نبيه بل وكل الأنبياء من الشرك، وأوصي إليهم بأن أعمالهم تحبط إن أشركوا، وهم الصفوة من الخلق فقال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ثم يقول له: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين.

        الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس، وأن الله لا يغفر للمتشاحنين، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه، لا لغرض شرعي ومندوحة دينية، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا))، وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، فأقِل يا عبد الله حتى تُقال.

        الوقفة الثالثة: إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة ويحتفلون بأشياء وربما زينوا بيوتهم، وكل هذا من البدع المحدثة التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه ولا تابعوهم، وهم الحجة لمن أراد سواء السبيل وما ثبت في هذه الليلة من فضل هو ما قدمناه من أنك يجب عليك أن تحقق التوحيد الواجب، وتنأى بنفسك عن الشرك، وأن تصفح وتعفوا عمن بينك وبينه عداوة وشحناء، أما إحداث البدع في هذه الليلة فإن أهلها هم أولى الناس بالبعد عن رحمة الله، وأن ينظروا هم حتى يتوبوا من بدعتهم.

        الوقف الرابعة: أن لا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان بزعمه فإن هذا من التنطع والغلو في الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) فهذا الحديث وما في معناه للمتنطعين والمتشددين الذين يستقبلون رمضان بالصيام بنية الاحتياط لرمضان، فهذا منهي عنه، ولا يدخل في هذا أن يصوم الإنسان ما كان معتادا له من صيام الاثنين والخميس مثلا، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو القضاء، أو النذر.وما له تعلق بهذا أيضا، حرمة صيام يوم الشك قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. ويوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان و هو يوم الثلاثين، فيحرم صومه بنية الاحتياط قال: صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه))فهذا في الرجل الذي له عادة ويصومه بنية التطوع لا بنية الفرض، وأنه من رمضان أو بنية الاحتياط، فالنية هي الفيصل هنا، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).

        اللهم إننا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا. . .





        *******************************************


        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : ناصر بن أحمد الأحمد






        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535






          ماذا ينبغي للمسلم أن يعمل في نهار رمضان









          الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ

          إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لهُ، وَمَن يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا مَثِيلَ ولا شَبِيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَه. وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ وجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ فَجَزاهُ اللهُ عَنّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيائِه. اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى سِيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعَلَى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وبارِكْ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ءالِ سَيِّدِنا محمَّدٍ كَما بارَكْتَ عَلى سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعَلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

          أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءِ الَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الأَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الأَلْبَابِ

          عِبادَ اللهِ هَذا شَهْرُ التَّوْبَةِ قَدْ ءابَ، شَهْرُ الزُّهْدِ وكَسْرِ النَّفْسِ، شَهْرُ صَفاءِ الرُّوحِ، شَهْرُ قِراءَةِ القُرْءانِ وقِيامِ اللَّيْلِ والإِكْثارِ مِنَ الخَيْرِ فَبادِرْ يا عَبْدَ اللهِ لِشَغْلِ أَيّامِكَ وأَنْفاسِكَ بِطاعَةِ اللهِ، لأَنَّ مَنْ لَمْ يَشْغَلِ الفَراغَ بِما يَعْنِيهِ شَغَلَهُ الفَراغُ بِما لا يَعْنِيه.

          فَعِنْدَ الفَجْرِ اسْتَفْتِحْ بِذِكْرِ اللهِ وقُلْ بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّماءِ وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم، قُلْها ثَلاثَ مَرّاتٍ صَباحًا ومَساءً فَقَدْ وَرَدَ عَنْ حَبِيبِنا محمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَالَها ثَلاثًا لَمْ يَضُرَّهُ شَىْءٌ. ثُمَّ رَدِّدْ يا أَخِي في اللهِ أَوْرادَ التَّحْصِينِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإِنْ شاءَ اللهُ يَدْفَع اللهُ بِها عَنْكَ أَذَى الإِنْسِ والْجِنّ.

          ثُمَّ بادِرْ إِلى صَلاةِ الصُّبْحِ في جَماعَةٍ فَلَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ صَلَّى العِشاءَ في جَماعَةٍ فَكَأَنَّما قامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ومَنْ صَلّى الصُّبْحَ في جَماعَةٍ فَكَأَنَّما صَلّى اللَّيْلَ كُلَّهُ اهـ رَواهُ مُسْلِمٌ وَكُنْ مَعَ الَّذِينَ يُشارِكُونَ في حَلْقَةِ القُرْءانِ الصَّباحِيَّةِ فَرَمَضانُ شَهْرُ القُرْءان، وَٱحْضُرْ مَجْلِسَ عِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِيِّ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ الثِّقاتِ فَفِي سُنَنِ ابْنِ ماجَه عَنْ أَبي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ لَهُ يا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ ءايَةً مِنْ كِتابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ ولأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بابًا مِنَ العِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ اهـ أَيْ مِنَ النَّوافِلِ فَلا تُفَوِّتْ عَلى نَفْسِكَ هَذا الخَيْرَ العَظِيمَ ولا سِيَمَا في هَذا الشَّهْرِ العَظِيمِ ولا سِيَّما في هَذا الشَّهْرِ الفَضِيل.

          ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا ذَهَبْتَ إِلى العَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ فَلا تَغْفُلْ أَنْ يَكُونَ عَمَلُكَ هَذا بِنِيَّةٍ صالِحَةٍ لِيَكُونَ لَكَ ثَوابٌ فِيهِ وكَيْ لا يَكُونَ هَدْرًا لأَنْفاسِكَ وَٱتَّقِ اللهَ في عَمَلِكَ فَلا تَكْذِبْ ولا تَغُشَّ وَتَمَثَّلْ بِقَوْلِ خَيْرِ الخَلْقِ وحَبِيبِ الحَقِّ سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلّى اللهُ عليه وسلَّم الصِّيامُ جُنَّةٌ فَإِذا صامَ أَحَدُكُمْ فَلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ وإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أَوْ شاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صائِمٌ إِنِّي صائِم اهـ رَواهُ مالِكٌ في الْمُوَطَّأ.

          هَذِهِ هِيَ الأَخْلاقُ الَّتِي أَمَرَنا بِها رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَٱلْتَزِمْ بِالأَخْلاقِ الحَسَنَةِ فَفِي رَمَضانَ أَبْوابُ الجِنانِ تُفْتَحُ وأَبْوابُ النِّيرَانِ تُغْلَقُ والشَّياطِينُ تُصَفَّدُ، فَإِيّاكَ وسِبابَ الْمُسْلِمِينَ وشَتْمَهُمْ ولَعْنَهُمْ بِحُجَّةِ أَنَّكَ صائِمٌ وَٱتَّقِ اللهَ يا عَبْدَ اللهِ فَبِطاعَةِ اللهِ تَحْلُو الأَوْقاتُ ويُهَوِّنُ اللهُ عَلَيْكَ أَلَمَ الجُوعِ والعَطَشِ وتَنْقَضِي السّاعاتُ. ويُؤَذَّنُ لِصَلاةِ العَصْرِ، فَٱحْرِصْ عَلى أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ أَحَدًا إِلى مَجْلِسِ الخَيْرِ كَيْ يَزِيدَ ثَوابُكَ ويَعْظُمَ أَجْرُكَ اذْهَبْ أَنْتَ وجارُكَ، أَنْتَ وصاحِبُكَ أَنْتَ ووَلَدُكَ إِلى صَلاةِ العَصْرِ في الْمَسْجِدِ ثُمَّ مَتِّعْ قَلْبَكَ وأُذُنَيْكَ بِسَماعِ دَرْسٍ مِنْ أَفْواهِ مَنْ تَلَقَّى عِلْمَ الدِّينِ مِنْ أُناسٍ ثِقاتٍ حَتَّى تَعْرِفَ كَيْفَ تُطِيعُ اللهَ ولتَأْخُذَ مِنْ دارِ الفَناءِ لِتُعَمِّرَ دارَ البَقاء.

          ثُمَّ بَعْدَ الدَّرْسِ اذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ وعَلِّمْ أَهْلَكَ ما تَعَلَّمْتَ فَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ ءايَةً
          كَما رَواهُ البُخارِيُّ
          وإِنِ احْتاجَ أَهْلُ بَيْتِكَ إِلى مُساعَدَةٍ فَبادِرْ لِذَلِكَ وكُنْ عَوْنًا لَهُمْ ولاَقِهِمْ بِالبِشْرِ والخِطابِ الجَمِيلِ وخَفِّفْ عَنْهُمْ بِالكَلامِ الجَمِيلِ التَّعَبَ الْمُضْنِيَ وتَذَكَّرْ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِيارُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ أَيْ لِزَوْجَتِهِ وأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ اهـ.

          وما أَحْلَى أَنْ تُرْسِلَ مِنْ طَعامِكَ وشَرابِكَ لِجارِكَ الفَقِيرِ، لِمُحْتاجٍ تَعْرِفُهُ تُكْرِمُهُ لِوَجْهِ اللهِ، تُفَطِّرُ صائِمًا لا يَجِدُ ما يُفْطِرُ عَلَيْهِ وتَغْنَمُ الأَجْرَ الَّذِي وَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ مَنْ فَطَّرَ صائِمًا كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصّائِمِ شَيْئًا اهـ رَواهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْ لَهُ ما يُشْبِهُ أَجْرَهُ لا تَمامُ أَجْرِهِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ لِأَنَّ الَّذِي صامَ رَمَضانَ صامَ الفَرْضَ والَّذِي أَطْعَمَهُ عَمِلَ نَفْلاً والنَّفْلُ لا يُساوِي الفَرْضَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ اهـ

          ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَتَأَكَّدَ أَخِي مِنْ دُخُولِ الوَقْتِ بِمُراقَبَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بِسَماعِ مُؤَذِّنٍ ثِقَةٍ يَعْتَمِدُ عَلى الْمُراقَبَةِ، عَجِّلْ بِالفِطْرِ لِحَدِيثِ لا يَزالُ النّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ وقُلِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وعَلى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَٱبْتَلَّتِ العُرُوقُ وثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شاءَ اللهُ.

          وٱجْعَلْ فَطُورَكَ عَلى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعَلَى ماءٍ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قالَ إِذا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلى ماءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ اهـ ثُمَّ قُمْ أَخِي لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بَعْدَ إِتْمامِ الإِفْطارِ قُمْ بِهِمَّةٍ ونَشاطٍ إِلى الْمَسْجِدِ لِصَلاةِ العِشاءِ وقِيامِ رَمَضانَ، وأَكْثِرْ مِنْ قِراءَةِ القُرْءانِ، وإِيّاكَ أَنْ تُضَيِّعَ وَقْتَكَ عَلى التِّلْفازِ تَنْتَقِلُ مِنْ مَحَطَّةٍ إِلى أُخْرَى لِتَتَأَخَّرَ في السَّهَرِ بِلا فائِدَةٍ وتَتَأَخَّرَ في الاِسْتِيقاظِ بَلْ قُمْ إِلى مَضْجَعِكَ وذَلِكَ بَعْدَ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وقُلِ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وأَحْيَا وذَلِكَ لِتَقْوَى عَلى الاِسْتِيقاظِ قَبْلَ الفَجْرِ لِتَتَهَجَّدَ وتَقْرَأَ القُرْءانَ ثُمَّ تَسَحَّرْ فَإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً كَما رَوَى البُخارِيُّ عَنِ الصّادِقِ الْمَصْدُوق.

          وهُنا أُذَكِّرُكُمْ بِفَرْضٍ مِنْ فَرائِضِ الصِّيامِ وهُوَ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ قَبْلَ الفَجْرِ وذَلِكَ بِأَنْ تَقُولَ في قَلْبِكَ مَثَلاً نَوَيْتُ صَوْمَ يَوْمِ غَدٍ عَنْ أَداءِ فَرْضِ رَمَضانِ هَذِهِ السَّنَةِ إِيمانًا وَاحْتِسابًا للهِ تَعالى.

          وٱعْلَمْ يا أَخِي أَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيالي رَمَضانَ يَحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعاءِ والصَّلاةِ في كُلِّ لَيْلَةٍ وخاصَّةً في العَشْرِ الأَواخِرِ مِنْ رَمَضانَ فَالعِبادَةُ في لَيْلَةِ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ عِبادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ.

          ولا تَجْعَلْ رَمَضانَ زَمانًا لِلتَّنَعُّمِ والإِكْثارِ مِنَ الأَطْعِمَةِ وتَنْوِيعِها فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ إِيّاكَ والتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبادَ اللهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ اهـ

          وإِيّاكَ إِيّاكَ أَنْ تُضَيِّعَ وَقْتَكَ في أَماكِنِ اللَّهْوِ والْمَعَاصِي بَلِ اجْتَنِبْها وانْصَحْ غَيْرَكَ بِاجْتِنابِها وقُمْ بَدَلاً مِنْ ذَلِكَ بِزِيارَةِ الأَقارِبِ وصِلَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّها مِنْ زادِ الآخِرَة.

          اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلى القِيامِ والصِّيامِ وصِلَةِ الأَرْحامِ بِجاهِ محمَّدٍ الْمُظَلَّلِ بِالغَمام.

          هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.

          الخطبة الثانية

          إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمّدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبي حَنِيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَٱتَّقُوهُ.

          وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )
          اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وبارِكْ على سَيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا بارَكْتَ على سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالى ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢)﴾[سورة الحج/1-2]، اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنُوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ ٱغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ ٱجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ ٱسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ . عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.







          *********************************************














          تعليق

          • سُلاف
            مشرفة المواضيع الإسلامية
            من مؤسسين الموقع
            • Mar 2009
            • 10535






            ما يظهر وما يخفى من أعمال الصائم في شهر رمضان







            الحمد لله العليم الحكيم؛ يعلم ما في القلوب، وما تخفيه الصدور، وهو علام الغيوب، نحمده على رحمته بنا، ونعمته علينا، ولطفه فينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له في هذا الشهر الكريم منح وعطايا، وهبات وهدايا لا يتعرض لها إلا الموفقون، ويصرف عنها المخذولون، فاللهم اجعلنا من الموفقين، وجنبنا طرق المخذولين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله «كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»
            صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

            أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمروا هذه الليالي والأيام بطاعته، واشتغلوا بذكره وشكره وحسن عبادته؛ فإنكم تستقبلون أفضل الليالي، فضلت بليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، فمن ذا الذي يعطي ليلة بثلاثين ألف ليلة إلا الجواد الكريم، الرب الرحيم، وحري بكل واحد منا أن يدركها وهو خالي القلب لها، ولن يكون القلب خاليا لها إلا إذا اشتاق إليها، ولن يكون القلب مشتاقا إليها إلا إذا تطهر من أدرانه، ولن يكون ذلك إلا بترويض القلب والنفس على العمل الصالح من الآن، فلا تأتي العشر على العبد إلا وشوقه لليلة القدر شديد، ورغبته فيها عظيمة، ولن يخذل الله تعالى عبدا ما دخل عليه رمضان إلا وهو يطلبها، ويشتاق إليها، ويروض نفسه الشهر كله على إدراكها والعمل فيها، ولو قيل للعبد: شهر بألف شهر لكان ذلك من أعظم الربح، فكيف إذا كانت ليلة بثلاثين ألف ليلة، فلنوطن أنفسنا على العمل الصالح من الآن، ونجانب مجالس اللهو واللغو والخسران ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

            أيها الناس: صيام رمضان شعيرة من الشعائر، والشعائر هي الأعلام الظاهرة، وظهور العبادات في رمضان لا يخفى حتى على الكفار؛ إذا يعلم الناس كلهم بدخول رمضان؛ لما يحتف به من الشعائر، سواء في ترائي الهلال في أوله وآخره، أو في مظاهر الإفطار الجماعي، أو في صلاة التراويح التي هي من أعظم شعائره، أو في زكاة الفطر التي يرى الناس فيها أطعمة الفطر تملأ الأسواق.وكون كثير من عبادات رمضان ظاهراً أوجد حرجاً في نفوس بعض المخلصين من إظهار العمل الصالح مع أن إخفاءه أكثر إخلاصاً، وأوجد أيضاً طريقاً للمرائين بما يتكلفونه من إظهار أعمالهم وإحسانهم.ومن تأمل النصوص الواردة في هذا الباب العظيم من أعمال القلوب يجد أن الأعمال الصالحة على نوعين:
            نوع يُظهر ونوع يُخفى، والنوع الذي يظهر هو شعائر الإسلام الظاهرة التي قصد الشرع إظهارها؛ تعظيما لله تعالى، وتكبيرا له، وهي العبادات التي يشرع الاجتماع لها سواء على وجه الوجوب كصلاة الجماعة أو على وجه السنية كصلاة التراويح، فلا يُهجر المسجد بحجة أن هاجره يريد أن يخفي عمله؛ لأن الفرائض يستوي في إظهارها جميع المسلمين، ولا يصلي التراويح في منزله لئلا يرائي بها؛ لأنها شعيرة رمضان الظاهرة، التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه من الظهور، وأحياها عمر رضي الله عنه.
            ومثل ذلك كل شعيرة ظاهرة يُجتمع لها، وعلى المؤمن أن يجاهد نفسه على الإخلاص في الأعمال الظاهرة.ويشرع إظهار العمل، وقد يجب أو يندب إليه إذا كان من وراء إظهاره مصلحة عامة؛ كتعليم العلم فإنه لا يكون إلا بإظهاره وإفشائه، وكشخص يقتدى به لمنزلته بين الناس فيظهر العمل ليُقتدى به في الخير. وعليه إذا أظهره أن يجاهد نفسه على الإخلاص فإن مدخل الشيطان هنا بالرياء أوسع من دخوله عليه في الشعائر الظاهرة. وضابط ذلك: أن يستوي في قلبه علم الناس بعمله وعدم علمهم به. ودليل مشروعية إظهار العمل للاقتداء به قول النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» قاله لما دعاهم إلى التبرع فجاء رجل بصرة كبيرة فقلده الناس وتتابعوا على الصدقة.وأما إذا لم يكن العمل من الشعائر الظاهرة، ولا مصلحة في إظهاره؛ فإن كمال الإخلاص في التخفي به؛ لقول الله تعالى ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ أي: فإخفاؤكم إياها خير لكم من إعلانها. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» وهذا من أبلغ أوصاف التخفي بالصدقة، وهي صدقة التطوع.وقد يكون الإنسان غنياً، ومنفقاً في الخير كل أوان، فهذا يعسر عليه التخفي بالصدقة، ولا سيما إذا كان مقصدا للفقراء والمحتاجين، وقد أثنى الله تعالى على من كان كذلك في ثلاث آيات من القرآن، منها قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وكونهم ينفقون بالليل والنهار وسرا وعلانية يدل على كثرة إنفاقهم بحيث لا يستطيعون إخفاء كل إنفاقهم من كثرته. وفي آيتين أخريين ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ بل أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ ويلاحظ في كل هذه الآيات تقديم إنفاق السر على إنفاق العلانية؛ لأنه أبعد عن الرياء، فعلى المرء أن يجعله أصلا في نفقاته، وما ظهر منها لا يضره إذا لم يراء به.

            وليس كل نفقة يستطيع المرء أن يخفيها؛ فنفقة الرجل على أهله وولده تدخل في الإنفاق علانية، ومدخل الرياء فيها معدوم أو ضعيف؛ لأن الناس كلهم ينفقون على أهلهم وعيالهم. كما أن زكاة الفرض مدخل الرياء فيها ضعيف، وكذلك زكاة الفطر.وفي إظهار الصدقة أو النفقة على ذوي القربى والجيران وعموم الفقراء أذى لهم؛ لأنها تظهر فاقتهم، وتهدر كرامتهم، وتدل الناس على ذلهم؛ فكان إخفاؤها متأكدا؛ لئلا تتحول إلى صدقة مَنٍّ وأذى.هذا؛ والمبالغة في إخفاء كل نفقة قد تؤدي إلى عدم إظهار نعمة الله تعالى على العبد، كما أن المبالغة في إظهارها تؤدي إلى الرياء.ومن آكد أعمال رمضان: قراءة القرآن، والأصل الاستخفاء به كما جاء عن عدد من السلف، فروى أحمد عن سُرِّيَّةِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَتْ: كَانَ عَمَلُ الرَّبِيعِ كُلُّهُ سِرًّا، إِنْ كَانَ لَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَقَدْ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَيُغَطِّيهِ بِثَوْبِهِ "وقال الْأَعْمَشِ كُنْتُ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فَغَطَّى الْمُصْحَفَ، وَقَالَ: لَا يَظُنُّ أَنِّي أَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ سَاعَةٍ.فإذا كان يستطيع القراءة حيث لا يراه أحد فذلك أخلص، وأما إن كانت خلوته بنفسه تصيبه بالسأم حتى يترك القراءة؛ لزم المسجد مع الناس لينشط على القراءة ولا يتركها؛ لأنه قد يريد كمال الإخلاص فيترك كل العمل، ولزوم المسجد أحفظ للصائم، وأنشط له على العبادة، كما ورد عن بعض السلف أنهم يلزمون المسجد ويقولون: نحفظ صيامنا.

            ومن أعمال رمضان: صلاة التطوع، والأفضل أن تكون في المنزل إلا ما شرع له الجماعة كالتراويح؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» رواه الشيخان.وقال محمد بن القاسم: صَحِبتُ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ أَرَهُ يُصَلِّي حَيْثُ أَرَاهُ رَكْعَتَيْنِ مِنَ التَّطَوُّعِ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَسَمِعتُهُ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً يَحْلِفُ: لَوْ قَدِرتُ أَنْ أَتَطَوَّعَ حَيْثُ لاَ يَرَانِي مَلَكَايَ لَفَعَلْتُ خوفًا من الرياء... وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخرُجَ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَاكتَحَلَ، فَلاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ البُكَاءِ.وأما إن كان في منزله من الصوارف ما يصرفه عن التطوع بالصلاة، فيصلي ما شاء من تطوع في المسجد؛ لأن إظهار العمل مع الاجتهاد في الإخلاص أولى من تركه خوفا من الرياء، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله تعالى: تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ.نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في أعمالنا كلها، وأن لا يجعل في عملنا شيئا لأحد سواه، وأن يقبل منا ومن المسلمين، إنه سميع مجيب.وأقول قولي هذا وأستغفر الله...

            الخطبة الثانية

            الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

            أما بعد:
            فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإنكم في قبالة عشر مباركة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ»
            وكان يخصها بالاعتكاف تحريا لليلة القدر، وحقها أن يتفرغ المؤمن لها تفرغا كاملا، فإن قدر على الاعتكاف فهو الأفضل، وإلا قضى أكثر وقته في مسجده، فنشر مصحفه، وأسبل دمعه، وألح في دعوته، وعلق قلبه بربه سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

            أيها المسلمون:تنتشر في رمضان مظاهر الإحسان، ويتسابق الناس إلى القرآن، ويحرصون على التراويح، ولكن يشوب بعض أعمالهم شوائب يخشى على العمل منها:فأناس يفاخرون بموائد إفطارهم التي يمدونها، وربما وضعوا عليها لافتات تدل عليهم، وهذا قد ينافي الإخلاص، ولا سيما إذا لم يكن لذلك مصلحة، وقد يصاحبها سرف في تقديم الطعام والشراب، مما يؤدي إلى إهدار النعم ورميها؛ فالحذر الحذر أن تنقلب موائد الإفطار من مجال الإحسان إلى الرياء والكفران.وآخرون يفاخرون بعدد ختماتهم للقرآن، ويخبرون غيرهم بها تصريحا أو تلميحا، مع أنه لا مصلحة في ذلك في الأغلب، والقارئ يجب أن يقرأ لله تعالى لا للناس.
            وربما كانت قراءته هذًّا لا خشوع فيها ولا تدبر، وهؤلاء على خطر عظيم.
            وآخرون يتلمسون الصلاة مع مشاهير القراء، لا طلبا للخشوع والتدبر، وإنما ليخبر في كل ليلة أنه صلى مع فلان، وتمر عليه ليالي رمضان وهو لم يسمع القرآن من قارئ واحد، وإنما في كل ليلة له مسجد.والواجب على المؤمن أن يخفي ما استطاع من أعماله الصالحة، وأن يجاهد نفسه على ما يظهر منها، وأن يترقى في درجات الإخلاص حتى يستوي في قلبه علم الناس بعمله وعدم علمهم به، ويترقى أكثر وأكثر حتى يبلغ درجة من الإخلاص يستوي في نفسه مدح الناس وذمهم؛ لأنه يعامل الله تعالى ولا يعامل الخلق، ويرجو أجره منه سبحانه لا منهم
            ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

            وصلوا وسلموا على نبيكم...



            ************************************************** ****


            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : إبراهيم بن محمد الحقيل







            التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 06-19-2015, 02:07 PM.


            تعليق

            • سُلاف
              مشرفة المواضيع الإسلامية
              من مؤسسين الموقع
              • Mar 2009
              • 10535









              مـــراتب الصائميــن








              الخطبة الأولى

              إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
              ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))

              أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
              وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

              عباد الله
              ونحن مع هذا الشهر العظيم شهر الصيام والقيام الذي كتب الله علينا صيامه كما قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )).
              وقد قسم أحد العلماء الصوم إلى ثلاث مراتب : صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
              أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
              أما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
              أما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الأمور الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله فهو إقبال بكامل الهمة على الله جل وتعالى وانصرافه عن غيره.
              قال ابن رجب رحمه الله: الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا.
              مثل هذا الصائم ليس عيده أول يوم من شوال، وانما عيده يوم لقاء ربه، وفرحته برؤيته.

              عباد الله / تمام الصوم وكماله، وكلكم يطلب ذلك، لا يتم إلا بأمور منها :

              غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يحرم ويذم ويكره.
              قال الله تعالى: (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون )) وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: ((اصرف بصرك)) رواه مسلم.

              وتمام الصوم وكماله يتم بحفظ اللسان عن فضول الكلام والخوض في الباطل والجدال والخصومة والكذب والنميمة والفحش والسب وبذاءة اللسان، والسخرية والاستهزاء. وإلزامه السكوت والصمت وشغله بذكر الله وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان.
              روى البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُـنّـة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)).

              وتمام الصوم وكماله يتم بحفظ السمع وكفه عن الإصغاء إلى كل محرم ومكروه؛فكل ما حرم قوله، حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: (( سماعون للكذب أكّالون للسحت )) وتمام الصوم وكماله يتم بحفظ بقية الجوارح عن الآثام حفظ البطن وما حوى وحفظ العقل وما وعى وضمان حفظ اللسان والفرج قال صلى الله عليه وسلم ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) رواه البخاري

              وتمام الصوم وكماله يتم بعدم الاكثار من الطعام والإسراف فيه وقت الإفطار، والإسراف في كل شيء مذموم ومنهي عنه ، لا سيما في الطعام والشراب قال الله تعالى : (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَات يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ )) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني .
              ورقة القلب وصفاؤه إنما تكون بترك الشبع فمن أكل كثيراً نام كثيراً، فخسر كثيراً، وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد، وإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة. وتمام الصوم وكماله بأن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً بين الخوف والرجاء. إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين. وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها.
              نسأل الله جل وتعالى أن يرحمنا برحمته ، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وجميع أعمالنا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .


              الخطبة الثانية

              الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
              أما بعد : عباد الله / رمضان شهر الجود والإحسان، شهر الكرم والعطاء، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
              كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس وأكرم الناس، وكان أجودُ ما يكون في رمضان.
              وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، و تحمل أثقالهم، ولم يزل صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ.
              تَعَوّدَ بسطَ الكفِّ حتى لو أنه ثَناها القبضُ لم تجبْه أناملُهُ
              تراهُ إذا مـا جئتـُهُ مُتَهَـلِّلاً كأنّك تُعطيهِ الذي أنتَ سائلُهُ
              هو البحرُ من أيِّ النواحي أتيتُهُ فَلُجّتُهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهُ
              ولوْ لَمْ يَكُنْ في كفّه غيرُ روحِهِ لجادَ بِهـا فَلْيَتّقِ اللهَ ســائلُهُ


              فعليكم بالصدقة أيها الصائمون فهذا شهركم، خير الناس أنفعهم للناس.
              هذا شهركم، و هذه فرصتكم، فمن لم يتصدق في رمضان فمتى يكون. و كيف ينسى المسلمون بعضهم بعضا ، وفيهم من المحتاجين الكثير والكثير هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))







              *****************************************



              خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : محمد المهوس










              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535






                فضــل الإنفــاق و آدابــه









                الخطبة الأولى

                إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين
                أمَّا بعد:

                فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، حث الإسلام على الإنفاق في الخير ووجوه البر، ورتب على ذلك الثواب العظيم قال الله جلَّ وعلا: (قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ)، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، ورَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ ومَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: "مَالُكَ مَا قَدَّمْتَ، وَمَالُ وَارِثِكَ مَا أَخَّرْتَ"، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، وسُئل صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ: "أن تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".

                أيها المسلم، وللانفاق في سُبل الخير فضائل عديدة: فمن فضائلها: مضاعفة الأجور، قال جلَّ وعلا: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، وقال: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)، وقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

                ومن فوائد الإنفاق في سبيل الخير: أن المصدق يُدعى يوم القيامة من باب الصدقة، جاء في الحديث: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُنْفِقُ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا دُعَي في الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ هذه الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى منها أَحَدٌ قَالَ: "نَعَمْ. وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".

                ومن فوائدها: انشراح الصدر، وطيب النفس، يقول الله جلَّ وعلا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يُنْفِقَ سَبَغَتْ حَتَّى تعفن جلده، وتخفي بَنَانَهُ، وتمحو أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ لَصَقتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكانهَا كلما أراد أن يُوَسِّعُهَا وَهِىَ لاَ تَتَّسِعُ".

                ومن فوائد الإنفاق في الخير: النجاة من النَّار، يقول صلى الله عليه وسلم مخاطباً للنساء: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، قيل لماذا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" الحديث.

                ومن فوائد الصدقة: أن المصدق يعيش يوم القيامة تحت ظل صدقته إلى أن يقضى بين الناس، كما في الحديث: "كُلُّ امْرِئٍ تحت ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ".

                ومن فوائدها: أن هذا العمل أحب الأعمال إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على أخيك المسلم، تكشف كربا، أو تقضي دينا، أو تطرد عنه جوعا".

                ومن فوائدها: أن الصدقة تمحو الخطيئة وتمحي آثرها.

                ومن فوائدها: أن الله جل وعلا يتلقاها بيمينه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم ينفق نفقة في سبيل الله ولو تمرة إلا تلقاها الله بيمينه فينميها له كما ينمي أحدكم فصيلة فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم".

                ومن فوائدها: أن الله يخلف على المنفق خيرًا مما أنفق، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من يصبح الناس فيه إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط كل منفق خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفا".

                ومن فوائدها: أن هذه الصدقة لا تنقص الأمانة معنويا؛ بل هي تعود عليه بالخير، كما في الحديث: "ومَا نَقَصَ مَالُ مِنْ صَدَقَةٍ".

                ومن فوائدها: أن أعمالها تجري على صحابها في لحده، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، وهي برهان على قوة الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"، وهي طهرت للمال، وقف النبي على التجار فقال: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ يَحْضُرُ الْبَيْعَ الْحَلِفُ وَاللَّغْوُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ".

                أيها المسلم، ولهذه الصدقة آداب ينبغي أن يتحلى بها المصدق، لعل الله أن يقبل صدقته وإحسانه:

                فأول ذلك: أن يكون الباحث على الصدقة والإحسان ابتغاء وجه الله، وأن يريد بصدقته وجه الله، لا رياءً ولا سمعة، لا ثناء الناس ومديحهم؛ لكن يريد التقرب إلى الله الذي: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، يقول الله جلَّ وعلا في مدح المؤمنين: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً).

                ومنها: أن يختار صدقته مالا طيبًا خاليًا من المحرمات، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا".

                ومن ذلك أيضا: أن يكون منشرح الصدر بالنفقة لا ماناً بها، ولا متعاليا بها: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى).

                ومنها: أن يعلم أن هذه النفقة أنه يقرض الله وينفع خيرا كثيرا، فليطمئن بذلك نفسه وليحمد الله على الثواب العظيم.

                ومنها أيضا: أن ينفق في صحته وسلامته سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الصَّدَقَةِ أفضل فَقَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الروح الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا".

                أيُّها المسلمون، إن الإنفاق في سبيل الخير له طرق متعددة ومجالات واسعة، لا تقف عن نوع معين؛ بل في هذا الزمان تنوعت وجوه الخير، وتعددت الأسباب لذلك، فالمسلمون يقصدون صدقاتهم وإحسانهم وجه الله، ونفع إخوانهم المسلمين، وإعانتهم على مهماتهم ومشاكل أمورهم.

                أيُّها المسلم، إن الإسلام عندما حرم الربا وتوعد عليه الوعيد الشديد، أراد من الأمة أن يكون المال سببا لعز الأمة وغنى بعضها ببعض، واكتفاء بعضها ببعض، وأن تكون هذه الأموال سبب لنهوض بالأمة والرقي بها إلى المستوى اللائق بها، حارب الربا لأن حقيقته بقاء الأموال عند فئة من الناس وحرمان الآخرين، هذا المرابي لا يعمل صالحا، إنما يريد من ماله أن يربح على أكتاف الفقراء والمحتاجين ولهذا يرصدها في البنوك العالمية تقوى بها دول غير إسلامية عل المسلمين، تقوي اقتصادهم وتخلصهم من البطالة، ويصبح هذا المال عونا لهم حتى ضد المسلمين، فلهذا وقف الإسلام من الربا الموقف العظيم، وجعل المرابي محارباً لله ورسوله.

                أيُّها المسلم، عالمنا الإسلامي بأمس حاجة إلى وحدة الأهداف وتعاون وتساعد، وتعاون على البر والتقوى لأجل أن يعيش المجتمع المسلم حياة سعيدة آمنة مطمئنة: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، فعالمنا الإسلامي يشكوا من أمور مختلفة، فمن عالمنا الإسلامي من يشكوا من قلة الموارد فهو بحاجة إلى دعم موارده للوقوف في حل مشاكله اقتصادية ونهوض المجتمع عن البطالة، ومن عالمنا الإسلامي من يوجد في أراضيه أنواع الخيرات والفواكه الطبيعية فهو بحاجة إلى مال ليشتغل تلك الخيرات وينهض بمجتمعه، ومنها أيضا: أيد عاملة وعقول مفكرة لكن بحاجة إلى مال لتشغيل تلك الأيادي العاملة وتساعد العقول والأفكار مع المال المسلم للنهوض بالأمة، ومن عالمنا الإسلامي من يشكوا الأمراض مختلفة والأوبئة المتعددة ونقص المياه الطيبة مما يئنوا بهم في هذه الحالة فهو بحاجة إلى دعم مشاريع خيرية، ومن عالمنا الإسلامي من يجد الجهل الأمية على أفراده فهم بحاجة إلى توعية وأنقاض من هذا الجهل وهذه الأمية التي حطمت كيانهم وأصبحوا لا يفقهون شيئا، ومن عالمنا الإسلامي من يشكوا الفاقة والفقر ويتسلط عليه المتنصرون ودعاة التنصير والتظليل والتشيع الباطل ليغيروا اتجاه وعقيدته الإسلامية إلى غير ذلك من الأضرار.

                فمجال الإنفاق في الخير مجالات واسعة فمن ذلك: بناء المساجد، فبناء المساجد في عالمنا الإسلامي من الأمور المهمة يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ"، بناء المرافق الإسلامية التعليمية النافعة، كفالة الأيتام، الأوقاف النافعة، بناء المصحات والمستشفيات لإنقاذ الأمة مما أصابها من نكبات كالمشردين عن بلادهم، المبعدين عن بلادهم الذين يعانون الجوع والعري في خارج بلادهم، فإنقاذهم وتخليص مشاكلهم من الأمور المهمة، حفر الآبار، والمياه النافعة، إقامة المراكز البحثية العلمية لإنقاذ الأمة وتوجهه حتى تخلصها من جهلها وأميتها وتكون أمةً قادة على الوقوف على أقدامها بتوفيق من الله، إن الأمة المسلمة لا يقصرها رجال ولا الثروات الطبيعية؛ ولكن يقصرها قلة الإخلاص وعدم التعاون والتساعد فيما بينها، فأعداءها يفرقون شملها، ويتسلطون عليها، ويدبرون المؤامرات ضد بعضها لبعض، لكي يعيشوا هم مطمئنين والعالم الإسلامي مشغول في خلافاته، واضطراباته، وفقره وفاقته، وجهله وبعده، كل هذا أمور تخالف الشرع، فلابد من نشر الدعوة إلى الله، والمرافق الطبيبة، والبحوث العلمية، ونشر الإعلام الإسلامي، ونشر الكتب والمقالات النافعة، وتخليص الأمة من أن يؤثر عليها التنصير والتشيع الباطل الذين يرجون البلاد خرافات وجهل وضلال، إن عالمنا الإسلامي لابد أن يقف على قدميه، لابد أن يفكر في مصيره ومآله، فإن في زمن شهوه العالم الإسلامي وقلله من شأنه جهل وفقر وفاقة واختلاف ونزاع، وبعد بعضنا عن بعض هذه أسباب جعلت الأمة الذلة والهوان، فلابد للأمة أن تنهض بأمتها ومجتمعها ليكون مجتمعا متلاحما قويا، إن الأمة لا يقصرها عقول ولا أفكار ولا أيدي عاملة، ولا نقص خيرات في بلادها، فالخيرات كلها في بلاد الإسلام؛ لكن يقصرها الإخلاص، وقلة التعاون فيما بين أفرادها.

                فعلى الأمة المسلمة أن تعود إلى رشدها، وأن تفكر في أمرها، وأن تعلم أن هذه الأموال الموجودة عند كثير من أثريائها، لابد أن تسخر فيما يصلح الأمة في حاضرها ومستقبلها، ليكون مالاً نافعا، مالا مؤثرا، أمَّا هذه الأموال التي تذهب لأجل الفوائد الربوية السنوية أو نحو ذلك فهي ضرر لأمة لا خير فيها ولا مصلحة منها، إن المال الإسلامي إذا استعمل واستغل فيما ينفع الأمة عاد هذا الخير على الأفراد وعلى أصحاب الأموال بخير وفضل أعظم من فوائد الربوية التي لا خير فيها، ولننعم بنعمة الله جل وعلا، وغضبه على المرابين، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يخدم الجميع لما فيه خير الإسلام في الحاضر والمستقبل إنه على كل شيء قدير، أقولٌ قولي هذا، واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.



                الخطبة الثانية

                الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:

                فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ الواحدٍ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ"، هكذا المجتمع المسلم مجتمع متعاون ومتحاب ويرحم بعضه بعضا، ويعطف بعضه على بعض، ويحسن بعضه إلى بعض، ويهتم بعضه ببعض، يقول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، فمتى وجد هذا التعاون المسلم وهذا التفاهم والإخلاص والصدق فيما بين الجميع نهضت الأمة على المستوى اللائق بها، إن أمة الإسلام هي الأمة القيادية للأمة التي هيأها الله لقيادة البشرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فهم خير الناس للناس، الأمة المحمدية هي أمة القيادة، وأمة الخير، وأمة الهدى؛ لكن بشرط أن تتمسك بدينها وتجتمع على كلمة الله، ويكون التعاون بينها جميعا تعاون على الخير والتقوى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، هكذا المؤمنون، إن ما أصاب الأمة من نقض أو ضعف في كل أحوالها إنما سببه البعد عن دين الله، البعد عن تعاليم الشريعة، الزهد في تعاليم الشريعة التي جاءت بما يقوي الروابط الأخوية بين الأمة المسلمة؛ لأننا جميعا مسلمون لابد أن يأخذوا موقف أمام هذه التحديات العالمية في الاقتصاد والأفكار والآراء، لابد للأمة الإسلامية أن تثبت وجودها، وأنها الأمة المستطيعة بتوفيق الله إلى أن تقف على أقدامها ثابتةً متعاون بعضها بعضا، يشد بعضها آزر بعض، ويقوي بعضها بعضا، لتقف أمام هذه التحديات في اقتصادها وفي أمنها وفي خيرها، إن الأمة الإسلامية يجب أن تعي مواقعها وأن لا ترضى بأن تهمش من مصادر القرارات وأن تتدبر وتتداول الأمور ضدها، وهي أمة قادرة مستطيعة بتوفيق الله أن يكون موقف مؤثر في الحياة وفي المجتمع كله، أسأل الله أن يأخذ بيد الجميع لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير.

                واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

                وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

                اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا ولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، اللَّهمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

                عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون






                ************************************************



                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد العزيز عبد الله آل الشيخ









                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535







                  آخر جمعة في شهر رمضان












                  أما بعد: فهذه آخرُ جمعةٍ من رمضان، وهكذا تمضي الأعمار، وإنما العبد جملةٌ من أيام؛ كلما ذهب يوم ذهب بعضه.

                  هذا رمضان يمضي، كما كان بالأمس يأتي، فسبحان من قلّب الليل والنهار، وأجرى الدهور والأعوام، وفي ذلك مُعْتَبَرٌ للمعتبرين، وموعظة للمتقين.


                  هذا رمضان تلك السنةُ يشيّع، تطوى صحائفه بأعمال العباد، ولا تنشر إلا يوم القيامة للحساب، ولا ندري أندرك رمضان القابل أم لا؟! فالله المستعان!


                  فحُقَّ لرمضان أن يُبكى له ويُبكى عليه، كيف لا يبكي المؤمن عليه وفيه تفتح أبواب الجنان؟! وكيف لا يبكي المذنب على ذهابه، وفيه تغلق أبواب النيران؟! كيف لا يُبكى على وقت تسلسل فيه الشياطين!! فيا لوعة الخاشعين على فقدانه، ويا حرقة المتقين على ذهابه!!


                  كان منهم القائم القانت في محرابه: (يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) ويخشى عذابه، ومنهم من قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وتجرد من الدنيا وقطع عن نفسه كل العلائق، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقرب منه، فما بقي في قلبه غير الله تعالى، وليس له همٌّ إلا مرضاته، يتمثل قول داوود الطائي -رحمه الله- حينما كان يناجي ربه في ليله فيقول: "همُّك عطَّل عليّ الهموم، وخالف بيني وبين السُّهاد، وشوقي إليك أوبق مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات".


                  هذا حال الصائمين القائمين، عرفتهم المساجد والخلوات، يطيلون القيام، ويتلون القرآن، ويُلحُّون في الدعاء، ويعلنون الإنابة، ويناجون الرحمن، بينما غيرهم في مجالس الزور مجتمعون على عرض الشيطان، وبرامج الفساق.


                  ماذا دها الصالحين؟! وما الذي دعاهم إلى طول التهجد ومكابدةِ السهر والنصب؟! إنهم يلتمسون ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فلو نطقت المساجد لقالت: "يا ليلةَ القدرِ: للعابدين اشهدي، يا أقدام القانتين: اركعي لربك واسجدي، يا ألسنة السائلين جدِّي في المسألة واجتهدي".


                  ها هو ذا رمضان يمضي، وقد شهدت لياليه أنين المذنبين، وقصص التائبين، وعبرات الخاشعين، وأخبار المنقطعين، وشهدت أسحاره استغفار المستغفرين، وشهد نهاره صوم الصائمين، وتلاوة القارئين، وكرم المنفقين، إنهم يرجون عفو الله، علموا أنه عفوٌ كريم يحب العفو فسألوه أن يعفوَ عنهم.


                  لما عرف العارفون جلاله خضعوا، ولما سمع المذنبون بعفوه طمعوا، ما ثمَّ إلا عفوُ الله أو النار، لولا طمعُ المذنبين في العفو لاحترقت قلوبُهم باليأس من الرحمة؛ ولكن إذا ذكرت عفوَ الله استروحت إلى برد عفوه، كان أحد الصالحين يدعو قائلاً: "جرمي عظيم، وعفوك كبير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم".


                  هذا دعاء الصالحين، وهكذا قضوا رمضان، فلهم الحق أن يبكوا في ختامه؛ لما له من لذة في قلوبهم، ومع ذلك فهم وجلون من ربهم، خائفون من الردِّ وعدم القبول، يعلمون أن المعوَّل على القبول لا على الاجتهاد، وأن الاعتبار بصلاح القلوب لا بعمل الأبدان.


                  كم من قائم محروم! ومن نائم مرحوم! هذا نام وقلبُه ذاكر، وهذا قام وقلبُه فاجر؛ لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات، والاجتهاد في الصالحات، مع سؤال الله القبول، والاشتغال بما يصلح القلوب، وهذا دأبُ الصالحين.


                  قال يحيى بن أبي كثير: "كـان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".


                  وقال ابن دينار: "الخوف على العمل أن لا يتقبل أشدُ من العمل".


                  وقال عبد العزيز ابن أبي روّاد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ أيقبلُ منهم أم لا".


                  أيها الإخوة: وأعظم علامةٍ على القبول: استمرارُ العبد على الخير والعمل الصالح بعد رمضان، قال بعضهم: ثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنةٍ بعدها كان ذلك علامةً على قبول الحسنةِ الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة ردِّ الحسنة وعدم قبولها.


                  إن مقابلة نعمةِ إدراك رمضان والتوفيق لصيامه وقيامه بارتكاب المعاصي بعده لَمِن فِعْلِ من بدل نعمة الله كفرًا، فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فيخشى عليه أن يكون صيامه مردودًا، وباب الرحمة في وجهه مسدودًا، إلا أن يعجِّل بتوبة نصوح، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنة تعقبها، وما أقبحَ السيئةَ بعد الحسنة تمحقها وتعفوها! ذنبٌ واحد بعد التوبة أقبحُ من سبعين ذنبًا قبلها، ما أقبح النكسة بعد التوبة! سلوا الله الثبات من تقلب القلوب، ما أوحش ذلَّ المعصية بعد عزِّ الطاعة.


                  يا معشر التائبين: لا ترجعوا إلى المعصية بعد رمضان، واصبروا عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان، اصبروا لله تعالى يعوضكم خيرًا: (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)


                  يا معشر الطائعين: إن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في رمضان لا تنقطع بانقضائه؛ بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًّا، نعم لا يطيقها كلَّها، فيخففُها لكنه لا يقطعها، قيل لبشر الحافي: "إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القومُ قومٌ لا يعرفون الله حقًّا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلَّها".


                  وتلك قاعدة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". متفق عليه عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه"، فربُ رمضان هو ربُ الشهورِ كلها -تعالى وتقدس-، وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، قال الحسن -رحمه الله تعالى-: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ) .


                  أما يستحيي قوم من ربهم إذا انقضى رمضان عطَّلوا المساجد والقرآن، وعادوا إلى الحرام، نعوذ بالله أن نكون منهم، هذا هو الحديث لمن قضوا رمضان في طاعة الله، ولمن كان رمضان مناسبة لتوبتهم، وميلادًا جديدًا لهم.


                  لكن ماذا يقال لمن فاتتهم الفرصة فأضاعوا رمضان في اللهو والباطل؟! لا أحسن من أن يقال لهم: توبوا إلى ربكم، فما يزال ربكم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ما يزال باب التوبة مفتوحًا، فإلى ربكم أنيبوا.


                  فإن كانت الرحمةُ للمحسنين فالمسيء لا ييأس منها، وإن تكن المغفرة مكتوبة للمتقين فالظالمُ لنفسه غيرُ محجوب عنها: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) .


                  يا من ضاع منه رمضان: لا يضع منك عمرك، اختمه بتوبة عسى أجلُك أن يختم بالحسنى.


                  يا أيها العاصي -وكلنا ذلك-: لا تقنط من رحمة الله لسوء عملك، فكم يُعتقُ من النار في ختام الشهر من أمثالك!! اصدق مع الله يصدقك، وأحسن الظن بربك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.


                  يا شهر رمضان: ترفق، دموع المحبين تدْفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة للوداع أن تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعةُ توبةٍ وإقلاع أن ترفو من الصيام ما تخرق، عسى منقطعٌ عن ركب المقبولين أن يلحق، عسى أسير الأوزار أن يطلق، عسى من استوجب النار أن يعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق، اللهم اجعلنا من المقبولين، اللهم سلمنا إلى رمضان وسلمه لنا، وتسلمه منا متقبلاً، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.




                  الخطبة الثانية:


                  الحمد لله حمدًا ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ خير من صام وقام، وأحسن الختام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.


                  أما بعد:


                  فاتقوا الله -عباد الله- فإن كان شهر التقوى قد آذن بصرم، ولم يبق منه إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، فإن الله تعالى يجب أن يُتقى في كل وقت وحين، فهو دائم لا يزول، وحي لا يموت.


                  أيها الإخوة المؤمنون: كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة -صدقة الفطر-، فإن صدقة الفطر طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، والاستغفارُ يرقع ما تخرّق من الصيام باللغو والرفث، ولهذا قال بعض المتقدمين: "إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة".


                  وقال عمر بن عبد العزيز في كتابه: "قولوا كما قال أبوكم آدم: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) ، وقولوا كما قال نوح -عليه السلام-: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ) ، وقولوا كما قال إبراهيم -عليه السلام-: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ، وقولوا كما قال موسى -عليه السلام-: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) ، وقولوا كما قال ذو النون -عليه السلام-: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .


                  أيها الإخوة: لما كانت المغفرة والعتقُ من النار كلٌ منهما مرتبًا على صيام رمضان وقيامه، أمر الله -سبحانه وتعالى- عند إكمال العدة بتكبيره وشكره: (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فشكرُ من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام، وإعانتهم عليه، ومغفرتهِ لهم به، وعتقهم من النار، أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته، وقد فسر ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- تقواه حق تقاته: "بأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر".


                  والتكبير مشروع من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، يجهر به الرجال في المساجد والأسواقِ والبيوت كما كان السلف يفعلون.


                  ومن السنة أن يأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر تمراتٍ وترًا، ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، يقطعها على وتر؛ لقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا". أخرجه البخاري.


                  ويخرج النساءُ لصلاة العيد غير متبرجات بزينة ولا متعطرات، يحضرن الصلاة والذكر، ومما يلزم التنبيه عليه أن بعض الناس يُهمِل أهله وبناته في لباسهن فيكون فيه مخالفاتٌ شرعية، يخرجن يوم العيد يفتنَّ الناس، وسيسأل عن إهماله هذا يوم القيامة، فيجب على من استرعاه الله نساءً أن يطَّلع على لباسهن للعيد، فإن كان مباحًا وإلا منعهن من لبسه، حماية لهن من الوقوع في الإثم، وأداءً للأمانة التي حمَّله الله تعالى إياها.


                  ثم إن كثيرًا من الناس بمجرد إعلان العيد يخرجون للأسواق، فتضيع ليلة العيد في التجوال في الأسواق مع ما تعج به من منكرات، فلا يسلم روّادها من الوقوع في الإثم والمنكر، وما هكذا يشكر الله تعالى في ليلة العيد التي ينبغي أن تقضى في الاستغفار والذكر حتى يختم الشهر بخاتمة حسنة، فاتقوا الله ربكم، وجددوا توبتكم، واحذروا الكفران عقب النعمة، والنكسة بعد التوبة، وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم...






                  ************************************************** **



                  خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : ابراهيم بن محمد الحقيل






                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535




                    كيف نفسر المتشابه من آي القرآن






                    الخطبة الأولى :

                    إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، جلَّ ربّي لا يشبهُ شيئًا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ مِنْهُ شىءٌ، ليسَ كمثْلِهِ شىءٌ وهُوَ السَّميعُ البصيرُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.

                    أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ *﴾ [سورة ءال عمران] .

                    القرءانُ، أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ كتابُ اللهِ تعالى فيهِ ءاياتٌ متشابهاتٌ وفيه ءاياتٌ محكماتٌ، والآياتُ المحكماتُ هيَ التي دلالَتُها على المرادِ واضحةٌ كقولِهِ تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ *﴾ وقولِهِ : ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *﴾ . وَليُعْلَمْ أنَّ الآياتِ القرءانيةَ أَغْلَبُها مُحْكَمَةٌ وهُنَّ أمُّ الكتابِ كما أخبرَ ربُّنا بِقَوْلِهِ عزَّ مِنْ قائِلٍ : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ *﴾ [سورة ءال عمران].

                    أمّا الآياتُ المتشابهاتُ فهيَ التي دلالَتُها على المرادِ غيرُ واضحةٍ، وقدْ ذمَّ اللهُ تعالى الذينَ يَتَّبِعونَ ما تَشَابَهَ مِنَ القرءانِ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ أيِ الزَّيْغِ أيِ ابْتِغاءَ الإيقاعِ في الباطلِ والعياذُ باللهِ، لذلكَ قال الإمامُ الكبيرُ الشيخُ العارفُ باللهِ أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ : « صونوا عقائِدَكُمْ مِنَ التَّمَسُّكِ بِظاهِرِ ما تَشابَهَ مِنَ الكِتابِ والسُنَّةِ فإنَّ ذلكَ مِنْ أُصولِ الكُفْرِ ». فليسَ لِكُلّ إنسانٍ يقرأُ القرءانَ أنْ يُفَسّرَهُ، فإذا ما سَمِعْتَ أخي المسلمَ بآيةٍ قرءانيةٍ لم تَسْمَعْ بِتفسيرِها قبلَ ذلكَ قُلْ كما قالَ الشَّافِعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ : « ءامنْتُ بما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ اللهِ » كأَنْ سمعتَ مثَلاً قولَهُ تعالى :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ *﴾ [سورة فاطر]. « الْكَلِمُ الطَّيّبُ » هُوَ ككلمةِ لا إلـهَ إلا اللهُ. « وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ » يشمَلُ كلَّ عملٍ صالحٍ يُتَقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ، أيْ يَعْمَلُهُ المسلِمُ لأجْلِ الأجْرِ والثَّوابِ مِنَ اللهِ كالصَّلاةِ والصَّدَقَةِ وصلَةِ الأرحامِ. فَمَعنى : ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ*﴾ أنَّ كلَّ ذلكَ من ذِكْرٍ للهِ تعالى والأعمالِ الصالحةِ كالصلاةِ والصَّدَقةِ وصِلَةِ الرحمِ يَتَقَبَّلُهُ اللهُ. فليسَ معنى الآيةِ : ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ*﴾ أنَّ اللهَ لَهُ حَيّزٌ يَتَحَيَّزُ فيهِ يسْكُنُهُ، ليسَ معناها أنَّ اللهَ في جِهَةِ فوق يسكنُ في السماءِ، تَنَزَّهَ اللهُ عَنْ ذلكَ، فالله سبحانه وتعالى موجود بلا مكان.

                    منْ أرادَ أنْ يَفَسّرَ المتشابِهَ مِنَ القرءانِ الكريمِ فيجبُ أنْ يكونَ التفسير مُوافِقًا للآياتِ المُحْكَماتِ كتفسيرِ الاسْتِواءِ بالقَهْرِ في قولِهِ تَعَالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *﴾. أيْ نفسّرُ كلمةَ « اسْتَوى » هُنا في هَذِهِ الآيةِ بالقهرِ أيْ أنَّ العرشَ وهوَ أكبرُ مخلوقاتِ اللهِ مقهورٌ لله تَعَالى، هذا ولا أحدَ يعلَمُ مِساحَةَ العرشِ إلا اللهُ، حتّى الملائكةُ الذينَ يطوفونَ حولَ العرشِ لا يعلمونَ مِساحةَ العرشِ فهوَ أكبرُ مخلوقاتِ اللهِ، والعرش مَقْهورٌ للهِ تعالى وسائِرُ المخلوقاتِ التي هي أصغر من العرش مقهورةٌ للهِ تعالى. فتَفْسيرُ « اسْتَوى » بالقَهْرِ في هذهِ الآيةِ يليقُ باللهِ. أمَّا منْ فسّرَ «اسْتَوى» بِجَلَسَ أوِ اسْتَقَرَّ فهذا شَبَّهَ اللهَ تعالى بِخَلْقِهِ والعياذُ باللهِ، وهذا كفر والعياذ بالله. فلا يجوزُ حملُ الآياتِ المتشابهةِ على الظاهر لأنَّهُ يلزَمُ من ذلكَ ضَرْبُ القرءانِ بَعْضِه بِبَعْضٍ. فإنَّ تفسير هذهِ الآياتِ على ظواهِرِهَا يؤدي إلى نسبة التناقض في القرءان، والحق أن القرءان لا يناقض بعضُه بعضًا، فَوَجَبَ تَرْكُ الأَخْذِ بِظَواهِرِ هذهِ الآياتِ، والرُّجوعُ إلى ءايةِ : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ*﴾ ، ولا نُفَسّرُ المُتَشابِهَ مِنَ القرءانِ على هَوانَا، بلْ كنْ أخي المسلمَ مُسْتَحْضِرًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللهُ عنهُ : « ءامنْتُ بما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ اللهِ، وءامنتُ بما جَاءَ عَنْ رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِ اللهِ ». اللهُمَّ ثَبِّتْنا على العَقيدَةِ الحَقَّةِ واحْفَظْنَا مِنْ عَقيدَةِ التَّجْسيمِ والتَّشْبيهِ يا ربَّ العالمينَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.


                    الخطبةُ الثانيةُ :

                    إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، والصّلاةُ والسَّلامُ على سَيّدِنا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأمينِ وعلى إِخوانِهِ النَبيّينَ والمرسلينَ. أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *﴾ [سورة النحل] .

                    فَرَبُّنا تبارَكَ وتَعالى يأْمُرُ بالعَدْلِ، يأْمُرُ بالإحسانِ، يأْمُرُ بإيتاءِ ذي القُرْبى. واللَّهَ نَسْأَلُ أنْ لا يَجْعَلَ مُصيبَتَنا في دِينِنَا إنَّهُ على كُلّ شىء قَدِير.

                    واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ،

                    يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.




                    ***********************************************


                    http://ar.sunnite.net/




                    تعليق

                    • سُلاف
                      مشرفة المواضيع الإسلامية
                      من مؤسسين الموقع
                      • Mar 2009
                      • 10535






                      يســروا ولا تعســروا








                      الحمد لله رب العالمين، جعل التيسير من مقاصد الدين، وحث عليه عباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، الداعي إلى أحسن الأقوال وأفضل الأعمال؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، وأحثكم على طاعته، قال تعالى:( واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) وقال سبحانه:( فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).

                      أيها المسلمون: التيسير مقصد من مقاصد التشريع، وأساس متين من أسس الدين، من أخذ به ارتفع وغلب، ومن حاد عنه غالى وانقلب، وهو مراد الله عز وجل لخلقه، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، قال الله سبحانه تعالى:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)والتيسير شعيرة في الأخلاق والمعاملات، وسمة في العادات والعبادات، فهي خير ما يدين به المسلم ربه، قال صلى الله عليه وسلم : إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره.

                      ولقد قامت شريعة الإسلام على التخفيف واليسر؛ ورفع الحرج والعسر، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لها العسر. ولقد أرسل الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وخصه بأوصاف الرحمة والتيسير، فقال تعالى:( ونيسرك لليسرى)فكان صلى الله عليه وسلم يحب التخفيف والتبشير، ويقول: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة. أي الشريعة السمحة السهلة في العمل.

                      والتيسير لا يعني تتبع الرخص والتهاون بشرع الله تعالى، فما أمر الله سبحانه به فهو واجب التنفيذ والاتباع، وما نهى عنه يقتضي الانتهاء والإقلاع، لكن الإسلام في أمره ونهيه يراعي أحوال الناس وقدراتهم، قال الله تعالى:( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»عباد الله: ما أجمل أن تكون الغاية سامية، والوسيلة سهلة ميسرة، ولا سيما أن صور التيسير قد شملت جميع العبادات، فقد يسر الله على عباده في التكليف، ورفع عنهم المشقة، قال الله سبحانه:( وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقد سهل القرآن الكريم للذكر لمن أراد التذكر به، قال سبحانه:( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)والصلاة عماد الدين، أوجبها الله عز وجل على جميع عباده، وقد راعى التيسير في أدائها، فرخص للمسافر قصرها، وللمريض أن يصلي حسب استطاعته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه حين أصابه مرض:" صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" فإذا عجز المسلم عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع ومع أهمية الصلاة ومكانتها فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف على المصلين فقال: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء.

                      والصيام ركن من أركان الإسلام، وقد خفف عن المريض والمسافر، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد التطوع به أن يعتدل ولا يتعنت، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله.

                      والزكاة لم تفرض إلا على من ملك النصاب، ولو فرضت على جميع الناس؛ غنيهم وفقيرهم؛ للحقهم الحرج، وفي الحج راعى الله تعالى فيها أحوال الناس، فلم يكلف به إلا القادر المستطيع. وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم هديا للناس في التدين، لا يشقون على أنفسهم، ولا على غيرهم.

                      أيها المسلمون: إن التيسير لا يقتصر على العلاقة بين العبد وربه، بل يشمل كذلك العلاقات بين الناس مع بعضهم، والكلام هو وسيلة التواصل بينهم، ومن أراد الوصول إلى قلوبهم فعليه أن يخاطبهم بأيسر الكلام، وتلك مقالة ذي القرنين حيث قال:( وسنقول له من أمرنا يسرا) وقد أرسل الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، فقال لهما:( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) فإذا كان هذا مع من قال:( أنا ربكم الأعلى) فكيف بمن سجد لربه وقال: سبحان ربي الأعلى؟

                      وفي العلاقات الأسرية لن ينال الابن بر والديه حتى يترفق معهما في الحديث، ويختار من الكلام ألينه، ومن تعامل مع الناس في بيع وشراء، وجب عليه أن ينتهج التيسير هديا له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»ومن كان له دين على الناس فلييسره عليهم لعل الله أن ييسر عليه، قال تعالى:( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)

                      عباد الله: إن التيسير على عباد الله سبب لنيل التيسير من الله في الدنيا والآخرة، فمن كان رحيما بالناس ولا يشق عليهم فيرحمهم يسر الله عليه أمره في الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه:( فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى)ومن شق على الناس شق الله عليه، قال تعالى:( وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من شاق شاق الله عليه»

                      اللهم وفقنا للتيسير في كل خطواتنا، واجعله هدينا في جميع أمورنا، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلمأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

                      الخطبة الثانيةالحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن التدين لا يعني التشدد والتطرف في أداء العبادات، ومن تشدد فقد أفضى إلى الهلاك، قال صلى الله عليه وسلم:« هلك المتنطعون» أي المتعمقون المغالون المتكلفون.
                      هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء».اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
                      اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأمواتوأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك.
                      اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)








                      ***********************************************



                      http://www.awqaf.gov.ae/






                      تعليق

                      • سُلاف
                        مشرفة المواضيع الإسلامية
                        من مؤسسين الموقع
                        • Mar 2009
                        • 10535



                        أحكام العيد والأضحية و أيام التشريق










                        لا نزال نتقلَّب في أيام عشر ذي الحجة، تلك الأيام الفاضلة التي عظَّم الله شأنها ورفع مكانتها، وأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ العمل الصالح فيها يضاعف إلى أضعاف كثيرة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء)).

                        أيُّها المسلمون:
                        قد مضى أكثر من نصف هذه الأيَّام، فمن كان فيها محسنًا، فليزد من الإحسان، وليسأل الله القَبول، ومن كان فيها مقصرًا ومفرطًا، فليتدارك ما بَقِيَ منها، فقد بقي منها أفضل أيَّامها وأكرمها على الله - تعالى - ألا وهو يوم الحج الأكبر يوم النَّحر.

                        عباد الله:
                        يوم النَّحر أفضل أيام الدُّنيا كما نص على ذلك نبيكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((إنَّ أعظم الأيام عند الله - تعالى - يوم النحر، ثم يوم القَرِّ))، وبهذا كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين سُئِلَ عن يوم الجمعة ويوم النحر أيُّهما أفضل؟ فأجاب: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام.

                        أيُّها المسلمون:
                        لفضل ولمكانة يوم عيد الأضحى فُضِّل على يوم عيد الفطر؛ وذلك لأنَّ عيد النحر فيه الصلاة والنحر، وعيد الفطر فيه الصدقة والصلاة، والنحر والصلاة أفضل من الصلاة والصدقة، ولهذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلي لله وينحر، وقيل له: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].

                        عباد الله:
                        من الأحكام المتعلقة بيوم النحر ما يلي:
                        أولاً: يسنُّ أن يخرج المسلم إلى مصلى العيد على أحسن هيئة، متزينًا بما يباح متطيبًا لابسًا أحسن ثيابه؛ تأسيًا بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - روى البيهقي وغيره بإسناد صحيح إلى ابن عمر: أنَّه كان يلبس أحسنَ ثيابه في العيدين، وقد صَحَّ الاغتسال قبل العيد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين.
                        ثانيًا: يسن للمضحي في عيد الأضحى ألا يأكل شيئًا حتى يصلي، فيكون فطره على أضحيته؛ عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلى"؛ أخرجه الترمذي وغيره.
                        ثالثًا: يسن التكبير جهرًا في الطريق إلى مُصلى العيد، وحتى يَخرج الإمام للصلاة، "وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا غدا يومَ الفطر ويوم الأضحى يَجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام"؛ أخرجه البيهقي وغيره، وجود إسناده الألباني رحمه الله.
                        رابعًا: لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضًا في العيد، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس كقول: "عيد مبارك" وما أشبهه، هل له أصل في الشريعة؟ وإن كان له أصل في الشريعة فما الذي يقال؟ فأجاب - رحمه الله - أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: "تقبل الله منا ومنكم"، و"أحاله عليك"، ونحو ذلك، فهذا قد رُوي عن طائفةٍ من الصحابة أنَّهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره، ثم قال - رحمه الله -: "فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم" اهـ.
                        خامسًا: حضور صلاة العيد سنة مؤكدة لا ينبغي لمسلم قادرٍ تركها، ومن أهل العلم من يرى وجوب صلاة العيد كابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - وقال ابن تيمية - رحمه الله -: وقول من قال: لا تَجب، في غاية البعد؛ فإنَّها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يَجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. اهـ.

                        فيا أخا الإسلام:
                        إذا كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمر النِّساء العواتق وذوات الخدور، والْحُيَّض مع اعتزالهن للصلاة، بالخروج لصلاة العيدين، أفيليق بك أنْ تتأخر عنها، أو تترك أهلك وأولادك عن حضورها مع المسلمين؟

                        أيها المسلمون:
                        إنَّ عيد الفطر وعيد الأضحى أعيادنا المشروعة في الإسلام، فيها يعظم ذكر الله، ويجتمع المسلمون توحِّدهم رابطةُ العقيدة، وإن اختلفت بلادهم، وتعدَّدت لغاتُهم، وتباينت ألوانهم، وإذا لزم إظهار هذه الشعيرة في كل حالٍ، فهي في حال ضعف المسلمين وهوانهم أحرى وأولى، وكم في اجتماع المسلمين من قوةٍ ترهب الأعداء لو عقل المسلمون قيمة اجتماعهم، وتوحُّد قلوبهم كما اجتمعت أبدانهم!

                        عبادَ الله:
                        ومن الأعمال الفاضلة في يوم العيد اتِّباع سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذبح الأضاحي قربانًا لله – تعالى - وكما كانت الأضحية كاملة الصِّفات، كان ذلك أعظم في الأجر؛ لأنَّ ذلك من تعظيم شعائر الله - تعالى - قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، ولقد كان المسلمون في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعتنون بالهدي والأضاحي، ويَختارون منها أحسنها وسمينها؛ جاء في صحيح البخاري عن أمامة بن سهل قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون، فكلما كانت الأضحية أغلى وأكمل في الصفات، فهي أحب إلى الله، وأعظم في الأجر لصاحبها، ودليل على تقواه؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "والأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقًا".

                        أيُّها المسلمون:
                        من هدي نبيكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ولو كثر عددهم، ومن قدر من الزوجة والأولاد على الأضحية بماله ضحَّى عن نفسه؛ لأنَّها قربة ويثاب عليها، واعلموا - عباد الله - أنَّ الأصل في الأضاحي أنَّها في حق الأحياء.

                        أيُّها المسلمون:
                        من السنة لمن كان يحسن الذَّبح أن يذبح بنفسه، ولا يوكل في ذبحها؛ لأنَّ الذبح قربة، وكون الإنسان يتولى القربة بنفسه أفضل من الاستنابة؛ جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: "ضحَّى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صِفاحِهما يُسمي ويكبر فذبحهما بيده".
                        وقال البخاري - رحمه الله -: "أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن" اهـ، وإذا أمسك المضحي بآلة الذَّبح وهَمَّ بالتذكية، وجب عليه ذكر اسم الله على أضحيته، فيقول: بسم الله، ولا يزيد عليها "الرحمن الرحيم"، ويكبر استحبابًا قائلاً: الله أكبر، ولا يُصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يشرع الزيادة على "بسم الله والله أكبر" إلاَّ دعاء المرء بالقَبول عند ذبحها؛ لحديث عائشة - رضي الله عنهما - وفيه: "وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمدٍ، ومن أمة محمد"؛ رواه مسلم.

                        عباد الله:
                        ليس هناك تحديد مُعين لمصارف الأضحية، لكن قد ورد الخبر بالأكل منها، والتزوُّد منها، والإطعام؛ كما في قوله - تعالى -: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، ومن السنة قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلوا وتزودوا))، وفي رواية: ((كلوا وأطمعوا واحبسوا وادَّخروا))، وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يثلث أضحيته ثلاثًا، وإذا ذبحت الأضحية، فلا يَجوز بيع شيءٍ منها لا لحمًا ولا غيره حتى الجلد، ويَجوز أن يعطي الكافر شيئًا من لحم الأضحية؛ تألفًا لقلبه، وإظهارًا لشعائر الدِّين، وأما الجزار، فلا يُعطى من الأضحية شيئًا مقابل الأجرة، وللمضحِّي أن يكافئه نظير عمله.

                        عباد الله:
                        اشكروا الله على نعمه يزدكم، واشكروه أنْ هيَّأ لكم ما تذبحون وتأكلون، اشكروه على أن أهلَّ عليكم عيد الأضحى بالأمن والأمان والسَّلامة والإسلام، وتذكَّروا - عباد الله - وأنتم تتمتعون بهذه النعمة إخوانًا لكم يحتاجون للأضاحي، فلا يجدون ما به يضحون، فأشركوهم في فرحة العيد يوم النَّحر، واجعلوا من هذه الأضاحي وسيلة للصلة بهم والعطف عليهم، وهناك بفضل الله مُؤسسات وهيئات توصل أضاحيكم وصدقاتكم لهؤلاء المحتاجين من المسلمين.

                        أيُّها المسلمون:
                        ومن الأيام الفاضلة والمواسم العظيمة أيَّام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، ويوم النَّحر ليس منها، هذه الأيام المباركة أمر الله - تعالى - عباده بذكره فيها، فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، قال البخاري - رحمه الله -: "قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: والأيام المعدودات أيام التشريق".

                        عباد الله:
                        أيام التشريق لا يَجوز التطوع بصيامها؛ لأنَّها عيدنا أهلَ الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند أحمد وغيره وصححه غير واحدٍ: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام))، فلا تصام أيام التشريق لا بمنى ولا بغيرها، وسواء وافق ذلك يوم الاثنين والخميس أو أيام البيض أو لم يُوافق؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيام التشريق أيام أكل وشربٍ وذكر لله - عزَّ وجلَّ))؛ رواه مسلم.

                        أيُّها المسلمون:
                        أيام التشريق أيام ذكر الله - تعالى - روى عبد بن حميدٍ عن عكرمة: أنه كان يستحب أنْ يدعو بهذا الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؛ قال الحافظ ابن رجبٍ - رحمه الله -: "استحب كثير من السلف كثرة اللهج بهذا الدعاء في أيام التشريق"، ومِن ذِكْر الله - تعالى - في أيام التشريق: ذِكْرُه – سبحانه - بعد أدبار الصلوت، ابتداء من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى عصر آخر يومٍ من أيام التشريق؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أنْ يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقبَ كلِّ صلاة، ومن صور التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، وكذلك ما ورد عن ابن عباس أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.



                        اللهم يسِّر للمسلمين حَجَّهم، وتقبَّل من الصائمين والمضحين والمتقربين أعمالهم.
                        الخطبة الثانية





                        يوم عرفة يوم عظيم لمن عرف قدر الأيام العظيمة، في هذا اليوم يتجلى الرب - جل جلاله - لعباده، يُباهي بهم ملائكته، ويؤتيهم من فضله العظيم وفيضه العميم، لله في هذا اليوم نفحات، والسَّعيد السعيد – والله - من تعرَّض لهذه النفحات، وأخذ منها بقسط وافر؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8].

                        عباد الله:
                        يوم عرفة من الأيام التي يُستحب فيها العمل الصالح، ويُضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة، وفيه من الفرص ما لا يوجد في غيره، لقد تكرَّم الله - تعالى - على مَن لم يبلغ تلك الرحاب الطاهرة، وتلك البقاع المقدسة، واجتهد بالعبادة في هذا اليوم بالإكثار من العمل الصالح من ذكرٍ ودعاءٍ وقراءةٍ وصلاةٍ وصدقةٍ: أن يرزقه الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صيام يوم عرفة، إنِّي أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)).

                        تأمَّلوا - عبادَ الله -:
                        عمل صالح يسير، يؤديه المسلمُ في وقت قصير، يَحوز بعده مغفرة السنة الماضية والسنة المقبلة من ذنوبه وسيئاته، فيالها من صفقة رابحة! ويا له من فضل عظيم لمن يرجو رحمة الله - تعالى - ويبغي رضاه!


                        أيُّها المسلمون:
                        يوم عرفة يوم تستجاب فيه الدعوات، وتسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، ويتفضل فيه ربُّ الأرض والسموات، فتوبوا إلى الله وتقربوا إليه في هذا اليوم، تضرعوا إلى الله بالدُّعاء، اعرضوا عليه همومكم وحاجاتكم، واجتهدوا في الدُّعاء لأنفسكم ولأهليكم ولإخوانكم ولأمتكم، وتيقنوا أنه لن يخيبكم ما دُمتم تتوجهون إليه بقلوب مخلصة وأنفس منكسرة، وقد قال ربكم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

                        عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))؛ أخرجه الترمذي.
                        نَحْنُ نَدْعُو الْإِلَهَ فِي كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ نَنسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الْكُرُوبِ
                        كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ قَدْ سَدَدْنَا طَرِيقَهَا بِالذُّنُوبِ

                        عباد الله:
                        تذكَّروا وأنتم واقفون يومَ عرفة رافعي الأكفِّ إلى السماء، تستمطرون مَغفرة الله وتوفيقه، تذكَّروا في تلك اللحظات إخوةً لكم في الإسلام في أصقاع كثيرة من الأرض يُظلَمون ويُحارَبون ويُحاصَرون، كل جرمهم أنَّهم بربهم مؤمنون، وبدينهم متمسِّكون، فنهبت أموالهم، وهدمت ديارهم، وحوصرت بُلدانهم، وانتهكت أعراضهم، ويُتِّم أطفالهم، ورُمِّلت نساؤهم، فلم يجدوا ما يسدُّون به جوعتهم، أو يسترون به عَورتَهم، أو يحمون به أعراضهم، فلنجعل لهم في هذه الأيام المباركة من دُعائنا حظًّا ونصيبًا، ومن أموالنا ما نحتسبه عند الله، فيخلفه ربُّنا علينا خيرًا في الدُّنيا والآخرة؛ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}







                        ******************************************





                        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ أحمد الفقيهي







                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535







                          إعدلـــوا هــو أقــرب للتقــوى








                          الْحَمْدُ للهِ رب العالمين، هو الحكمُ العدل، صاحبُ الجودِ والفضل، إنْ أثابَ فبفضلهِ وإنْ عاقبَ فبعدله
                          أحمدهُ سبحانهُ بما هوَ لهُ أهلٌ مِنَ الحمدِ وأُثني عليه، وأومنُ بهِ وأتوكلُ عليه
                          مَنْ يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ له
                          وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جعلَ المُقسطينَ يومَ القيامةِ على منابرَ مِنْ نور، جزاءً وفاقاً لِعَدلِهم، وإعلاناً لشرفهم وفضلهم
                          وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أمرهُ ربُّهُ بالعدلِ فحقّقه، وأقرَّهُ بعملهِ ووثّقه، وزَكّىَ فؤادَهُ ومنطقهَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

                          أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أيها المسلمون :
                          ما أجملَ كلمةَ العدلِ في لفظها ومعناها، وما أحسنَها في مدلولِها ومبناها، إنَّ العدلَ في الإسلامِ له مكانتهُ الرفيعة، ومنزلتُه المنيعة، ويكفي العدلَ شرفاً ورفعةَ مكانةٍ أنَّهُ اسمٌ مِنْ أسماءِ اللهِ الحُسنى، وصفةٌ مِنْ صفاتهِ العُليا، فكلُّ ما أخبرَ اللهُ بهِ صِدْق، وكلُّ ما حكمَ بهِ عدلٌ، ولنْ يستطيعَ أحدٌ تبديلَ ذلكَ وتغييرَه، أو تشويهَهُ وتحويرَه، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) ، ويكفي العدلَ شرفاً وسموَّ منزلةٍ أنَّهُ صفةٌ مِنْ صفات ِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- فقدْ كانَ أعدلَ الناسِ معْ نفسهِ وأهلهِ وولدهِ وأصحابِهِ ومناوئيه، فالعدلُ في الإسلامِ شجرةٌ فيحاء، يَقطِفُ ثِمَارَها ويتفيأُ ظِلالَهَا الأصدقاءُ والأعداء، والمؤمنُ والكافرُ على السواء، يقولُ اللهُ تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) ، إنَّ العدلَ في الإسلامِ يقفُ حائلاً دونَ المجاملةِ أو المحاملة؛ فلا مجاملةَ في الإسلامِ لِحبيبٍ أو قريب، ولا تحاملَ على عدوٍ أو غريب، يقولُ اللهُ تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)) ، ولقدْ جاءَ الأمرُ بالقيامِ بالقسطِ في هاتَيْنِ الآيتَينِ الكريمتَينِ بصيغةِ المبالغةِ ((قَوَّامِينَ))، أي كونُوا ملتزمينَ بالعدلِ دائماً وأبداً، وفي كلِّ الأحوالِ والأوقاتِ، واجعلوهُ لكمْ خُلُقَاً لازماً ووصفاً دائماً.

                          عبادَ الله :
                          إنَّ تحقيقَ العدلِ مطلبٌ إلهيٌ وأمرٌ رباني، لا يجوزُ أبداً التهاونُ فيه، يقولُ اللهُ تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ)) ، كما أمرَ اللهُ سُبحانهُ رسولَهُ -صلى الله عليه وسلم- بالعدلِ بينَ الناسِ على مُختلفِ العقائدِ والألوانِ والأجناسِ وأمرَهُ أنْ يقومَ بذلكَ ولا يُقصِّرَ فيه، بلْ يُعلنَ ذلكَ أيضاً ولا يُخفيه؛ فأمرهُ أنْ يقولَ للمشركين: ((وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)) ، إنَّ العدلَ إذا سادَ بينَ الناسِ وكانَ هوَ الأساس، تفيَّأَ كلُّ امرئٍ ظِلَّهُ سعيداً، وعاش عيشاً رغيدا، يأمنُ فلا يخاف، ويطمئِنُ فلا يقلق، ولِمَ يقلقُ والعدلُ موجود، والجورُ مفقود؟ وثمرةُ العدلِ يجنيها العادلُ نفسُهُ قبلَ أنْ يجنيَها غيرُه.

                          أيُّها المُسلمون :
                          إنَّ وجوهَ العدلِ كثيرة؛ فيجبُ عدلُ الوالدِ بينَ أولاده؛ فلا يُؤثِرُ أحداً منهم على غيره؛ فإعطاءُ البعضِ وحرمانُ الآخرينَ حيفٌ وجور، وقدْ وردَ أنَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- قالَ لِمَنْ سألهُ الشهادةَ على مثلِ هذا التفضيل: (أشهِدْ على هذا غيري)، وجاء في روايةٍ قولُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- : (أليسَ يسرُّكَ أنْ يكونُوا لكَ في البرِّ واللُّطفِ سواء؟ قال: نعم، قال: فأُشهِد على هذا غيري)، وهو تعبيرٌ لا يَقصِدُ منهُ إباحةَ الشهادةِ لغيره -صلى الله عليه وسلم- ، بلْ يَقصدُ منهُ التنفيرَ، والترهيبَ والتحذير، إنَّ عدمَ العدلِ بينَ الأولادِ عملٌ مذمومٌ وتصرّفٌ غيرُ مقبولٍ لما لهُ مِنْ نتائجٍ وخيمة، وعواقبٍ أليمة، فهو يزرعُ العداوةَ والبغضاء، والكراهيةَ والشحناء في قلوبِ الأولاد، فيبغضُ الأخُ أخاه، ورُبما يَبغضُ أَباه، وفي هذا تقطيعٌ للصلاتِ التي أمرَ اللهُ بها أنْ تُوصَلَ، كما أنَّ مِنَ التصرفاتِ المشينةِ عدمَ العدلِ بينَ الذُكورِ والإناث، وقدْ وعدَ الإسلامُ مَنْ حقَّقَ العدلَ بينَ الأخِ وأختِهِ أنْ يُدخلهُ اللهُ الجنة.

                          عبادَ الله :
                          ومِنَ العدلِ الواجبِ التحقيق العدلُ بينَ الزوجات، فَمَنْ تزوَّجَ بأكثرَ مِنْ واحدةٍ وجبَ عليهِ أنْ يعدلَ بينهما أو بينهنَ، فليسَ مِنَ العدلِ أنْ يُفَرِّقَ الزوجُ بينَ زوجاتِه؛ فيُوسِّعَ على البعض، ويُضِّيقَ على البعض، يقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- :(مَنْ كانت عندهُ امرأتانِ فلم يعدلْ بينهما جاءَ يومَ القيامةِ وشقّهُ ساقط)، ولقدْ كانَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يعدلُ بينَ زوجاتهِ في كُلِّ شيءٍ إلا في الميلِ القلبي إذْ لا دخلَ للإنسانِ فيه ومعَ ذلكَ كانَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يتضرَّعُ إلى ربِّهِ قائلاً: (اللهم هذا قسمي فيما أملِكُ؛ فلا تُؤاخذني فيما تملِكُ ولا أملِك).
                          فاتقُوا الله –عبادَ الله- وتمسَّكُوا بالعدلِ ولا تتهاونُوا فيه، ولْيَستَعذْ كلٌ منكُم عَنْ أَنْ يَجورَ؛ لِيكونَ يومَ القيامةِ على منبرٍ مِنْ نُور.

                          أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
                          *** *** ***


                          الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

                          أَمَّا بَعْدُ، فيا أيها المسلمون :
                          إنَّ نطاقَ العدلِ في الإسلامِ يتَّسِعُ لِيشملَ كُلَّ عملٍ يُعمل أَو قولٍ يُقال، فأعمالُ الإنسانِ يجبُ أنْ تتسمَ بالعَدْلِ بحيث لا يتغلُّبُ جانبٌ على جانب، فالمؤمِنُ يجب أنْ يُوازنَ في أعمالِهِ بينَ دُنياهُ وآخرته، فَمَنْ عملَ لدنياهُ وأهملَ آخرتَه، أو عملَ لآخرتِه وأهملَ دُنياهُ ضلَّ عَنْ طريقِ العدلِ وتاه، وخالفَ ما جاءَ في كتابِ الله، حيثُ يقولُ اللهُ جلَّ شأنُه: ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا))، وهذهِ هي الوسطيةُ التي ينشدُها الإسلامُ إذْ مِنْ معاني الوسطيةِ العدل، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) ، أي عُدُولاً، وقدْ جاءَ في الأثر: (اعمل لدنياكَ كأنَّكَ تعيشُ أبداً، واعمل لآخرتِكَ كأنَّكَ تَمُوتُ غداً)، ومِنَ العدلِ أنْ يُوازِنَ الإنسانُ بينَ واجباتِهِ المِهنيّةِ أوِ الوظيفيّةِ وبينَ واجباتِهِ الأُسَرِيّةِ والاجتماعية، فَمَنْ تركَ عملَهُ الوظيفِي وانشغلَ بحاجاتِهِ الشخصيّةِ أو مجاملاتهِ الاجتماعيةِ أو زياراتهِ الأُسَرِيّةِ حادَ عَنِ العدلِ وطريقِه، وقَصَّرَ في إيجادهِ وتحقيقه، إنَّ المؤمنَ الحقَّ هوَ الذي يَعِدلُ في تنظيمِ أَوقاتهِ لِيَؤَدّيَ كلَّ مسؤولياتِه، ورُبَّ امرئٍ انشغلَ في وقتِ عملِهِ بزيارةِ صديقٍ أو قريبٍ أو مجاملةِ عزيزٍ وحبيبٍ جاءهُ مراجعٌ لِيُنجِزَ عملاً فعادَ دونَ انجازِ عملهِ وتحقيقِ أمله، فبالعدلِ تصلحُ الأعمالُ وتُحقّقُ الآمال، ويعملُ الجميعُ بهمةٍ ونشاط، بعيداً عَنِ التكاسلِ والشعورِ بالإحباط. إنَّ العاملَ مَهمَا كانت نوعيةُ عملهِ إذا رأى أنَّ العدلَ قدْ ثَبّتَ في جهةِ عملهِ أركانَهُ شعرَ بالأمنِ ورِفْعةِ المكانةِ فقامَ بالواجبِ الذي عليهِ خيرَ قيام، وما رُئِيَ مُفرِّطاً أو متكاسلاً أو متهاوناً في يومٍ مِنَ الأيام.

                          فاتقُوا اللهَ –عباد الله- واعلمُوا أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أرسلَ الرُسُلَ وأنزلَ الكُتُبَ مِنْ أجلِ تحقيقِ العدلِ بينَ الناس، يقولُ اللهُ تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)) ، فلْيُحقِّقْ كُلٌ مِنكُم العدلَ في حدودِ مسؤولياتِهِ، وبذلكَ يعمُّ العدلِ وينتشر، ويختفي الجورُ ويندثر.

                          هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )).
                          اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

                          اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
                          اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
                          اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                          اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
                          اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
                          اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
                          اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
                          رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
                          رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
                          رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
                          اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

                          عِبَادَ اللهِ :
                          (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).






                          **************************************



                          موقع خطب الجمعة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان يوفر كل الخطب الجمعة بشكل أسبوعي







                          .
                          التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 10-02-2015, 01:13 PM.


                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535









                            العفو والتسامح من صفات المؤمن









                            الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ،،،
                            يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.


                            يأمرنا الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة بالصفح والعفو والإحسان عمَّن أساء إلينا، ابتغاء رضوانه سبحانه وتعالى، وطمعاً فيما أعده سبحانه وتعالى للعافين من حسن الجزاء، ومن المعلوم أن العفو من أبرز أخلاق الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن أشهر طباعه، ومن أَجَلِّ صفاته وسجاياه .


                            وقد جاء في تفسير الآيات : ({وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بادروا إلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره، {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} أي وإلى جنة واسعة عرضها كعرض السماء والأرض، كما قال في سورة " الحديد": { عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ} والغرض بيان سعتها، فإذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} أي هيئت للمتقين لله، { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام، { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي يعفون عمَّن أساء إليهم أو ظلمهم، { وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها ).


                            وفي الحديث : ( ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله )، وروى الحاكم في مستدركه ، عن أُبيّ بن كعب ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ومن سَرَّه أن يُشَرّف له البنيان وتُرفع له الدرجات ، فليعفُ عمَّن ظلمه ، وَيُعْطِ من حرمه ، ويصل من قطعه" ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول : أين العافون عن الناس ، هلموا إلى ربكم ، وخذوا أجوركم ، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة "


                            إن العفو عن المسيء من أفضل الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ولو علمنا ما في العفو من حكمة وسلامة وأجر، لأسرعنا بالعفو والصفح عن زلات المسيئين .
                            أثر الصفح والعفو
                            ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي – صلى الله عليه وسلم – أثناء طوافه بالبيت ، فلما دنا منه، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : "أفضالة؟!" قال : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : ماذا كنت تحدِّث به نفسك ؟ قال : لا شيء، كنت أذكر الله !، فضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه ، فما كان من فضالة إلا أن قال : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه ، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم ، وزالت من قلبه العداوة ، وحلت محلَّها محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
                            هذا الموقف يبين مدى سماحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعفوه عن الآخرين، وأنه كان يقابل الإساءة بالإحسان .


                            تأمل أخي القارئ هذا الموقف النبوي الكريم ، كيف قابل النبي – صلى الله عليه وسلم – رغبة القتل والعدوان من فضالة، بالابتسامة الصادقة والمعاملة الكريمة والدعاء له بالهداية والمغفرة ، واليد الحانية التي كانت بلسماً سكن به قلب فضالة، فشرح الله صدره للإيمان، وتحوَّل الموقف من العداوة إلى المحبة ، كما في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}


                            اذهبـوا فأنتم الطلقاء
                            ذكرت كتب السيرة أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – عاد إلى مكة بعد ثماني سنوات فاتحاً بعد أن أُخرج منها، فقد عاد إليها- صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش بلغ أكثر من عشرة آلاف من المسلمين، حيث دخل رسول الله– صلى الله عليه وسلم – مكة دخول الشاكرين لله -عزَّ وجلَّ-، دخلها وهو راكب على ناقته تواضعاً لله وشكراً، وكادت جبهته – صلى الله عليه وسلم – أن تمس عنق ناقته، وكان يردد قوله تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
                            وسيطر الرعب على أهل مكة خوفاً من أن ينتقم منهم – صلى الله عليه وسلم – نتيجة أفعالهم معه ومع أصحابه- رضي الله عنهم أجمعين -، فقد طردوهم وعذبوهم وصادروا أموالهم وممتلكاتهم، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم - : (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم)، فما كان منه – صلى الله عليه وسلم – إلا أن قال لهم قولته المشهورة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، أقول لكم ما قاله أخي يوسف – عليه الصلاة والسلام – لإخوته {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(6) ، فلم يقتل – صلى الله عليه وسلم - أحداً، ولم يصادر أرضاً، ولم يمنع ماء، ولم يقطع طريقاً، ولم ينفِ أحداً، ولم يعتقل، بل كان – صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين كما وصفه ربه سبحانه وتعالى.
                            لقد أثر هذا الموقف العظيم وهذا التسامح الكبير في نفوس أهل مكة ، حيث أقبلوا معلنين إسلامهم وإيمانهم برسالة الإسلام، ودخلوا في هذا الدين الجديد الذي فيه السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة .


                            ثم أمــر له بعطـاء
                            أخرج الإمام البخاري في صحيحه قال : (بينما كان أنس بن مالك – رضي الله عنه – يمشي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، إذا بأعرابي يجذب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من ردائه جذبة شديدة ، حتى أَثَّرَ الرداء في رقبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من شدة جذبته ، ثم قال الأعرابي بغلظة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وضحك ، ثم أمر له بعطاء ) .
                            انظر أخي القارئ إلى حلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسعة صدره، وكيف قابل –عليه الصلاة والسلام – هذا السلوك المشين وهذا السفه من ذلك الأعرابي، لقد قابله – صلى الله عليه وسلم - بالحلم، فقد كظم غيظه – صلى الله عليه وسلم – وسامحه وعفا عنه، وهذا هو خلقه – عليه الصلاة والسلام – فقد جاء في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما –، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ما من جرعةٍ أعظمُ أجراً عند الله، من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله تعالى"
                            .
                            إن الأخلاق الإسلامية المتمثلة في العفو والسماحة الإنسانية تجاه البشرية كلها شكلت سبباً رئيساً بفضل الله لدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما أنه لا يمكن لمنصف من البشر مهما كان أن ينكر هذه الصفات الكريمة ، فهي تحث على تآلف الأجناس، وإشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الإسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العفو والتسامح و العدل والإنصاف بين بني البشر.



                            هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع حب وود، ومروءة وخير ، مجتمع متماسك البنيان ، متوحد الصفوف والأهداف ، كما في قوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }
                            .
                            ودعونا نتساءل: هل نخر مجتمعنا إلا البعد عن خلق العفو والتسامح؟ فلو شغلتنا تقوى الله، لكنا أهدى سبيلا وأقوم قيلا، فالواجب علينا جميعاً أن نبتعد عن الحقد والغل والحسد، وأن نتحلى بالأخلاق الفاضلة وفي مقدمتها العفو والتسامح والمحبة ، فعلى القريب أن يتسامح مع أقربائه، والجار أن يعفو عن جاره، والصديق أن يحلم على صديقه،وأن نردد جميعاً قول الله سبحانه تعالى في كل وقت: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.


                            وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين



                            ************************************************** *




                            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : د. يوسف جمعة سلامة



                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535







                              مواقف وتأملات في العام الهجري الجديد










                              الخطبة الأولى

                              أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ ولزومِ طاعته والحذَر من معاصيه، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

                              معاشرَ المسلمين، في مستهَلِّ كلِّ عام ومع إشراقة كلِّ سنَة تبرُز الحاجةُ الفرديّة والجماعية إلى المراجعة والمحاسبة ليقوَّم الماضي ويُصلَح الحاضر ويُخطَّط للمستقبل، وَفقَ منهج سليمٍ يقود للمنافع الخيِّرة ويوصِل للمقاصد المنشودة.
                              وإنّ أمَّتنا وهي تستقبل عامًا جديدًا بعد انصرامِ عامِها الماضي حاملاً الأحداثَ الجسامَ والوقائع العِظام لهي في ضرورة قُصوى إلى إدراكِ التحدِّيات التي تواجهُها والأخطار التي تعاني منها، وفي الوقت ذاته هي في حاجةٍ ماسّة إلى موقفٍ صحيح ومعالَجة ناجعة وتحسينات نافعة، كلُّ ذلك وَفق أسُسٍ إصلاحية ومشروعاتٍ علمية تحدَّد مقوّماتها وتُرسى أصولُها من منطلقاتِ دينها وثوابت عقيدتها وهدي نبيِّها محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام.

                              معاشرَ المسلمين، وثمَّتَ مواقفُ ينبغي التركيز عليها ونحن نعيش مستهلَّ هذا العام الذي نسأل الله جلّ وعلا أن يجعلَه عامَ بركة وخيرٍ ومَسرَّة على الأمّة الإسلامية جمعاء.
                              وهذه المواقف أوّلها: أنّ استقبالَ المسلمين لعام جديدٍ من حياتهم هو بمجرَّده حدث كبيرٌ، يذكِّر بحقيقةٍ مستَيقَنة بأنّ الأيام مراحلُ ومطايا، تُبعِد من الدنيا، وتُدني من الآخرة، يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ فهل يكونُ توديع عامٍ واستقبالُ آخر سببًا لتحريك همَمِنا واستنهاض عزائمنا؟! فالموفَّق من يسعى لإصلاح حاله وإدراك ما تبقَّى من حياته؛ بحيث يكون غدُه خيرًا من يومه، ويومُه أفضلَ من أمسِه، وعامُه الجديدُ أفضلَ من عامه المنصرِم، والكيِّس على لسانِ المصطفى هو من حاسَب نفسه وراجع حساباته، وتزوَّد من الأعمالِ الصالحة وحقَّق توبةً نصوحًا إلى ربّه مما مضى منه من الذنوب وما حصل منه من الهفوات، فربّنا جلّ وعلا يذكِّرنا بقاعدة الإصلاح وأصلِ الخير بقوله جل وعلا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ، ونبيُّنا فيما يحكيه عن ربِّه في الحديث القدسي الطويل، ويُوجز فيما يرويه عن ربّه قولَ ربّه جلّ وعلا في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)) رواه مسلم

                              وثاني هذه الوقفات أيها المسلمون: أنَّ عامَنا الماضي انصرَم وانتهى، والأمةُ الإسلامية والأمّة المحمَّدية حُبلى بالمشكلاتِ وثكلَى بالفِتَن والمغريات، غيومٌ على حياتها من المِحَن، وسُحُب على واقعها من الإحَن، فكلُّ ذلك يتطلَّب من أبناء المسلمين جميعًا حُلولاً عاجِلة وإراداتٍ جازمةً، وعزائم صادقة في الإصلاح والتقويم من قِبَل الأفراد والمجتمعات، من قبل الحُكّام والمحكومين، وَفقَ يقينٍ من الجميع بأنّه لا مخلِّصَ للأمة من أزماتها الخانقة وأوضاعها المتردِّية إلا بالإسلام الحقّ الصافي الذي نزل به القرآنُ وجاء به سيِّد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، الإسلام الذي فهِمه صحابتُه الكرام، إنّه الإسلامُ الصافي الذي يُمارَس في الجوانب كلِّها والنواحي الحياتية جميعها، سياسيًا واقتصاديًا، ثقافيًا واجتماعيًا، علمًا وعَمَلا، حُكما وتحَاكُمًا، وَفق فهمٍ لمعرفة مقاصد الإسلام من إقامة حياةٍ مثاليّة نافعةٍ صالحة حضاريّة راقية مُثمرةٍ الثمرات الخيِّرة في الدنيا والآخرة، في ظلِّ عَيش يُطبَّق فيه قول الله جلّ وعلا: وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا

                              فعلى أمَّةِ الإسلام اليومَ أن تعلمَ علمَ اليقين وهي تعيش على مَفرَق الطرُق وتشعُّب السبُل أنَّ عزَّها وقوَّتها وخيرَها وحضارتَها هو ارتباطُها بدينها والالتزام بشريعة ربِّها والاهتداء بهدي نبيِّها عليه أفضل الصلاة والتسليم، فذلكم هوا السِّلاح الفاعل الذي يدرأ الشرورَ والأخطار عنها, والدِّرعُ الحصين الذي تتقي به في وجه الهجَمات الكاسِحة والصِّراع العنيف الذي تعيشه قوى الأرض، فربّنا جل وعلا يقول: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ

                              وإنّ الواجبَ الوقوفُ أمام التحدِّيات التي تواجه المسلمين وتَنال من دينهم، وإنّ الواجبَ أيضًا سَدُّ الباب أمام كلِّ من يريد الاصطياد في الماء العكِر من أصحاب الاتِّجاهات المنحرفةِ والمسالك الضّالة والمشارب المشبوهة التي تحرِصُ على صرف المسلمين عن التوجُّهات الصحيحة لواقع الحياة المستمَدِّ من دينهم بدعاوَى من أولئك مزركشَة وأقوال مزخرفة وسذاجات فكريّة لا تنطلي إلا على مغفَّل.

                              ثالثُ هذه الوقفات أيها المسلمون: أنَّ الإسلامَ أصبح يُتَّهم من الأعداء الحاقدين بما هو منه بَراء، كلُّ ذلك للصَّدِّ عن سبيل الله، ولإبعاد البشرية عن منهجه الوضّاء، ولذا فأبناءُ العالَم الإسلامي مطالبون بتصحيح المسارات التي يتَّخذها الآخرون سبيلاً لتشويه صورةِ الإسلام النقيّة، ويبتغيها الحاقدون سُلَّمًا لطمس حقائقه المضيئة، وإنَّ واجبَ المسلمين تجاه دينهم أن يثبتوا للعالم كلِّه صدقَ التوجُّه وسلامةَ المقاصد وسموَّ الأهداف وإظهارَ الإسلام الحقِّ للعالم كلِّه، الإسلام الذي تضمَّن الرحمةَ بأوسع معانيها، والعدلَ بأدقِّ تفاصيله، والإحسانَ بشتَّى صُوَره، وإصلاحَ الدارين بكلِّ وسيلة ممكِنة.
                              وعلى العلماء والمفكِّرين النظرُ لكلِّ قضيَّة تُطرَح في عالمهم نظَرَ تدقيق وتفهُّمٍ وتمحيص للاستفادة من الإيجابيات التي لا تتعارض مع مصالح أمَّتنا، ولا تتنافى مع ثوابتِ عقيدتنا ومسلَّمات شريعتنا، ولن يتمَّ هذا إلا بتوحيد الجهود وتنسيقِ المواقِف في إطار فهمٍ صحيح من الكتاب والسنة ونيّةٍ صادقة للإصلاح، في محيطِ وعيٍ تامّ وإدراكٍ كامل بعالم يموجُ بالتَّحوُّلات وتعصِف باستقراره المتغيِّرات، عَملٌ من العلماء والمفكّرين وَفقَ قاعدةٍ متمكِّنة لا يبادِرها تفريطٌ في شيء من الثوابت، ولا يَخترقها تنازُل عن شيء من الخصائص، وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ
                              اللهمّ انفعنا بهذا الدين، وأصلِح حياتنا بسيرةِ سيّد الأنبياء والمرسلين.
                              أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.



                              الخطبة الثانية

                              الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضوانه، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
                              أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فبها يصلُح الحال ويسعَد المآل.
                              معاشرَ المسلمين، شهرُ الله المحرَّم مِن أعظم شهور الله جلّ وعلا، مكانتُه عظيمة، وحرمتُه كبيرة، يقول النبي فيما رواه مسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم))

                              وأفضلُ أيَّام هذا الشهر يومُ عاشوراء، ففي الصحيحين أنَّ نبيَّ الله صام عاشوراء وأمر بصيامه وفي صحيح مسلم أنّ رسولَ الله سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: ((أحتسِبُ على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله))

                              والسنةُ ـ أيّها المسلمون ـ أن يصومَ المسلم معه التاسعَ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيّ :((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِع))، فإن لم يتيسَّر صامَ الحاديَ عشر، والأكملُ صومُ يومٍ قبلَه ويوم بعده.

                              ثمّ إنَّ الله أمرنا بأمرٍ عظيم تصلُح به حياتنا وتزكو به سرائرنا وتسعَد به دنيانا وأخرانا، ألا وهو الإكثار من الصلاة والتسليم على النبيّ الكريم.
                              اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيِّنا محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين...




                              ************************************************** **




                              خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : حسين عبد العزيز آل الشيخ







                              التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 10-16-2015, 12:14 PM.


                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535





                                ذكـــــرى عـاشـــوراء









                                الخطبة الأولى

                                إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ، صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهِ وَعَلَى كُلِ رَسْولٍ أَرْسَلَهُ.

                                أما بَعْدُ عِبَادَ الله أُوصيكُم ونَفسي بِتَقوى اللهِ العَظيم، إتقوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَ إلا وأنتُم مُسلِمُون. قال الله تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمُ شَعَآئِرَ اللهِ فَاِنَّهَا مِن تَقوَى القُلوب)

                                اعلموا اخوةَ الإيمان أَنه مِن شَعَائِرِ دِينِ اللهِ أن نُعَظِمَ أيامًا جَاءَ الشَرعُ الكريم بتعظيمها فيوم الجُمُعَةِ هو أفضلُ أيام الأسبوع، وأفضلُ الليالي هي ليلةُ القَدرِ، وأفضلُ الأيامِ يومُ عَرَفَة، ومِنَ الأيام التي عَظَّمَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى يومُ عاشوراء.

                                عاشوراء، هو يوم العاشرِ من أيامِ شهرِ المُحَرَّم، يوم خَصَّصَه اللهُ تعالى بأَن قَبِلَ فيهِ تَوبَةَ سيِّدنا ءادَمَ عليهِ السَّلام بَعدَ أن ارتَكَبَ ذلك الذنب الذي هُوَ لَيسَ مِنَ الكَبَائِرِ ولَيسَ كُفرًا ولا هُوَ صَغيرةٌ تَدلُ عَلىَ خِسَّةٍ ودَنَاءةٍ. إنما كانت معصيةً منَ الصغائرِ التي ليس فيها ذنبٌ عظيم. حيثُ إنَ سيدنا ءادمَ عليه السلام كان أكل من شجرة من أشجار الجنة والله تعالى كان قد نهاهُ عنها. قال الله تعالى (وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى). وكانت تلك التوبة في يوم العاشِرِ من شهر محرم أي في عاشوراء. وكذلكَ في هذا اليوم العظيم عاشوراء رست سفينة سيدنا نوح عليه السلام فاستوت واستقرت على جبلِ "الجودي" قرب مدينة الموصل في العراق بعد أن مكثت حوالي مائة وخمسين يومًا على الماء، وكان فيها نبي الله نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين والبهائم التي أمر الله سيدنا نوحًا أن يجعلها على سفينته.

                                وفي يوم عاشوراء، نجى الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام والذين معه واتبعوه من بني إسرائيل، حيث كانوا يرزحون تحت حكم فرعون وكان فرعون جبارًا طاغيًا إدعى الألوهية وقال لأهل مصر"أنا ربكم الأعلى".فأرسل اللهُ النبيَّ موسى وأخاهُ هارون عليهما السلام إلى فرعون، فلما قَابلاهُ دَعياهُ إلى دينِ الإسلام وأمراه بعبادة الله تعالى وحده. وقد أظهر الله تعالى معجزات عديدة على يد نبيه موسى عليه السلام ، ولكن فرعون عاند ولم يؤمن وأظهر جبروته. فأمر الله تعالى سيدنا موسى أن يخرج بمن ءامن معه واتَّبعه من بني إسرائيل من مصر، فسار بهم وعددهم ذلك اليوم ستمائة ألف. ولحق بهم فرعون الطاغية ومعه مليون وستمائة ألف من الجنود مُجهزين بخيلهِم وسلاحهِم ليُبيدَهُم.وكان هذا الِلحَاق عند شروق الشمس فلما تراءى الجمعانِ وعَايَنَ كل من الفريقين الآخر وتحقَقَهُ، ورأى قومُ موسى عليهِ السلام فرعون وجنوده وجيوشه وعدته دخلهم الفزع والخوف والهلع، وقالوا لنبيهم موسى عليه السلام: إنَّا لَمُدرَكون. ولكن موسى تكلم معهم بكلامٍ يُهدئُ بالهم ويزيل الإضطراب من نفوسهم. ولما وصلوا إلى البحر وكان يتلاطم بأمواجه الهائلة أوحى اللهُ عَزَّ وّجَلّ إلى موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، فلما ضربه إنفلق بإذن الله اثني عشر فِرقًا بين كلِ فرقين طريقٌ يبسٌ. وهكذا إجتاز موسى عليه السلام ومن كان معهُ منَ المؤمنين البحرَ. ثم جاء فرعونُ بعددهِ وعدَّتِهِ ووجد البحرَ صار فيه شقوق، فقال مغرورًا بقوته وجبروته: لنلحقهم وندركهم. فلما دخل البحر أمَرَ اللهُ عزّ وجلّ البحرَ أن يلتطم عليهم، فالتطم عليهم فهلك هو وجنوده غرقًا في البحر. فقال بعض أتباعه إنه اختفى ولم يمت. فأظهرَ اللهُ تعالى جسدهُ فوُجِد ميتًا منتفخًا.

                                لقد حضَ النبي الأعظم صلى اللهُ عليه وسلم على صيامِ العاشر من مُحرَّم لمَا لهُ من فضل عند الله تعالى، قال الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام "أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ اللهِ المُحرَّم وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم. وصيامُ عاشوراء سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عندما سئل عن صوم يوم عاشوراء "يُكَفِّرُ السنةَ الماضية" رواه مسلم.

                                وقد اتفق العلماء الأجلاء على أنّ صيام يوم عاشوراء سنة مستحبة، وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم أظهر اللهُ فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيمًا له. فقال النبي صلى اللهُ عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم. وأمر بصومه. رواه مسلم. قال أهل العلم: أوحى اللهُ تعالى لنبيِّه بصحةِ ما قالهُ اليهود عن ذاك اليوم فأمر بصومه.

                                وصيام عاشوراء ليس فرضًا واجبًا كما قال العلماء لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في يوم عاشوراء "إن هذا اليوم يومُ عاشوراء ولم يكتُب اللهُ عليكُم صيامَه فمن شاء فليصُمه ومن شاء فليُفطر" رواه البخاري ومسلم. ويسن أيضَا صيام يوم تاسوعاء وهو التاسعُ من شهر محرم لقوله عليه الصلاة والسلام: "لئن بقيتُ إلى العامِ القابلِ لأصومَنَ التاسعَ مِن محرم"، ولكنه عليه الصلاة والسلام توفاهُ اللهُ عزّ وجلّ قبل ذلك.

                                ولقد قال العُلماءُ الأجلاءُ إن الحكمةَ من صومِ يومِ تاسوعاء مع عاشوراء الإحتياطُ له لإحتمالِ الغلطِ في أولِ الشهر، ولمخالفةِ اليهودِ فإنهم يصومونَ العاشَر من مُحرم فقط، والحكمة أيضًا الاحتراز من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة، فإن لم يصم معه تاسوعاء سُن أن يصوم معه الحادي عشر، بل لقد نصّ الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتبه "الأم" و "الإملاء" على صوم التاسع والعاشر والحادي عشر من محرم.

                                وفي العاشرِ من شهرِ مُحرمٍ من السنةِ الرابعةِ للهجرةِ حصلت غزوة ذات الرقاع، حيث خرج القائد الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة ومعه من أصحابه سبعمائة مقاتل، يُريدُ قبائل من نجد وهم بنو محارب وبنو ثعلبة من غطفان، وكانوا قد غدروا بأصحاب النبي صلى اللهُ عليه وسلم وقتلوا سبعين من الدعاة الذين أرسلهم النبي صلى اللهُ عليهِ وسلم للدعوة إلى دين الإسلام وتعليم الناس الخير.

                                وبعد أن تهيأ المشركون لقتال النبي صلى اللهُ عليه وسلم وأصحابه لما علموا بخروجه، وتقارب الفريقان قذف اللهُ الرُعبَ في قلوبِ قبائلِ المشركين، وكانوا جموعًا كثيرة، فتفرقوا بعيدًا عن المسلمين وهربوا تاركينَ وراءهم نساءهم، فلم تقع حرب وقتال وكفى اللهُ عزّ وجلَّ نبيَّه ومن معه من الصحابة شرَّ هذه الجموع الكافرة، وقد سميت هذه الغزوةُ بذات الرقاع لأن الصحابةَ رضوان الله عليهم لفّوا على أرجلهم الخِرَق بسبب ما أصاب أقدامهم في هذه الغزوة من جراحٍ تساقطت فيها أظافرهم لما اصطدمت بالحجارة والصخور. في هذا عبرة كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يواجهون الصعاب والمشقات بصبر وثبات لنصرة الدين القويم.

                                وفي اليوم العاشر من شهر محرم سنة إحدى وستين من الهجرة جرت حادثة مروعة مفجعة، ومصيبةٌ كبرى فظيعة ألمت بالمسلمين وأفجعتهم، وملأت القلوب حزنًا وأسى ومرارة. ففي يوم الجمعة في العاشر من شهر محرم قُتِلَ الإمام أبو عبد الله الحُسينُ بنُ عليٍ رضي اللهُ عنهُ حفيدُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَم وابن ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنه بأوامر من يزيد بن معاوية. ولقد كان سيدنا الحسين من الرجال العظام الذين نالوا شرف الشهادة، وكانوا في قافلة الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فنالوا رضى اللهِ وثوابَهُ، وأعد لهم في الآخرة الثواب الجزيل والدرجاتِ العُلى في جنات النعيم. رحمك الله يا حفيد رسول الله، أيها المجاهد الكبير، والعالم الورع، والتقي النقي. رحمك الله وأكرم مثواك وجزاك عن أمة محمد خير الجزاء.
                                هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.



                                الخطبة الثانية: إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ، صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهِ وَعَلَى كُلِ رَسْولٍ أَرْسَلَهُ.

                                أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في كتابه الكريم (إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ والإحسَانِ وإِيتَآءِ ذِي القُربَى ويَنهَىَ عَنِ الفَحشَآءِ والمُنكَرِ والبَغِييَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُ. واعلَموا أنَ اللهَ تَعَالَى أَمَرَكُم بِأَمرٍ عَظيمْ أَمَرَكُم بِالصَّلاةِ وَالسَلامِ عَلَى نَبِيِّهِ المُصّطَفَى الكَريمْ فَقَالَ رَبُنَا وَهُوَ أَصْدَقُ القَائِلين (إِنَّ اللهَ وَمَلآئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسْليما )

                                اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى ءالِ مُحمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
                                اللَّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ
                                اللَّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللَّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.

                                عبادَ اللهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، أُذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.





                                *************************************************


                                http://www.sunnaonline.org/





                                .
                                التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 10-23-2015, 01:04 PM.


                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X