منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535





    لمــاذا ينهــزم المسلمــون








    الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، قيوم السموات والأرضين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين.
    وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً،
    أمَّا بعدُ:
    فحين قدمت فلول المنهزمين من جيش الروم إثر معركة اليرموك الشهيرة، دخلوا على هرقل ملك الروم الهالك، فسألهم والحسرة تملأ قلبه والحيرة تكاد تُذهب عقله: ويلكم، أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشراً مثلكم؟!.
    قالوا: بلى!
    قال: فأنتم أكثر أم هم؟!.
    قالوا: بل نحن أكثر منهم، أضعافا في كل موطن.
    قال: فما بالكم تنهزمون؟!.
    فقال شيخ من عظمائهم: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم!.
    أما نحن فنشرب الخمر، ونرتكب الحرام، وننقض العهد، ونغصب ونظلم، وننهى عما يرضي الله، ونفسد في الأرض.
    قال هرقل: أما هذا فقد صدقني!.
    هذا الموقف الذي وقفه أولئك المجرمون الكفرة، وهم يبحثون من خلاله أسباب هزيمتهم وعوامل نكستهم، هو نفسه الموقف الذي يجب أن نقفه نحن المسلمين اليوم، خاصّةً ونحن نرى الدائرة قد دارت علينا، وأصبحنا نحن الذين ننهزم وليس الروم!.
    إننا بحاجة لطرح السؤال ذاته الذي سأله هرقل لبقايا جيشه المنهار، إننا يجب أن نتساءل، والمرارة تعتصرنا:
    لماذا ينهزم المسلمون اليوم؟!.
    ولماذا يتسلط عليهم عدوهم؟!.
    من المسؤول عن هذا الواقع الأليم الذي صرنا إليه؟!.
    أما آن لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟!.
    ثم لماذا انتصر أسلافنا في بدر وخيبر، وفي القادسية واليرموك، في حين نتجرع نحن الهزيمة تلو الهزيمة؟!.
    ألسنا وإياهم مسلمين؟!.
    إذاً لماذا ننهزم وينتصرون؟!.
    هذان سؤالان مريران، والإجابة عليها أشدّ مرارة!.
    نعم، أشد مرارة، لكن لا بد من تجرّع تلك المرارة إن كانت هناك رغبة ما في تغيير شيء من الواقع الكئيب، وإعادة الهيبة إلى الإسلام المحارب.
    وعلى الذين يجعجعون باسم الإسلام، عليهم أن يدركوا أن الإسلام ليس انفعالاً طائشاً، أو عواطف فارغة، وليس نزوة أو ردة فعل.
    إنّ لإسلام أعظم من ذلك بكثير.
    إنه عقيدة ومنهج حياة.
    إنه كلٌّ لا يتجزأ، وكتلة لا تنقسم!.

    أيها المسلمون:
    أما لماذا انهزمنا؟!، فالجواب عليه يعرفه أصغر طفل منا يقرأ القرآن:
    (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
    فنحن إذاً سبب مباشر، في حدوث المصيبة، ونزول الكارثة!.
    ألسنا نحن الذين غيّرنا شرع الله، وركنّاه وراء ظهورنا، وركضنا وراء تشريعات الكفار وأنظمتهم، وأحطناها بسياج من التعظيم والإجلال؟!.
    ألسنا نحن الذين جعلنا من كتاب الله كتاباً مقدساً فحسب، وإن شئت قل كتاباً مقدساً مع وقف التنفيذ، فإن أحسنّا صنعاً قراناه في المناسبات والأفراح، وفي الإحزان والأتراح، ولا شيء سوى ذلك.
    أما أن يكون القرآن حبل الأمة المتين، ودستورها المبين، ونظامها الحاكم، وشرعها ونظامها السائد، فذاك ضربٌ من الخيال، وشططٌ من الأماني!.
    ألسنا نحن المعطلين لسنة خير الأنام، المستبدلين بها سخافات اللئام، وخزعبلات الطغام؟!.
    ألسنا نحن الذين ميّعنا العقيدة، ونقضنا عرى الإيمان عروةً عروة، وهدمنا مقام الولاء والبراء، خطوة خطوة، حتى غدا العدو ولياً، والولي عدواً؟!.
    ألسنا نحن الذين عطّلنا ذروة سنام الإسلام، فأَمَتنا الجهاد، وتبايعنا بالعينة، ورضينا بالزرع، واتبعنا أذناب البقر؟!.
    ألسنا الذين أَمَتنا الغيرة في النفوس، يوم أقمنا المسارح الماجنة والشواطئ العارية، وعرضنا المشاهد الداعرة، حتى فسدت الأخلاق وذهبت الفضائل؟!.
    ألسنا نحن الذين صرفنا الشباب عن سر قوتهم، ومبعث عزتهم، وأساس نهضتهم وأشغلناهم بسفاسف الأمور، وتوافه القضايا، فكانت الثمرة تلك الأجيال الهزيلة من ذوي الاهتمامات السخيفة، والتوجهات المنحرفة؟!.
    ألسنا نحن الذين أعطينا العدو سكينا وخنجراً، ثم صرخ صارخنا: أواه، أواه على دم أريق ظلماً وقهراً؟!.
    ألسنا نحن الذين منحنا اللص مفتاح خزائننا، ثم صرخ صارخنا: أواه، أواه على كنز سرق علانية وجهراً؟!.
    أبعد ذلك يتساءل أقوام: لماذا انهزمنا؟!.
    (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

    أيها المسلمون:
    وأمّا لماذا انتصر أسلافنا وكيف قهروا عدوهم؟!.
    فلأنهم - كما تقدم في حوار هرقل مع بقايا جيشه - كانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم.
    إن القضية ليست قضية عدد وعدة!.
    إنها قضية إيمان وتقوى، وعقيدة ومبدأ ونظام ومنهج!.
    لقد كان جنود الإسلام ليلة المعركة ركعاً سجداً، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، فإذا كان الصباح لم يثبت لهم عدو، ولم تنتكس لهم راية!.
    هذا سعد يصف شيئا من أخبارهم. وهو يكتب إلى عمر، يبشره بفتح القادسية:
    " أما بعد، فإن الله نصرنا على أهل فارس، ومنحناهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم، بعد قتال طويل، وزلزال شديد، وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الراءون مثل زهائها، فلم ينفعهم الله بذلك، بل سلبوه ونقله عنهم إلى المسلمين، واتبعهم المسلمون على الأنهار، وصفوف الآجام، وفي الفجاج.
    وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارى، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا يعلمهم إلا الله، فإنه بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذا لم تكتب لهم".
    انتهى كلامه، رضي الله عنه.
    فيا حسرة على أسود من زجاج، ونمور من خشب، وجنود يقضون ليلهم في طرب وغناء، وورق ودخان!.

    أيها المسلمون:
    وكان من عوامل انتصار أسلافنا كذلك تلك التربية الفريدة، والرعاية الكريمة، والاهتمام المتقن، الذي أحيط به الجندي المسلم!.
    فكان الجندي، يشعر أنه يقاتل من أجل قضية واضحة، وهدف محدد.
    يشعر أنه لا يقاتل عصبية أو حمية، ولا يقاتل لإشباع غرور متسلط، أو نزوة طائشة، لكنه يقاتل من أجل بناء العقيدة وإقامة الشريعة، وإزاحة الظلم عن العباد، لذا تجده يستأسد فوق أرض المعركة، لإيهاب الموت ولا يخش القتل، ولا ترهبه كثرة الأعداء!
    لما أقبل خالد من العراق، يريد قتال الروم، قال له رجل من نصارى العرب، ما أكثر الروم، وما أقل المسلمين! فقال خالد:
    "ويلك، أتخوفني بالروم؟! إنما تكثر الجند بالنصر، وتقل بالخذلان، لا بعدد الرجال!".
    لله درك يا صاحب رسول الله، لله درك أبا سليمان! كيف لو عشت بيننا لترى ألف مليون مسلم، عاجزين عن إطلاق رصاصة واحدة يرهبون بها عدوهم الجاثم في صدروهم منذ عشرات السنين؟!.

    أيها المسلمون:
    وقد كان من عوامل النصر كذلك: ذلك التلاحم المتين بين القيادة والجند، فكانت القيادة تربوية في التعامل، مثالية في التوجيه، فريدة في الأداء.
    وكان مفهوم الجسد الواحد، هو السائد بين الجميع، فلا يشعر أحدٌ أنّ له فضلاً على أخيه أو أنّه يستحق منزلة دون الآخرين، حتى أنك لترى أبا بكر يسير على قدميه، وهو يشيع جيش أسامة، في حين يظل أسامة، الشاب الصغير، راكباً فوق راحلته! وفي جيش وتحت أمرته شيوخ، المهاجرين والأنصار!.
    يا سبحان الله، أبو بكر الخليفة الأعظم، لا يرى أنّ له أحقية في الركوب دون أسامة، وكبار المهاجرين والأنصار، لا يرون أن لهم أحقية قيادة الجيش دون أسامة!.
    إنهم لا يرون لتلك المناصب، وذلك العرض أي قيمة تذكر، فقد كان همهم جميعاً، خدمة هذا الدين، أيّا كان موقع الواحد منهم، سواء في قمة الهرم، أم في أسفله!.
    وهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – يستعمل عمرو بن العاص، على صدقات قضاعة ومعه الوليد بن عقبة! فيذهب عمرو، رضي الله عنه ليقوم بالمهمة، التي وكلت إليه بكل رحابه صدر، ثم بدا للصديق أن يصرفه لعمل آخر، فكتب إليه يستنفره إلى الشام:
    "إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، وسماه لك أخرى، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك".
    فكتب إليه عمرو بن العاص:
    "إني سهم من سهام الإسلام، وأنت عبد الله الرامي بها، والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها".

    الخطبة الثانية
    اللهم إنّا نحمدك الحمد كله، ونشكرك الشكر كله، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، لا نحصي ثناءاً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
    اللهم صلي على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
    أما بعد:

    أيها المسلمون:
    فتلك كانت بعض عوامل النصر التي تحلى بها الجند فوق أرض المعركة، بيد أنّ المثالية في حمل الدين، والتخلّق بآداب الإسلام، لم تكن مقصورة على الجند في ساحات القتال، ولكن الإسلام بجماله وبهائه، وسموه وعلوه وعظمته وروعته، كان موجوداً في بيوتهم ومساجدهم وفي شوارعهم وأسواقهم، ومجالسة قضائهم ومراكز حكمهم.
    كانت العقيدة صافية لا يعتريها كدر أو غبش، وكانت البدع غائبة لا وجود لها ولا أثر، وكانت الشريعة هي الحاكمة والسائدة، وكانت الحدود تقام على الصغير والكبير، والأمير والحقير حتى أن خليفة كـ ( عمر بن الخطاب) لا يتواني عن جلد ابنه عبيد الله يوم شرب الخمر مستغلا نفوذه وسلطته!.
    كما كانت قضية الولاء والبراء، بالغة الحساسية عظيمة الشأن في قلوب أولئك الأسلاف الكرام، حتى أنهم ليجدون غضاضة في التعامل مع الكفار، ولو فيما إباحة الشارع الحكيم هذا عمر رضي الله عنه يقول لأبي موسى وكان قد استعمل كاتباً نصرانياً مالك قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ألا اتخذت حنيفاً مسلماً؟!.
    قال: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال عمر، لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله! ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله!.

    أيّها المسلمون:
    هذه بعض أحوال القوم، وهكذا هو الإسلام، وهكذا جسّدوه فوق أرض الواقع، أفلا ينتصرون إذاً؟!.
    إذاً فلا صلاح لآخر هذه الأمة إلا يوم تقتفي آثار أولئك الأبطال من رأس القمة إلى أسفل القاع، وبغير هذا نكون كنافخٍ في رماد، أو صارخ في واد!.

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
    اللهم إنّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار...



    **************************************************



    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : رياض بن محمد المسيمري







    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535


      غـــزة تحت القصف





      الحمد لله الدائم بره، النافذ أمره، الغالب قهره، الواجب حمده وشكره، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير، جلَّ ذكره، وإليه يُرجع الأمر كله، علانيته وسره، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه وهو على كل شيء قدير، سبحانه وبحمده جعل لكل أجلِّ كتاباً، وللمنايا آجالاً وأسباباً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

      وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، الهادي البشير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار، ما جن ليل وبزغ نهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.
      أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ.

      عباد الله :
      لا زلنا وإياكم مع غزة ،غزة الصمود ،غزة الثبات ،غزة التحدي ، غزة المقاومة .
      لكِ الله يا غزّة الجريحة ، كم في أثوابك الدامية من أحزانٍ وآلامٍ وأوجاعٍ وذكرياتٍ تفيض بالأسى والكرب.ما تكاد ترحل المصيبة بأثقالها وكَرْبها إلا وتخلفها مصائب تتكاثر كالسرطان في جسد هذا الجزء المـُنهك المـُنتهك من جسد أمتنا الغافلة.
      مناظر الدم، والخراب، والحزن، وصرخات الوجع والألم، ومشاعر الحزن والبكاء، أصبحت روحاً ساكنة في جسد كلّ مسلم ومسلمة من سكّان غزّة المجاهدة الصامدة.
      ألا فَلْيَحذَرِ المُسلِمُ مِن خُذلانِ إِخوَانِهِ بِأَيِّ نَوعٍ مِن أَنوَاعِ الخُذلانِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَا مِنِ امرِئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ تَعَالى في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ)).
      أعلموا عباد الله أَنَّ جَمِيعَ المُسلِمِينَ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِخوَةٌ، لا تَفصِلُ بَينَهُم حُدُودٌ وَلا تُفَرِّقُُهُم جِنسِيَّاتٌ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الَّذِي رَبَطَ بَينَهُم بِرِبَاطِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ، قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ، وَقَالَ تَعَالى: فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا﴾، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ؛ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ))، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ((المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا))، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ؛ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى)).
      أَلا فَلْيَهبَّ المُسلِمُونَ لِنُصرَةِ إِخوَانِهِم مَا استَطَاعُوا، العَالِمُ بِجَاهِهِ وَعِلمِهِ، وَالسِّيَاسِيُّ بِثِقَلِهِ وَوَزنِهِ، وَالكَاتِبُ بِقَلَمِهِ وَالخِطِيبُ بِلِسَانِهِ، لِنَحتَسِبْ مَا فِيهِ إِغَاظَةُ العَدُوِّ وَالنَّيلُ مِنهُ، وَلْنَحذَرِ التَّخَلُّفَ عَن الرَّكبِ، فَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿مَا كَانَ لأَهلِ المَدِينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ وَلاَ يَرغَبُوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم لاَ يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخمَصَةٌ في سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ﴾

      عباد الله :
      في آخر الليل وعندما نشطت الشياطين جاء حيي بن أخطب للقاء كعب بن أسد وقال له:جئتك بعز الدهر وببحر طام ،جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
      تأمل يا عبد الله نستأصل محمداً ومن معه ، وهي نفس العبارة التي قالها اليهود وأذنابهم المنافقين في الدول العربية نريد أن نستأصل حكومة غزة ، وقامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية بدور حيي بن أخطب اليهودي!
      ثم وقعت معركة الخندق وثبت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، وبعدها أعلن النبي صلى الله عليه وسلم نهاية غزو الكفار للمسلمين وقال: اليوم نغزوهم ولا يغزوننا ، وهذا عين ما أراه سيحدث مع المجاهدين في فلسطين بإذن الله تعالى ، فإذا ثبتهم الله وصبروا وصابروا فسيحكمون الضفة ثم فلسطين كاملة خلال سنوات قليلة جدا ، وسنشهد ذلك إن شاء الله.
      إنها معركة مفصلية سواءً على المؤمنين أو على الكيان الصهيوني وأذنابه المنافقين ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾ ، وانظر لوصف الهجوم الذي حدث يوم الخندق فهو نفسه ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ هذا وصف دقيق لحال إخواننا هناك في غزة فالقصف من البر والبحر والجو ، يقول جل وعلا:﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ .. أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ

      عباد الله :
      إن الله تعالى يختار الشهداء اختياراً ويصطفيهم اصطفاءً قال جل وعلا:﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران:140]
      وقال جل وعلا:﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وفي قراءة أخرى " قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ " فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران:146]
      ولقد فضحت هذه الحرب المنافقين المتاجرين بدماء المسلمين ، وتستحق هذه الحرب أن نسميها بالفاضحة والكاشفة لأنها كشفت وفضحت المنافقين أفراداً كانوا أو جماعات أو حكومات أو حتى القنوات وهذا ما رآه الناس كالشمس في ضحاها .
      هذه الحرب ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأنفال:37] وتأملوا معي قول الله تعالى وكأن الآيات نزلت اللحظة يقول جل وعلا: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾.
      كم نادت الشعوب ،كم نادى أصحاب الإيمان أغيثوا إخوانكم في غزة، قاتلوا أين اسلحتكم ؟أين جيوشكم؟ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا عن أخوانكم، أما ترون الدماء والأشلاء ،أما ترون البيوت تُدمّر على من فيها ،فعائلات تُباد كاملة ،أما ترون بيوت الله تهدم ،دافعوا عن دينكم وعن بلاد المسلمين ،قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم بماذا وصفهم القرآن : ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾
      واسمعوا وتأملوا قول الله تعالى بعد هذه الآية: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
      كم سمعنا من أبناء جلدتنا من يقول قد نبهنا حماس وحذرناها ولم تسمعنا ،لو أطاعونا ما قُتلوا ،ونسي هؤلاء المنافقين أن الموت والحياة بيد ملك الملوك جل وعلا .
      ثم يأتي قوله تعالى الفصل :
      ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ر ،اللهم إنا نسألك أن تنصر أُخواننا على أرض غزة اللهم ثبت أقدامهم وأنصرهم نصراً مؤزرا وافتح لهم فتحاً مُبينا واجعل اليهود وما يملكون غنيمة للإسلام والمسلمون .
      أيها المسلمون :إعلموا أن الأمة منصورة ،ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة ،يقول جل وعلا:﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ ويقول تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
      إن وعد الله قاطع جازم بينما يشاهد الناس أن الرسل وأتباعهم منهم من يقتل ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذباً مطروداً ، وأن المؤمنين فيهم من يسام العذاب ، وفيهم من يلقى في الأخدود ، وفيهم من يستشهد ، وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد . . فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟ ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل ، ويفعل بها الأفاعيل!
      ولكن الناس يقيسون بظواهر الأمور . ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير .
      فلو نظرنا إلى قضية الاعتقاد والإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك . وانتصار قضية الاعتقاد هو انتصار أصحابها . والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم ، قريبة الرؤية لأعينهم . ولكن صور النصر شتى .
      إبراهيم عليه السلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوة إليها . . أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة؟
      ما من شك في منطق العقيدة أنه كان في قمة النصر وهو يلقى في النار . كما أنه انتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار . هذه صورة وتلك صورة . وهما في الظاهر بعيد من بعيد . فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب! .
      لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في قمة النصر وهو يكرر بل عزة: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ ولو أنه كان وحيدا بلا نصير ويضع عليه سلى الجزور.

      عباد الله:
      قد يبطئ النصر في عالم الواقع لأسباب كثيرة منها :أن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ، ولم يتم بعد تمامها ، ولم تحشد بعد طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!
      وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً ، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله .
      وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله .
      وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه ، أو تقاتل حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه . وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستبقائه!
      َإِنَّ اللهَ لَقَادِرٌ عَلَى نَصرِ عِبَادِهِ وَإِهلاكِ الكَفَرَةِ، وَلَكِنَّ مِن حِكمَتِهِ أَن جَعَلَ لِلنَّصرِ ثَمَنًا، قَالَ تَعَالى: ﴿ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم وَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لهم﴾.

      من أجل هذا كله ، قد يبطئ النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .
      نسأل الله أن يعز الاسلام والمسلمين وأن ينصر الحق وأهله وأن يخذل الباطل وحزبه.
      اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

      الخطبة الثانية :
      الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

      أيُّهَا المُسلِمُونَ، َيَتَسَاءَلُ مُسلِمٌ غَيُورٌ: وَمَاذَا في أَيدِينَا نحنُ الشُّعُوبَ وَالأَفرَادَ؟! وَمَاذَا نَملِكُ نُصرَةً لإِخوَانِنَا؟!
      الجواب مع إيماننا وثقتنا بنصر الله فإننا مُطالبون بالقيام بالواجب الشرعي ومن ذلك :
      أولاً: بِأَيدِينَا السِّلاحُ المَاضِي وَالقُوَّةُ القَاهِرَةُ، بِأَيدِينَا سِلاحُ الدُّعَاءِ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَنَا بِالإِجَابَةِ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم﴾، وَمَنِ الَّذِي يَمنَعُ أَيَّ مُسلِمٍ في شَرقِ الأَرضِ وَغَربِهَا أَن يَرفَعَ كَفَّهُ إِلى اللهِ ضَارِعًا، وَأَن يَلجَأَ إِلَيهِ تَعَالى دَاعِيًا، وَأَن يُلِحَّ عَلَيهِ مُخلِصًا أَن يَحقِنَ دِمَاءَ إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ، وَأَن يُهلِكَ الظَّالِمِينَ المُعتَدِينَ.،
      أتهزأ بالدعاء و تزدريه **و ما تدري بما صنع الدعاء
      سهام الليل لا تخطي و لكن ** لها أمد و للأمد انقضاء
      قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾.

      ثانياً : بِأَيدِينَا أَسمَاعُ أَبنَائِنَا فَلْنُسمِعْهُم الحَقَّ، بِأَيدِينَا قُلُوبُهُم فَلْنَغرِسْ فِيهَا العَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ،لنغرس فيها روح المقاومة والعزة والجهاد ، لِنَغرِسْ في قُلُوبِهِمُ الوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ أَينَمَا كَانُوا، وَالبَرَاءَ مِنَ الشِّركِ وَالمُشرِكِينَ أَينَمَا كَانُوا، لِنُحَذِّرْهُم ممَّن يُهَوِّنُونَ مِن شَأنِ هَذِهِ العَقِيدَةِ وَيَدعُونَ إِلى مَا يُسَمُّونَهُ التَّعَايُشَ السِّلمِيَّ الَّذِي مَا هُوَ في الحَقِيقَةِ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ الخُضُوعِ وَضَربٌ مِنَ الخُنُوعِ، لَن نَزدَادَ بِهِ في أَعيُنِ الأَعدَاءِ وَقُلُوبِهِم إِلاَّ ذُلاًّ وَمَهَانَةً. إِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَعِيَ أَبنَاؤُنَا الحَقَّ وَيَثبُتُوا عَلَيهِ، وَأَن لاَّ يَقبَلُوا فِيهِ أَيَّ نِقَاشٍ أَو خِدَاعٍ،قال تعالى: ﴿قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَاءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ﴾

      ثالثاً: مُطالبة الحكومات بقطع العلاقات الدبلوماسية والسياسة والاقتصادية .فنزويلا دولة ليست إسلامية ولا عربية تطرد السفير الإسرائيلي بينما دولٌ عربية مسلمة تسرح وتمرح فيها السفارات الصهيونية .
      يكفي عمالة ،يكفي نفاق ،يكفي خنوع وذل ، مما يخافون على كراسيهم الله يعز من يشاء ويُذل من يشاء يؤتي الملك من يشاء قلم الخوف.
      يخافون من إسرائيل يخافون من أمريكا ،نقول لهم الله أقوى من كل شيء .
      كل يوم نسمع صفقات أسلحة للجيوش العربية ،يا ترى لماذا تُشترى هذه الأسلحة ، أليست لحماية الأمة وشرف الأمة ،أم أنها لقمع الشعوب .

      رابعاً: ويجب علينا إعداد العُدة وكل أنواع العدة كما أمر الله فيُعد المسلم نفسه وأولاده ويجب أن يكون للمساجد والمدارس والجامعات دور كبير في بناء الجيل الذي ينصر دين الله وينصره الله القائل ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾
      يا أمتي وجب الكفاح *** فدعي التشدق والصياح
      ودعي التقاعس ليس ينصر *** من تقاعس واستراح
      ما عاد يجدينا البكاء *** على الطلول ولا النواح
      يا قوم إن الأمر جد *** قد مضى زمن المزاح
      سقط القناع عن الوجوه *** وفعلهم بالسر باح
      عاد الصليبيون ثانية *** وجالوا في البطاح
      عادوا وما في الشرق *** نور الدين يحكم أو صلاح
      عاثوا فساداً في *** الديار كأنها كلأ مباح
      لم يخجلو من ذبح شيخ *** لو مشى في الريح طاح
      أو صبية كالزهر لم *** ينبت لهم ريش الجناح
      ذبحوا الصبي وأمه *** وفتاتها ذات الوشاح
      عبثوا بأجساد الضحايا *** في انتشاء وانشراح
      لم يشف حقدهم دم *** سفحوه في صلف وقاح
      فغدوا على الأعراض *** لم يخشوا قصاصاً أو جناح
      لم يعبؤوا بقرار *** أمن دانهم أو باقتراح
      يا أمة الإسلام هبوا *** واعملوا فالوقت راح
      الكفر جمَّع شمله *** فلم النزاع والانتطاح
      فتجمعوا وتجهزوا *** بالمستطاع وبالمتاح
      يا ألف مليون وأين *** هم إذا دعت الجراح
      هاتوا من المليون ملياراً *** صحاحاً من صحاح
      من كل ألف واحداً *** أغزو بهم في كل ساح
      لابد من صنع الرجال *** ومثله صنع السلاح
      لا يصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح
      في روضة القرآن في *** ظل الأحاديث الصحاح
      لا يستوي في منطق *** الإيمان سكران وصاح
      مًن همه التقوى *** وآخر همه كأس وراح
      شعب بغير عقيدة *** ورق تذريه الرياح
      من خان حي على الصلاة *** يخون حي على الكفاح
      خامساً: مواصلة التبرعات والنفقات لإخواننا ،الذين يدافعون عن شرف الأمة كلها .
      ما الذي طور صواريخ المقاومة إلا دعمكم فبعد أن كانت لا تصل إلا إلى عدة كيلومترات اليوم تصل إلى خمسين كيلومتر .
      أبناء الشهداء يُكفلون بدعمكم ،ومن جهّز غازياً فقد غزا وهذا أقل واجب نقدمه لإخواننا الذين يقدمون أنفسهم وأولادهم وبيوتهم فداءً لأرض الأقصى ودفاعاً عن شرف الأمة.
      فلا تبخلوا على إخوانكم ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾،وما للإنسان من ماله إلا أكل فأبلى أو لبس فأفنى أو تصدق فأبقى .

      اللهم إنا نسألك بذلِّ عبوديتنا لك، وبعظيم افتقارنا لك، أن تنتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها... اللهم انتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين في فلسطين. اللهم انصرهم على الصهاينة الغاصبين. اللهم اهزم كل من يساند اليهود، ويشجعهم على قتل المستضعفين والأبرياءِ من إخواننا الفلسطينيين. اللهم انصرنا على الأمريكيين الكائديـن الحاقدين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وبث الـرعب في قلوبهم، وأذهب النـوم عن عيونهم. اللهم أضعف كل من يناصرهم. اللهم أرنا فيهم يومًا قريباً تَشفي به صدور قوم مؤمنين، وتُذهب غيظ قلوبهم. اللهم أحْسِنْ خلاص المسجونين والمأسورين من إخواننا المسلمين في سجون الأمريكيين الظالمين. اللهم اجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وشوقته إلى لقائك، وحبوته برضاك، وفرغت فؤاده لحبك. اللهم ارحمنا، وارحم والدينا، وارحـم من علمنا، والمسلمين أجمعين برحمتك يا أرحـم الراحميـن - آمين - والحمد لله رب العالمين. هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ...



      ******************************************


      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : أمير بن محمد المدري / اليمن





      تعليق

      • سُلاف
        مشرفة المواضيع الإسلامية
        من مؤسسين الموقع
        • Mar 2009
        • 10535




        ســنن الله في التدافـــع







        الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..

        ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
        ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.
        ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

        أما بعد:
        فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

        أيها الناس:
        سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل ولا تتغير، ولا يمكن لأي قوة مهما بلغت أن تعطل لله تعالى أمرا، أو ترد له قدرا، أو تبطل سنة من سننه {﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ﴾ ، ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ ، ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)

        ومن سنته تبارك وتعالى أنْ قدَّر التدافع بين الإيمان والكفر، وبين العدل والظلم، وبين الحق والباطل ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ﴾ ومن سنته سبحانه أن شرع للمؤمنين مدافعة الكفر وأهله، ومقارعتهم بالحجة والبرهان، ومقاتلتهم باليد والسلاح.

        لقد كانت سنة الله تعالى في الأمم الغابرة إهلاك المكذبين بعذاب من عنده؛ كما أهلك قوم نوح بالطوفان، وعادا بالدبور، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل، وقوم شعيب بيوم الظلة . فلما بعث الله تعالى موسى عليه السلام، وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق أنزل التوراة على موسى عليه السلام، وشرع فيها قتال الكفار، وكان ذلك أولَ أمر الجهاد في الشرائع الربانية، واستمر في بقية الشرائع بعده على ذلك، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في قول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى).

        وسيظل الجهاد قائما إلى آخر الزمان إلى أن يجاهد المسيح ابن مريم عليه السلام والمؤمنون معه الدجال وأتباعه من اليهود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري)؛ رواه أحمد. وبين أن الجهاد باق إلى يوم القيامة في قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم)؛ رواه البخاري.

        وكان من سنة الله تعالى لما شرع الجهاد، وكلف العباد به:
        أنْ جعل الأيام دولا بين الحق والباطل، فتكون الغلبة لأهل الحق تارة، وتارة أخرى تكون لأهل الباطل؛ وذلك ابتلاء وامتحانا للعباد، وتمحيصا للقلوب، وتمييزا للثابت على الحق من الناكص على عقبيه، المبدل لدين الله تعالى، والحكمة من هذه السنة الثابتة منصوص عليها في القرآن أيضًا: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ ، وفي الآية الأخرى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ﴾ ، وفي براءة ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ، وفي العنكبوت ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ ، وفي القتال: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ وفي آخر السورة: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾.

        ثم كان من سنة الله تعالى أن كتب الغلبة لأهل الحق والإيمان والعدل على أهل الباطل والكفر والظلم، ولكن بشرط أن يكونوا قائمين بأمر الله تعالى، ناصرين لدينه، مستمسكين بشريعته، فإن غلبهم أعداؤهم فبسبب تقصيرهم في دينهم، ومعصيتهم لربهم وهذه السنة العظيمة جاءت بذكرها آيات كثيرة في كتاب الله تعالى، بل أقسم عليها الرب جل جلاله في قوله سبحانه: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ وفي آيات أخرى كثيرة ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ ، ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ، ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي).

        ولكن إن أخلَّ أهل الحق بهذا الشرط المتمثل في نصر الله تعالى بالاستمساك بدينه، وتعظيم شريعته، والعمل بها، فقدوا سبب النصر، وعوقبوا بالذل والهوان، وتسلط الأعداء؛ تذكيرا لهم وتأديبا، لعلهم إلى ربهم يرجعون، وبدينهم يستمسكون، وعن المعاصي ينتهون، وهذا التأديب والتذكير ذاق شدته ومرارته أفاضل هذه الأمة حين عصى الرماة في أحد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فانقلب ميزان المعركة لصالح المشركين، وكف الملائكة عن القتال إلا حماية للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصاب المسلمين كرب شديد، وألمت بهم محنة عظيمة، وأحاط المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم في نفر قليل من الصحابة رضي الله عنهم، وشُجَّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رباعيته، وهُشِمت البيضة على رأسه، وأشاع المشركون قتله، وقُتل سبعون من خيار الصحابة رضي الله عنهم، ومَثَّل المشركون ببعضهم، وأُصيب أهل المدينة في آبائهم وأزواجهم وإخوانهم وأولادهم، وأنزل الله تعالى آيات كريمات تبين أن معصيتهم هي سبب مصابهم ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، إلى أن قال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

        إنها حقائق من رب العالمين، وإخبار العليم الخبير، وليست تكهنات كهان، أو استنتاجات خبراء، أو تحليلات سياسيين، أو تخبطات صحفيين، لا يرى أكثرهم أبعد من أنوفهم، ولا يدركون سنن الله تعالى في خلقه، ولا يحسنون التلقي عن كتابه الكريم.

        إن الذل والهوان قد أصاب المسلمين في هذا الزمان على أيدي كفرة أهل الكتاب من بني إسرائيل من عباد العجل وعباد الصليب، الملعونين في كتاب الله تعالى على لسان أنبيائهم داود وعيسى ابن مريم عليهم السلام؛ فاستباحوا الديار، واحتلوا البلدان، ونهبوا الثروات والتفوا على القرارات،وصاروا يلعبون بالمسلمين ذات اليمين وذات الشمال في مجالس ومنظمات أسست على الباطل، وكانت قائمة على الظلم وراعية له منذ نشأتها إلى يومنا هذا.

        لقد أقضت هذه الحال المزرية مضجع كل غيور على أمته، وراح الكتاب والباحثون يشخصون المشكلة، ويبحثون أسبابها، ويقترحون الحلول لعلاجها؛ فرأى أقوام منهم أن سببها تمسك المسلمين بموروثهم من دين وكتاب وسنة، وأن العلاج في اطراح ذلك، وأخذ دين الذين كفروا المتمثل في الديمقراطية والليبرالية، والحرية المزعومة، وهو ما تصيح به أكثر الإذاعات والفضائيات، ويُسَوَّدُ في الصحف والمجلات مع كل نازلة تنزل وأزمة تتجدد، يريدون إخراج الناس من دينهم، وتجريدهم من مصدر عزهم وقوتهم، وتالله إن هذا لهو البلاء الماحق، والداء القاتل.

        ورأى آخرون أن ما أصاب الأمة المسلمة ما هو إلا بسبب الركون إلى الدعة والكسل، والتقاعس عن العمل في المجالات الدنيوية، ويكثر حديث هؤلاء عن البناء الحضاري، والتقدم التقني، ويتكرر في خطابهم استخدام المصطلحات الانهزامية، كمصطلحات السلام والتعايش والإنسانية ونحوها، وتجد استدلالهم بأقوال حكماء الكفار وفلاسفتهم أكثر من استدلالهم بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، حتى في مجالات الأخلاق والسلوك؛ مما ينم عن انهزام أمام المناهج المنحرفة، وانبهار بمنجزات الحضارة المعاصرة، وافتتان بالدنيا. ويرى هؤلاء أنه لا مخرج للأمة إلا بتغيير العقلية القديمة المألوفة إلى عقلية جديدة واسعة الآفاق، متفتحة على الآخرين، ونهاية مقولاتهم تلتقي مع مقولات الطائفة الأولى، ولولا سابقة بعضهم في العلم والدعوة لربما نحو نحوها.

        والحق الذي لا مرية فيه إن شاء الله تعالى أن ما أصاب المسلمين من ذل وهوان ما هو إلا بسبب الذنوب والمعاصي، وهي التي أورثت التنازع والاختلاف، وهي سبب تسلط الظالمين والكافرين، وكل ما يذكر من أسباب التخلف والضعف فمرده إلى المعصية؛ لأن المسلمين لا يصلحون إلا بطاعة الله تعالى، ولا يهزمون إلا بمعصيته، وإذا كانت معصية واحدة في غزوة أحد أورثت ذلا بعد عز، وقلبت المعركة من نصر إلى هزيمة، فكيف بمئات المعاصي التي تمتلئ بها بيوتنا وأسواقنا وأعمالنا، كم في المسلمين من معاص سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، كم فيهم من ظلم وعدوان، وبخس للحقوق، وتضييع للأمانات، وترك للواجبات، ومسارعة إلى المحرمات، يستوي في ذلك كبار القوم وأراذلهم. إن الواحد من المسلمين لو أحصى ذنوبه في يومه وليلته، سواء فيما يتعلق بحق ربه عز وجل، أو حق نفسه، أو حقوق الآخرين من والد ووالدة وزوج وولد، وذي رحم وجوار، وحقوق وظيفته وعمله، وحقوق رعيته ودولته وأمته، لو أحصى ذلك كله لعلم أن ذنوب يوم واحد كفيلة بحجب نصر الله تعالى، وتنزل عقوبته، وتسلط أعدائه، فكيف إذا عدها في عام كامل، ثم جمع معها ذنوب إخوانه المسلمين.

        إنها الذنوب التي تورث الذل، وتسبب التنازع والفشل، وتؤدي إلى الضعف والعجز، وتدفع إلى حب الدنيا وضعف الهمة للآخرة، وليس بعد كلام الله تعالى في هذا الأمر كلام، واقرؤوا إن شئتم سياق الآيات من سورة آل عمران في مصاب المسلمين في أحد وأسبابه تعرفوا أثر المعصية على الأفراد والجماعة والأمة، كيف وهذا المعنى قد قرر في غير الحديث عن أحد في عدد من الآيات: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير ﴾ ، وقد خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾.

        هذا هو الداء، والعلاج في التوبة من هذا الداء، والعودة إلى الله تعالى، أفرادا وجماعات، شعوبا وحكومات، وإلا كان المزيد من الذل والهوان، والظلم والاستضعاف نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يردنا إليه ردا جميلا، وأن يعفو عن ذنوبنا، وألا يؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا بما فعل السفهاء منا إنه سميع قريب.

        وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

        الخطبة الثانية
        الحمد لله؛ كتب الذل والهوان على الكافرين، وجعل العاقبة للمتقين، أحمده حمدا يليق بجلاله وسلطانه، وأشكره على جزيل نعمه وإحسانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

        أما بعد:
        فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، واحذروا المعاصي فإنها سبب الذل والهوان، والجوع والخوف (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

        أيها المسلمون:
        ربنا جل جلاله هو خالق الخلق، ومالك الملك، ومدبر الأمر، وبيده مقاليد كل شيء، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير.

        بيده سبحانه وتعالى الذل والعز، والنصر والهزيمة، وهو الذي يعطي ويمنع، ويبسط ويقبض، ويرفع ويضع ﴿ قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ،﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

        من ابتغى العزة فليطلبها منه وحده لا شريك له، ولا عزة إلا في دينه الذي ارتضاه لعباده ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ أي من أرادها فليطلبها بطاعته بدليل قوله سبحانه بعد ذلك ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ ولا يضر المؤمن قدح الكفار والمنافقين في دينه، أو انتقاصهم له، فإن العزة فيه مهما قالوا (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا) ولما قال المنافق: ﴿ َيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ﴾ كان الجواب: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ وبين سبحانه أن من والى الكفار يطلب العزة منهم فقد طلبها في غير محلها ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾

        وبيده سبحانه النصر والتأييد، ويطلب ذلك منه لا من أحد غيره مهما علا قدره، ومهما بلغت قوته ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، ﴿ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

        أفبعد هذه الآيات المحكمات الواضحات يسوع لمؤمن بالله تعالى أن يطلب العز والنصر من غير الله تعالى، أو يبتغيه في غير دينه، وقد قضى سبحانه بأن من نصره بالتمسك بدينه فسوف ينصره على أعدائه؟

        أيسوغ لمسلم أن يقنط من رحمة الله تعالى وهو يقرأ كتابه؟ أو ييأس من عودة القوة والعزة والكرامة للأمة المسلمة؛ لتحكم في الأرض بالعدل وقد امتلأت جورا وظلما، وهو يعلم أن العاقبة للتقوى، وأن المستقبل لهذه الأمة، وأن دين الله تعالى عزيز رغم ضعف المسلمين؟

        نحتاج فقط إلى التوبة النصوح التي يتخلص بها كل واحد منا من ذنوبه، ويستشعر مسؤوليته، ويحاسب نفسه، ويراقب الله تعالى في كل شؤونه، ويسعى في نصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان بكل ما يستطيع من أنواع النصرة، مع ثقته بربه عز وجل، والإكثار من الدعاء والتضرع بين يديه سبحانه؛ فإن الدعاء سلاح لا يخطئ، وقوة لا تغلب، وما تسلح الفاتحون من أسلافكم بسلاح أمضى منه، سأل سليمان بن عبد الملك موسى بن نصير عليهم رحمة الله تعالى: (ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟ قال: الدعاء والصبر) ولما صافَّ قتيبة بن مسلم رحمه الله تعالى للترك، وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع رحمه الله تعالى، فقيل: هو ذاك في الميمنة، جامح على قوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء، قال: تلك الأصبع أحب إليَّ من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير) وكان صلاح الدين رحمه الله تعالى إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خر ساجداً لله قائلاً: إلهي، قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل.

        فثقوا بربكم - أيها المسلمون - وتعلقوا به، وتوبوا إليه، واسألوه فإنه سميع قريب مجيب وصلوا وسلموا ...




        ******************************************



        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : د. ابراهيم بن محمد الحقيل













        تعليق

        • سُلاف
          مشرفة المواضيع الإسلامية
          من مؤسسين الموقع
          • Mar 2009
          • 10535



          استثمار الوقت في العُطل فيما ينفع






          الخطبة الأولى


          الحمد لله أولى من حُمِد، وأحبِّ من ذُكِر، وأحقِّ من شُكِر، وأكرمِ من تَفَضّل، وأرحمِ من قُصِد، أحمده سبحانه وأشكره، تَعَرّف إلى خلقه بالدلائل الباهرة والحجج القاهرة، وأنعم عليهم بالنعم الباطنة والظاهرة، والآلاء الوافرة المُتَكاثِرَة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَدَّ الأرضَ فأوسعها بقُدْرِته، وقَدَّر فيها أَقْوَاتها بحكمته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، رفع ربُّهُ ذِكرَه فأعلاه وأجَلّه، وفي أعلا المنازل أكرمه وأحَلّه، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أعِزّة على الكفّار وعلى المؤمنين أَذِلّة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، بدعوتهم وطريقتهم تَتّحِد الكلمة، وترتفع أركان المِلّة، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
          أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فالدنيا غير مأمونة، ومَن عَزَمَ على السفر والرحيل تَزَوّد بالمؤونة، ومن صَحّت نيّتُه، وأخذ بالأسباب جاءته من ربه المعونة، من عَلِم شَرَف المطلوب جَدّ وعَزَم، والاجتهادُ على قَدْر الهِمَم، والنفسُ إذا أُطْمِعَت طَمِعَت، وإذا أُقْنِعَت باليسير قَنِعَت، وإذا فُطِمَت انْفَطَمَت، اهتمّ بالخلاص أهل التُّقى والإخلاص، وفرّط المفرّطون فندموا ولاتَ حينَ مَنَاص، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ
          أيها المسلمون، قوّة الأمّة وتقدّمها وحُسن تديُّنها مَقِيسٌ بقوة إيمانها، وجودةِ عملها، ودقّةِ تنظيمها، ومِقدَارِ إنتاجها، وحُسنِ تدبيرها، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
          عباد الله، ومع هبوب رياح الصيف وحلول مواسم الإجازات في كثير من البقاع والديار، وارتباط الإجازة عند بعض الناس بالتعطيل والبطالة وإضاعة الوقت وقتله؛ يحسن الوقوف وقفة نظر وتأمّل في العمل والإنتاج وساعات العمل وحفظ الوقت وضبط ساعات العُمُر وأوقات الراحة.
          إن قُدرة المجتمعات على الإنتاج والعطاء وضبطِ ساعات العمل وكَسْبِ المعاش وأوقات الراحة من أدلّ الدلائل على القوّة، بل حُسنِ الإيمان والعمل الصالح وإدراك معنى الإصلاح.
          تأمّلوا ـ رحمكم الله ـ هذه الآيات من كتاب الله فيما امتنّ الله على عباده من تهيئة أسباب المَعَاش من أجل حُسن المَعِيشَة، يقول عزّ شأنه: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ
          ، ويقول عزّ من قائل: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ، وقال جلّ وعلا: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون
          ثم تأمّلوا التنبيهَ على أوقات العمل وساعاته والراحة ومواعيدها، يقول سبحانه: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ، ويقول جلّ في عُلاه: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، ويقول جلّ وعلا: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ، ويقول في حقّ نبيّه محمد : إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً
          أيها المسلمون، هذه هي آيات الله، وتلك هي سُننه في الليل وفي النهار وفي البشر، ولكنّ المتابع لمسالك بعض الناس ـ وبخاصّة في منطقتنا ومحيطنا في كثير ٍمن أفراد مجتمعنا ـ ليَدْهَشُ ويأسَى مما يلْفِتُ نظرَه من الغفلة عن هذه السُّنّة الإلهية والآية الربّانية، حين ينقلب عندهم الحال، فيجعلون نهارَهم سُبَاتًا، وليلَهم مَعَاشًا، بل لهوًا وعَبَثًا، إنه انتكاسة وانقلاب، بل فوضى واضطراب، وآثاره على الحياة والأحياء خطيرة في الإنتاج والصلاح والإصلاح، صحّية وبيئيّة وأمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وغيرها. نعم أيها الإخوة الأحبّة، إن مما يأْسَى له الناظرُ أن ترى أُسَرًا بأكملها، أو مُدنًا بكلّ أهلها، صغارِها وكبارِها، رجالِها ونسائِها؛ قد قلبوا حياتهم، وانقلبوا في مَعَاشهم، فيسهرون ليلَهم، ثم يصبحون في نهارهم غير قادرين على العمل والعطاء، سواءً أكانوا طُلابًا أم موظّفين، وسواءً أكانوا في أعمال خاصّة أم عامّة، فهم ضعفاء في الإنتاج، ضعفاء في المشاركة، مُقَصّرين في الأداء، مُفَرّطين في المسؤولية، لا ترى إلا ذُبُولَ الحاجِبَين، واحمرارَ العينين، قد أخذ منهم النُّعَاسُ والكسلُ كلَّ مَأخَذ، ضَعْفٌ في الجسم، ووَهَنٌ في القُوى، وقلّة في التركيز والأداء.
          إن ظاهرة عكس السُّنن وتحويل وظائف النهار إلى الليل دليلٌ على التَسَيُّب والفوضى وضياع الضابط في الناس، بل قد تكون دلالةً من دلالات التَّرَهُّلِ المُهْلِك، والاتِّكاليّة المُدَمِّرة، وكأنّه لا هَمَّ لهم إلا تلبية أهوائهم ومُشْتَهَيَاتِهم، مُنْصَرِفين أو مُتَعَامِين عن حقيقة وجودهم، وطبيعةِ رسالتهم، وعظيمِ مسؤوليتهم، والجدِّ في مسالكهم. ويكفي المُخْلِصَ الصادقَ الناصحَ لأمته أن يُجِيل نظرَه في مجموعة من هذا الشباب التائه الضائع الذي يعيش على هامش الحياة، بل على هامش الزمن، في الليل مستيقظٌ بلا عمل والأمم الحيّة العاملة نائمة، ويكون نائمًا والأمم الحيّة العاملة مستيقظةٌ ساعَيِةٌ كادَّةٌ جادَّةٌ. ومع الأسف فإن الناظر المتأمّل لا يكاد يجد ناصحًا أو منكرًا لهذه المسالك التي لا تُحْمَد عُقْبَاها، بل إن عاقبتها خُسْرٌ في الأبدان والأموال والثمرات؛ مما يستدعي قرارًا حازمًا يردّ الناس إلى الصواب؛ ليكون الليل سَكَنًا وسُبَاتًا، ويكون النهار عملاً ومعاشًا.
          ثم ماذا إذا صار الليلُ حركةً وعملاً لا نومًا ولا سُبَاتًا ولا سَكَنًا؟ سوف يزداد الصَّرْف والاستهلاك في كل المرافق، في مائها وإضاءاتها وطرقها وصيانة ذلك كله ونظافته، بل إن الأجهزة سوف تعمل فوق طاقتها ليلاً ونهارًا، مما يتولّد عنه الضعفُ والتَّسَيُّبُ والعَجْزُ والضَّجَرُ، ومن ثَمّ المشكلات الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها.
          معاشر المسلمين، إنّ أول مَدَارِج الإصلاح ـ والأمة تبتغي الإصلاح والانتظام في صفوف الأمم القويّة العاملة الجادّة ـ إنّ أول ذلك القدرة على ضبط أنفسنا وأبنائنا، والتحكّم الدقيق في ساعات عملنا. إن هذه الانتكاسة التي شملت الموظّفَ والمسؤولَ والطالبَ والمعلّمَ والرجلَ والمرأةَ تحتاج إلى وقفة صادقة جادّة، وقرارٍ حاسمٍ يعيد الناس إلى الجادَّة، بل يعيدهم ليكونوا أسوياء يعملون كما يعمل الناس في كل بلاد الدنيا. ولا مُسَوّغ البتَّةَ للاحتجاج بالظروف الاجتماعية أو المناخية؛ لأنّ سُنن الله في الليل والنهار عامّة، تَنْتَظِم البشرَ كلَّهم في مجتمعاتهم ومَنَاخَاتهم وقارّاتهم، فربُّنا جعل الليلَ سَكَنًا، وجعل النهارَ مَعَاشًا، ومحا آيةَ الليل، وجعل آية النهار مُبْصِرَة؛ لابتغاء فضله سبحانه، وذلك لأهل الأرض كلهم، بل جاء الخطاب في قوله سبحانه بعد أداء صلاة الجمعة: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وهذا لا يكون إلا بعد الظهر وفي شدّة حرارة الشمس في الصيف، وهو خطاب تَنَزّل أول ما تَنَزّل على العرب في جزيرتهم.
          إن من أهمّ آليّات الإصلاح الذي ينادي به المصلحون المُخْلِصُون النظرَ الجادّ في هذه القضية، وإعادةَ ترتيب ساعات العمل، وحملَ الناس على ذلك، وأَطْرَهم عليه أَطْرًا، حتى يتحوّل المجتمع إلى مجتمع مُنْضبِط عامل مُنْتِجٍ يحسن توظيف قدراته ومواهبه ومؤهّلاته وكفاءته في كل طبقاته رجالاً ونساءً وشبابًا وكهولاً، يجب أن يكون المجتمع نَهَارِيًّا لا ليلِيًّا، فلا عمل في الليل إلا في حدود ضيّقة في بعض الأعمال الخاصّة من حراسة ومُنَاوَبة وأَشْبَهِها.
          أيها المسلمون، إن أول ما يجب التطلّع إليه أن تكون الأمةُ أمةَ بُكُور، في بُكُور الصباح تغدو مخلوقاتُ الله وأممُ الأرض كلُّها تبتغي فضل الله، إن يومكم الإسلامي ـ أيها المسلمون، أيها الشباب ـ يبدأ من طلوع الفجر، وينتهي بعد صلاة العشاء، قال بعض السلف: "عجبت لمن يصلي الصبح بعد طلوع الشمس كيف يُرزق؟"، وأصدق من ذلك وأبلغ قول نبينا محمد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة وابن عمر وصَخْر بن وَدَاعَة رضي الله عنهم في قوله : ((اللهم بارك لأمتي في بُكُورها)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ولفظ أبي هريرة: ((بُورِك لأمتي في بُكُورها)) ، وكان صَخْر راوِ الحديث لا يبعث غلمانه إلا من أول النهار، فكَثُر مالُه حتى كان لا يدري أين يضعه.
          يومكم الإسلامي ـ يا أهل الإسلام ـ مُرتَبِطٌ ومُفْتَتَحٌ بصلاة الصبح، وفيها قرآن الفجر: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [. يستقبل بها المسلمُ يومَه، ويستفتح بها نهارَه وعملَه، دعاه داع الفلاح، فالصلاة خير من النوم. استشعر عبودية ربّه والإيمان والعمل الصالح، يرجو البركة ونشاط العمل وطِيب النفس، نعم طِيب النفس ونشاط البدن مِصْداقًا للحديث المتّفق عليه، إذ يقول : ((يَعْقِدُ الشيطانُ على قافِيَة رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد، ويَضْرِبُ على مكان كل عُقْدَة: عليك ليلٌ طويلٌ فارْقُد، فإن استيقظ وذكر الله انحلّت عُقْدَةٌ، فإن توضّأ انحلّت عُقْدَةٌ، فإن صلّى انحلّت عُقْدَةٌ، فأصبح نشيطًا طَيّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفسِ كَسْلانَ)). ومن صلّى الصُّبْح فهو في ذمّة الله. ولقد ذُكِر عند النبي رجلٌ فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة! فقال رسول الله : ((ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه))
          أهل البُكُور قوم موفّقُون، وجوههم مُسْفِرَة، ونَوَاصِيهم مُشْرِقة، وأوقاتُهم مُباركة، أهل جِدّ وعمل وسعي، يأخذون بالأسباب مُفَوّضين أمرهم إلى ربّهم، متوكّلين عليه، فهم أكثر عملاً، وأعظم رضًا، وأشدّ قناعة، وأرسخ إيمانًا، والبركات فُيُوضٌ من الله وفُتُوحٌ، فتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، لا تقع تحت حَصْر لا في عمل ولا في عَدَد ولا في صورة ولا مكان ولا زمان ولا أشخاص، بركات من السماء والأرض، بركات بكل أنواعها وألوانها وصورها، مما يَعْهُدُ الناسُ ومما لا يعهدونه. فاستقيموا ولن تُحْصُوا، وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
          عباد الله، وحين يترك الناس البُكُور، ويُهْمِلون الساعات المباركة؛ تصبح أوقاتهم ضيّقة، وصدورهم حَرِجَة، وأعمالهم مُضْطَرِبة.
          وبعد، فهذا هو ديننا، وهذا هو نهجنا، وهذه هي إرشادات نبيّنا، فلماذا يسبقنا الآخرون؟!
          أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ
          نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد . وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


          الخطبة الثانية
          الحمد لله المُتَفَرِّد بالقُدْرة، أحمده سبحانه لا تُقَدِّرُ الخلائقُ قَدْرَه، وأشكره على نعمٍ لا تُحصى، ولا يُطيقُ العبادُ شُكْرَه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، جَلّ صفةً، وعزّ اسمًا، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله علا شرفًا وإلى ذُرَا الأخلاق سَمَا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه كانوا على الحق أعلامًا، وعلى الهُدَى أنْجُمًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليمًا.
          أما بعد: أيها المسلمون، البُكُور استقامة مع الفطرة في المخلوقات والأشياء، والتبكير دليل قوّة العَزْم وشدّة التّشْمِير، ومن أراد علمًا أو عملاً فليُبَادر بالبُكُور، فذلكم علامة اليقظة والنّباهة والجدّ والحَزْم والبُعْد عن الغفلة والإهمال والفوضى، روى مسلم في صحيحه أن رجلين جاءا إلى عبد الله بن مسعود يزورانه بعد الفجر، فأذنت لهم الجارية بالدخول فترَدّدَا، فقال لهما عبد الله بن مسعود: (ادخلا، أتظنان بابن أمّ عَبْدٍ الغفلةَ؟!)
          في البُكُور صفاء الذهن، وجودة القَرِيحَة، وحضور القلب، ونَقَاء النفس، ونور الفكر، فيه استجماع القُوى، واستحضار المَلَكَة، وانبعاث الفُتُوّة. في البكور الهواء أنقى، والعبد أتقى، والنفس أطيب، والروح أزكى. نسائم الصباح لها تأثيرها اللطيف على النفس والقلب والبدن والأعصاب، والجسم يكون في أفضل حالاته وأكمل قواه. من غريب ما قالوا: إن أصحاب الأعمار الطويلة هم من القوم الذين يستيقظون مُبَكّرين. بل قالوا: إن الولادات الطبيعية في النساء تقع في ساعات النهار الأولى الباكرة. بل إن بعض الباحثين يُرْجِع الاكتئاب والأمراض النفسيّة إلى ترك البُكُور ونوم الضُّحَى.
          وبعد، فتأمّلوا ـ رحمكم الله ـ حين يجتمع للعبد العاملِ الجادِّ البُكُور والبركة، بركة المال، وبركة العمل، وبركة الوقت، فينتفع بماله، ويُفْسَحُ له في وقته، ويُقْبِل على عمله، فينجز في الدقائق والساعات ما لا ينجزه غيره ممن لم يُبارَك له في أيام وليالي، يُبارَك له فيكون الانشراح والإقدام والإقبال والرضا والإنجاز.
          ألا فاتقوا الله رحمكم الله، والزموا سُنَنَ الله، وخذوا بالجدّ من أعمالكم، والحَزْم من أموركم، يُكتَب لكم الفلاح في الدنيا والآخرة، فحيّ على الفلاح، فالصلاة خير من النوم...





          ******************************************


          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : صالح بن عبد الله بن حميد







          تعليق

          • سُلاف
            مشرفة المواضيع الإسلامية
            من مؤسسين الموقع
            • Mar 2009
            • 10535


            حديث "الثلاثة نفر الذين آواهم الغار" : دروس وعبر




            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن تقواه هي خير سبيل للنجاة من الشدائد والكربات {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...}، {..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}

            عباد الله: لا ينال المرء السعادة الكاملة، وانشراح الصدر وطيب العيش في هذه الدنيا إلا إذا كان مطيعاً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومؤدياً للأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله زلفى، وحياة الصالحين من عباد الله دليل على ذلك فهم أسعد الناس قلوباً، وأكثرهم راحة، وأشدهم انشراحاً وسروراً، لما كانوا عليه من الإخلاص، والصدق، والمتابعة، والطاعة، وعمل الصالحات.

            فهم لما صدقوا مع الله صدقهم الله، فلم يضيعهم، ولم يخزهم، ولم يسلمهم إلى ما يعكر صفو حياتهم، بل تولاهم بفضله، وأحاطهم برحمته، وأفاض عليهم من جزيل هباته، فنالوا ولاية الله تعالى وحازوا خيري الدنيا والآخرة.

            وإن من سنن الله في خلقه أن جعل المؤمنين في هذه الدنيا هم أكثر الناس عرضة للمحن والابتلاءات، قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ، وقال:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ} وهذه المحن والابتلاءات على الرغم من شدتها وقسوتها إلا أنها تحوي بين جنباتها الخير والرحمة لمن ابتلي بها، يقول صلى الله عليه وسلم:(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له)(رواه مسلم).

            وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يقص علينا قصة من قصص السابقين، حدثت في الزمن الغابر، فيها تربية للنفوس، وإصلاحٌ للقلوب، وتبيَّن لنا أن نجاة المسلم وخلاصه من الكربات والأزمات والمحن بيد علام الغيوب، الذي لا يضيع عباده أبداً مهما أحاطت بهم الضوائق والشدائد.

            لقد أصبحوا بعد انطباق الصخرة عليهم في حال أشد من حالهم السابقة حيث كانوا يستطيعون الصبر على المطر والمشي تحت قطراته المتساقطة، أما حالهم بعد انسداد الغار فهي حالة موت محقق، أصبحوا محصورين لا يمكن أن يصلوا إلى أحد، أو يصل إليهم أحد، ليست هناك وسائل للاتصال نهائياً، لا الآثار ولا الصوت، ولا الاتصال، جميع الوسائل مقطوعة.
            وهنا علموا أنه لا نجاة لهم إلا بالله الذي يرى مكانهم ويعلم بحالهم ويسمع شكايتهم، فالله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

            لقد أصبح هؤلاء الثلاثة في حال كقوم في سفينة لعبت بها الأمواج يمنة ويسرة في يوم عاصف ترفعهم تارة وتخفضهم أخرى وهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.

            بل مثلهم كمثل قوم في طائرة حلقت في السماء وحصل فيها خلل فأخذت تتأرجح بهم في الفضاء بين الصعود والهبوط، ينتظرون الموت في كل لحظة، وقائد الطائرة لا يملك من الأمر شيئاً.

            عباد الله: إنها قصة تحكي حال ثلاثة نفر ممن سبقنا، هم أصحاب قلوب مؤمنة بالله، أشخاص لهم رصيد من الأعمال الصالحة؛ أحبوا ربهم، وأطاعوه فيما أمرهم، وبذلوا جهدهم في إرضائه، فابتلوا بقدرٍ من الله، عاشوا لحظاته بين همٍّ وغَمٍّ، وشِدةٍ وكَربٍ، وضِيقٍ وحُزن؛ ولكن كانت قلوبهم متعلقة بالله، متيقنة بأنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بأمره وقدره، فلجئوا إليه، ودعوه بصالح أعمالهم، فلبى دعائهم، واستجاب لهم، وفرج عنهم كربتهم، وكانت تلك كرامة منه تعالى لهم. وفي هذا بيان لأثر العمل الصالح وثماره المباركة التي يجنيها صاحبها، سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.

            روى البخاري ومسلم:(عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ إِذْ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَآوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ فِي غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَفْرُجُهَا، ....).

            عباد الله: في هذا الحديث العظيم بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم توسل هؤلاء النفر الذين آوى بهم الغار، وتعرضوا لمحنة انسداد بابه بعد لجوئهم إليه ليحميهم من المطر الذي قدَّر الله نزوله، ووجدوا أنفسهم أمام محنة لا يستطيعون لها حلاً سوى اللجوء إلى الله تعالى لعلمهم بأنه وحده بيده مقاليد السماوات والأرض، وتشاوروا فيما بينهم ماذا يفعلون في هذا الموقف العصيب، فقال أحدهم: ادعوا ربكم بصالح أعمالكم عسى الله أن يفرج عنا ما نحن فيه، وهذا يدل على قوة إيمانهم وتوكلهم، وعلمهم بفضل الدعاء الذي قال الله تعالى فيه {..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..}

            (فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ! إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَامْرَأَتِي، وَلِي صُبَيَّةٌ صِغَارٌ، فَكُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ، وَكُنْتُ أَبْدَأُ بِالْوَالِدَيْنِ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، فَلَمْ آتِهِمَا حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبُهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ، ...)

            فهذا الرجل بدأ بدعاء ربه لعلمه بقربه وسعة رحمته، وتوسل إليه بأفضل الأعمال التي يحبها الله تعالى، وأن الأمر لم يكن سهلاً عليه، فهو يرعى الغنم، وقد أرهقه السير وأجهده، وها هو لم يتناول عشاءه، وذهب ليحلب اللبن كما كان متعوداً، ولكنه تأخر في هذه الليلة عن والديه فوجدهما قد ناما، فوقف عند رأسهما حاملاً لإناء اللبن وهو يكره إيقاظهما، وصغاره يبكون من شدة الجوع، حتى طلع الفجر وهو على حاله فاستيقظا وسقاهما، ثم سقى صغاره وأهله بعدهما، إنها صورة عظيمة لما يصنعه الإيمان بالعبد، وقد علم الله إخلاصه وصدق نيته وأنه قدَّم والديه على أهله وأولاده ابتغاء وجهه الكريم وطلب المثوبة منه، فاستجاب دعائه لعظيم فضل البرّ، فتحركت شيئاً قليلاً لا يستطيعون الخروج منه.

            وصدق الله العظيم: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}
            بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

            الخطبة الثانية:
            الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

            فيا أيها المؤمنون والمؤمنات اتقوا الله تعالى: واعلموا أن تقواه طوق النجاة من النار، والفوز بدار النعيم.
            عباد الله: ومن الدروس المستفادة من أول هذه القصة:

            1ـ مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، حيث هدى الله هؤلاء النفر الثلاثة أن يتوسلوا إليه بأعظم أعمالهم الصالحة، فكان في ذلك نجاتهم بتوفيق الله وفضله ورحمته.
            2ـ أثر التقوى في تخليص العباد من الضوائق والمصائب والابتلاءات، وصدق الله العظيم { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}
            3ـ مشروعية الدعاء عند حلول الكرب والبلاء، وقد أمر الله بدعائه، ووعد بالاستجابة، قال تعالى:{ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
            4ـ برّ الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العباد إلى الله، وهو سبب لتخليصهم من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة.
            5ـ رغم معاناة هذا الرجل البار الذي كان طيلة يومه يرعى الغنم وقف على رأس والديه وواصل تعب النهار بسهر الليل براً بوالديه، ولم يثنه بكاء الأطفال وصياحهم فكان جزاؤه عظيماً حيث فرج الله عنهم بسبب دعائه وتوسله بهذا العمل الصالح.
            عباد الله: وأنتم تتابعون ما يعيشه الناس في مصر في هذه الأيام الجأوا إلى الله بالدعاء أن يحفظها ويحميها ويرزق أهلها الائتلاف وعدم الاختلاف، فالخلاف شرٌ يؤدي إلى نتائج خطيرة، لكن الذي يجمع عليه الناس أن إراقة الدماء جريمة بكل المقاييس ولا يزيد الأمر إلا شراً.

            فاللهم الطف بأهل مصر، وأخرجهم من محنتهم سالمين، وادفع عنهم كيد الأعداء، وتآمر الأشرار، وأتم عليهم الأمن والأمان في ظل شريعة الإسلام.

            هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}





            ّّّّّّّّّّّ*************************************** *******


            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الله بن أحمد الطيار


            تعليق

            • سُلاف
              مشرفة المواضيع الإسلامية
              من مؤسسين الموقع
              • Mar 2009
              • 10535





              أشيــاء أصلهــا مـــن الجنـــة







              إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبْدُهُ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ، بَلَّغَ الرّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ، فَجَزاهُ اللهُ عنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أنْبِيَائِهِ، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.

              أمّا بَعْدُ، عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *﴾ [سورة البقرة] . إخوةَ الإيمانِ، إنَّ مَنْ أرادَ النّعيمَ المُقيمَ في الجنَّةِ فَعَلَيهِ بِتَقوى اللهِ بِتَأْدِيَةِ الواجباتِ واجتنابِ المحرماتِ، ومنْ جُمْلَةِ الواجباتِ تَعَلُّمُ العِلْمِ الدِّينيّ، فَفي صحيحِ ابنِ حِبَّان مِنْ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: « يا رسولَ اللهِ دُلَّني على عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجنَّةَ فَقَالَ: أَطْعِمِ الطَّعامَ، وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَصَلّ باللَّيْلِ والنَّاسُ نِيامٌ، تَدْخُلِ الجنَّةَ بِسَلامٍ » فَفي هذا الحديثِ بَيانُ أنَّ مَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الخِصالِ دَخَلَ الجنَّةَ بدونِ عذابٍ. وأَصْلُها وأفضَلُ الأعمالِ الإيمانُ باللهِ ورَسولِهِ. ومِنَ الإيمانِ الاعْتِقادُ بأنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشابَهَةِ المخلوقاتِ أيْ أنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وتَعالى لا يُشبِهُ شَيئًا مِنْ خَلْقِهِ، فَهُوَ لا يُشبِهُ الإنسانَ، و مِنَ المعلومِ أنَّ كلامَ اللهِ لا يُشْبِهُ كلامَ الخلْقِ، فكَلامُ اللهِ أزليٌّ أبديٌّ أيْ لا بدايةَ ولا نهايةَ لهُ، والله مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لَيْسَ كَكَلامِنا، فهوَ ليسَ حرفًا وليسَ صوتًا وليسَ لُغَةً، وهوَ مُتَكلِّمٌ بِلا ءالاتٍ، بلا فَمٍ، بلا أسنانٍ، بلا لِسانٍ، لأنَّهُ مُنَزَّهٌ عنْها أيْ لا يَتَّصِفُ بِها، فَصِفاتُ اللهِ ليْسَتْ كَصِفاتِنَا.يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءانِ الكريم: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *﴾ [سورة الأعراف] ، ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتَعالى يَقولُ لأهلِ الجنَّةِ: يا أَهْلَ الجنَّةِ. فَيقولونَ: لبَّيْكَ ربَّنا وسَعْدَيْكَ والخيرُ كلُّهُ في يَديْكَ فيقولُ: ألا أُعْطيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذلكَ. فيقولونَ: يا ربَّنَا وأيُّ شىءٍ أفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ. فَيقولُ: أُحِلُّ عَليْكُمْ رِضْواني فلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أبدًا » رواه البخاري. إِخوةَ الإيمانِ إنَّ مِنْ خَصائِصِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ هوَ أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ الجنَّةِ (أي يُحَرّكُها) يَسْتَفْتِحُ فيقولُ الملَكُ خازِنُ الجنّةِ الموَكَّلُ بِبَابِهَا : مَنْ : فيقولُ: «مُحَمَّدٌ» فَيقولُ الملَكُ: « بِكَ أُمِرْتُ بِأَنْ لا أَفْتَحَ لأَحَدٍ قَبلَكَ » رواه مسلم.وأمّةُ سيدِنا محمَّدٍ فيهمْ سبعونَ ألفًا وجوهُهُمْ كالقَمَرِ ليلةَ البَدْرِ يَدْخُلونَ الجنَّةَ دُفعةً واحدةً بلا حِسابٍ ولا عقابٍ وهؤلاءِ همْ أُناسٌ مِنْ أولياءِ اللهِ الصالحينَ، ويَليهِمْ أُناسٌ وجوهُهُمْ كَأَشَدّ كوكبٍ دُرّيّ معَ كلّ ألفٍ مِنَ السَّبعينَ ألفًا المذكورينَ سَبْعونَ أَلفًا مِثْلُهُمْ يدخلونَ الجنةَ بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ ومَعهمْ زيادةٌ عليهمْ لا يعلمُ عددَهُمْ إلا اللهُ، يدخلونَ الجنَّةَ أيْضًا بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ، وأمَّةُ سيدنا مُحَمَّدٍ خَيْرُ الأُمَمِ وأَكْرَمها على اللهِ.

              واعلَمُوا أحبابَنَا أنَّ في هذهِ الدُنيا أشياءَ أصلُها مِنَ الجنّةِ منْها: مقامُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ. فقد جاءَ في كتابِ الجامعِ لأحكامِ القرءانِ للْقُرْطُبِيّ في تفسيرِ الآيةِ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً*﴾ [سورة البقرة] أنَّهُ الحَجَرُ الذي تَعْرِفُهُ النّاسُ اليومَ الذي يُصَلُّونَ عندَهُ رَكعَتينِ بعدَ الطوافِ. وفي البُخاريّ أنَّهُ الحجرُ الذي ارتفعَ عليهِ إبراهيمُ عليهِ السلامُ حينَ ضَعُفَ عَنْ رفْعِ الحجارةِ التي كانَ إسماعيلُ عليهِ السلامُ يناوِلُهُ إيَّاها في بناءِ الكعبةِ وغَرِقَتْ قدَمَاهُ فيهِ. قالَ أنسٌ: رأيتُ في المقامِ أثَرَ أصابِعِهِ وعَقِبِهِ وأخْمَصِ قدمَيْهِ غيرَ أنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْحُ النَّاسِ بِأيديهِمْ. حكاهُ القُشَيْرِيُّ. وكذلِكَ الحجرُ الأسودُ أصلُهُ ياقوتةٌ مِنْ يواقيتِ الجنَّةِ. فقدْ روى الترمذيُّ مِنْ حديثِ ابنِ عباسٍ « الحجرُ الأسودُ مِنَ الجنةِ » . وعنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو عندَ أحمدَ « الحجرُ الأسودُ من حجارةِ الجنةِ لولا ما تَعَلَّقَ بهِ مِنَ الأيدي الفاجِرَةِ ما مَسَّهُ أَكْمَهُ ولا أَبْرَصُ ولا ذو داءٍ إلاّ بَرِئ ». أخرجَهُ سعيدُ بنُ مَنصورٍ. وروى الترمذيُّ : نَزَلَ الحجرُ الأسودُ مِنَ الجنَّةِ وهوَ أشَدُّ بياضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خطايا بَني ءادمَ. وقالَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

              وقد رُوِيَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أيضًا قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ وهُوَ مُسْندٌ ظَهْرَهُ إلى الكعبةِ: « الرُّكْنُ والمقامُ ياقوتتانِ مِنْ يَواقيتِ الجنّةِ لولا أنَّ اللهَ طَمَسَ نورَهُما لأضَاءا ما بينَ المشرقِ والمغربِ » أَخْرَجَهُ أحمدُ وابنُ حِبَّان. ومِمَّا نَزَلَ مِنَ الجنّةِ سَيّدُنا ءادمُ عليهِ السَّلامُ وحوّاءُ والبراقُ، كمَا نَزَلَ أيضًا إبليسُ لعَنَهُ اللهُ.

              والكَبْشُ الذي فُدِيَ بهِ إسماعيلُ منَ الجنّةِ أيضًا، وعصا موسى قيلَ إنّها نزلَتْ مِنَ الجنَّةِ أيضًا.
              وأصلُ الحِنْطَةِ والأرزّ ونحوِهِما ممّا نَأْكُلُهُ مِنَ الجنَّةِ، لكنَّها لمّا نَزَلَتْ إلى أرضِنا هذِه تغيَّرَتْ عمَّا كانَتْ عليهِ.
              كذلِكَ النّيلُ والفراتُ وسَيْحانُ وجَيْحانُ أَصْلُها منَ الجنّةِ، هذهِ الأنهارُ كانَتْ في الجنّةِ ثمَّ نُقِلَتْ، أَدْخَلَها اللهُ في الأرضِ ثمَّ أَخْرَجَها في مكانٍ ءاخرَ، أمَّا دِجْلَةُ فهو فَرْعٌ مِنَ الفراتِ، رَوى مُسْلِمٌ في صحيحه: سَيْحانُ وجَيْحانُ والفراتُ والنّيلُ كلٌّ مِنْ أنهارِ الجنَّةِ . وهوَ حديثٌ صحيحٌ. اللهمَّ ارْزُقْنا الجنَّةَ وما قَرَّبَ إليها مِنْ قولٍ أو عملٍ، هذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.


              الخطبةُ الثانيةُ : إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمّدِ ابنِ عبدِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومنْ والاهُ.أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *﴾ [سورة ءال عمران] . إخوةَ الإيمانِ هنيئًا لِمَنِ اغْتَرَفَ مِنَ الخيراتِ والطاعاتِ وحضر مجالِسَ علْمِ الدّينِ التي سَمَّاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرِياضِ الجنَّةِ فقالَ: إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجنَّةِ فارْتَعُوا، قيلَ: وما رِياضُ الجنَّةِ يا رسولَ اللهِ، قالَ حِلَقُ الذِّكْرِ، ومعنى قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَارْتَعُوا: أيِ انْتَفِعُوا بِها أيْ بِمَجالِسِ عِلْمِ الدّينِ لأنَّ المقصودَ بِحِلَقِ الذّكْرِ في هذا الحديثِ الحِلَقُ التي يُذْكَرُ فيها هذا حلالٌ وهذا حرامٌ فَحَيَاةُ القلوبِ بِعِلْمِ الدينِ فلا تَنْقَطعْ عن هَذِهِ النّعْمَةِ العظيمةِ فحياةُ القلوبِ بِعِلْمِ الدّينِ أمَّا الجاهلُ فيكونُ مَيّتَ القلبِ يكونُ عُرْضَةً لِجَميعِ أنواعِ الشُّرورِ الكفرِ والكبائرِ والصغائرِ.واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾

              اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.


              *******************************************









              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535




                نعـم الــمال الصالح للــرجل الصــالح







                بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم

                الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ

                الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنا الدِّينَ وأَتَمَّ عَلَيْنا النِّعْمَة، وجَعَلَ أُمَّتَنا خَيْرَ أُمَّة، وبَعَثَ فِينا رَسُولاً مِنَّا يَتْلُو عَلَيْنا ءاياتِهِ ويُزَكِّينا ويُعَلِّمُنا الكِتابَ والحِكْمَة، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الجَمَّة، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِها خَيْرَ عِصْمَة، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِلْعالَمِينَ رَحْمَة، وفَرَضَ عَلَيْهِ بَيانَ ما أَنْزَلَ إِلَيْنا فَأَوْضَحَ لَنا الأُمُورَ الـمُهِمَّة، فَأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّة، فَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ءالِهِ وأَصْحابِهِ أُولِي الفَضْلِ والهِمَّة.

                عِبادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِيَ وإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في كِتابِهِ الكَرِيمِ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ.)

                فَٱتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ ولا تُلْهِيَنَّكُمُ الدُّنْيا وشَهَواتُها ومَتاعُها وأَمْوالُها عَمّا عِنْدَ اللهِ فَإِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ. قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّ هَذا المالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ ووَضَعَهُ في حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ومَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ
                شَبَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ المالَ مِنْ حَيْثُ الرَّغْبَةُ فِيهِ والْمَيْلُ إِلَيْهِ وحِرْصُ النُّفُوسِ عَلَيْهِ بِالفاكِهَةِ الخَضْراءِ الحُلْوَةِ الـمُسْتَلَذَّةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْها النَّفْسُ وتَشْتَهِيها فَالَّذِي يَأْخُذُ المالَ مِنْ طَرِيقِ حَلالٍ ويَصْرِفُهُ في طَرِيقِ حَلالٍ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلى أَمْرِ نَفْسِهِ وأَهْلِهِ ويَصْرِفُهُ في وُجُوهِ البِرِّ والخَيْرِ بِنِيَّةِ حِفْظِ نَفْسِهِ أَوْ يَصْرِفُهُ عَلى زَوْجَتِهِ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ عَلَى أَوْلادِهِ أَوْ عَلى أَبَوَيْهِ أَوْ عَلى أَقْرِبائِهِ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ تَعالى عَلى عَبْدِهِ الـمُؤْمِنِ فَالمالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الـمُؤْمِنُ مِنَ الـمَوْضِعِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللهُ ويَضَعُهُ فِيما يُحِبُّ اللهُ يَكُونُ عَوْنًا لَهُ عَلى ءاخِرَتِهِ لأَنَّهُ يَكُونُ وَسِيلَةً لِكَسْبِ الأَجْرِ في الآخِرَةِ فَيَكُونُ نِعْمَ الـمَعُونَةُ عَلى مَصالِحِ الآخِرَةِ كَما أَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلى مَصالِحِ المَعِيشَة. وأَمّا مَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَٱكْتَسَبَهُ بِطَرِيقَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ بَرَكَتَهُ فَيَكُونُ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ وإِنْ كانَ ذَلِكَ المالُ كَثِيرًا وعَلَيْهِ وَبالُ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَة.

                فَلَيْسَ المالُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَذْمُومًا عَلى الإِطْلاقِ فَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نِعْمَ الْمالُ الصّالِحُ لِلرَّجُلِ الصّالِحِ اهـ فَالرَّجُلُ الصالِحُ الَّذِي يَأْخُذُ مالَهُ مِنْ طَرِيقٍ حَلالٍ ويَصْرِفُهُ في وُجُوهِ الخَيْرِ فَنِعْمَ المالُ لَهُ. ولَنا في رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وصَحابَتِهِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في بَذْلِ المالِ في وُجُوهِ الخَيْرِ والبِرِّ فَقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ الناسِ وكانَ أَجْوَدَ ما يَكُونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَجْوَدُ حِينَئِذٍ مِنَ الرِّيحِ الـمُرْسَلَةِ. وكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِثالاً في البَذْلِ والعَطاءِ في طاعَةِ اللهِ تَعالى إِذْ صَرَفَ ثَرْوَتَهُ كُلَّها في سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ رَغْبَةً في الآخِرَةِ ونُصْرَةً لِلدِّينِ ولِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ وإِعانَةً لِضُعَفاءِ الـمُسْلِمِينَ حَتّى قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما نَفَعَنِي مالٌ قَطُّ ما نَفَعَنِي مالُ أَبِي بَكْرٍ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقالَ هَلْ أَنا ومالي إِلاَّ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ اهـ وقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ ووافَقَ ذَلِكَ مالاً عِنْدِي فَقُلْتُ اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مالي فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ، وأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ ما عِنْدَهُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ فَقالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ ورَسُولَهُ، قالَ عُمَرُ فَقُلْتُ لا أُسَابِقُكَ إِلى شَىْءٍ أَبَدًا اهـ

                فَٱسْأَلْ نَفْسَكَ أَخِي الـمُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ المالَ وقَبْلَ أَنْ تُنْفِقَهُ مِنْ أَيْنَ تَكْتَسِبُهُ وفِيمَ تُنْفِقُهُ فَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْناهُ وعَنْ عِلْمِهِ ماذا عَمِلَ بِهِ وعَنْ مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفِيمَ أَنْفَقَهُ وعَنْ جَسَدِهِ فِيمَ أَبْلاهُ اهـ اِسْأَلْ نَفْسَكَ أَخِي قَبْلَ أَنْ تُسْأَلَ وحاسِبْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تُحاسَبَ جَعَلَكَ اللهُ وإِيّايَ مِنَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في بَذْلِ المالِ الحَلالِ في وُجُوهِ الخَيْراتِ والطاعاتِ ومِنَ الَّذِينَ يَتَزَوَّدُونَ لآخِرَتِهِمْ بِالأَعْمالِ الصالِحَةِ لَيْلاً و نَهارًا لِتَكُونَ لَنا ذُخْرًا وزادًا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

                أَقُولُ قَوْلي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.

                الخطبة الثانية

                إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمّدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبي حَنِيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَٱتَّقُوهُ.

                وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾
                اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وبارِكْ على سَيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا بارَكْتَ على سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالى ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (2)﴾

                اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنُوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ ٱغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ، اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما تَحُولُ بِهِ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيك، اللَّهُمَّ أَلْهِمْ نُفُوسَنا تَقْواها وزَكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاها، رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ ٱجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ ٱسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ. عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.




                **************************************













                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535





                  مــن وحــي الهجــرة







                  الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل ، وأتم علينا النعمة بأعظم دين شرع ، وجعلنا بهذا الدين خير أمة أخرجت للناس أمة وسطا لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا، وأشهد أنا سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله، أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده وأحيا الله برسالته قلوباً ميتة وأسمع به آذانا صما وبصر به أعين عمياً وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، اللهم صلي وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم وعلى آله وصحابته وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

                  أما بعد ،،،
                  فيا أيها الأخوة المسلمون ، بالأمس استقبلنا عاماً هجرياً جديداً وودعنا عاماً آخر ، وهكذا مسيرة الحياة للإنسان ، نودع ونستقبل ، الإنسان دائماً مودع ومستقبل ، مودع يوماً ومستقبل يوماً ، مودع أسبوعاً ومستقبل أسبوعاً ، مودع شهراً ومستقبل شهراً ، مودع عاماً ومستقبل عاماً ، وهذه كلها محسوبة من عمر الإنسان ، كل عام ينقضي بل كل يوم ينقضي بل كل ساعة تنقضي بل كل لحظة تنقضي هي صفحة من كتاب الإنسان تطوى وورقة من شجرة تذبل ، حتى ينتهي الأجل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
                  من حق الإنسان أن يقف في رأس العام وقفتين، وقفة يحاسب فيها نفسه الحساب الختامي على عام مضى، ماذا سجل فيه من خير؟ وماذا اكتسب فيه من شر؟ ماذا له وماذا عليه ؟ ماذا ربح وماذا خسر؟ وفي أي شيء ربح وفي أي شيء خسر؟ التاجر الواعي هو الذي يحاسب نفسه آخر كل عام ، يجرد حساب الأرباح والخسائر ليحاول أن يتفادى الخسائر وأن يزداد من الأرباح ، هذا في أرباح الدنيا وخسائرها ، فما بالكم بأرباح الآخرة وخسائرها، من واجب كل مسلم أن يقف هذه الوقفة، ومن واجب الأمة أن تقف هذه الوقفة على رأس كل عام ، ماذا قدمت؟ وماذا أخرت؟ ماذا كسبت فيه وماذا خسرت؟، من حق الأمم الواعية النضيجة البصيرة أن تقف هذه الوقفة لتعرف ماذا صنعت ، من واجب أمتنا أن تقف هذه الوقفة لتحاسب نفسها ماذا صنعت في قضية فلسطين؟، وماذا صنعت في قضية الشيشان؟، وماذا صنعت في قضية كشمير؟، ماذا صنعت في قضية أفغانستان ؟ وفي القضايا المعلقة القديمة، هل أدت الأمة واجبها؟ أم لم تؤد الواجب المطلوب منها ، هذه المحاسبة دليل الحياة والوعي والإيمان، ودليل العقل ، فالكيس من دان نفسه، العاقل الفطن المتصرف التصرف الحسن الكيس من دان نفسه، من حاكمها وحاسبها، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم..)، الأمر ليس بالأمانيّ، (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، ليست الجنة بالعناوين ، ولا بالأسماء ولا بالدعاوى ، (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجزى به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا)، (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) ، هذه وقفة على رأس العام.

                  ووقفة أخرى للتأمل في هذا الحدث ، الهجرة ، التي ألهم عمر بن الخطاب وألهم المسلمون معه أن يجعلوها بداية لتاريخ هذه الأمة ، لم يجعلوا بداية التاريخ لهذه الأمة ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بعثته ، ولا وفاته ، ولا الانتصار في غزوة بدر أو فتح مكة ، إنما جعلوا هذا التاريخ يبدأ من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، والهجرة لم تكن في محرم ، الهجرة كانت في شهر ربيع الأول ولكن عمر والصحابة قالوا نبدأ العام من أوله ، من أول شهر المحرم ، فاتخذوا هذا الحدث الجليل بداية لتاريخ هذه الأمة ، فهل هو جدير بهذا ؟ نعم ، هو جدير بهذا ، لقد هاجر رسل الله عامة أو عدد كبير من رسل الله هاجروا ، ولكن لم تكن هجرتهم مثل هجرة محمد عليه الصلاة والسلام ، هاجر إبراهيم (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم) ، (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) فخرج من بلد إلى بلد إلى أن استقر به المقام في فلسطين وفي المدينة التي دفن فيه وسميت باسمه عليه الصلاة والسلام مدينة الخليل إبراهيم ، وهاجر موسى عليه السلام ، ولكن كانت هجرته قبل البعثة حينما خرج من مصر بعد أن قتل ذلك القبطي خطأ واستغفر الله وقال له من قال (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) وذهب إلى مدين وتزوج فيها وعاش فيها عشر سنوات مع ذلك الشيخ الكبير بعد أن تزوج ابنته ولم يكن له في هذه المدة السنوات العشر عمل يذكر ، كان شاباً صالحاً زوجاً طيباً صهراً كريماً عاش مع هذا الرجل عشر سنوات ولكن لم يقم فيها بدور .
                  محمد عليه الصلاة والسلام لم تكن هجرته كهجرة موسى حينما قال (ففررت منكم لما خفتكم فوهبني الله حكما وجعلني من المرسلين) ، لم تكن هجرة محمد عليه الصلاة والسلام لمجرد الفرار من الفتنة أو الهرب من الإيذاء والتضييق ، لا ، لقد كانت الهجرة سعياً حثيثاً لإقامة مجتمع جديد ، مجتمع إسلامي بمعنى الكلمة ، كانت سعياً لإقامة مجتمع وبناء أمة وإنشاء دولة جديدة تقوم على الربانية والإنسانية والأخلاقية والعالمية ، كان هذا هو هدف محمد عليه الصلاة والسلام من هذه الهجرة ، وفعلاً استطاع أن يقيم هذه الدولة وأن يؤسس هذا المجتمع وينشيء هذه الأمة الجديدة خير أمة أخرجت للناس ، ولكن إذا كان استطاع في المدينة أن يقيم هذا المجتمع وتلك الدولة فإن الفضل يرجع في ذلك إلى مرحلة التأسيس في مكة ، إلى العهد المكي ، ليس الأمر كما قال أحد الكتاب الكويتيين القصير النظر أن محمداً فشل في العهد المكي ، ولم يستطع أن يحقق ما هدف إليه ، كبرت كلمة تخرج من فيه ، ما قال إلا كذبا ، لم يفشل رسول الله عليه الصلاة والسلام ، بل كان هذا العهد المكي وهذه السنوات الثلاثة عشر استطاع فيها أن يقيم الأساس ، لم يرفع البناء وإنما وضع البناء ، الأساس ممكن أن يكون مترين أو ثلاثة ولكن ممكن أن تقيم عليه عمارة من خمسين طابقاً ، وكما قال الشاعر
                  خفي الأساس عن العيون تواضعا من بعد ما رفع البناء مشيدا

                  كانت مرحلة مكة مرحلة التأسيس ، مرحلة دار الأرقم بن أبي الأرقم التي يلقن فيها الرسول عليه الصلاة والسلام مبادئه وقيمه وتعاليمه لخلاصة أصحابه لتكوين الجيل الأول للإسلام الذي سيحمل الرسالة من بعد ويبلغ الدعوة إلى العالم ، هذا هو الجيل المؤسس الذي نشأ في دار الأرقم ، في العهد المكي نزل من القرآن نحو ثمانين سورة يلقنها النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه ويأخذونها عنه ويعيشون فيها وبها ولها ، عاشوا قرآنيين محمديين ، هذا العهد هو الذي قال الله فيه لرسوله (يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا ، نصفه أو انقص منه قليلا ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) يهيئه الله ويعده لهذا العبء الثقيل الذي ينتظره فعليه أن يهيئ نفسه في مدرسة الليل ومدرسة القرآن (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) فتهيأ لهذا القول الثقيل وهذا العبء الكبير بالقرآن وبقيام الليل ، كان العهد المكي هو عهد بناء هذا الجيل وتبليغ الدعوة ، ما وجد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ذلك سبيلا ، بلغها إلى أهله وإلى عشيرته الأقربين ، إلى قريش ومن حول قريش ، بلغها إلى القادمين إلى موسم الحج كل عام ، يعرض نفسه عليهم ، بلغها في الطائف ووصل إلى الطائف في رحلة آسية حزينة معروفة ، بلغها إلى كل من استطاع أن يبلغها إليه ، سمح لأصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة مرتين فراراً بدينهم وظل عليه الصلاة والسلام يعرض هذه الدعوة على قبائل العرب ، لم ييأس أبدا ولم يقنط من رحمة ربه أبدا ولم يلق السلاح أبدا ، حتى هيأ الله له هذه الفئة التي ادخرها الله تعالى لنصرة دينه من أبناء يثرب من الأوس والخزرج ، فحينما عرض عليهم الإسلام انشرح صدورهم وانفتحت قلوبهم ودخلوا في هذا الدين ، كانوا قليلاً ثم كثروا وبايعهم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة وفي موسم الحج وفي العقبة ، بايعهم مرتين ، بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية ، بيعة العقبة الثانية هي التي عاهدهم فيها وعاهدوه على أن يهاجر إليهم وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وذراريهم ، هكذا بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان هذا كله في العهد المكي ، تأسس العهد المدني في مكة ، ولولا هذا العهد المكي ما كانت الهجرة إلى المدينة ، ولذلك القول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم فشل في العهد المكي قول إنسان جسور وجريء على الله ورسوله وجهول لم يدرس السيرة النبوية كما ينبغي .

                  هذه الهجرة أيها الأخوة ، من حقنا نحن المسلمون أن نعتز بها ونفخر ، سألني أحد الأخوة على موقع (islamonline.net) على الإنترنت ، (لماذا لا يهتم المسلمون ولا يحتفون بمقدم العام الهجري كما يهتم النصارى ويحتفون بمقدم العام الميلادي؟) وهو سؤال محرج حقيقة ، هناك من المسلمين من يعتبرون أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية ، بالهجرة النبوية ، بالإسراء والمعراج ، بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، بغزوة بدر الكبرى ، بفتح مكة ، بأي حدث من أحداث سيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، أي حديث عن هذه الموضوعات يعتبرونه بدعة في الدين ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه ، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات ،وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين ، ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشخصية هذا النبي العظيم وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين فأي بدعة في هذا وأي ضلالة ، إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة ، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب ، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه (قل يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) ، يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم وأنقذهم الله من هذه الورطة وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة ، يذكرهم الله بهذا ، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء ، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها ، وفي آية أخرى (قل يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيدهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع ، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ، ذكر النعمة مطلوب إذن ، نتذكر نعم الله في هذا ونذكر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس ، أيعاب هذا ؟ أيكون هذا بدعة وضلالة ؟.

                  ثم من ناحية أخرى أن هذا الحديث عن هذه الأحداث الكبيرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حادث الهجرة أو غزوة بدر أو فتح مكة أو غير ذلك إنما تمثل تجسيداً للأسوة المحمدية ، نحن مأمورون أن نأتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نتخذه مثلاً بشرياً أعلى لنا ، فقد وضع الله فيه الكمالات التي تفرقت في الرسل واجتمعت في شخصه ، الله تعالى ذكر له عدد من الرسل ثم قال (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) فاقتدى بهدي الأنبياء وبهدى الأنبياء جميعاً ، ولذلك قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" تمم الله فيه المكارم التي توزعت عند الآخرين ، فمن حقنا أن نتمثل هذه الأسوة ، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) ، هو أسوة في كل شيء ، أسوة في معاملته للحق تبارك وتعالى ، وفي معاملة الحق له ، أسوة في معاملته للخلق سواء كانوا أنصاراً أم خصوماً ، موالين أم معادين ، وكذلك في معاملة الخلق له ، هو أسوة في ذلك كله وسيرته حافلة وجامعة يستطيع كل إنسان أن يتخذ منها موضعاً للقدوة ، فليست كسيرة بعض النبيين يمكن أن تقتدي به في موضع ولا تقتدي فيه بآخر ، تستطيع أن تقتدي بالمسيح عليه السلام في زهده وبعده عن الدنيا وإعراضه عن زخارف الحياة ، ولكنك لا تستطيع أن تقتدي به زوجاً فلم يتزوج ، ولا أباً ولا جداً ولا تستطيع أن تقتدي به في الحرب والسلم لأنه لم يسالم ولم يحارب ، ولا تستطيع أن تقتدي به في حالة الغنى لأنه لم يملك مالاً ، ولا تستطيع أن تقتدي به في حالة الحكم لأنه لم يحكم . أما محمد صلى الله عليه وسلم فتستطيع أن تقتدي به في كل هذه الأمور ، العزب يستطيع أن يقتدي به في حالة العزوبة لأنه لم يتزوج إلا في الخامسة والعشرين ، كيف قضى هذه السنين من البلوغ حوالي عشر سنوات يقتضي به ، المتزوج بزوجة واحدة يستطيع أن يقتضي به لأنه عاش مع زوجة واحدة تكبره بخمسة عشر عاماً معظم عمره ، من الخامسة والعشرين حتى الخمسين ، وصاحب الزوجتين والأكثر يستطيع أن يقتدي به لأنه في أواخر حياته اقتضت ظروف الدعوة أن يتزوج وتزوج الكبيرة والصغيرة والعربية والإسرائيلية والبكر والثيب وصاحبة الأولاد وغير صاحبة الأولاد .. أنواع ، ليجد كل إنسان في حياته مجالاً للقدوة ، يستطيع الوالد أن يقتدي به في معاملة أولاده البنين والبنات ، في حالة الحياة وفي حالة الممات ، لأن معظم أولاده ودعهم في حياتهم ، مات أولاده بنين وبنات في حياته ما عدا أصغر بناته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، هذا نبي جعله الله أسوة ، فلماذا نحرم أنفسنا من الحديث عن هذه الأسوة المحمدية ؟ والحديث عن الأسوة في وقتها هو أنسب وأوقع ، المربون الحقيقيون يقولون انتهز الفرصة لتربي التلميذ ، لتربي التابع عندما تأتي الفرصة ، تربط الفرصة والمناسبة بالمقصود التربوي والهدف التربوي ، لا مانع إذن أن نتحدث في هذه المناسبات عن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه " إنما أنا رحمة مهداه " أخذ ذلك من قول الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو خير الناس في كل أحواله ، هو خير المهاجرين وخير الدعاة وخير القواد في الحرب وخير الأئمة في الصلاة وخير القضاة إذا حكم وخير المفتين إذا أفتى وخير الأزواج إذا تزوج وخير الآباء إذا أنجب وخير الأجداد إذا أحفد وخير الناس في كل شيء ، الله تعالى جعله المثل الأعلى ليرى الناس الكمال البشري مجسداً والإسلام الحي ماثلاً أمام الأعين ، الناس ليسوا فلاسفة يعرفون الأمور بالتجريب والوصف النظري ، الناس في حاجة إلى مثل عملي ، إلى مثال مجسد يرونه أمامهم واضحاً للأعين مسموعاً للآذان مؤثراً في القلوب وكان هذا هو محمداً رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

                  فيا أيها الأخوة المسلمون ، حاولوا أن تدرسوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تدرسوها من ينابيعها الصافية ، من القرآن الكريم ، ومن الحديث ومن كتب السيرة ومن كتب التاريخ العام ومن غيرها من الكتب حتى تعيشوا مع هذا الرسول الكريم وتتأسوا به وليكون لكم نعم المعلم ونعم الأسوة ، أسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في ديننا وأن ينير لنا طريقنا وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً ، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، وادعوه يستجب لكم .
                  الحمد لله ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد عبدالله ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين.

                  أما بعد ،،،
                  فعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، كان فيها ثلاث قبائل من اليهود ، حينما شرد اليهود في الأرض وكانوا كما قال الله تبارك وتعالى (وقطعناهم في الأرض أمما) جزاء ما أفسدوا سلط الله عليهم أعداءهم وأدبهم من أدبهم ، ومن هؤلاء الرومان الذين شتتوهم في أنحاء الأرض ، وكان منهم قبائل ذهبت إلى بلاد العرب واستوطنت ضواحي يثرب ، هذه القبائل هي قبائل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ، وجدهم النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة فعقد معهم اتفاقاً ، اتفاقية مشهورة ، كتبت وحددت العلاقات ونظمت الحقوق والواجبات بين أهل هذه المدينة التي تعتبر أساساً للدولة الجديدة ، المدينة كانت تأسيساً لجماعة جديدة ، لم يقل القرآن (يا أيها الذين آمنوا ) إلا في العهد المدني لأن هذا خطاب للجماعة المؤمنة ، قبل ذلك (يا أيها الناس) ، (يا أهل الكتاب) ، يا كذا .. إنما في المدينة (يا أيها الذين آمنوا ) لأنه تأسست جماعة جديدة على أساس الإيمان بالله وبرسالاته وبكتابه وباليوم الآخر ، أقام الرسول هذه المعاهدة لضبط الأمور وتحديدها ولذلك يعتبر كثير من الدارسين والباحثين في السيرة النبوية يعتبرون هذه المعاهدة بمثابة دستور مكتوب ينظم العلاقة بين المسلمين بعضهم وبعض والقبائل بعضها وبعض وبينهم وبين اليهود في حالة السلم وفي حالة الحرب ، ومما يذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام وجدهم يصومون يوم عاشوراء ، العاشر من المحرم ، فسألهم لماذا تصومون هذا اليوم فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل فقال عليه الصلاة والسلام " نحن أولى بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه ، صيام يوم العاشر من المحرم ، ولكنه في أواخر حياته كان يحب أن يتميز عن أهل الكتاب ويقول دائماً خالفوهم حتى تتميز الشخصية المسلمة عن غيرها في عباداتها ومعاملاتها وأخلاقياتها ولا تذوب في غيرها من الأمم ، فلذلك قال في آخر حياته " لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع " أي مع العاشر ، يصوم يومين حتى لا يكون اليوم العاشر الذي يصومه أهل الكتاب ولكنه قدر له عليه الصلاة والسلام أن يلحق بالرفيق الأعلى ويلقى ربه فلم يصم اليوم التاسع ولكنه عزم على هذا فأصبح سنة ، ومن أجل هذا نوصي المسلمين بصيام عاشوراء أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، المهم أن هؤلاء اليهود سرعان ما نقضوا العهد ، سرعان ما نكثوا العهود وتعدوا الحدود وغلبت عليهم طبيعة الغدر التي تعودوا عليها حتى مع رسل الله ومع أنبيائه (فكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريق كذبتم وفريق تقتلون) ، (وكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يعلمون) ، (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) سرعان ما نقضت هذه القبائل اليهودية واحدة بعد الأخرى عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدأ بنو قينقاع ثم بنو النضير الذين نزلت فيهم أوائل سورة الحشر ثم بنو قريضة الذين كانوا مع المغيرين على المدينة ضد محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، كان المفروض أن يكونوا مع الرسول ضد هؤلاء الذين يهاجمون المدينة من الخارج كما تقضي الاتفاقية ، لكنهم نقضوا العهد وقالوا لقريش نحن معكم على محمد ولذلك القرآن يقول (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) من الداخل ومن الخارج ، ولذلك كان عقابهم أليماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كانت غزوة خيبر ، هذه هي طبيعة اليهود النقض للعهود ، لا يرقبون في مؤمن إناً ولا ذمة ، ولا يرعون لمسلم عهداً ولا حرمة ولا يتوقع منهم أن يفوا بعهد وانظروا ماذا يفعلون الآن ، اتفاق مدريد أو محادثات مدريد ثم اتفاق أوسلو ثم واي ريفر ثم شرم الشيخ ثم .. ثم .. وكلها حبر على ورق في نظر هؤلاء ، لا يريدون أن تقوم للفلسطينيين دولة حرة مستقلة يسودون فيها على أرضهم ، إنما تظل دويلة أو سلطة تحت رحمتهم لا يملكون أرضها ولا سماءها ولا مياهها ولا أجواءها ولا يملكون ما حولها، الممرات في أيديهم، هذا ما تريده الدولة اليهودية الصهيونية الإسرائيلية والعجب منا أننا نصدق أن هؤلاء سيعطوننا شيئاً، لن يعطونا إلا السراب ، (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب).

                  اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا ، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ، اللهم اجعل هذا العام عام خير وبركة على أمة الإسلام واجعله نذير وبال وحسرة على أعداء الإسلام ، اللهم اجعل يوم المسلمين خيراً من أمسهم واجعل غدهم خيراً من يومهم وأحسن عاقبتهم في الأمور كلها وأجرهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم اجمع كلمة هذه الأمة على الهدى وقلوبها على التقى ونفوسها على المحبة ونياتها على الجهاد في سبيلك وعزائها على عمل الخير وخير العمل ، اللهم أكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا ، اللهم انصرنا على أعداءك أعداء الإسلام ، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً ، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

                  عباد الله يقول الله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


                  *******************************************


                  خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : يوســف القرضـــاوي










                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535



                    عـــاشوراء في الكتـــاب والسنــة






                    الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أحمده تعالى وأستهديه وأسترشده وأتوب إليه واستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، المهدي من هداه الله تعالى والضال من خلق الله في قلبه الضلالة، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمدٍ سيد ولد عدنان بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا خاتم النبيين والمرسلين وداعيًا إلى الله بإذنه سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا فهو كسائر إخوانه النبيين دعا إلى الهدى والرشاد ونهى عن الفساد والكفر والإلحاد، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وفرج الله به عنها الكربة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحق سواه، لا خالق إلا الله، لا تصح الألوهية إلا لله، هو العالم بكل شىءٍ، القادر على كل شىء، لا يخفى عليه شىء في الأرض ولا في السماء، وما من ورقة تسقط من شجرةٍ إلا والله يعلمها

                    أيها الأحبة المسلمون أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم والثبات على نهج قرآنه الكريم والعمل بشريعته السمحاء بهذا تكون النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، النجاة يوم الدين تكون بحسن الختام، دخول جنات النعيم يكون لمن ختم الله له الخاتمة الحسنة.


                    روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك، فقالوا : هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال صلى الله عليه وسلم : نحن أولى بموسى منكم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومه.هو الأمر أيها الأحبة المسلمون كما روى البخاري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : “الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي“.

                    الأنبياء هم إخوة لعلات كما شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإخوة لعلات هم الذين أبوهم واحد وأمهاتهم متعددات، النبي صلى الله عليه وسلم شبه الأنبياء بالإخوة لعلات من حيث أن الأنبياء دينهم واحد عقيدتهم واحدة جاءوا بالإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه الله لعباده وشرائعهم متعددة كما أن الإخوة لعلات أمهاتهم متعددة، ثم قال : وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي وقال عن هؤلاء اليهود الذين وجدهم يصومون يوم عاشوراء وقالوا إنهم يصومونه لأنه يوم أنجى الله فيه بني إسرائيل وأغرق فرعون فقال عليه الصلاة والسلام : نحن أولى بموسى منكم، وذلك لأن هؤلاء اليهود كذبوا بموسى عليه السلام ولم يؤمنوا به ولم يصدقوا بشريعته بل افتروا على موسى ونسبوا إليه انه قال : إن موسى عهد إلينا أن لا نؤمن بنبي بعده، كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذبوا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فليس هذا دين موسى صلى الله عليه وسلم.

                    هؤلاء اليهود الذين لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يصومون يوم عاشوراء يوم العاشر من محرم الذي نحن فيه هذا وهو الشهر الأول من العام الهجري الجديد، هذه القصة هي أن موسى عليه السلام لما دعا فرعون إلى الإسلام وأيده بذلك ربه وكان معه أخوه هارون عليه السلام قال لهما : اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً لينًا لعله يَذّكر أو يخشى، ولكن فرعون لم يؤمن بالله ربًا ولا بموسى نبيًا ورسولاً ولا بالإسلام دينًا بل كان يقول : ما علمت لكم من إله غيري، بل كان يقول : أنا ربكم الأعلى، طغى وتجبر وكفر ولكن الله تعالى قصم ظهور الجبابرة بالموت، فما الذي حصل، دخل موسى بن عمران البحر الأحمر وضرب بعصاه البحر فاجتمعت مياه البحر كالطود كالجبل العظيم وبينهما أرض يابسة وكان مع سيدنا موسى عليه السلام ستمائة ألف من المسلمين. فلما لحقه فرعون وجنوده والكافرون بموسى وكانوا ألف ألفٍ وستمائة كانوا مليون رجل وستمائة ألف وجد أرضًا يبسًا بين جبلين من المياه فدخل اليبس فأمر الله البحر أن يلتطم عليه فالتطمت عليه أمواج البحر فأغرق الله فرعون والذين معه فأهلكه الله غرقًا، فقال جماعته : فرعون لم يمت غرقًا، فأظهره الله لهم على وجه البحر وقد انتفخ وهو ميت، وقبل الغرق قال : ءامنت بالذي ءامنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين ولكنه لم يقلها عن طوعية، قال الله تعالى : ﴿آلآنَ وقد عصيت قبل﴾ . قال الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم : ﴿وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا ءال فرعون وأنتم تنظرون﴾. ذلك اليوم كان يوم عاشوراء.

                    وفي ذلك اليوم أيضًا تاب الله فيه على نبيه ءادم عليه السلام، وكان ءادم عليه السلام قد نهاه الله عن أن يأكل من الشجرة فأكل منها فعصى ءادم ربه ولكنها ليست كفرًا وليست بمرتبة الزنا وليست بمرتبة شرب الخمر ثم تاب إلى الله تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: ﴿فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم﴾ لما أكل ءادم عليه السلام من الشجرة أهبطه الله إلى الأرض وكذلك حواء، أما إبليس اللعين الذي أمره الله أن يسجد لآدم سجود تحية وتعظيم رفض وأبى واستكبر واعترض على الأمر قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فطرد الله إبليس من الجنة قال : اخرج منها مذمومًا مدحورًا لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين.فأهبط الله ءادم وحواء إلى الأرض ولم يطردا من رحمة الله ولا من الجنة أما إبليس اللعين هو المطرود من رحمة الله تبارك وتعالى. ورد في الحديث أن ءادم عليه السلام لما أكل من الشجرة رفع رأسه إلى قوائم العرش، لما أكل ءادم من الشجرة قال: يا رب أسألك بحق محمدٍ إلا ما غفرت لي. قال : وكيف عرفت محمدًا ولم اخلقه. قال : رفعت رأسي إلى قوائم العرش فوجدت مكتوبًا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. بهذا الحديث يستدل على التوسل ومشروعيته رغم أنف المشبهة المجسمة نفاة التوسل.

                    فإذًا في هذا اليوم يوم العاشر من محرم تاب الله على ءادم أنجى الله موسى وأهلك فرعون غرقًا وفيه نجى الله سفينة نوح من الغرق، نوح عليه السلام ظل في قومه كما ذكر الله في القرءان لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ليلاً نهارًا، وكان في أرض العراق أمره الله أن يصنع الفلك قبل الطوفان قبل أن يعمّ الطوفان الأرض قبل أن يرسل الله المطر وقبل أن يفجر الله المياه من الأرض قبل أن يجتمع ماء السماء وماء الأرض، كان الكفار كلما مروا بنوح عليه السلام وهو يصنع السفينة كما أمره الله تعالى كانوا يسخرون منه ومرة ضربوه صلى الله عليه وسلم حتى أغمي عليه ومع ذلك لم يترك الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ثم لما ركب السفينة هو والذين ءامنوا معه، ولده كنعان لم يؤمن فلم يركب السفينة، قال : يا بني أركب معنا. رفض ولده كنعان أن يؤمن رفض أن يكون من الناجين فأهلكه الله غرقًا ونجى الله نوحًا والذين ءامنوا معه في السفينة وكان ذلك يوم عاشوراء.

                    وفي اليوم العاشر من المحرم قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه والذي قال فيه وفي شقيقه رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.


                    صيام عاشوراء سنة وليس فرضًا فقد ورد في البخاري ومسلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اليوم يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء ليصمه ومن شاء فايفطر.
                    ويسن أيضًا صيام يوم تاسوعاء أي صيام يوم التاسع من محرم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع.
                    عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء ؟ فقال “يكفر السنة الماضية” رواه مسلم.

                    واعلموا بأن الله أمركم بأمر عظيم، أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد

                    اللهم يا ربنا إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مؤمنين برحمتك يا رب العالمين اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا واجعل القرءان ربيع قلوبنا ونورًا لأبصارنا وجوارحنا وتوفنا على هديه وأكرمنا بحفظه واحفظنا ببركته وبركة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام وارزقنا شفاعته

                    يا أرحم الراحمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات

                    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجًا.

                    الصَّلاةُ والسلامُ عليكَ سيّدي يا عَلَمَ الهُدى يا أبا الزهراءِ يا أبا القاسِمِ يا سيدي محمَّدُ.و الحمد لله ربّ العالمين







                    ********************************************

                    http://a.islamreligion.fr/








                    تعليق

                    • سُلاف
                      مشرفة المواضيع الإسلامية
                      من مؤسسين الموقع
                      • Mar 2009
                      • 10535





                      لـيـس كــل مصـــلٍّ يصلــي





                      الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي، ولا توكلي إلا على الله.
                      وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
                      وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظر أو سمعت أذنٌ بخبر.
                      اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومَن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
                      اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

                      يقول الله سبحانه وتعالى في حديثٍ قدسي:
                      ((ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي، وكفَّ شهواته عن محارمي، ولم يصرَّ على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العُريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجه لأضوءُ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما والظلمة نورا، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليَّ فأبرُّه، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها ))

                      يا أيها الإخوة المؤمنون... هذا الحديث القدسي ألقيته على مسامعكم مراتٍ عِدَّةَّ، لكنه لم يسبق لي أن جعلته موضوعاً لخطبةٍ كاملة.
                      إن هذا الحديث القدسي يا أيها الإخوة المؤمنون ينطوي على مراحل الإيمان كلها، وهو في معناه ومبناه جامعٌ شامل:
                      ((ليس كل مصلٍ يصلي... ))
                      إن الصلاة التي أرادها الله عزَّ وجل تنهى عن الفحشاء والمنكر، فـمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً.
                      والذي يصلي ليخدع نفسه، ويخدع الناس، ويخدع الله عزَّ وجل ـ بحسب ما يتوهم ـ أنه مؤمن، وأنه يصلي، وصلاته لا تردعه، ولا تحجزه عن الفحشاء والمنكر، هذه الصلاة لا تزيد صاحبها إلا بعدا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
                      ((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله تعالى إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله ))

                      يا أيها الإخوة المؤمنون... الله سبحانه وتعالى حينما يأمرنا بعبادةٍ ما، هذه العبادة إذا أديت أداءً شكلياً وأجوف، هي أقرب إلى الطقوس الوثنية منها إلى العبادات الربانية، لا تصبح الصلاة عبادةً كما أرادها الله إلا إذا أُدِّيت على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى.

                      لا يخدعن أحدكم نفسه، ولا يخدعن أحدكم المؤمنين، ولا يتوهم أنه يخدع ربه، الله سبحانه وتعالى يقول:
                      ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾

                      فيا أيها الإخوة المؤمنون... العمر قصير، والحساب عسير، والوقفة بين يدي الله عزَّ وجل يتفطَّر لها القلب..
                      ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

                      لا أتقبل من عبادي هذه الصلاة التي يرافقها الكذب، والغش، والخداع، والنميمة، والغيبة، إن لم تردع هذه الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.
                      والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأحدٍ من الناس:
                      (( قم فصلي فإنك لم تصلِ ))
                      والصلاة التي لا تردع صاحبها عن الفحشاء والمنكر تُلَفُّ كما يلفُّ الثوب الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول له: " ضيعك الله كما ضيعتني "، " الصلاة عماد الدين مَن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين "، ومن تضييع الصلاة عدم الاستقامة فيما بين الصلاتين، من إقامة الصلاة الالتزام بشرع الله عزَّ وجل، إذا طبقت شرع الله عزَّ وجل، إذا ائتمرت بما أمر الله، وانتهيت عما عنه نهى وزجر، إذا جاء وقت الصلاة فالطريق إلى الله سالكة، الحُجُب مُنْهَتِكَة، لكن الإنسان إذا ارتكب المعاصي، وارتكب المخالفات، وتساهل في كسب المال، وتساهل في إطلاق البصر، ثم جاء أن يصلي ينطبق عليه هذا الحديث القدسي:

                      لا تخدعن نفسك، ولا تخدعن المؤمنين، ولا تتوهَّم أنك تخدع الله عزَّ وجل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
                      ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾

                      إنما أيها الإخوة المؤمنون لها مدلولٌ خطير. " إنما " أي ما بعدها من حكمٍ ينفي ما سواه من الأحكام، أداة قصرٍ،
                      أي لا أتقبل الصلاة إلا من هؤلاء حصراً.
                      ((إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي...))
                      يا أيها الإخوة... كيف نتعرف إلى عظمة الله عزَّ وجل ؟ الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، ليس كمثله شيء، هو في كل شيء لا كشيءٍ في شيء، فوق كل شيء، كيف ندركه ؟ كيف نعظمه ؟ كيف نعرفه ؟ كيف نخشع له ؟ يقول الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

                      لقد بثَّ الله في الأرض آياتٍ كثيرة لا تعد ولا تحصى، لقد بثَّ الله في السماوات آياتٍ كثيرة لا تعد ولا تحصى، لقد جعل الله خَلْقَ الإنسان آيةً على عظمته، لقد جعل الله نظام الأسرة آيةً على عظمته، لقد جعل الله الزوجة آيةً على عظمته، لقد جعل الله الطعام والشراب آيةً على عظمته، وقد أمرنا..
                      ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾

                      ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾

                      ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

                      هذه كلها من آياته، طعامكم من آياته، شرابكم من آياته، النبات الذي تزرعونه من آياته، الماء الذي ينزل من السماء من آياته، الأسماك من آياته، الأطيار من آياته، الجبال من آياته، الأمطار من آياته، كروية الأرض من آياته، الليل والنهار من آياته، لا تستطيع أن تعرف عظمته إلا إذا فكَّرت في آياته، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
                      (( لا عبادة كالتفكر ))

                      من هنا وفَّقني الله عزَّ وجل في كل خطبةٍ إلى توضيح آيةٍ من آياته في الخطبة الثانية، من أجل أن تكون مادةً للتفكر.
                      لذلك: (( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي... ))
                      ولن يتواضع لعظمتي إلا من فكر في آياتي، فالتفكر في آياتي طريق معرفتي.

                      يا أيها الإخوة المؤمنون...
                      ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

                      (( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكفَّ شهواته عن محارمي...))
                      ما لم يستقم الإنسان على أمر الله لن تنعقد له صلاة، يستطيع أن يتوضَّأ وأن يصلي، وأن يقف، وأن يقرأ الفاتحة وسورة، وأن يركع ويسجد، وأن يؤدِّي الحركات، والمواقف، والأقوال، والأفعال التي ذكرها الفقهاء في موضوع الصلاة ؛ إنها أقوالٌ وأفعالٌ تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، يستطيع غير المستقيم أن يؤدِّيها تماماً، ولكن لا يستطيع أن يعقد الصلة مع الله عزَّ وجل إلا إذا كفَّ شهواته عن محارمه.
                      لذلك، هذا الذي ينحرف في سلوكه، أو يعصي الله في أعماله، إنه ما نظر إلى عظمة الله عزَّ وجل، قال بعضهم: " لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت ".
                      فهذا الذي كفَّ شهواته عن محارمي، هذا الذي تواضع لعظمتي، هذا الذي تفكر في آياتي فتواضع لعظمتي، ثم كفَّ شهواته عن محارمي، وربما كان العمل الأول سبباً للنتيجة التالية: لا يستطيع أن يكف شهواته عن محارمي إلا إذا تواضع لعظمتي، لا تنظر إلى الأمر ولكن انظر إلى الآمر، إذا عرفت من الآمر طبَّقت أمره تطبيقاً حرفياً، قد يأتيك أمرٌ من إنسان، فلا تعبأ له، لا تنفذه، تسخر منه، تستهين به، تنساه، وقد يأتيك الأمر نفسه من إنسانٍ تخشاه، أو ترجو ما عنده، أو تخافه، أو تعرف مكانته، أو تعرف حجم عطائه عندئذٍ تنصاع لأمره، فلن تستطيع أن تطبِّق الأمر إلا إذا عرفت الآمر، إذا عرفت مَن الآمر طبقت أمره، وأذعنت لأمره نفسك.
                      ((... وكف شهواته عن محارمي، ولم يصرَّ على معصيتي))
                      المؤمن مذنبٌ توَّاب، باب التوبة مفتوحٌ على مصراعيه، الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة المؤمن، بل هو أفرح بتوبة المؤمن من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد، إن الله عزَّ وجل أفرح بتوبة عبده المؤمن من بدويٍ كانت معه ناقة، جلس ليستريح في الصحراء الموحشة، فنفرت منه، فأيقن بالهلاك، فلما عادت إليه قال من شدة فرحه: يا رب أنا ربك وأنت عبدي ". قال الله عزَّ وجل:
                      ((لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته ))
                      تقبل التوبة ما لم يغرغر..
                      ((ابن آدم لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي))
                      ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

                      (( ولم يصرَّ على معصيتي... )) قال عليه الصلاة والسلام: (( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

                      إن الذنب الصغير إذا أصررت عليه، ووطَّنت نفسك على اقترافه طوال العمر، ينقلب إلى كبيرة تكون حاجزاً بينك وبين الله عزَّ وجل.
                      فكَّرَ في آلاء الله فخشع قلبه، استقام على أمر الله فمهَّد الطريق، إذا تعثَّرت قدمه سارع إلى التوبة، مراحل منطقيَّة كل واحدةٍ تفضي إلى الثانية، فكر في آلاء الله فخشع قلبه، استقام على أمره فمهَّد الطريق، تعثَّر في مشيته فتاب مِن ذنبه...
                      بقيت الحركة..
                      ((وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي... ))
                      هذا هو العمل الصالح، العمل الصالح يرفعُ، لا يرفعك عند الله إلا عملك الصالح، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، قل لي ما عملك أقل لك مَن أنت، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك.. ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

                      ((وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب... ))
                      هذا هو العمل الصالح، العقيدة إيمان، وإطعام الجائع، وإكساء العريان، ورحمة المصاب، وإيواء الغريب، هذا هو العمل الصالح.
                      لذلك، في مئتين وخمسين آيةً من آيات الله عزَّ وجل قرن الله عزَّ وجل الإيمان بالعمل الصالح.
                      يا أيها الإخوة المؤمنون... لكن العمل الصالح فيه مزلَّة، فيه مزلَّة الشرك، فيه مزلة الدنيا، فيه مزلة أن تفعل هذا لغير الله، فيه مزلة أن تفعله ابتغاء الشهرة وابتغاء السُمْعَة، لذلك يقول الله عزَّ وجل في الحديث القدسي:
                      (( وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي... ))
                      إخلاصاً..
                      ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾

                      من علامة الإخلاص لله عزَّ وجل ألا تهتمَّ بردود الفعل عند الناس أكانت شاكرةً أم جاحدة، أعرف الناس عملك أم لم يعرفوه، قال عليه الصلاة والسلام:
                      (( اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ))

                      ((... كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ))
                      قال عليه الصلاة والسلام: (( الصلاة نور المؤمن ))

                      الصلاة نور ؛ تستنير بها في وحشة الحياة، تريك الحق حقاً والباطل باطلاً، تمكّنك من الرؤية الصحيحة، لا تتخذ قراراً أحمق، لا تتورَّط في معصية، ترى الخير في الطاعة، وترى الشر في المعصية، لكن الأعمى يرى المعصية مغانم، ويرى في الطاعة بعض المغارم، يرى في المعصية مغنماً، ويرى في الطاعة مغرماً، لكن الذي نوَّر الله قلبه بالصلاة الصحيحة التي هي ثمرة التفكُّر في آيات الله، والاستقامة على أمره، والمسارعة إلى توبته، والعمل الصالح الخالص له، وهذه مراحل طريق الإيمان، إذا كنت كذلك انعقدت هذه الصلة بينك وبين الله، وبهذه الصلة تكتسب النور الذي يريك الخير خيراً والشر شراً، الحق حقاً والباطل باطلاً، النافع نافعاً والضار ضاراً.
                      ((وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما... ))
                      هذه الخصال الذميمة ؛ الكبر، الحسد، الغيبة، النميمة، الحقد، الأثرة، هذه الصفات الذميمة التي هي شاعت بين الناس بسبب بعدهم عن الله عزَّ وجل إنها تنقلب إلى فضائل، تنقلب الأثرةُ إلى المؤاثرة، وينقلب الكبر إلى التواضع، وينقلب الشُّح إلى السخاء، وينقلب تفلّت اللسان إلى حفظ اللسان، وينقلب الحقد إلى العفو، هذه من ثمار الصلاة الصحيحة.
                      ((وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا... ))
                      يستنير قلبه. عندئذٍ.. (( يدعوني فألبيه... )) عرف الخير من الشر، يسألني الخير دائماً فألبيه.
                      ((ويسألني فأعطيه، ويقسم عليَّ فأبره، أكلأه بقربي)) أذيقه طعم قربي، أذيقه حلاوة مناجاتي.
                      يروى أن رجلاً ذاق حلاوة المناجاة، ثم أصابته غفلةٌ، فانقطع عن الله عزَّ وجل، فاحترق في جفوة البعد، فناجى ربه وقال: يا رب ـ هو ينتظر العقاب من الله، لم يأتِ العقاب، ينتظر المصيبة، لم تأتِ المصيبة فاحترق بجفوة البعد ـ قال: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني، فوقع في قلبه: أن عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ أتريد عقاباً فوق هذا العقاب ؟!
                      (( أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي...)) الملائكة يحفّون به، يحفظونه من كل مكان، يحفظونه من أمر الله..

                      الملائكة الكرام يحفظونك من الزلل والخلل، يلهمونك ويسددونك، لأنك عقدت الصلة مع الله عزَّ وجل..
                      ((... أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغيَّر حالها ))هذه ثمار الصلاة.

                      عودٌ على بدءٍ أيها الإخوة:
                      ((ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفَّ شهواته عن محارمي، ولم يصرَّ على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليَّ فأبرُّه، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها ))
                      أيها الإخوة المؤمنون... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطّانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
                      والحمد لله رب العالمين
                      * * *


                      الخطبة الثانية:
                      الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُق العظيم، اللهم صلٍ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
                      في جسم الإنسان، شرطيٌ للمرور، يعمل منذ أن يتخلَّق الإنسان في بطن أمِّه وحتى الموت، لا يكلُّ، ولا يسأم، ولا يتعب، يعمل ليلاً نهاراً، في اليقظة، وفي المنام، إنه لسان المزمار.
                      الأنف له طريق، طريق الهواء من الأنف إلى الرئتين عَبْر الرغامى، القصبة الهوائية، وطريق الطعام من الفم إلى المعدة، عبر المريء، وهذان الطريقان يتقاطع في منطقةٍ حرجة هي البلعوم.
                      ويقوم لسان المزمار بأخطر عملٍ في حياة الإنسان، لو أن نصف كأسٍ من الماء، دخل خطأً في الرغامى، في القصبة الهوائية، إلى الرئتين، لمات الإنسان اختناقاً، لأن خلايا الدماغ النبيلة، تموت موتاً نهائياً إذا انقطع عنها الأوكسجين أكثر من خمس دقائق، تموت، فلو أن نصف كأسٍ من الماء دخل خطأً من الفم إلى الرغامى، وقد نسي لسان المزمار أن يسدَّ طريق الرغامى، ويفتح طريق المريء، لو أن هذا حدث مرةً، لكانت هي القاضية، فكيف لو نزل الطعام في القصبة الهوائية، فسد المجرى ولاختنق الإنسان ومات فوراً ؟.
                      هذا اللسان الذي يفتح طريق المريء عند الطعام، ويفتح طريق التنفس عند التنفس، يعمل ليلاً نهاراً، يعمل وأنت نائم، أنت تقول: لا آكل بالليل. هذا اللعاب الذي يتجمَّع في فمك، كيف تبتلعه وأنت نائم ؟ من دون أن تشعر، مَن الذي أمر هذا اللسان أن يفتح طريق المريئ، لينتقل اللعاب المجمَّع في الفم إلى المعدة، ثم يغلقه فيتابع التنفس عمله، وأنت لا تدري ؟
                      أيها الإخوة المؤمنون... من فضل الله علينا، أن هذه الرغامى، القصبة الهوائية، لشدة خطورة عملها، ولأنها جهازٌ مصيري، فلو توقف التنفُّس دقائقَ معدودات، لمات الإنسانُ، لخطورة عملها، جهَّزها الله سبحانه وتعالى بأهدابٍ متحركة، تتحرك نحو الأعلى دائماً، فأي شيءٍ طفيفٍ طفيفٍ دخل فيها، إنه يتحرَّك نحو الأعلى، ليتجمع في الحنجرة، ويكون هو القَشَع، مَن الذي زوَّد هذه القصبة الهوائية بهذه الأهداب المتحركة ؟ علماً بأن التدخين، كما قلت لكم قبل عدة خطب، يشلُّ هذه الأهداب التنفسية، عندئذٍ تتعرض الرئة للإصابة بالالتهابات الإنتانية، بسبب شلل هذه الأهداب التي تتحرَّك نحو الأعلى.
                      أما المريء، فقد زوَّده الله بعضلاتٍ دائرية، تتقلَّص تباعاً، فلو وُضِعَ الإنسان بشكلٍ مقلوبٍ، بحيث تكون رجلاه نحو الأعلى، ورأسه نحو الأسفل، وألقمته لقمةً، أو سقيته جرعةً من ماء، لسار الماء على عكس الجاذبية نحو الأعلى، لسار الطعام بعكس نظام الجاذبية نحو الأعلى، بسبب هذه العضلات الدائرية، التي تتقلَّص تباعاً، من زوَّد القصبة الهوائية بهذه الأهداب المتحركة نحو الأعلى ؟ ومن زوَّد المريء بهذه العضلات الدائرية، التي تسوق كل شيءٍ نحو المعدة، بصرف النظر عن جهة الإنسان ؟ إنه الله سبحانه وتعالى..
                      هذه آية أيها الإخوة، لا تحتاج إلى كتب، ولا إلى مجلدات، ولا إلى مجاهر، ولا إلى مجهر إليكتروني، ولا إلى مطالعات، ولا إلى دراسات، كلٌ منا، بإمكانه، أن يفكِّر في هذه الآية.


                      اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك.
                      اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، واقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنَّتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
                      ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصرنا على مَن عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا مَن لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واقبل توبتنا، وفكَّ أسرنا، وأحسن خلاصنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا مولانا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين.
                      اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير



                      ********************************************


                      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : محمد راتب النابلسي












                      تعليق

                      • سُلاف
                        مشرفة المواضيع الإسلامية
                        من مؤسسين الموقع
                        • Mar 2009
                        • 10535






                        حسن الظن بالمؤمنين وأثره في إصلاح المجتمعات






                        الحمد لله ولي الصالحين وناصر المظلومين ومجيب دعوة المضطرين ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الهدى والدين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا وإمامنا محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد : فاتقوا الله عباد الله تسعدوا يوم الفزع الأكبر ولاتركنوا إلى الدنيا فإنها دار غرور يقول جل وعلا:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}

                        عباد الله خلق وأمر حض عليه الإسلام وهو من بين أبرز أسباب التماسك الاجتماعي سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع .وإذا فقد هذا الخلق تقطعت حبال القربى وزُرع الشوك بين أفراد المجتمع وأُلصقت التهم والمفاسد بالمسلم البريء هذا الخلق هو حسن ظن المؤمن بأخيه المؤمن والتماس الأعذار له إن رأى منه خطأ أو تقصيراً،وقد نهانا ربنا جل جلاله عن الظن السيء بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..}قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأقارب والأهل والناس في غير محله،فيجتنب كثير منه احتياطاً
                        والظن أيها الأحبة في الله مبني على التخمين بسبب كلمة أو عمل محتمل،فكانت نتيجة الظن في الغالب الوقوع مشاكل عديدة لامبرر لها،كما أن الظن يجعل تصرف صاحبه خاضعاً لما في نفسه من تهمة لأخيه المسلم،ويتحكم الظن في التسويلات النفسية والاتجاهات القلبية حتى تجد من يظن السوء يحمل لمن يظن به أطناناً من التهم بناها خياله المريض،وكدستها أوهامه ولذا نهى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه عن الظن بقوله:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)متفق عليه

                        ويكون سوء الظن محرماً إذا توافرت فيه ثلاث شروط:أولها:أن يكون من يساء به الظن مسلماً
                        ثانيها:أن يستقر سوء الظن في النفس وتصير التهمة التي يتهم المسلم أخاه بها شيئاً يترتب عليه أن يعامل المسلم أخاه حسبما استقر في نفسه
                        ثالثها:أن يكون المتهم الذي يساء الظن به ظاهر الصلاح والعدالة بمعنى أنه غير مرتكب لكبيرة ولامصر على صغيرة فيما يبدو للناس،أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا دخل للعباد فيه
                        أما إن كان من يساء الظن به كافراً من أهل الذمة أو ممن بينه وبين المسلمين صلح أو معاهدة فإن ظلم الكافر في هذه الحالة حرام،لأن الأصل أن كل ظلم حرام ولو كان المظلوم كافراً أو حيواناً أو حشرة.وأما إن كان ظن السوء حديث نفس عابر غير مستقر،كشيء خطر في بال الإنسان ثم تلاشى ولم يستقر،فإنه لاشيء فيه ، لأن الله تعالى غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها كما ثبت ذلك بأدلة عديدة،أما إن ظن السوء بإنسان مسلم ظاهر الأعمال القبيحة،أو مخالف لشرع الله في أعماله وأقواله،فإنه لاشيء عليه حينئذ

                        وقد ذكرت أخي لك هذه الشروط حتى لايلتبس عليك الظن المحرم بأنواع كثيرة من الظن لاتدخل في باب الحرام،حيث منها ماهو نوع من الحذر واليقظة المطلوبين من المؤمن،ومنها ماهو فراسة يظهر صدقها وحقيقتها في أغلب الأحيان ولأذكياء العرب باع واسع ومدى طويل في ذلك ، ولكني أحذرك من أن يبرر لك الشيطان سوء ظنك بأخيك بأحد هذه الأصناف فالشروط أضحت معروفة لديك والميزان بيديك

                        ثم إن الظن أيها الأحبة في لله خطوة أولى نحو منكرات عظيمة فهو ذريعة إلى التجسس ثم الغيبة،فإن من ظن بشيء يريد التأكد فيكون سبيله لذلك التجسس ثم إن أصبح على شبه يقين أخذ يحدث بما علم فإن كان ما يحدث به يكرهه المتحدث عنه كان غيبة،لأن ضابط الغيبة ذكرك أخاك بما يكره وقد بين لنا ذلك الباري جل وعلا حين قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} فذكر مابعد الظن التجسس والغيبة،ثم إن من الواجب على المؤمن إذا سمع من يسيء الظن بأخيه أن يجزره ويمنعه من ذلك وإلا كان شريك له في الإثم ومن شواهد هذا المنهج من السنة حديث توبة كعب بن مالك حيث قال(..وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فرد معاذ عن عرض أخيه وأحسن الظن به
                        بل أن الله جل جلاله يضع لنا منهجاً في التعامل مع مثل هذه الحالات التي يشاع فيها سوء الظن عن إنسان مسلم فضلاً عمن عرف بالتقوى والصلاح حيث يقول في حادثة الإفك التي لم يسلم فيها عرض خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه من إساءة الظن به من قبل المنافقين:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا ، وقيل المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته وذلك أن دخل عليها فقالت له:يا أبا أيوب أسمعت ماقيل؟ فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك؟قالت:لا والله قال:فعائشة والله أفضل منك قالت أم أيوب :نعم،فاتقوا الله عباد الله واحسنوا الظن بإخوانكم واتبعوا منهج الإسلام مع من يسيء الظن بإخوانه تسلموا وتسلم مجتمعاتكم،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{ولايحيق المكر السيء إلا بأهله}

                        الخطبة الثانية
                        الحمدالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد : فقد نقل القرطبي عن النحاس قوله معنى بأنفسهم بإخوانهم.فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً ويذكره بقبيح لايعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه،وتوعد من ترك ذلك ونقله،ثم قال القرطبي:قلت :ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن ولُبْسة العفاف التي يستتر بها المسلم لايزيلها عنه خبر وإن شاع إذا كان أصله فاسداً مجهولاً .
                        أحبتي في الله ونسمع اليوم من بعض الناس من يتكلم في القضاة والدعاة والائمة والمصلحين بغير وجه حق وقد يكون ظاهر هؤلاء القوم المتكلمين في الناس الصلاح لكن يدلك على باطنهم مثل هذه الأقوال عمن هم في نظر الناس أهل علم وفضل،بل وهناك من نصب نفسه محاسباً يتتبع أفعالهم وأقوالهم وهفواتهم ونقص بسيط في أداء أعمالهم لظروف أحاطت بهم لينشرها بين الناس على أنها جرائم كبرى لاتغتفر،ولو بُحث عن مثل هذا في أداءه لعمله ولواجبه في منزله لوجد من أشد الناس تقصيراً
                        ولايشغل بعيوب غيره عن نفسه إلا من في قلبه مرض ومن غفل عن قوله الذي أخرجه الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ(يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)
                        ولايُدعى العصمة لأحد فمن طبيعة البشر الخطأ لكن هناك منهج الموازنة بين الحسنات والسيئات.ومنهج حسن الظن أيها الأحبة في الله ليس قصراً على التعامل مع فئة بعينها في المجتمع وإنما ينبغي أن يكون دأب المسلم في بيته ومع أهله ومع أهل حيه وزملاء عمله والمسلمين أجمعين ...



                        ************************************************** *****

                        خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عصام بن هاشم الجفري









                        تعليق

                        • سُلاف
                          مشرفة المواضيع الإسلامية
                          من مؤسسين الموقع
                          • Mar 2009
                          • 10535



                          الفرقة والاختلاف بين المسلمين سبب خذلانهم وضعفهم







                          الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...

                          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
                          أما بعد:
                          فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
                          أيها الناس: اجتماعُ كلمة المسلمين، وتآلفُ قلوبهم، وتعاونُهم على البر والتقوى، وتناهيهم عن الإثم والعدوان، وتواصيهم بالحق فرائضُ ربانية، وواجبات دينية دعت إليها نصوص الكتاب والسنة، وحذرت من ضدها.

                          إن الإيمان قد جمع كلمة المسلمين على الحق كما لم تجمعهم رابطة النسب أو التراب أو القبيلة أو اللسان؛ إذ كان العرب في جاهليتهم قبائل متناحرة، وعشائر متقاتلة، قد تنافرت قلوبهم، وتباعدت آراؤهم، وكانوا بسبب ذلك أذلة مستضامين، تابعين للأمتين الرومانية والفارسية.


                          لكن الله تعالى جمع قلوبهم بالإسلام، وألف بينها بالإيمان وتلك نعمة عظيمة امتن الله تعالى بها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

                          وامتن بها عز وجل على عباده المؤمنين (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)

                          وجاءت شرائع الله تعالى في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك؛ لتكرس وحدة المسلمين، وتؤلف بين قلوبهم، وتجمع شملهم، وتزيل كل ما يكون سببا في الشقاق والاختلاف؛ انطلاقا من قول الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)
                          فنجد في التشريع أن قبلة المسلمين واحدة، وصلاتهم واحدة، يصطفون فيها لرب واحد، ويسوون صفوفهم؛ إعلاما باستقامة قلوب بعضهم على بعض " والله لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قُلُوبِكُم " رواه أبو داود.
                          يصومون جميعا، ويفطرون جميعا، لا يسبق بعضهم وبعضا.. أعيادهم واحدة، ومناسكهم في الحج واحدة، وأما الزكاة والصدقة فمن أغنيائهم إلى فقرائهم؛ لتتوثق أخوتهم، ولكيلا يفرق المال بينهم.

                          وفي المعاملات ندبهم الإسلام إلى الصدق والأمانة، والسماحة في البيع والشراء، وإنظار المعسر، ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف؛ لأن ذلك مما يقوي الروابط، ويزيد الأخوة.
                          ونهاهم عن الغش والنجش والربا والاحتكار والمطل وأن يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن يخطب على خطبته؛ لأن ذلك مما يوغر الصدور، ويقطع الروابط، ويسبب العداوة والبغضاء.

                          وفي جوانب الأخلاق والسلوك أمرهم بالسلام ورده، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، ونهاهم عما يسبب العداوة والبغضاء والتفرق والاختلاف كالعقوق والقطيعة والأذى، والغيبة والنميمة والهمز واللمز وغيرها من الأخلاق الرديئة.

                          بل جاء في القرآن صراحة ما يدل على حصر الإخوة في الإيمان، مما يدل أنها الرابطة الأعلى، والصلة الأوثق، وأن كل رابطة سواها فهي تحتها وخاضعة لها، وتُحاكم إليها (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وأمرنا ربنا جل جلاله بالاجتماع، ونهانا عن التفرق (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) وفي آية أخرى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ)

                          وجاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ترسخ هذه الأخوة، وتدعو إلى ما يعززها ويقويها، وتنهى عما يضعفها ويصدعها، قال عليه الصلاة والسلام:" الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ " رواه مسلم. وفي حديث آخر: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ من أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كما يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا في الرَّأْسِ " رواه أحمد.

                          وفي جانب النصرة وعدم الخذلان قال صلى الله عليه وسلم" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ "رواه الشيخان، وفي حديث آخر " وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُه "رواه مسلم. وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا "رواه الشيخان.

                          وإذا سُفك دم امرئ مسلم بغير حق فكأنما سفكت دماء المسلمين أجمعين، وإذا نهب ماله، أو هدم عمرانه، أو أصابته مصيبة وجب أن يحس به إخوانه، وأن يقفوا معه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عليهم أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ على من سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ على مُضْعِفِهِمْ ومتسرعهم على قَاعِدِهِمْ "رواه أبو داود. وفي حديث آخر: " الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ من وَرَائِهِ " رواه أبو داود.
                          قال العلماء: أي يمنع تلفه وخسرانه.

                          وعلى هذا الأساس المتين من الأخوة والمحبة ذابت مختلف الأعراق والأجناس في بوتقة الإسلام، وتلاشت العنصريات والعصبيات، ولم يبق إلا رابطة الدين، وعصبية الإيمان؛ عزت بها الأمة، واجتمعت تحت رايتها، حتى جاء الاستعمار البغيض على أنقاض دولة بني عثمان ففرق الأمة إلى دول شتى، وأحيى فيها الجاهلية الأولى، فاعتز كل ناس بعرقهم، وفاخروا بلسانهم، واحتقروا غيرهم، فكان في الأمة عرب وبربر وفرس وترك وأكراد وأعراق شتى، ثم فُرق هذا المفرق إلى دول وطنية مجزأة ملتهبة الحدود يشتد الصراع بينها متى ما أراد الأعداء ذلك، ثم فرقت كثير من الدول على أساس عرقي قبلي، أو طائفي ديني؛ يشعل الأعداء نار الفتنة بينهم متى شاءوا؛ وذلك بتقوية الضعيف وإضعاف القوي، وبث العملاء، وترغيب الطامع، وترهيب الممتنع.

                          وفي قضية فلسطين أطول قضية في هذا العصر استطاع الأعداء أن يحولوها من الأولية الإسلامية العالمية -كون الأقصى مهم عند كل مسلم- إلى قضية عربية خالصة لا شأن لغير العرب بها ولو كانوا مسلمين، ثم حولوها إلى شأن إقليمي شرق أوسطي، ثم ضيقوه إلى شأن لا علاقة لغير دول الطوق به، ثم مسخوه إلى شأن وطني داخلي لا دخل لغير أهل الأرض المحتلة به، ثم حاول اليهود وحلفاؤهم وعلى مدى سنوات طويلة زرع الفرقة بين أهل الدائرة الضيقة للقضية؛ ليقسموهم إلى صقور وحمائم، أو إلى مخلصين وعملاء، أو سموهم ما شئتم؛ ليرتمي أحد الفريقين في أحضان الصهاينة ويعينهم على قتل إخوانه، ويستغيث الفريق الآخر ولا مغيث من أمة العرب التي زعمت أن القضية قضيتها؛ ليهتبل الفرس الباطنيون فرصة العمر، ويمدوا أيديهم إليهم رافعين شعارات الأقصى وحماية المدافعين عنه؛ لتسويق مذهبهم، والدعاية لمنهجهم الذي ينتشر في عوام المسلمين انتشار النار في الهشيم، بينما عقائدهم الباطنية، وكتبهم المنقولة لا تقيم للأقصى وأهله أي وزن، إن هي إلا الشعارات والمكاسب.

                          لقد أضحت القضية الأولى للمسلمين كالكرة بين أرجل الصهاينة والباطنيين، وأصبحت دماء العزل المساكين تُراق على الأرض المحتلة بلا جرم اقترفوه؛ ليجني ثمرة ذلك صهيوني حاقد، أو فارسي طامع، والعرب في حيص بيص، ولا يزيدون في كل كارثة على قول القائل: أوسعوني ضربا فأسمعتهم شتما.

                          إنهم لم يحقنوا دما لإخوانهم يراق، ولا ردوا عنهم عدوان الأعداء، ولا أطعموهم إذ جاعوا، ولا أمنوهم حين خافوا، وهم الخاسر الأول من القضية، ودول الجوار هي التي أحكمت حصارها على المساكين فأهلكتهم؛ لتسنح الفرصة للمتاجرين بالقضية سياسيا ومذهبيا؛ ليلعبوا لعبتهم، ويزيدوا مكاسبهم، وأمة العرب بين فاجر وجاهل وعاجز. وسبب ذلك التفرق والاختلاف الذي أحسن الأعداء استغلاله، ولعبوا على تناقضاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاء الأمة في مصابها الجلل، وفي دماء المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا نصير لهم من البشر، وأحسن الله تعالى عزاء أمة العرب في خسارتها مرة بعد مرة.

                          وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...




                          الخطبة الثانية

                          الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
                          أما بعد:
                          فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

                          أيها المسلمون: التفرق والاختلاف من أكبر الأسباب التي أدت إلى خذلان الأمة وإخفاقها في التعامل مع قضاياها، والحفاظ على حقوقها؛ فمفهوم الأمة الواحدة الذي نعتنا الله تعالى به في قوله سبحانه: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)
                          وأمرنا بتحقيقه في كثير من النصوص يكاد ينعدم على المستوى السياسي الرسمي، وهو ضعيف جدا على المستوى الشعبي الجماهيري؛ ولذلك يستفرد الأعداء بمن شاءوا من المسلمين فيطئون أرضهم، ويسفكون دماءهم، ويدمرون بلادهم، وينهبون ثرواتهم، ويفعلون بهم الأفاعيل، وتكرر ذلك كثيرا في فلسطين وأفغانستان والعراق والشيشان والبوسنة وكوسوفا والصومال وغيرها من بلاد المسلمين، وبقية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بين متآمر ممالئ وبين متفرج عاجز إلا من رحم الله تعالى وقليل ما هم، وذلك هو الهوان والخذلان العظيم، وسببه التفرق والاختلاف بقول الله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)


                          وقد ذهبت ريح المسلمين بسبب التفرق، وقُذفت المهانة في قلوبهم، وزالت مهابتُهم من قلوب أعدائهم، وأصابهم الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت.

                          إن كل الأمم المعاصرة تدعم أتباعها وتعينهم في البأساء والضراء خلا أهل الحق الذين خُذلوا أعظم الخذلان بسبب تفرقهم واختلافهم حتى في قضاياهم المصيرية.

                          لقد كان النصارى في أوربة قبل سنوات يجمعون التبرعات لصربيا وهي تذبح المسلمين وتنكل بهم تحت شعار: ادفع دولارا أقتل لك به مسلما، وكان المسلمون وقتها لا يزيدون على إغاثة من سيُقتلون ويُبادون.

                          والشعوب النصرانية المؤيدة لليهود في هذه الأيام قد دعت إلى التبرع في بلاد الغرب تحت شعار: ساهم لإنقاذ إسرائيل، وأكبر شركة للتبغ أعلنت أنها تتبرع باثني عشر في المئة من أرباحها لدولة اليهود، وهي تربح من مدخني العالم الإسلامي فقط ما يقارب مئة مليون دولار كل يوم؛ ليذهب اثني عشر مليون منها لليهود؛ فهلا أقلع المدخنون عن الدخان نصرة لإخوانهم.

                          وفي الوقت الذي يحس فيه أهل الباطل بواجبهم فيدعمون اليهود في حربهم الجائرة تُحكم دول الجوار حصارها على أهل غزة؛ لتقتلهم صبرا، وتمنع عنهم مساعدات الدول الأخرى؛ ما أعظمه من خذلان! وما أشده من حصار! لا مسوغ له إلا اختلاف السياسات، وتحصيل مصالح خاصة، ولو سفكت فيها دماء الضعفاء، وقتلت قضايا الأمة ومصالحها الكبرى.

                          إن هذا الخذلان العظيم الذي أصاب المسلمين بسبب تفرقهم واختلافهم لا رافع له إلا الله عز وجل، ونصر الله تعالى وتأييده ومدده يستجلب بطاعته، والانتهاء عن معصيته وإلا فإلى مزيد من الذل والهوان والخذلان.

                          لقد شاهد الناس عبر الشاشات جثث إخوانهم وقد مزقتها الطائرات، وتأثروا واسترجعوا وحوقلوا، وبكى منهم من بكى، ولكنَّ تعامل الناس مع ربهم لم يتغير، فرواد المساجد هم رواد المساجد لم يزدادوا، وزبائن الفضائيات المنحرفة ومشاهدوها لم ينقصوا، ولا رأينا أهل المعاصي خجلوا من أنفسهم فأقلعوا عن ذنوبهم، أو امتنعوا عن المجاهرة بها؛ طاعة لله تعالى، ونصرة لإخوانهم.

                          لقد خُذل خير جيش مرَّ على الدنيا بمعصية واحدة يوم أحد حين خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلب نصرهم إلى هزيمة مؤلمة، وقتل جملة من خيار هذه الأمة بسبب ذلك، وجاء بيان سبب ذلك في قول الله تعالى (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إنه قانون رباني لا يتغير ولا يتبدل (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

                          ولن يتبدل حال الأمة حتى يتوب أفرادها صغارا وكبارا من معصية الله تعالى؛ فيتوب أهل السياسة والسيادة من انتهاج المناهج البرجماتية والميكافيلية، ومن الأنانية الفردية إلى تغليب مصالح الأمة على مصالحهم الخاصة، وحتى يتوب أهل المال والاقتصاد من الربا الذي هو حرب على الله ورسوله، ومن جميع المعاملات المحرمة، وحتى يتوب أهل الإعلام من إفسادهم للناس، نشر الفواحش والرذائل، والكذب على الله تعالى، وتزوير شريعته، وحتى يتوب جمهور الناس من ذنوبهم، ويحيوا شعيرة الحسبة على أهل المنكرات؛ فإنهم إن فعلوا ذلك تغير حالهم، وانقلبوا من ذل إلى عز، ومن ضعف إلى قوة، ومن تفرق إلى اجتماع وألفة، فإن دعوا الله تعالى كانوا أجدر بالإجابة (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)

                          وصلوا وسلموا...




                          **********************************************


                          خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : ابراهيم بن محمد الحقيلي






                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535







                            التجــــارة مع اللـه








                            الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا بسنة خير الأنام، ووفقنا لطاعته ومرضاته، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

                            عباد الله

                            خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وركبه من جسد وروح.

                            ولما تحمل الإنسان الأمانة ابتلاه الله بالشهوات والأوامر، وبالنعم والمصائب، وما تحبه النفس وما تكرهه.

                            وأمره سبحانه في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح، ووعده على ذلك السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة.

                            ولما كانت الأعمال الصالحة متنوعة وكثيرة، والمطلوب مداومة العبد عليها حتى يلقى ربه.

                            ولما كان الإنسان ضعيفاً، ناقص العلم، احتاج إلى من يشد أزره، ويرفع همته، وينشِّط قلبه، ويحرك جوارحه ليأنس وينهض بطاعة ربه.

                            لذا: فمن رحمة الرب الكريم بالعباد أن أعطاهم الأجر والثواب الجزيل على العمل القليل، ورغبهم في العمل الصالح مقروناً بذكر ثوابه، ليتم القيام به، والحرص عليه، والإكثار منه، والتنافس فيه، والتلذذ به، والانشراح لأدائه، والطمأنينة بفعله، والمواظبة عليه.

                            ومن نعم الله تعالى على عباده أن شرع لهم أعمالاً وأقوالا من أتى بها حصل له الفضل والأجر والثواب من الله تعالى في الدنيا والآخرة.. ولما كانت الأعمال تتفاوت في الفضل والأجر فبعضها أفضل من بعض كان ضروريًا أن يفتش المسلم عن أفضلها وأعظمها أجرًا ليكثر من الاستزادة منها ليزداد رصيده من الحسنات ويثقل ميزانه.

                            عباد الله

                            هِمَمُ الناس في العبادة تختلف؛ فمنهم سابق بالخيرات، يؤدي فرائض الله ويترك نواهيه، ويكثر من التقرب إليه بفضائل الأعمال، لا يترك باب طاعة إلا ولجه، ولا باب معصية إلا أغلقه، ومنهم مقتصد، يؤدي الفرائض فقط ويترك النواهي، وليس له حب فيما عد ذلك. ومنهم ظالم لنفسه يخلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا فهو على شفا حفرة من الهلاك.

                            وأقرب هذه الأصناف إلى الله تعالى الصنف الأول، وهم السابقون المقربون، الذين لا يكتفون بأداء الفرائض، وإنما يكثرون من التطوع بفضائل الأعمال، ويجتهدون في نوافل الطاعات. ولا يزالون يتقربون إلى الله بنوافلهم حتى أحبهم الله كما قال تعالى في الحديث القدسي: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها».

                            فالإكثار من فضائل الأعمال بعد إتيان الفرائض يوجب القرب من الله تعالى والزلفى لديه، والحظوة منه، ولو لم تكن هناك فائدة من الاستزادة من الأعمال الفاضلة إلا محبة الله لكفى.

                            ايها الاحبة

                            إن حياة المسلم في الدنيا محدودة ومعدودة بسنوات وأيام بل وثوان لا يستطيع أن يزيد فيها لحظة واحدة، ومهما بلغ حرص المسلم وجهده لكسب الحسنات وتحصيل الخيرات، فلا يزال عمره قصيرًا موازنة بأعمار الأمم السابقة، ولهذا دلنا الرسول صلى الله عليه وسلم على كثير من الأعمال الفاضلة التي يزيد أجرها ويتضاعف رغم ما يُبذل فيها من وقت قليل وجهد ضعيف، وتنوعت هذه الأعمال وتعددت مما يشوق المسلم على العمل، ويبعث على الاجتهاد والاستزادة وبهذا يطول عمر المسلم ويزاد بركة، وهذا معنى حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه».

                            قال الإمام النووي: اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة؛ ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا بل يأتي بما تيسر منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».

                            فلا يجوز أبدًا التهاون بهذه الفضائل، فهي تقوي الإيمان وترسخه، وتكون سببًا في ازدياده، كما أنها تورث الجنان وتنجي من النيران، وترفع الدرجات، وتزيد في الحسنات التي تنفع في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وهيهات أن يبقى إيمان بكماله وقوته إذا فرط المسلم في الفضائل.

                            عباد الله:

                            بيننا وبين الله تجارة، والتجارة مع الله ليس فيها خسارة، والتجارة مع الله أرباحها مضاعفة، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

                            نعم ايها الاحبة فى الله انها تجارة ونعم التجارة عمل قليل واجر كبير فيالخسارة من فرط فيها ولم يتاجر مع الله تعالى

                            وإليكم ايها الاحبة نماذج من التجارة مع الله تعالى

                            روى الإمام الترمذي وأحمد عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث أُقْسِم عليهن: ما نَقَصَ مالٌ من صدقة، ولا صَبَرَ عبدٌ على مظلمةٍ إلا زاده الله بها عزاً، ولا فَتَحَ عبدٌ باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب ذل، إنما الدنيا لأربعة نفر: رجلٍ آتاه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي الله فيه، يصل به رَحِمَهُ، ويؤدي لله فيه حقَّه، فهذا بأفضل المنازل، ورجلٍ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فيقول: لو أن لي كَفُلان لفعلت فِعْله، فهو ونيته، فهما في الأجر سواء، ورجلٍ آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي الله فيه، ولا يصل به رَحِمَهُ، ولا يؤدي حق الله فيه، فهذا بأخبث المنازل، ورجلٍ لم يؤته الله مالاً ولا علماً، يقول: لو أن لي كَفُلان، لفعلتُ فِعْلَه، فهو ونيته، فهما في الوزر سواء).

                            الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يصل فيه رحمه، ويعرف حق الله من جهة الزكاة، والواجبات الأخرى كفارات، نفقات، يعرف حق الله، والآخر رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً لكنه قال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الأجر سواء، عجيب هذا ما عنده مال، وما الذي فعله؟ نية حسنة، وقال بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، بنيت المساجد، ورتبت لمحفظي القرآن الرواتب، وجعلت للأسر والعوائل هذه الرواتب الشهرية، ونشرت علماً، ودعوة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، قال: (فهما في الأجر سواء)، يعني من جهة الأصل، أما من جهة المضاعفة فلا شك أن الفاعل يمتاز بميزة، لكن من جهة الأصل أصل الأجر قبل المضاعفة، (هما سواء) ما الذي رفعه هذه الرفعة، ما الذي أعطاه هذا الأجر؟ حسن نيته، ليست قضية عسيرة، وشاقة، ولا تأخذ وقتاً، لكنها جمع القلب والرجاء من الله سبحانه وتعالى.

                            (إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم)شركوكم في الأجر، لماذا؟ قال: (حبسهم العذر)؛ لأنهم فعلاً عندهم صدق نية، لو كانوا مستطيعين لخرجوا، (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض)كم تأخذ من الجهد؟ كم تأخذ من الوقت؟ الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يتنافس عليها بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً، عبد قالها مرة مؤتجراً مخلصاً يبتغي وجه الله، تنافس عليها أكثر من ثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً، ما هذا الكرم ما هذا الشرف، الله عز وجل يرسل ملائكته من أجلنا، لتكتب أعمالنا، وترفع أقوالنا، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

                            عباد الله:

                            ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.

                            عباد الله:

                            عندما يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم ذنبه)، كلمة (آمين) كم تأخذ لتقال؟ كم ثانية؟ آمين المد الطبيعي حركتين (آ) (مين) ست حركات، كم تأخذ حتى تقال؟ (من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، على كلمة واحدة إذا قال الإمام في الأرض: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، لكن بعض الناس يشرد ذهنه فيفوته أجر عظيم، أو لا يقولها في الوقت الذي من السنة أن تقال فيه، أو يمد أكثر أو يقصر أكثر، (من وافق تأمينه تأمين الملائكة).

                            يا مسلمين:

                            والله إنها أعمال يسيرة وأجور عظيمة، وهكذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن بقيام ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر، اللهم بلغنا رمضان، اللهم منَّ علينا ببلوغ رمضان، وأن نصوم ونقوم ونعبد كما تحب وترضى، قيام ليلة واحدة، الليلة كم يعني؟ عشر ساعات؟ إحدى عشر ساعة؟ اثنا عشر ساعة؟ ثم تقوم بعد صلاة العشاء، قيام ليلة ولا يشترط أن تقوم كل الليل، قيام ليلة أكثر من أجر عبادة ثلاثة وثمانين سنة، هل هناك كرم بعد هذا.

                            عباد الله:

                            صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.

                            أيها المسلمون:

                            بالوضوء تخرج الخطايا حتى تخرج آخر خطيئة مع آخر قطرة ماء، لمن نوى واحتسب، وأتقن الوضوء، وكذلك نجد أنه إذا قعد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد ارتفاعها صلى ركعتين، بعد الفجر إلى طلوع الشمس كم الوقت؟ كم ستجلس؟ ساعة ونصف، أجر حجة أجر عمرة تامة تامة تامة..


                            يا مسلم عندما تذهب إلى الحرم لتصلي فريضة واحدة كم يأخذ منك من الوقت والجهد؟ لكن يكتب الله لك بها مائة ألف صلاة من الصلاة في المساجد الأخرى، مائة ألف، وفي المسجد النبوي ألف، وصلاة ركعتين في مسجد قباء تعدل عمرة، الله أكبر، تخيل لو كان عمرك مائة عام سوف تصلى 180 الف فرض فى المائة عام يعدلها فى الثواب والاجر فرضان فى الحرم المكى اى نعمة واى فضل اعظم واجل من هذا

                            اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.






                            الخطبة الثانية

                            عباد الله:

                            أسس وقواعد التجارة مع الله

                            الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:

                            أولاً: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحداً لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قوياً كان البنيان عالياً مرتفعاً، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك،

                            ثانياً: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.

                            والأعمال الموافقة للسنة أجرها أكبر من أعمال أطول أو أشق، فمثلاً قصر الصلاة للمسافر أكثر أجراً من إتمامه لها، مع أن هذه اثنتين وهذه أربع، تخفيف سنة الفجر أكثر أجراً من تطويلها لماذا؟ لأنها سنة محمد صلى الله عليه وسلم، بينما نجد من السنة في صلاة الفجر يوم الجمعة قراءة السجدة والإنسان وتأخذ وقتاً وجهداً، فإذن الشأن هو اتباع السنة سواءً ازدادت المشقة أو نقصت، المشي في الظلمات إلى المساجد الفجر والعشاء فيه أجر لمشقة الظلمة، ولا تزيلها الكهرباء كما قال العلماء، ولله الحمد، الأجر ما زال موجوداً في مشيك للفجر والعشاء حتى في هذا الزمان.

                            أيها المسلمون:

                            الأكل من الأضحية والصدقة بالباقي أفضل من الصدقة بكل الأضحية؛ لأن من السنة الأكل من الأضحية ولو لقيمات، وهكذا نجد أن تكفير السيئات منصب على الصغائر؛ لأن الكبائر تحتاج إلى توبة خاصة، ونجده في كل حديث في غفر له يعني الصغائر، ولذلك لا بد من الانتباه للكبائر.

                            ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة

                            ثم ماذا تريد يا عبد الله من أنواع الأجور والميزات فهو موجود، تريد مغفرة الذنوب هناك أعمال لها، تريد نيل محبة الله هناك أعمال لها، تريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم والقرب منه فالذي يكفل يتيماً ويعول أرملة يكون بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، هلا رأيت قضية استعراض النساء لاختيار الأجمل، من كظم غيظاً أنت تكون في الطريق في السيارة يعاكسك شخص، (من كظم غيظاً ولو شاء أن ينفذه أنفذه) ما عنده عجز (يخيره الله من الحور العين يوم القيامة ما شاء)، تكظم غيظاً عن خادم، عن سائق، عن مخطئ، عن إنسان تجاوز عليك، كظم غيظاً، هذه قضية اختيار الأجمل من النساء، تريد رفع المنزلة تواضع لله، تريد طول العمر وسعة الرزق صل رحمك، تريد أن تكون في حراسة الله صل الفجر، تريد أن تصلي عليك الملائكة صل على النبي صلى الله عليه وسلم، انتظر في المسجد من المغرب إلى العشاء، رابط من صلاة إلى صلاة، الملائكة طيلة الوقت وأنت جالس تستغفر لك، تريد قصراً في الجنة اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عشر مرات يبنى لك قصر في الجنة، وهكذا تريد السلامة من حر النار والموقف أنظر معسراً، تريد العتق من النار ذب عن عرض أخيك في مجلس، كل شيء بمقابل، ما في أشياء تضيع عند الله فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه

                            اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعلنا من أهله يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا الذنوب والسيئات، وكفر عنا الزلات، وضاعف لنا الحسنات، اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا، وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتغفر بها لموتانا، وتشفي بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته ...

                            وأقم الصلاة ...




                            *************************************************


                            خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : فيصل الردادي








                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535







                              ذكــرى مولــد سيــد البــرية






                              الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ الحمدُ للهِ وسلامٌ على عِبادِهِ الذينَ اصطَفَى الحمدُ للهِ الواحِدِ الاحَدِ الفردِ الصَّمَدِ الذي لم يلدْ ولم يُولّدْ ولم يكُن لَهُ كُفُواً أحد.

                              أحمَدُهُ تعالى وأستَهْديهِ وأسترشِدُهُ وأتوبُ اليهِ وأسْتِغفِرُهُ وأعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنَا وسيِّئاتِ أعمالِنَا من يهْدِهِ اللهُ فهوَ المُهتد ومن يُضْلِلْ فلنْ تجدَ لَهُ ولياً مُرشِداً

                              والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الانبياءِ وخاتَمِ المرسلينَ من بَعَثَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمينَ الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ اللهِ يا من بشر بك الملأ الأعلى قبل ولادتك الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله يا من نَطَقَ الانبياءُ بالبشائِرِ بِبِعثتِكَ ومولِدِكَ،

                              الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ يا من بَشَّرَ بمولِدِكَ وبِعْثَتِكَ الكُتُبُ السَّماويَّةُ كلُّها وأشهدُ الا الهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ أرسَلَ رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِ ليُظهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ ولو كره الكافرون وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً مُهداةً للعالمينَ أقامَ صُرُوحَ العدلِ وحاربَ الظُّلمَ دَعَا الى عبادَةِ اللهِ الملكِ الديانِ وحارَبَ الشِّركَ وحطَّمَ الأوثانَ نَشَرَ الاخلاقَ الحميدَةَ وحارَبَ الرّذيلَةَ دَعَا الى مكارِمِ الاخلاقِ ونبذَ التباغُضِ والتَّحاسُدِ والتَّدابُرِ والتَّنَافُرِ بينَ المؤمنينَ، تَحولَتِ الجزيرةُ العربيَّةُ بمولِدِهِ وازدانَتْ بِبِعثَتِهِ فصارتْ مركزَ إشعاعِ نورٍ وهدْيٍ وبركةٍ وأسرارٍ عمَّ على العالمينَ.

                              صلواتُ ربّي وسلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا أبا القاسِمِ صَلَوَاتُ ربي وَسَلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ.

                              يا خـير من دُفِنَتْ بالقاعِ أعظُمُهُ, فطـاب من طيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ , نـفسي الفداء لقبٍر أنت سـاكِنُهُ, فيه الـعفافُ وفيه الجودُ والـكرمُ, أنت الشفيعُ الذي تُرجى شفاعَتُهُ, عِندَ الـصراطِ إذا ما زلَّت القـدمُ , وصـاحِباك لا أنسـاهـُما أبدا, مني السـلامُ عليكُم ما جرى القلمُ

                              أيُها الأحبَّةُ المُسلمونَ نعيشُ في نَسَمَاتِ خيرٍ، نعيشُ في لطائِفَ مُحمديةٍ نعيشُ في ذكرى ولادَةِ أحبِّ الخلقِ الى اللهِ تَعَالى، نعيشُ في ذكرى ولادَةِ سيِّدِ الخلائِقِ العَربِ والعَجَمِ، نعيشُ في ذكرى ولادَةِ مُحمدٍ رسولِ اللهِ عليهِ صَلَوَاتُ اللهِ.

                              ما أُحَيْلاها من ذكرى عظيمةٍ ما أعْظَمَهَا من مُناسَبَةٍ كريمةٍ عمَّ بِها النُّورُ أرجاءَ المعمورةِ ما أعظَمَهَا من حَدَثٍ حَوَّلَ تاريخَ الجزيرةِ العربيةِ من قبائل متناحرة مشتتة يفتك بعضها ببعض يتباهَوْنَ بالرذائِلِ والمحرَّماتِ يرفَعُونَ لواءَ الشركِ وعبادَةِ الاوثانِ حتى صارتْ مهدَ العلمِ النُّورِ والإيمانِ ودولةَ الاخلاقِ والعدلِ والأمانِ بهديِ النبيِ محمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ.

                              يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ: {لقد جاءَكُم رسولٌ من أنفُسِكُمْ عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّم حريصٌ عليكُمْ بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ}

                              هذا النبيُّ العظيمُ الذي سَعِدْنَا بمولِدِهِ وازدَدْنَا فَرَحَاً وأمناً وأماناً بأن كُنَّا في أُمَّتِهِ، هذا النبيُّ العظيمُ طوبى لمن التَزَمَ نَهْجَهُ وسارَ على هديِهِ والتَزَمَ أوامِرَهُ وَنَهْيَهُ سواءَ كانَ عبداً او سواءكان حُراً سواءَ كان انثى أم كان ذكراً سواء كان فرداً من أفرادِ المجتَمَعِ أم سُلطاناً أم حاكِماً أم رئيساً.

                              هذا النبيُّ العظيمُ الذي جَعَلَهُ ربُّهُ هادياً ومُبشراً ونذيراً وداعِياً الى اللهِ بإذنِهِ سِراجاً وهّاجاً وَقَمَراً مُنيراً كانَ أُمِّياً لا يقرَأُ المكتوبَ ولا يكتُبُ شيئاً ومع ذلك كانَ ذا فَصَاحَةٍ بالِغَةٍ ومع ذلِكَ كانَ بالمؤمنينَ رؤوفاً رحيماً كانَ ذا نُصْحٍ تامٍ ورأفَةٍ ورَحمةٍ ذا شَفَقَةٍ وإحسانٍ يُواسي الفُقراءَ وَيَسْعى في قضاءِ حاجةِ الأرامِلِ والأيتامِ والمساكينِ والضُّعفاءِ كان أشدَّ النَّاسِ تَوَاضُعاً يحبُّ المساكينَ وَيَشْهَدُ جنائِزَهُم فما أعظَمَهُ من نبيٍ وما أحلاها من صِفاتٍ عَسَانا ان نَتَجَمَّلَ بصفات كريمة لنكونَ على هديِهِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ كما قالَ ربُّهُ يمتدِحُهُ :{بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ} ، وفي ذكرى مولِدِهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ لا بُدَّ لنا نحنُ اهل الحق لا بد لنا نحن المسلمونَ المؤمنونَ بالكتابِ والسُّنةِ من أن نُبيَّنَ للخاصّةِ والعامَّةِ من الناسِ مشروعيَّةَ الاحتفالِ بالمولِدِ النبويِّ الشريفِ.

                              على رغم أنف الذين ينكرون على المسلمين الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذين يحرمون على المسلمين قراءة المولد النبوي الشريف الذين يمنعون المسلمين من الصلاة على النبي صلى الله عليه جهرة بعد الأذان كل هذا تحكم بالرأي لا مستند له شرعي ولا دليل له لا من كتاب ولا سنة وقدقالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ :{منْ سنَّ في الاسلامِ سنَّةً حسنةً فَلَهُ أجرُهَا وأجرُ من عَمِلَ بها من بَعْدِهِ من غيرِ أن ينقُصَ من أُجُورِهِم شيئ} وقد تَبَيَّنَ لنا أن إقامَةَ المولِدِ النَّبويِّ الشريفِ سنةٌ حسنةٌ يُثابُ فاعِلُهَا وأنَّ الحُفّاظَ والمحدثينَ والفقهاءَ والمفسّرينَ أَقَرُّوا عَمَلَ مَلِكِ إرْبِل الملك المظفر الذي كان أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف وجمع له العلماء والعامة من المسلمين وقدّم لهم اطايب الطعام ومفاخر الشراب،

                              كيف لا نحتفل بمولد هذا الرسول العظيم والله تعالى يقول في القرءان الكريم: {وابتغوا اليه الوسيلة} نتوسل الى الله بصلاتنا نتوسل الى الله باحبابه وأنبيائه نتوسل الى الله بحبيبه محمد عليه الصلاة والسلام.

                              وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه ما رأيت شيئاً أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت احداً أحداً أسرع في مشيه منه كأن الأرض تطوى له إنا لنجهد وانه غير مكترث.

                              وأما زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقد قالت في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

                              هذا النبي العظيم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين ليعلم الناس الخير ليأمرهم بالبر بين لهم شرائع الإسلام والإسلام ليس فيه ما ينفر وليس بحاجة لأن نكذب له ولا عليه.

                              قالت عائشة رضي الله عنها ما خُيّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه الا أن تنتهك حرمة الله تعالى.

                              هذا هو النبي العظيم فما احيلاه من نبي كريم وما أعظمها من أخلاق إسلامية محمدية وما أحوجنا للإطلاع على شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لنهذب أنفسنا لنطهر جوارحنا لنتواضع فيما بيننا ونتطاوع فقد روى عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع على حصير فأثر الحصير بجلده قال عبد الله فجعلت امسحه عنه وأقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو أذنت لنا فقال عليه الصلاة والسلام بعدما قال له لو أذنت لنا فنبسط لك شيئاً يقيك منه تنام عليه فقال عليه الصلاة والسلام مالي وللدنيا إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة مثمرة ثم راح وتركها.

                              الى اولئك الذين على كراسي المسئولية، الى اولئك الذين تسلموا زمام امور المسلمين هاكم اوصاف النبي عليه الصلاة والسلام .هاكم شمائل واخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فهلا تأثرتم بسيرة خير الانام هلا كنتم مع الضعفاء والارامل والمساكين هلا كنتم للايتام والفقراء والمشردين هلا شهدتم جنائز الفقراء صلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم



                              الحمد لله ذي النعم الجمة، والصلاة والسلام على قائد الامة، من رفع الله به عن قلوبنا الغمة، وعلى آله واصحابه اولي الهمة، أمّا بعدُ عِبَادَ اللهِ أوصيكُمْ ونفسِيَ بتقوى اللهِ العليِ العظيمِ. يَقُولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ العَزيزِ: {يا أيُّها الناسُ اتّقوا رَبَّكُم إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعةِ شيئٌ عظيمٌ يَومَ تَرَوْنَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وماهُم بِسُكَارى ولكنَّ عَذَابَ اللهِ شَديد}.

                              واعلموا عبادَ الله بأن الله امركم بأمر عظيم امركم بالصلاة والسلام على نبيه الكريم فقال :{ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً} اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ءال ابراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ءال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم انا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا ، اللهم لا تدع لنا ذنباً الا غفرته ولا دينأ الا قضيته ولا مريضاً الا عافيته يا ارحم الراحمين، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا وانفعنا بما علمتنا يا ربّ العالمين ، اللهم اجعل القرءان ربيع قلوبنا ونوراً لأبصارنا وجوارحنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، اللهم من اراد بنا خيراً فوفقه لكل خير ومن اراد بنا غير ذلك فخذه اخذ عزيز مقتدر يا الله،اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات انك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما اهمنا وقنا شر ما نتخوّف ، عباد الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من امركم مخرجاً
                              وأقم الصلاة





                              *********************************************

                              من منشورات موقع أهل السنة والجماعة


                              http://www.sunna.info/











                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535






                                رقة القلب ، أسبابها و أثرها على سلوك المسلم






                                إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا
                                من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
                                وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
                                صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

                                أما بعد:

                                فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

                                عباد الله: إن شرع الله دعا إلى إصلاح القلب، وتخليصه مما يصيبه من الأمراض الخطيرة بالبر والتقوى، وقد أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل؛ لإصلاح القلوب وتزكيتها وتطهيرها وتطييبها؛ فبالقلب السليم يعرف العبد ربه، ويعرف أمره ونهيه، ويحب ربه ويخشاه ويستكين لعظمته.

                                أيها المسلم: إن رقة القلب تكون بالإيمان الحق؛ فبه يخشع القلب، وبه يكون وجلاً خائفًا من الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)

                                أيها المسلم: إن بصلاح القلب تستقيم الجوارح، وتصلح الأعمال، وتسدد الأقوال، وإن القلب القاسي المعرض عن الله ويل له: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

                                أخي المسلم: لرقة القلب أسباب، عندما تجتمع يكون بها المسلم رقيق القلب لينًا؛ فأعظم ذلك الإيمان الحق؛ فالإيمان بالله، والإيمان برسله، وكتبه، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بقضاء الله وقدره، كلما استقر الإيمان بالقلب، وكلما قوي الإيمان في القلب، كان القلب رقيقًا لينًا، وإنما قسوة القلب بعدم الإيمان والعياذ بالله؛ فالإيمان الصادق الحق يجعل القلب لينًا رقيقًا لكل خير وهدى.

                                إن تلاوة كتاب الله، وتدبره تجعل القلب لينًا خاشعًا: (اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) إن تلاوة القرآن فيها رقة للقلب، فيها قوة للإيمان: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ؛ فكلما قرأ العبد كتاب الله، وكلما سمع آيات الله تتلى، قوي الإيمان في قلبه، وكلما ذهبت القسوة من قلبه، كان للخير أقرب؛ فتلاوة كتاب الله تحيي القلوب، وتبعد عنها أسباب الشر والفساد.

                                ومن أسباب رقة القلب: تذكر الموت وما بعده؛ ففي الحديث: "أكثروا من ذكر هادم اللذات"، وأرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلم لعيادة المريض، واتباع الجنازة، وزيارة القبور؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة"، وفي لفظ: "فإنها تذكر الموت"؛ فكلما زار المسلم القبور ليسلم على أهلها ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة، تذكر أن هذا القبر مسكن كل أحد طال الزمان أو قصر، وأن في المقابر يتساوى الخلق كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، الكل سيزورون القبور، وسيبقون فيها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، إلى أن يأذن الله بقيامهم من قبورهم: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضرون ) ؛ فمن شاهد القبر ونزوله، وعلم أن هذا مسكن العبد بعد موته، سيسكنه رغم سعة منزله، وكثرة خيره، ولكن سنة الله الماضية في الخلق، ازداد إيمانًا، ورقة في القلب، وقوة في الخير.

                                ومن أسباب رقة القلب: كثرة ذكر الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)

                                ومن أسباب رقة قلب العبد: الإلحاح على الله بالدعاء، بأن يثبت الله قلبه، وأن لا يزيغه بعد إن هداه، وأن يجعله على الحق دائمًا وأبدًا؛ فإن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقول: "اللهم مقلب القلوب: ثبت قلوبنا على دينك"، تسأله عائشة؛ فيقول: "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه".

                                ومن أسباب رقة القلب: رحمة المساكين والأيتام والإحسان إليهم؛ فكلما أحسن العبد للعباد رق قلبه وازداد خيرًا، ولهذا لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك قال: "أطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم"؛ فكلما نظر العبد إلى المحتاجين والفقراء والمعوزين، وكلما بذل المعروف لهم، وكلما أحسن إليهم، وكلما نظر إلى حالهم؛ فعطف عليهم رحمة وإحسانًا ورفقًا بهم؛ رق قلبه وازداد خيرًا وإيمانًا، كلما قضى حاجة المحتاج، وكلما شفع لذوي الحاجات، وكلما بذل المعروف والإحسان؛ فإن ذلك علامة رقة قلبه، وقربه إلى الخير، كلما تذكر نعم الله عليه، ثم تذكر حاجة المحتاجين، وعوز المعوزين، ودين المهمومين؛ ففرج همًّا، وكشف غمًّا، ويسر عن معسر، وقضى دينًا عن مدين، وساهم في الخير جهده، كان قلبه رقيقًا لينًا قريبًا للخير.

                                أيها المسلم: صلتك بربك تجعلك منشرح الصدر قرير العين رقيق القلب، كلما وصلت الرحم، وأحسنت إليهم، وتحملت شيئًا من أذاهم؛ فإنك على خير، "ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"، كلما بررت بالأب والأم، وكلما أحسنت للأبوين، وكلما رعيتهم حق الرعاية، وكلما قمت بحقهم حق القيام دل على رقة قلبك ولينه وقربك من الخير؛ فإن البر بالأبوين دليل على رقة القلب، وعقوقهما وجفاؤهما والإبعاد عنهما، دليل على قسوة القلب وقلة الخير فيه، كلما رحمت كبير السن، وأحسنت إلى الكبير، وقدرت الكبير، دل على رقة قلبك، كلما رحمت الصغار وأحسنت إليهم، دل على رقة قلبك ولينه، كلما بذلت المعروف على اختلافه؛ فإن ذلك دليل على رقة قلبك، كلما أديت زكاة مالك وواسيت بها المحتاجين والفقراء، وأحسنت إليهم ومسحت دمعة اليتيم، وقضيت حاجة المحتاج؛ فإن هذا دليل على رقة قلبك وقربك من الخير كله.

                                أيها المسلم: إن طهارة قلبك من الحسد والبغضاء دليل على رقة قلبك، فإذا سلمت من داء الحسد، وسلمت من داء البغضاء لعباد الله؛ وكنت راضيًا بقَسَم الله محبًّا للمسلمين، وطَهُرَ قلبك من الإعجاب بعملك، ومن الرياء والسمعة في أعمالك، استقام حالك وصلح قلبك. فعلى المسلم أن يتفكر ويتدبر ويعلم أن أعمال الخير كلها هي دليل على رقة القلب وصلاحه، وأن أعمال الشر والبلاء دليل على قسوة القلب؛ فكم من إنسان -والعياذ بالله- ظلم الناس حقوقهم، وامتنع عن إعطائهم حقوقهم الواجبة عليه، ولا يدري هذا المغرور بنفسه، كم يدعو عليه ذلك المظلوم، وكم يسأل الله أن ينزل به العقوبة، فاتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول: "وعزتي لأنصرنك، ولو بعد حين".

                                إذًا فقسوة القلب بالامتناع عن الواجبات، وظلم العباد والتسلط عليهم، والتعدي على أموالهم، وجحد حقوقهم وعدم المبالاة بذلك، يشاهد الفقير؛ فلا يرقُّ قلبه له، ويشاهد المحتاج والمعوز فلا يلتفت إليه، ويشاهد المريض المبتلى فلا ينظر إليه، تكبرًا في نفسه، وانخداعًا بصحته وسلامته وعافيته، ولا يعلم أن الله على كل شيء قدير، قد يحولك من غناك لفقر، وقد يسلب نعمته عنك، وقد يسلبك ثوب العافية، ويبتليك بما ابتلي به من الأمراض والأسقام؛ فعليك أن تتقي الله في نفسك، وعليك أن تنظر إلى عباد الله، نظرة العطف والإحسان، تنظر إلى هذا المهموم، الذي يعيش همًّا وكآبة، مما تحمله من ديونٍ عَجَزَ عن وفائها، أو مصائب عَجَزَ عن التخلص منها، وبقدرتك أن تعينه على تفريج همِّه، وبقدرتك أن تعينه على قضاء دينه، ولكن قسوة قلبك حالت بينك وبين الخير، وأغلقت عنك طرق الخير، وستندم ولا ينفع الندم، لكن الموفقين من عباد الله منهم ساعون للخير جهدهم، باذلين المعروف للإحسان، سابقين إلى كل خير، لا يلجأ إليه المحتاج إلا وجد عندهم الفرج بتوفيق الله، والعون بتوفيق الله، ينظرون المعسر، وييسرون على الموسر، ويفرجون كرب المكروب، وهم المهموم، ويقضون دين المدين ويصلحون بين المتنازعين، ويسعون في الخير جهدهم ما وجدوا لذلك سبيلاً، يرحم المخطئ والعاصي؛ فيدعوه إلى الخير، ويحب له النجاة من عذاب الله؛ فينصحه ويوجهه، ويأخذ بيده حتى يستقيم على الطريق المستقيم؛ فكلما صلحت قلوبنا واستقامت أحوالنا، عشنا بخير وسعادة.

                                إن نظر الله إلينا إنما نظره إلى قلوبنا وأعمالنا، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، وصلاح قلوبنا صلاح لجوارحنا كلها واستقامة لأحوالنا وتسديد في أقوالنا، "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، والقلب السليم الذي سلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر الله هو القلب الناجي يوم القيامة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

                                أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والعون على كل خير، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.





                                الخطبة الثانية:


                                إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

                                أما بعد:

                                فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.

                                عباد الله: إن إيماننا يزيد بكثرة الأعمال الصالحة، ويقل بانتهاك المحرمات؛ فالإيمان يقوى عندما تكثر الأعمال الصالحة الخالصة لله، والإيمان ينقص عند اقتضاء ما حرم الله، وإن علامة قوة الإيمان بالقلب، ورقة القلب أن ترى المسلم يواظب على طاعة الله؛ فتراه يهتم بالصلوات الخمس، ويوليها كل العناية، ويقيمها خير القيام؛ لأنها التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وتزكي القلوب والنفوس، وترى هذا القوي رقيق القلب، تراه إذا فاتته الصلاة في وقتها أو فاته ورده تألم لذلك؛ لأن قلبه إنما حياته بطاعة الله، حياة بأداء الفرائض، حياته بالمحافظة على الأذكار، حياته بالقيام بما أوجب الله، حياته بمساهمته بميادين الخير، حياته أنه عضو صالح في مجتمعه، يسعى للخير جهده، ويبذل قصارى طاقته في نفع أمته وإصلاح شأنهم؛ فتراه يصلح بين خصمين، وتراه يعين المحتاج، وتراه يفرج همًّا ويكشف غمًّا، وتراه يوصل حاجة المحتاجين إلى من يقضيها إن لم يستطع قضاءها بنفسه؛ فتراه مسارعًا للخيرات، لا يريد بها رياءً ولا سمعة، ولا ذكرًا بين الناس، ولا لينال شرفًا ورفعة عليهم، وإنما يعمل على حد قول الله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا)

                                فأعماله لله خالصة قد يدري عنها المحتاج، وقد لا يدري عنها، يعملها لله وفي سبيل الله وفي سبيل مرضات الله؛ فهو دائم مع المحتاجين ومع المرضى، ومع المساكين، ومع الأرامل، ومع الأيتام ومع المهمومين، ومع المعسرين، في كل خير يبذل سببًا، ويعطي خيرًا، ويعين على الخير بكلماته الطيبة، وأفعاله الحسنة، هكذا المسلم ذو التقى والقلب السليم، الذي لا يحمل غلاً ولا حقدًا ولا غشًّا ولا خيانة، ولكنه القلب الذي يتحرك على وفق ما شرع الله؛ فهو محسن دائمًا في نفسه لطاعته لربه وقيامه بما أوجبه الله عليه، ثم محسن لعباد الله لبذل المعروف وكف الأذى وإيصال الخير، أولئك الذين يتنافسون في الخير: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) ، هذا النوع من الناس إن قلت أعدادهم؛ فهم في خير وبركة، وواجب المسلم أن يسعى في الخير جهده، وأن يروض نفسه على أعمال الخير ما وجد لها سبيلاً: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

                                واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.

                                وصلوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

                                اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

                                اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.








                                *********************************************



                                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد العزيز آل الشيخ






                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X