منصة زاجل الإجتماعية

تقليص

مختارات من خطب الجمعة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سُلاف
    مشرفة المواضيع الإسلامية
    من مؤسسين الموقع
    • Mar 2009
    • 10535

    الأشهــر الحــرم وبـدع رجب








    إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيآت أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صَلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    إخوة الإسلامِ: والمؤمنُ الحقّ هو الذي يُعظمُ شعائِرَ اللهِ، يمتثلُ الأوامرَ ويجتنبُ النواهي، ويسارعُ إلى الخيراتِ، ويقومُ بالواجبات، ويحرصُ على فعلِ المستحبّاتِ، ويكره الفسوقَ والعصيانَ، ويتجنّبُ المحرماتِ، ويجاهدُ نفسَه على البعدِ عن المكروهات.

    والمسلمُ الحقُّ هو الذي يحرّمُ ما حرّمَ اللهُ، ويعظِّمُ ما عظَّمَه اللهُ، ومما عظَّم اللهُ الأشهرُ الحُرم، فما هي الأشهرُ الحُرم؟ وكيف تعظَّم؟.

    معاشرَ المسلمينَ: وأنتم اليومَ في واحدٍ من هذه الأشهرِ الحُرمِ، وهو رجبُ الفرد؛ والأشهرُ الحرمُ في كتاب الله أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب؛ وإليها أشار القرآنُ بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

    إن عدداً من المسلمينَ قد لا يعلمونَ هذه الأشهرَ الحُرمَ، وعدداً آخَر قد يعلمونها ولكن لا يُعظمونها كما أمرَ اللهُ، ولقد كانت العربُ في جاهليتها تُعظمُ هذه الأشهرَ الحرمَ، فلا تسفكُ فيها دماً ولا تأخذُ فيها بثأرٍ؛ وإن كانت تتحايلُ أحياناً فتُنْسِئ الأشهرَ، وتجعلُ من الشهرِ الحرامِ حلالاً والعكس؛ وجاء الإسلامُ ليؤكدَ حُرمةَ الأشهرِ الحرمِ، وينهى عن التلاعبِ فيها تقديماً أو تأخيراً.

    ووقفَ رسولُ الهدى -صلى الله عليه وسلم- بمكةَ خطيباً في حجة الوداع ليؤكد حُرمةَ الزمانِ وحرمةَ المكان، وحُرمةَ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ ويقول: "إنَّ دماءكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكُم هذا، في شهرِكُم هذا، في بَلدِكُم هذا، وستلقونَ ربَّكُم فيسالُكم عن أعمالِكُم، ألا لا ترجِعوا بعدي ضُلاّلاً يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ، ألا هل بلّغتُ؟ ألا ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ منكم، فلعلّ منَ يَبْلُغه يكونُ أوعى له من بعضِ من يسمعه" رواه أحمد والبخاري ومسلم.

    أيّها المسلمونَ: إن تعظيم شعائر اللهِ، وتقديرَ ما حرّمَ اللهُ من تقوى القلوبِ، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)

    وإذا كان المسلمُ مطالباً على الدوامِ بتعظيمِ حرماتِ اللهِ، فإن مطالبَته بذلك في الأشهرِ الحرمِ آكدُ، ولذا قال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، أي: في هذه الأشهرِ الحرمِ، لأنه آكدُ وأبلغُ في الإثمِ من غيرِها.

    ويُروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي: في الأشهرِ كلِّها، ثم اختَصَّ من بين ذلك أربعةَ أشهرٍ فجعلهنَّ حراماً وعظَّمَ حُرماتِهن، وجعل الذنبَ فيهنّ أعظم، والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظم.

    عبادَ الله: هل نُعظمُ هذه الأشهرَ الحُرم، وكم من المسلمينَ يُعظِّمُها! وتعظيمُها إنما يكون بعملِ الصالحاتِ المشروعةِ والبُعدِ عن المحرِّماتِ؛ وهل يكونُ أهلُ الجاهلية بكفرهِم وإثمِهِم وانحرافِهِم أكثرَ تعظيماً لحُرماتِ اللهِ من أهلِ الدِّينِ والحقِّ والفطرةِ السليمةِ؟.

    إن كثيراً من المسلمينَ يُعظِّمون شهرَ الصيامِ، ويتقربونَ إلى الله فيه بالطاعاتِ، واجتناب المحرّمات، وذلك أمرٌ طيبٌ ومحمودٌ؛ ولكن كم مِنَ المسلمين يفعلُ ذلك في الأشهرِ الحُرم؟ كم نظلمُ أنفسَنا بارتكاب المعاصي وفعْلِ الآثامِ، ونحن منهيّونَ عن ذلك على الدَّوام، والنهيُ آكدُ في الأشهرِ الحُرمِ.

    لقد كثُرِت المآثِمُ، وظهر الفسادُ في البَرِّ والبحرِ بما كسبت أيدي الناس، وتلاعبَ الشيطانُ بالناسِ وأضلَّهم عن صراطِ اللهِ المستقيم، فهذا صريعُ الشهواتِ، وذلكَ مفتونٌ بالشُّبهاتِ، وثالثٌ غافلٌ عن الأوامرِ الربّانيةِ، ورابعٌ غارقٌ في المحرَّمات، وخامسٌ لا يقتصرُ على إفسادِ نفسِه، بل يدعو غيرَه لاقترافِ المحرَّمات، ويحاولُ جهدَه خرقَ جدارِ الفضيلةِ، وتحطيمَ سياجِ الواجباتِ.

    وبينَ هؤلاءِ وأولئكَ فئامٌ من المسلمين تعيشُ على تقليدِ الآخرين، وتتّبِعُ الموجاتِ، وصلاحُهم أو فسادُهم مربوطٌ بالآخرين؛ فلا إرادةَ لهم، ولا همةَ ترتفعُ بهم، رعاعٌ هَملٌ، يتبعونَ الناعقَ حيثُ صاحَ بهم، حتى وإن كان يقودُهم إلى الهاويةِ.

    أما الذين ينظرونَ بنورِ اللهِ، ويهتدونَ بهدْي القرآن، ويقتدونَ بمحمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ، فأولئكَ يعلمونَ الحقَّ ويعملونَ به ويدعونَ الناسَ إليه، ويكرهونَ الباطلَ ويحذِّرون الناسَ منه؛ وهؤلاء -وإن قلّ عددُهم، واستحكمت غُربتُهم- فطوبى لهم! وموعدُهم وموعدُ غيرِهم يومَ التنادِ، وهناك الجزاءُ الحقُّ، وذلك يومُ التغابن.

    إخوةَ الإيمانِ: وإذا كانَ يجدُر بنا في هذا الشهرِ الحرام أن نحاسبَ أنفسَنا، وأن نعَظِّم حُرماتِ الله؛ وأن نتقرّبَ إلى الله بطاعتهِ، فهل نتخذُ من ذلك وسيلةً لتربيةِ النفوسِ على طاعةِ الله ومحاسبته على الدَّوام.

    عبادَ الله: وقد اقتضتْ حكمةُ اللهِ يومَ أن خلَقَنا واستخْلَفَنا في الأرض ألاّ نكون ملائكةً لا نعصي اللهَ أبداً، فقد يقعُ الذنبُ، وقد يُقصِّرُ العبدُ فيما أوجبَ اللهُ عليه؛ ولكن، هل تستمرُّ الغفلةُ؟ وهل يستمرِئُ المسلمُ المعصيةَ ويستمرُّ على الذنبِ؟.

    إن الذكرى تنفعُ المؤمنين، والموعظةُ تنبهُ الغافلين، ومن في قلبه حياةٌ تتحركٌ هِمّتُه للخيرِ إذا دُعيَ إليه، ويخافُ من عقوبةِ الذنبِ إذا حُذِّرَ منه.

    والناسُ في ارتكابِ المعاصي والذنوبِ على ثلاثةِ أصنافٍ، كما قال العلماءُ: صنفٌ من الذنبِ تائبٌ، موطنٌ لنفسِه على هجرانِ ذنبِه، لا يريدُ الرجوعَ إلى شيءٍ من سيئتِه وهذا هو المبُرِّز؛ وصنفٌ يذنبُ ثم يندمُ، ويذنبُ ويحزنُ، ويذنبُ ويبكي، هذا يُرجى له ويُخافُ عليه؛ وصنفٌ يذنبُ ولا يندمُ ولا يحزنُ، ويذنبُ ولا يبكي، فهذا الكائنُ الحائدُ عن طريقِ الجنةِ إلى النار.

    يا أخ الإسلامِ: راجع نفسكَ، وتفكَّر في حالِكَ، وانظر في أيِّ الفئاتِ أنتَ، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) . نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.


    الخطبة الثانية:

    الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وليُّ الصالحينَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، سيدُ الأولينَ والآخرينَ، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائرِ النبيينَ والمرسلينَ.

    أيها المسلمون: وتعظيمُ الأشهرِ الحُرمِ لا يعني تخصيصَها بشيءٍ من العباداتِ لم يشرَعْه اللهُ، ولم يأذنْ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فذلك خروجٌ عن السُّنةِ إلى البدعةِ، ونحنُ مأمورون بالاتباعِ لا الابتداع، وكلُّ شيءٍ ليسَ عليه أمرُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فهو رَدٌّ.

    والشيطانُ يفرحُ بالبدعةِ أكثرَ من غيرِها، ويتلاعبُ بأصحابِ البدعِ حين يُضلُّهم عن العملِ الصالحِ على السيءِ، وتأمَّلُوا أثرَ البدعةِ في الحديثِ الذي رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ابتدعَ قومٌ بدعةً إلا نزعَ اللهُ عنهم السُّنّةِ مثلَها" ذكره السيوطي في (الجامع الصغير) وحسّنه، وضعفه الألباني في (ضعيف الجامع الصغير).

    وقد بيّن العلماءُ أن الشرائعَ أغذيةُ القلوبِ، فمتى اغتذت القلوبُ بالبدعِ لم يبقَ فيها فضلٌ للسُّننِ، فتكونُ بمنزلةِ من اغتُذي بالطعامِ الخبيثِ.

    عبادَ الله: والناسُ في هذا ثلاثةُ أصنافٍ:
    صنفٌ جاهلٌ مفرطٌ، لا يعرفُ سنّةً ولا بدعةً، بل هو مسرفٌ في المعاصي والذنوبِ حسبَ رغبةِ نفسِه ومتطلباتِ شهوتِه.

    وصنفٌ قد أحدثَ من الطاعاتِ، وكلّفَ نفسَه ما لم يأذن به، فتراه يخصُّ زمناً بصلاةٍ أو صيامٍ أو عمرة، وليس له في ذلكَ مستندٌ شرعيٌّ، وهم أصحابُ البدع.

    وصنفٌ ثالثٌ هم المعظمونَ لما عظّمه الله، والواقِفونَ عندَ حدودِ السنّةِ، والمُقْتَدونَ بهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأولئك أهلُ السُّنّةِ وأصحابُ المنهجِ الحقِّ، فلا يحيفونَ ولا يغلونَ، ولا إفراطَ ولا تفريط.

    عبادَ الله: وفي شهرِ رجبَ بدعٌ أحدثتها الرجبيةُ، وليس عليها مستندٌ شرعي، ولابن حجرٍ رحمه الله رسالةٌ عنوانها (تبيين العجب بما وردَ في فضلِ رجب) وقد قال رحمه الله في هذه (الرسالة): لم يرد في فضل شهرِ رجبَ ولا في صيامِه ولا في صيامِ شيءٍ منه معيَّن، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ منه حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحُجّةِ، ثم ساقَ رحمَه اللهُ عامةَ الأحاديثِ المرويةِ في ذلك مع بيان الحكمِ عليها.

    وقال ابنُ رجب -رحمَه الله-: لم يصح في شهرِ رجبَ صلاةٌ مخصوصةٌ تختصّ به. وقال: لم يصح في فضلِ صومِ رجبَ بخصوصه شيءٌ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه؛ ولذا فقد كرهَ السلفُ إفرادَ رجب بالصيام.

    ومما ذكرهُ العلماءُ من بدعِ رجبَ:
    1- صلاةُ الرغائبِ: وهي صلاةٌ تصلَّى في أوّلِ ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجب، وكلُّ ما وردَ فيها من أحاديثَ فهيَ موضوعةٌ، ولم يثبت منها شيءٌ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أثرٌ عن أصحابِه رضوانُ الله عليهم.

    2- تخصيصُه بالصيام: وهو كذلك لم يرد، بل جاءَ أنّ عمرَ -رضي الله عنه- كان يضربُ أكفَّ المترجَّبينَ- أي الذين يصومونَ في رجب حتى يضعها في الطعامِ، ويقول: كُلوا؛ فإنَّ الجاهليةَ يُعظِّمون ذلك. أي شهرَ رجبَ.

    3- وكذلك العمرةُ في رجب، فليسَ لها مَزيّةٌ على غيرهَا، وليس في هَدْي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما يرغبُ في ذلك بخصوصها.

    4- وفي شهرِ رجبَ نسيكةٌ يسمّونها (العَتيرة) وهي تذبحُ في رجب، وقد اختلفَ العلماءُ فيها بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا فَرْعَ ولا عَتيرةَ) متفق عليه؛ وبين قوله (العتيرةُ حقٌّ) النسائي وحسَّنه الألباني؛ ووجهوها على العتيرةِ المشروعةِ التي تذبحُ قربةً لله لا لتعظيمِ رجب، والمنهيّ عنها هي التي أبطلها الإسلامُ وهي عتيرةُ الجاهليةِ.

    5- ومن الأمورِ المحدَثةِ في رجب ما يعتقده بعضُ المسلمينَ من تعظيمِ ليلةِ السابعِ والعشرينَ، ويعتقدونَ أن في هذه الليلةِ حصلَ الإسراءُ والمعراج، ولم يأتِ نصٌّ صريحٌ في ذلك، ولا نُقلَ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه تعظيمُ هذه الليلةِ وتخصيصُها بشيءٍ من الصلاةِ أو الذكرِ أو الأورادِ، أو نحوها من العبادات.

    عبادَ الله: عظِّموا ما عظَّم اللهُ ورسولُه، وعليكم بالسُّنّةِ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمورِ، فإن كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار...



    ************************************************** *


    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : سليمان بن حمد العودة






    تعليق

    • سُلاف
      مشرفة المواضيع الإسلامية
      من مؤسسين الموقع
      • Mar 2009
      • 10535






      خطوات مهمة لكشف الغمة







      الحمد لله مزيل الكربات .. وفارج الملمات .. ومنفس الشدائد و المصيبات .. وقاضي الحاجات .. والصلاة والسلام على هادي البرية ..وأزكى البشرية ..والذي حذرها من أسباب العقوبات ..وبين لها موجبات السلامة و الرحمات

      أما بعد :
      فإن الناظر في مجريات الأحداث .. والمطلع على وقائع الأمور .. والمتابع لما يدور في الساحة اليوم .. يجد أن الأمر جلل .. والخطب جسيم .. وقد يؤدي إلى واقع أليم .. فالعدو قد كشر عن أنيابه .. وأظهر ما كان يخفيه من أحقاده .. وقد يتساءل المرء في ظل الظروف الصعبة .. والمواقف الحرجة .. ماذا يفعل ؟ وماذا يصنع ؟ وهل بمقدوره أن يدفع البلاء.. أما أن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد .. أو يكون دوره هو التفرج على مسرح الأحداث .. دون أن يكون للإنسان أي أثر فاعل .. أو أن يحيل الأمر إلى غيره .. وينسب التقصير إلى من حوله .. ويقول .. الناس فعلوا .. والناس تركوا .. ويخرج هو كالشعرة من العجين .. كل هذه التساؤلات وغيرها يجيبنا عنها .. من يتأمل نصوص القرآن والسنة .. فإنها تذكر الدور المطلوب .. والعمل المرغوب .. الذي يجب فعله على كل مسلم ومسلمة .. ليسلموا من العذاب .. ويندفع عنهم غضب الملك الوهاب .. فأرعني سمعك يا رعاك الله .. واستحضر القلب يرحمك الله ..

      لابد أن تعلم يا رعاك الله ..أن كل واحد منا قادر على أن يعمل شيئا .. وأن يقدم لأمته عملا .. ولن أذكر لك .. ما لا تستطيع فعله .. أو تعجز عن عمله .. بل ما سأذكره من خطوات .. وما سأضعه بين يديك من وسائل .. هي بمقدور الجميع .. وكل واحد معني بها .. الصغير والكبير .. الأمير والوزير .. الغني والفقير .. والذكر والأنثى .. ولا تتصور أن المخاطب بها غيرك .. بل إني أعنك أنت بالذات .. فلا تلتفت إلى غيرك .. ولا تشر بأصبعك إلى من سواك .. فأنا أقصد نفسي أولاً .. ثم أقصدك ثانياً .. ثم أقصد غيرك ثالثاً .. وهذه الخطوات .. إلم نبادر إلى فعلها .. ونسارع إلى عملها .. فإني أخشى من عقوبة التهاون والتساهل فإن الله يمهل ولا يهمل ..

      أحبتي في الله ..
      أولى هذه الخطوات .. تحقيق الإيمان والابتعاد عما يخدشه وينقصه : لقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالنجاة من العذاب ..فقال سبحانه :{ ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين } والله تعالى تكفل بالدفاع عن المؤمنين فقال سبحانه :{ إن الله يدافع عن الذين آمنوا } فلماذا يتأخر أقوام عن الإيمان بالله حق الإيمان .. والله جل جلاله .. وعد إن آمنوا حق الإيمان أن يدافع عنهم ..فمن يغالب قوم يدافع عنهم القوي القهار .. العزيز الجبار .. وأي قوة في الأرض توازي قوة القهار .. وما يعلم جنود ربك إلا هو .. يقول الله تعالى :{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا } هذا كلام الله .. ووعد الله .. فنصره لمن ؟ للمؤمنين .. نعم للمؤمنين ..فأين أهل الإيمان ..أين المخبتين للرحمن .. إن النصر والسلامة من الردى مقرونة بقوة الإيمان بالله تعالى .. فالواجب على العباد .. أن يسعوا لزيادة الإيمان لأن الله كتب العاقبة للمتقين ..والأرض لله تعالى يرثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

      ثانياً التوبة والرجوع إلى الله تعالى : يقول بعض السلف : ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة .. يقول الله تعالى { وقوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } يقول قتادة رحمه الله في هذه الآية .. يقول .. لم يكن هذا في الأمم قبلهم لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح وألهوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم ) فهل من توبة صادقة ..ورجعة إلى الكريم الوهاب .. الرحيم التواب .. ليدفع عنا العذاب .. ونسلم من غضب رب الأرباب .. فيتوب أصحاب الربا من الربا .. وأصحاب الغناء من الغناء .. ومن فرطوا في صلاتهم إلى صلاتهم .. والمرأة تتوب من تقصيرها في تفريطها في جنب الله .. وكلنا يتوب من ذنبه .. صغيرا كان أو كبيرا .. عزيزا كان أو ذليلاً ..فالكل لابد أن يتوب إلى ربه .. ويعود إلى رشده .. ويكثر من الاستغفار : كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فقد كان يستغفر الله تعالى في المجلس الواحد مائة مرة .. و لأن الاستغفار سبب عظيم في تحصيل الخيرات .. ودفع المصائب والملمات .. يقول الله تعالى :{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ويقول الله تعالى : { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى } بل إن من أسباب القوة ومضاعفتها كثرة الاستغفار كما قال الله تعالى :{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين }فالاستغفار يزيد العبد قوة في جسده ، فيتمتع بجوارحه وحواسه وعقله ، وكذلك هو قوة له في طاعة ربه ، فهو قوة على كل خير في العاجلة والآجلة .

      ثالثاً: كثرة الأعمال الصالحة : يقول الله تعالى :{ واستعينوا بالصبر والصلاة } وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " رواه أحمد ، ويقول صلى الله عليه وسلم :" العبادة في الهرج ـ أي في الفتن ـ كهجرة إلي " لأن الناس كثيراً ما ينشغلون في وقت الأحداث بمتابعة القنوات الفضائية والإذاعات العالمية ويكون هم الواحد منهم ماذا حدث ؟ وماذا جرى ؟ وينصرف تماماً عن الذكر والصلاة وقراءة القرآن فيتنبه لذلك .. كما أن العبادة .. والأعمال الصالحة لها أثر في طمأنينة القلب .. وسكينة النفس .. ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت الملمات يفزع إلى الصلاة .. حتى تهدأ نفسه ويطمئن قلبه .

      رابعاً : الإكثار من الصدقة : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الصدقة لتطفيء غضب الرب وتدفع ميتة السوء " رواه الترمذي .. وقال صلى الله عليه وسلم :" أكثروا الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا " رواه ابن ماجه وغيره .. فأين المتصدقين في الأسحار .. أين المنفقين في الليل والنهار .. يقول صلى الله عليه وسلم :" صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تُطفئ غضب الرب .." . قال ابن أبي الجعد : ( إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء ).. فلا تتردد في البذل والعطاء .. خاصة لإخوانك المجاهدين .. الذين يواجهون أمم الكفر .. ويصدون ظلمها وجبروتها .. فالوقوف معهم من أوجب الواجبات .. وأهم المهمات .. لأنه بدعمنا لهم يكفون عنا وعن الأمة شرورا كثيرة .. فأنفق ينفق الله عليك .. وما نقص مال من صدقة .. ذكر الأديب الكبير علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته قائلاً : ذهبت سنة ست وأربعين إلى مصر ، وكان الطريق على فلسطين ، فأقمت فيها عشرة أيام ، وكان لي فيها أصدقاء من الوطنيين العاملين فلمتهم على قعودهم وقيام اليهود ، وعلى تقصيرهم بجمع المال وشراء السلاح ، فقالوا : إن الأيدي منقبضة ، والنفوس شحيحة ، قلت : لا بل أنتم المقصرون ، قالوا : هذا تاجر من أغنى التجار ، فهلم بنا إليه ننظر ماذا نأخذ منه ؟
      وذهبت معهم إليه في مخزن كبير حافل بالشارين ، وحوله ولدان له شابان يتفجران صحة ورجولة وجمالا ، وكلمناه .. وحشدت له كل ما أقدر عليه من شواهد الدين ، وأدلة المنطق ، مثيرات الشعور ، فإذا كل ما قلته كنفخة وانية على صخرة راسية ، ما أحست بها ، فضلا عن أن ترتج منها .
      وقال : أنا لا أقصر .. أعرف واجبي .. وأدفع كل مرة الذي أقدر عليه .
      قلت : وهل أعطيت مثل الذي يعطي تجار اليهود ؟ قال : وهل تمثلني باليهود ؟ قلت : وهل أعطيت مرة مالك كله ؟ فشده وفتح عينيه ، وظن أن الذي يخاطبه مجنون ، وقال : ما لي كله ؟ ولماذا أعطي مالي كله ؟ قلت : إن أبا بكر لما سئل التبرع للتسلح أعطى ماله كله .. قال : ذاك أبو بكر وهل أنا مثل أبي بكر ؟ قلت : عمر أعطى نصف ماله ، وعثمان جهز ألفاً .. فلم يدعني أكمل وقال : يا أخي أولئك صحابة رسول الله ، الله يرضى عنهم ، أين نحن منهم ؟ قلت : ألا ترى البلاد في خطر ؟ وإننا إذا لم نعط القليل ذهب القليل والكثير ؟ قال : يا أخي الله يرضى عليك اتركني بحالي .. أنا رجل بياع شراء .. لا أفهم في السياسة ، وليس لي بها صلة ، وهذا مالي حصلته بعرق جبيني ، وكد يميني ، ما سرقته سرقة ، فهل تريد أن أدفعه وأبقى أنا وأولادي وأحفادي بلا شيء ؟ قلت : ما نطلب مالك كله ، ولكن نطلب عشره .. قال : دفعت ما عليّ .. ما قصرت .. وأعرض عنا وأقبل على عمله ، يا سادة هذه حادثة أرويها لكم كما وقعت .... ومرت سبع سنوات ، وذهبت من سنتين ـ أي سنة 1953ـ إلى المؤتمر الإسلامي في القدس ، ومررنا في الطريق بمخيم اللاجئين ، وأقبل الناس يسلمون علينا ، وإذا أنا بشيخ أبيض اللحية ، محني الظهر ، غائر الصدغين ، رث الثياب ، أحسست لما التقت العينان ، كأن قد برقت عيناه برقة خاطفة ، وكاد يفتح فمه بالتحية ، ثم تماسك وأغضى .. وارتبك كأنه يريد الفرار .. فلما انتهى السلام راغ مني ودخل في غمار الناس .. ولبثت أفكر فيه من هو ؟ وأين قابلته ؟ فما لبثت أن ذكرته .. وتكشف لي المنسي فجأة ، كأني كنت في غرفة مظلمة سطع فيها النور .. إنه هو .. هو يا سادة .. وكلمته فتجاهلني ، فلما ألححت عليه اعترف ، ولم أشمت به ، ومعاذ الله ، أن يراني أنحدر إلى هذا الدرك ، ولم أزعجه بلوم ، ولكن كان في نظرتي ما يوحي بالكلام ، لذلك استبقني فقال :
      ـ لا تقل شيئا ، هذا هو المقدر ..[ وليت أن الله وفقني ، ووفق ] إخواني التجار النزول عن نصف ما كنا نملك .. قلت : أولم يبق لك شيء .. فابتسم ابتسامة حزينة يقطر من حواشيها الدمع ، وقال : بلى بقي الكثير بقيت الصحة والثقة بالله ، وبقي هؤلاء وأشار إلى امرأة عجوز وطفل صغير . قلت : لا تيأس من رحمة الله ، قال : الحمد لله أن جعلنا عبرة ، ولكن أرجو أن يكون إخواننا في الشام ومصر والأردن قد اعتبروا بنا ..)
      فهل يعتبر أهل المال والثراء .. فيتصدقوا وينفقوا ويجودوا بالعطاء للمجاهدين الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله يحاربون الكفار .. ويقاتلون الفجار .. فإن السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ غيره به !!

      خامساً: الدعاء : وقد نجى الله تعالى أقواماً بسبب دعاءهم .. فلولا الدعاء لهلك أقوام .. يقول الله تعالى :{ قل ما يعبؤ بكم ربكم لولا دعاؤكم } أي لولا دعاؤكم إياه .. أيها المخاطبون له وحده عند الشدائد والكروب لهلكتم ، فالله تعالى يستجيب لمن دعاه مخلصاً ولو كان كافرا كما قال تعالى :{ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } والله تعالى يبتلي عباده حتى يرجعوا إليه ويدعوه سبحانه { وما أرسلنا من قبلك في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون } ويقول الله تعالى :{ فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } ورسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة بدر لم يقل أنا رسول الله ..وأنا منصور ..كلا ..بل قام ليلته تلك رافعاً يديه .. يدعو ربه ويناجيه .. ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض .. اللهم أنجز لي ما وعدتني .. حتى سقط رداءه من على كتفيه .. فأخذه أبو بكر الصديق .. وقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي .. كفاك مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في وقت الكرب بهذا الدعاء :" لا إله إلا الله الحليم العظيم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم " رواه البيهقي ..فألحوا على الله بالدعاء ..خاصة في وقت الأسحار ..فإن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل ويقول ..هل من داعي فاستجيب له ..هل من سائل فأعطيه ..وأمة الإسلام ..تعدادها ..أكثر من مليار مسلم .. ومن ظن أن الله لا يستجيب دعاء هذه الأمة .. فقد أساء الظن بربه ..وهو القائل : { ادعوني استجب لكم } فلماذا لا ترفع الأيدي بالدعاء .. ولماذا لا تسبل الأدمع الغزار في رجاء الملك الغفار ..ليهلك الظالمين .. وينتقم من النصارى واليهود الحاقدين .. ويدمر أعداء الدين وينصر أهل الإسلام المستضعفين فهل من دعاء لهذه الأمة ؟ وهل من مناجي لرفع الغمة ؟
      ولهذا كان السلف يدركون أثر الدعاء .. لما صافَّ قتيبة بن مسلم الترك ، وهاله أمرهم .. سأل عن محمد بن واسع فقيل : هو ذاك في الميمنة جامع على قوسه ..يشير بأصبعه نحو السماء يدعو ..فقال : تلك الأصبع أحب إليّ من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير ..فأكثروا من الدعاء ..ولا تستهينوا به ..وصدق القائل :
      سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد أنقضاء

      سادساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : لقوله تعالى :{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } ولم يقل صالحون .. فهم يدعون الناس إلى الهدى .. وينهون عن الفساد والردى .. فحصل من نفعهم سلامة القرى .. من الهلاك والردى .. ويقول صلى الله عليه وسلم : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده " والقيام بهذه الشعيرة والإتيان بها سبب للسلامة من العقوبات يقول الله تعالى :{ وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } إلى قوله :{ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ، فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } ففي هذه الآيات نبأ عظيم لمن أنار الله بصيرته ..فقد أخبر لله عن سنته الماضية ..وهي أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر .. يقول ابن عباس رضي الله عنهما : قسم الله هذه الأمة ـ أي بني إسرائيل ـ إلى ثلاثة أقسام : قسم : عملوا المنكر ، وهو الصيد في السبت ، وقسم : خذلوا الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، والذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، فلما نزل العذاب أهلك القوم الأولين ، ونجى الله القسم الثالث من المسخ إلى القردة والخنازير ، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر )
      فالواجب علينا أن نعزز هذا الواجب ، وأن نساند من قام به ، ونؤيده معنويا وحسياً .

      سابعاً: اجتناب الظلم : وهو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم بغير حق ..يقول الله تعالى :{ وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا } روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " قال ثم قرأ :{ وكذلك أخذ ربك إذا أخذى القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } فلا يتجرأ العبد على ظلم العباد وهذا الظلم له صور عديده فمن تلك الصور :
      ـ ظلم العمالة وعدم تسليم الرواتب لهم أو تحميلهم ما لا يستطيعون .
      ـ ظلم الناس في الغيبة والنميمة والبهتان .
      ـ ظلم الناس في أكل أموالهم من رشوة وغصب وغش ونحوها .
      ـ ظلم الناس في قطيعة الرحم
      ـ ظلم الأولاد وعدم النصح لهم بإحضار أجهزة الفساد لهم .
      ـ ظلم الناس لزوجاتهم .

      ثامناً : الالتفاف حول العلماء الربانيين ، والأئمة المهديين ، الأتقياء الصالحين .. فإن الالتفاف حولهم يعد سبيلا مهما من سبل الوقاية والنجاة من الفتن على مختلف أنواعها وأشكالها ، كما يعين على الأمن من الزيغ والضلال ، فكم أنجى الله بالعلماء .. الأمة الإسلامية .. من محن عصيبة ، وفتن رهيبة ، كإعزاز الله لدينه بالصديق رضي الله عنه ، يوم الردة ، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة ، فكم ثبت الله المسلمين في تلك الفتن بعلمائهم .. فلابد إذا من لزومهم ، والعيش في أكنافهم ، والالتفاف حولهم لا سيما وقت الفتن .
      ثم أوصي العلماء بأن يتقوا الله تعالى في أمتهم ..وأن يقولوا كلمة الحق..ظاهرة بلا خفاء .. بينة بلا غموض .. فالوضوح وتخصيص الدلالات هو ضمانة ضد الفتن أكيدة .. أما الكلمات الفضفاضة .. والعبارات العائمة فإنها لا تزيد النار إلا اضطراما .

      تاسعاً: السير في ركب جماعة المسلمين وإمامهم : عن حذيفة قال : (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني : فقلت يا رسول الله : إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن ( أي فيه كدر) قلت وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها ، قلت يارسول الله صفهم لنا قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت فما تأمرني أن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ))رواه البخاري وغيره.
      أ- انظروا إلى صفات الحالة الأخيرة التي خشي الصحابي الجليل حذيفة أن يدركها :-
      1- دعاة على أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها .
      2- أن هؤلاء الدعاة إلى الباطل ليسوا يهوداً أو نصارى ولا أعاجم وأنماهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا )
      ب- فما المخرج - الرسول أوصى حذيفة : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )

      عاشراً : لابد من الاهتمام بالعلم الشرعي ..خاصة في وقت الفتن ، لأن كثيرين يخوضون بغير علم .. فيؤدي خوضهم الى أنواع من البلاء .. والتفرق والتصرفات الطائشة .. ومما يلاحظ :- انتشار القصص والروايات الواهية الضعيفة وقت الفتنه ، فيكثر القصّاص الذين يوردون الحكايات والقصص التي لا أصل لها . انظر الى قول ابن عمر - كما رواه ابن حبان - ( لم يكن يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة ).
      أيها الأخوة الأكارم : إن التأصيل العلمي الشرعي لا بدّ منه .. لأن الوصول الى الحق والصواب لا يتم الا بالرجوع إلى الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة .. ولأنه يحمي من الاجتهادات التي تمليها الظروف والأهواء ، ويرجع الأمور الى أصولها الصحيحة . ومن خلال العلم يعرف المرء كيف يتصرف .. وماذا يفعل ؟ فهل من اهتمام بالعلم وطلبه وتأصيله على منهج شرعي ..

      الحادي عشر : الاستعداد : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يهيأ أصحابه للأحداث القادمة .. ويسألهم ماذا سيصنع لو حدث كذا .. وماذا سيفعل لو جرى كذا ؟ يقول صلى الله عليه وسلم :" احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز " رواه مسلم .. ومن نماذج هدي الرسول لتهيأة أصحابه .. ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان : كما عند ابن ماجه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه يقول ذلك ثلاث مرات .. قال هذا قبل موته صلى الله عليه وسلم وعثمان تولى الخلافة بعد أكثر من فترة طويلة .. ولم تأتي مناسبة هذا الكلام إلا في آخر خلافته رضي الله عنه .. فالرسول صلى الله عليه وسلم يهيأ عثمان نفسياً للحدث الذي يصيبه..ولذا عندما تولى الخلافة أراد المنافقون خلعه ولكنه رفض بناء على توجيه النبي صلى الله عليه وسلم له .
      ـ و روى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ..قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك .. قال .. كيف أنت إذا أصاب الناس جوع .. تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ..وتأتي فراشك فلا تستطيع أن تنهض إلى مسجدك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم .. قال :" عليك بالعفة " ثم قال : يا أبا ذر .. قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ..قال : كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم ..قلت الله ورسوله أعلم .. قال :" تلحق بمن أنت منه أو قال : عليك بمن أنت منه " قلت : أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي .. قال : شاركت إذاً .. قلت ..فما تأمرني يا رسول الله ؟..قال الزم بيتك ..قلت: أرأيت إن دخل على بيتي ؟ قال : " فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق رداءك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك "
      والنصوص في هذا كثيرة في حث النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه للاستعداد والتهيأ لأحداث المستقبل ، وهذا الذي يجب فعله في الأيام القادمة أن نستعد ..وأن نتهيأ لما سيحدث والله المستعان : والاستعداد على قسمين :
      أولاً : الإعداد النفسي من خلال :
      ـ تهيئة الأسرة نفسياً من الآن تحسباً لأي طارئ يطرأ في المستقبل ..وتحدثيهم بالغزو والجهاد يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " رواه أبو داود .
      ـ التوكل على الله تعالى .. لأن الله تعالى { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه وناصره .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاًَ ـ أي جائعة ـ وتروح بطانا ـ أي شباعا " رواه أحمد .
      ـ أن يتيقن العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطئه لم يكن ليصيبه ..وأن يستقين الإنسان بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما : " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف " رواه الترمذي وصححه .
      ـ أن يعلم الإنسان أن نصر الله قريب .. وأن الله ينصر من نصره .. وأن هذا الدين منصور ..وما على الأمة إلا أن تطبق وتعمل بأسباب النصر والتمكين التي ذكرها الله في كتابه .. فإذا عملت وطبقت فإن النصر لا محالة قريب .
      ـ أن يبشر الإنسان غيره ويتفائل .. خاصة في وقت الأزمات والملمات .. لأن النفوس بأمس الحاجة إلى التفائل الذي يدفعها إلى العمل .. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل .. فعندما أراد الأحزاب قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ عليه الصلاة والسلام بحفر الخندق ..وبينا أصحاب رسول الله يحفرون الخندق إذ واجهتم صخرة شقت عليهم .. وكلت أيديهم منها فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .. فأخذ رسول الله المعول من سلمان .. فضرب الصخرة ضربة صدعها .. وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها ـ يعني لابتي المدينة ـ حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم .. فكبر رسول الله تكبير فتح .. وكبر المسلمون .. ثم ضربها رسول الله الثانية فصدعها وبرق منها برقة أضاء منها ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ..فكبر رسول الله تكبير فتح ..وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله الثالثة فكسرها ..وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ..فكبر رسول الله تكبير فتح .. وكبر المسلمون .. ثم أخذ بيد سلمان فرقي .. فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله .. لقد رأيت شيئا ما رأيته قط .. فالتفت رسول الله إلى القوم ..فقال : هل رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا .. قد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج .. فرأيناك تكبر فنكبر .. ولا نرى شيئا غير ذلك ..قال : صدقتم .. ضربت ضربتي الأولى .. فبرق الذي رأيتم .. أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب .. فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها .. ثم ضربت ضربتي الثانية .. فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم .. كأنها أنياب الكلاب .. فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ..ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق منها الذي رأيتم ..أضاءت لي منها قصور صنعاء .. كأنها أنياب الكلاب .. فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها .. فأبشروا يبلغهم النصر .. وأبشروا يبلغهم النصر.. وأبشروا يبلغهم النصر.. فاستبشر المسلمون .. وقالوا : الحمد لله موعد صادق بار وعدنا النصر بعد الحصر .. فطلعت الأحزاب .. فقال المؤمنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ..فهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الأزمات .
      ثانياً : الإعداد البدني : ويتم ذلك من خلال :
      1 ـ ممارسة المشي والجري وحمل الأمتعة الثقيلة والتقلل من الطعام والشراب ونحو ذلك ..لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير .." رواه مسلم .
      2 ـ أن يتعلم الرماية ..لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا " رواه البخاري .
      3 ـ أن يتعلم الإنسان الإسعافات الأولية .
      4 ـ أن يعود الإنسان نفسه على ترك ما ألفه من حياة الترف والكماليات ، لقول عمر رضي الله عنه : اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم .

      وأخيرا .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. فإذا غيرنا ما بأنفسنا .. من المعاصي والذنوب .. وانتقلنا إلى فعل الطاعات ..والمسابقات إلى الخيرات ..غير الله علينا .. ما كان فينا من الشقاء ..إلى الخير والهناء .. إنها دعوة صادقة .. من محب لأحبابه .. ومن صديق لأصدقائه .. ومن قريب لأقربائه .. ومن أخ في الله لإخوانه .. أناشدهم فيها إلى المسارعة إلى التغيير .. والمبادرة إلى تحسين الأوضاع .. قبل أن تسكب العبرات .. وترتفع الآهات .. وتحل الأحزان .. وتكثر الأشجان .. ويفرح الأعداء .. ويحزن الأصدقاء .. فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
      . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



      ************************************************** *****


      خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : محمد الهبدان






      تعليق

      • سُلاف
        مشرفة المواضيع الإسلامية
        من مؤسسين الموقع
        • Mar 2009
        • 10535








        فبما كسبت أيديكم






        الحمد لله مستوجب الحمد برزقه المبسوط، وكاشف الضر بعد القنوط، الذي خلق الخلق، ووسع الرزق، وأفاض على العالمين أصناف الأموال، وابتلاهم فيها بتقلب الأحوال، ورددهم فيها بين العسر واليسر، والغنى والفقر، والطمع واليأس، والثروة والإفلاس، والعجز والاستطاعة، والحرص والقناعة، والبخل والجود، والفرح بالموجود، والأسف على المفقود، والإيثار والإنفاق، والتوسع والإملاق، والتبذير والتقتير، والرضا بالقليل، واستحقار الكثير، كل ذلك ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وينظر أيهم آثر الدنيا على الآخرة بدلاً، وابتغى عن الآخرة عدولاً وحولاً، واتخذ الدنيا ذخيرة وخولاً، والصلاة على محمد الذي نسخ بملته مللاً، وطوى بشريعته أدياناً ونحلاً، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا سبيل ربهم ذللاً، وسلم تسليماً كثير، أما بعد:

        أيها المؤمنون:
        إن وجود الناس على هذه البسيطة، وبقاء الخير في الأرض، وانتشار الأمن في الكون بأسره؛ له مطالب عظيمة، ومقاصد جليلة ينشدها كل فرد منا، كل صغير وكبير، وكل ذكر وأنثى، بل وتطلبها الأمم والقارات وكافة البلدان، ويسعى لتحقيقها كل إنسان مسلم أو غير مسلم على وجه الأرض، يتلمسون في ذلك حياة أسعد، ويبحثون عن عيش أرغد.
        وأنى للناس أن يهنئوا بعيشهم، أو ينعموا بأمنهم، أو تستقر أوضاعهم، ولوا بذلوا في سبيل ذلك الأموال الباهضة، ولو سخروا لذلك الجيوش الجرارة الناهضة، أو استعانوا بتكنولوجياتهم المتقدمة والمتطورة لم يحصلوا على عشر من ذلك ولا العشير ولا عشرا ًمن العشر، فإرادة الله القاهرة فوق كل شيء، وهو الذي بيده نواميس الكون، ومقادير كل شيء قال عن نفسه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
        نعم هو وعدنا الأمان والاستقرار، وعدنا رخاء العيش، ورغد الحياة، وأن يفتح على عباده خيرات الأرض والسماء، لكنه علق حصوله فجعله مرهون باعتصام الأمة بدينها، بتحاكم الأمة إلى شريعة خالقها، وتمسكها بكتاب ربها؛ السبيل لعزها، والأساس لنهضتها، والسر ليقظتها وتمكنها.
        يا عباد الله:
        إن قوام حياة الناس وصلاحها إنما هو في طاعة الله، والاستقامة على أمره، والالتزام بشرعه الحنيف، وبالمقابل فإن المعاصي والذنوب التي يقترفها الناس في الليل والنهار لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، بل والحياة كلها، ولذا لابد أن نعي أن كل انحراف عن شرع الله، وكل اتباع لنزغات الشيطان، وكل جري وراء الشهوات والملذات؛ ليس إلا ركضاً وراء السراب، وضرباً في تيه الشقاء، ومجلبة للضياع والعناء، وسبباً لنكد الحياة، وتغير الأحوال.
        وإذا أردتم خبراً وعلماً يقنياً عن ذلك فاسمعوا إلى ربكم وهو يقص في كتابه مثلاً مضروباً، ومساقاً للعظة والعبرة عن تلك القرية التي أسرف أهلها على أنفسهم {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} يضرب الله هذا المثل للعظة والعبرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }، يقول سبحانه: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} نسال الله العافية والسلامة.
        هذه القرية {كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً} تنعم بأمن واستقرار وطمأنينة، ورغد من العيش، وماذا { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} فلا جوع ولا خوف، ولا مسغبة ولا حرمان، فهم في أوج لذاتهم، وغاية سعادتهم، لكن هل شكروا ربهم على هذه النعم المسبلة، وأدوا حق المنعم المتفضل عليم سبحانه.
        لقد تجرؤوا في صلف وعتو على محارم الله فانتهكوها، وعلى حدوده وشرعه فتلاعبوا بها، وتنكروا للمنعم العظيم، وتجرؤوا في سفه وغرور على العزيز الحكيم الذي قال محذراً: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} فماذا كانت النتيجة؟
        القران الكريم يختصر العقوبة المدمرة، والنهاية المفجعة في كلمتين اثنتين يقول سبحانه: {فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
        أيها الكرام عباد الله:
        هاهم قوم من بلاد اليمن كانوا يسكنون جنوبي اليمن؛ بطروا نعمة الله عليهم، كانوا في عزَّة ومنعة وفضل من الله، وخير أرض مخصبة، لا تزال فيها بقية إلى اليوم، وحضارة عريقة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، ثم تغيرت عليهم الحال، نعم إنهم قوم سبأ من ملوك اليمن الذين منهم بلقيس صاحبة سليمان - عليه السلام -، عاشوا في نعمة وغبطة في بلادهم، فرزقهم في اتساع، وزرعهم وثمارهم في ازدياد وإمتاع.
        ولقد قص القرآن خبرهم يقول الله - عز وجل - حاكياً عنهم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}
        تأملوا ماذا سماها الله {آيَةٌ جَنَّتَانِ} فسخر الله لهم واد عظيم تأتيه سيول كثيرة، فبنوا لذلك سداً محكماً يكون مجمعاً للماء، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم التي عن يمين ذلك الوادي وشماله، فتغل لهم تلك الجنتان العظيمتان من الثمار ما تكفيهم وتشبعهم، ومن الظلال ما تريحهم وتنعشهم، حتى أن المرأة كانت تمشي تحت تلك الأشجار وعلى رأسها المكتل أو الزنبيل (وهو الذي تختزن فيه الثمار) فلا تخرج من البستان إلا وقد امتلأ ذلك المكتل من الثمار، ولم تقطف بيدها ثمرة واحدة، تدرون ممه؟
        من المتساقط من الثمر لكثرة نضوجه واستوائه.
        سبحان الله .. مما أودع فيها من الخير لقد سماها الله {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} حتى ذكروا أنه لم يكن ببلدهم شيء من البعوض ولا البراغيث ولا الذباب، ولاشيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء، وصحة المزاج، وعناية الله – تعالى- بهم، وربما دخل الطائر بساتينهم فلم يتمكن من الخروج لكثرة الأحراش والأغصان المتشابكة، وعند أسفارهم لا يتزودون لسفرهم، ولا يحتاج الواحد منهم إلى حمل الماء والزاد، فأينما حطت به راحلته نزل فأكل وشرب، نعمة وأي نعمة، وفضل وأي فضل، ولكن هل أدوا حق المتنعم المتفضل عليهم – سبحانه -؟
        اسمع الجواب من رب العالمين يقول - سبحانه -: {فَأَعْرَضُوا} أي تنكروا وبطروا فكان الجزاء {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ}6، فأرسل الله عليهم مخلوقاً ضعيفاً ليريهم الجبار قدرته وسطوته على من طغى وتجبر على أمره، وتكبر وعتى على حكمه وقهره، أنه الجرذ، فجعلت تنقب في السد حتى انفجر، فإذا بسيل متوعر متوهج يهجم على مساكنهم فيخربها، ويأتي على جناتهم فيتلفها، ويسير إلى بساتينهم فيفسدها، فلا إله إلا الله ما أشد بطشه إذا غضب، وما أعظم نقمته إذا العباد تهاونوا في أمره.
        وتبدلت تلك الجنتان ذات الحدائق المزهرة، والأشجار المثمرة {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيل} فانظر يا عبد الله لما بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح جاءتهم الفاجعة {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}.
        فلما أصابهم ما أصابهم تفرقوا وتمزقوا بعدما كانوا مجتمعين، وجعلهم الله أحاديث للناس بعد ما عاشوا معززين مكرمين.
        أيها المؤمنون: إذن فرغد العيش وسعة الرزق قد يتحول في طرفة عين ولمحة بصر جوعاً يذهب بالعقول، وفقراً تتصدع له القلوب والأكباد، وإذا البطون الملء، والأمعاء المتخمة؛ يتضور أصحابها جوعاً، ويصطلون حسرة وحرماناً، وإذا الأمن الذي كانوا يفاخرون به الدنيا، وينسون في عجب وغرور المتفضل - سبحانه -، والمنعم - جل جلاله - إذا به ينقلب رعباً وهلعاً لا يأمن المرء على نفسه وعرضه فضلاً عن ماله وملكه، والقرآن الكريم حين يعرض بجلاء ووضوح حال تلك القرية الظالم أهلها؛ يقرر أن ما أصابهم هو بسبب ما اقترفته أيديهم.
        ويخاطبنا نحن الحاضرين، ويخاطب غيرنا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويحذرنا - سبحانه - أن نقع في ذات الخطأ الذي وقعوا فيه، فنؤول لذات المآل الذي آلوا إليه.
        أيها المسلمون:
        إن المجتمعات حين تغفل عن سنن الله؛ فتغرق في شهواتها، وتضل طريقها، وتتنكب على شريعة ربها؛ إنها لا تلوم بعد ذلك إلا نفسها، وإن الاستمرار في محادة أمر الله وشرعه، ومجاهرة العظيم - سبحانه - بمشين الأخلاق والسلوك، وانتشار الفواحش؛ معول يهدم الأركان، ويقوض الأساس، ويزيل النعم، وينقص المال، وترتفع بسببه الأسعار، وتغلو المعيشة، وتحل بالأمة الهزائم الحربية والمعنوية، ولقد أصابنا من ذلك كثير يقول – سبحانه-:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}، ولقد ذاقت هذه الأمة ألواناً من العقوبات المدمرة التي يشيب من هولها الولدان، وإن صحائف التاريخ خير شاهد على تأثير المعاصي في الأمة، فإذا الأمة كفرت بأنعم الله، واستجابت لداعي الهوى والشيطان؛ أصابها ما أصاب غيرها من العقوبات المنكلة، والمصائب المفجعة، أسردها للعظة والعبرة علَّنا أن نعود ونلجأ إلى ربنا إذ لا ملجأ من الله إلا إليه:
        ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - خبر الطاعون الذي أصاب مدينة البصرة العراقية فقال: فمات في اليوم الأول سبعون ألفاً، وفي اليوم الثاني إحدى وسبعون ألفاً، وفي اليوم الثالث ثلاثة وسبعون ألفاً، وأصبح الناس في اليوم الرابع موتى إلا قليلٌ من آحاد الناس، قال أبو النفير - وكان قد أدرك هذا الطاعون -: كنا نطوف بالقبائل وندفن الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن، فكنا ندخل الدار وقد مات أهلها فنسد بابها عليهم.
        وذكر ابن كثير - رحمه الله - خبر الغلاء والجوع الذي أصاب بغداد؛ بحيث خلت أكثر الدور، وصدت على أهلها الأبواب لموتهم وفنائهم، وأكل الناس الجيف والميتة من قلة الطعام، وكان الناس يشوون الكلاب، وينبشون القبور، ويخرجوا الموتى ليأكلوهم، وكان الكلب يباع بخمسة دنانير، وظهر رجل يقتل النساء والصبيان، ويدفن رؤوسهم وأطرافهم، ويبيع لحومهم فقتل وأكل لحمه.
        وكانت الأعراب يقدمون بالطعام فيبيعونه في ظاهر البلد، لا يتجاسرون على الدخول؛ لئلا يخطف وينهب منهم، وكانوا لا يدفنون موتاهم إلا ليلاً؛ خشية أن تنبش قبورهم فيؤكلون تحت جنح الظلام.
        وهذا يا كرام فيض من غيض من جملة ما دهى أولئك القوم، وحل بهم؛ نسأل الله أن لا يأخذنا بالسنيين والأيام، وأن يرفع عنا الغلاء والوباء وسائر الأضرار والأخطار، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

        الخطبة الثانية:
        أيها المسلمون:
        إن هذه العقوبات المهلكة، والكوارث المفجعة؛ ليست ضرباً من الخيال، وليس فيها شيء من التهوين والمبالغة، فالله يقول:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، ولا تظن أنت يا من نشأت منذ نعومة أظفارك في بحبوحة من العيش، ولم تذق مرارة الجوع؛ أن هذه أساطير وقصص مختلقة، وإن شئتم فاسألوا الآباء والأجداد الذين اصطلوا بنار الجوع، ولهيب الظمأ؛ دهراً طويلاً "يأتيك بالأخبار من لم تزودِ".
        وهكذا أيها المبارك: تأمل في أمة الإسلام كيف كانت في سالف عهدها، وماضي دهرها، أمةً موفورة الكرامة، عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، خضعت لعزها مماليك الدنيا، وأذعن لحكمها أعتى جيوش الكفر والباطل.
        فتح قادتها الشرق والغرب، فارس والروم؛ في خمسٍ وثلاثين سنة، حتى امتد ملكهم إلى بلاد السند شرقا،ً وما وراء النهر جنوباً، وإلى بلاد الصين شمالاً.
        أما اليوم فتعال وقلب ناظريك في خارطة العالم فأنا ضامنٌ لك ألا تقع عينك على بلدٍ من بلاد المسلمين إلا وجدت فيها من الجراح والدماء، والخراب والألم؛ ما يبكي العيون، إلا وفيها من القهر والاستبداد، والاستعباد والاضطهاد، وتسلط أبناء القردة والخنازير على رقابنا، وخيرات بلادنا؛ ما يدمي الفؤاد، ويفتت الأكباد.
        أنى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
        كم شتتنـا يد كنا نشتتهـا وبـات يـملكنا شعب ملكناه
        استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه
        ها هي العراق والشيشان، والأفغان والصومال؛ فصولٌ حزينة من مأساة أمتنا الجريحة، وأطلال مبعثرة من كرامة وجوهنا المهدرة.
        لا تلمح في تلك الديار غير كوخٍ ودمار
        وأمام الكوخ آثار رماد وبقايا جمجمة
        وصغير أكلت قنبلةٌ مقلته اليمنى وشلت قدمه
        وحصانٌ صار لا يعرف معنى الحمحمة
        هؤلاء الأبرياء
        في زمان الذل ظلوا يصرخون
        أين منا المسلمون؟ أين منا المسلمون؟
        ها أنتم ترون مسرى نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم – في أرض المقدس يتلفع بنار الأسى والهوان، ويلتحف بسياط المذلة والمسكنة، أكثر من خمسين عام وهو في قبضة يهود، ومن مأساة إلى مأساة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
        وهنا نسأل أنفسنا سؤالاً: متى كان هذا في أمة الإسلام؟ ومتى عرف هذا الهوان في أمة لا إله إلا الله؟
        إن هذه المأساة عرفت لما أضاعت الأمة أمر ربها، فصار أمرها إلى إدبار، وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها ليلٌ طويل من الإستعمار الكافر، وعدنا نئن تحت وطأة الذل المسلط.
        روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: لا، أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)) نسأل الله أن يعز الإسلام، ويرفع رايته خفاقة في العالمين.
        أيها المسلمون:
        قد يتساءل الغيورون منكم من أين جاءت هذه النكبات؟ وما السبب في نزول هذه المصائب والمدلهمات؟ ولمَ انتشر بين المسلمين خراب العمران والبلاد، وتعطلت المصالح؟ وما بال الغلاء الفاحش يضرب بأطنابه في كل مكان؟ ولماذا المسلمون في أصقاع الدنيا يشكون الهزائم، ومرارة الزمان؟
        لتعلموا يا عباد الله أن الجزاء من جنس العمل يقول سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فالله - سبحانه - لم ينزل مصيبة في الأرض، ولا بلاءً من السماء؛ إلا بسبب فاحشة، إلا بسبب معصية، وها هو الغش والظلم قد انتشر، وكثر أكل الحرام بين الناس، وعادوا يدعون مع الله إلهاً آخر، ويقصدون الأولياء والصالحين يستشفعون بهم، ويطلبون منهم المدد {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}
        ها هي الصلاة الخمس ضيعت، وتهاون كثيرٌ من الناس بها، بالله كم هم الذين يحافظون على الصلوات الخمس في أوقاتها، أين الناس عندما ينادي المنادي "الله أكبر"؟
        ما بالنا فرطنا وتهاونا في هذه الشعيرة العظيمة، وتساهلنا في أدائها؟ أما والله لو كانت لهذه المنارات ألسنة لاشتكت إلى ربها، ولو أودع الله فيها عيوناً لبكت من هجراننا لها.
        ما بال الأمة تفشت فيها رذائل الأخلاق، ومستقبح العادات في البنين والبنات؟ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
        نعود فنقول: إن للعقوبات أسبابٌ كثيرة جامعها: المعاصي والذنوب، والتكبر والإعراض، والبعد عن الله، ومجاهرة العظيم بالكفر والفسوق والعصيان.
        فيا عباد الله: البدار البدار بالعودة إلى الله - عز وجل-، والتوبة والاستغفار؛ إذا أردنا أن نحسن أحوالنا، وأن يهل المولى - سبحانه - علينا سحائب اللطف واليُمن والبركات، ويرفع عنا هذه المصائب والبلايا، ويدفع بحوله وقوته نقمته وسخطه والرزايا، وإننا والله يا - معشر المسلمين - على شفى هلكة من أمرنا ما دمنا متنكرين لدين الله، فلنتدارك أنفسنا قبل أن يرسل الله - عز وجل - علينا صاعقةً من السماء فتأخذ أولنا وآخرنا يقول – سبحانه -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

        والله نسأل أن يرفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


        ************************************************** ****


        http://www.alimam.ws/







        تعليق

        • كدي
          مشرف ينابيع الشعر العربي
          • Feb 2009
          • 1291

          جعل الله هذا العمل في موازين اعمالكم يا اختنا الكريمة والفاضلة
          فليرض عني الناس أو فليسخطوا ...... أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
          ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى ...... يارب حلواً قبل أن أهواك

          تعليق

          • سُلاف
            مشرفة المواضيع الإسلامية
            من مؤسسين الموقع
            • Mar 2009
            • 10535

            رد: مختارات من خطب الجمعة

            المشاركة الأصلية بواسطة كدي مشاهدة المشاركة
            جعل الله هذا العمل في موازين اعمالكم يا اختنا الكريمة والفاضلة

            اللهم آمين يا رب العالمين

            جزاك الله عني خيرا شقيقي العزيز كدي


            تعليق

            • سُلاف
              مشرفة المواضيع الإسلامية
              من مؤسسين الموقع
              • Mar 2009
              • 10535




              مكانة النظافة والطهارة في الإسلام





              الْحَمْدُ للهِ الذِي حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّجَمُّلِ وَالصَّفَاءِ أمر بالنظافة وأحب المتطهرين و على الطهارة رتب شرائع هذا الدين وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ جَعَلَ النَّظَافَةَ مِنْ صِفَاتِ أَولِيَائِهِ المُؤمِنِينَ وَكَتَبَ مَحَبَّتَهُ لِلتَّوَّابِينَ وَالمُتَطَهِّرِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ أَنْظَفُ النَّاسِ فِي جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ وَأَطْيَبُهُمْ رِيْحًا بَيْنَ أَهلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرُهُمْ تَمَسُّـكًا بِتَعالِيمِ الدِّينِ وَآدَابِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ طَاهِرِي المَظْهَرِ وَالمَخْبَرِ وَعَلَى أَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ البَعْـثِ وَالمَحْـشَرِ
              يا أمة الهادي خصصتم با لوفا بين الورى والصدق أيضاً والصفا صلوا على الهادي النبي المصطفى فالله قد صلى عليه قديما صلوا عليه وسلموا تسليما

              أيها الأحبة المتطهّرون
              إخوة كرام منذ أمد بعيد يطلبون مني أن أخصص خطبةً عن النظافة والطهارة وأهميتها في ديننا الإسلامي الحنيف و هذا موضوع مهم في غاية الأهمية وخاصة أننا نرى من لا يعتنقون الإسلام يعتنون بنظافة بيوتهم ونظافة محلاتهم ونظافة منا شطهم بينما بعض المسلمون الذي قد كلفوا بالنظافة تكليفاً يهملون ذلك وحديثنا في هذه الجمعة المباركة يتظمن نظافة الظاهر وخاصة مع الحملة التي ستطلق الأسبوع القادم لنظافة عاصمتنا الحبيبة صنعاء وأما نظافة الباطن فعنوان عريض لن نخوض الآن غماره

              أيها الأحبة المتطهّرون
              لَقَدْ أَثْنَى القُرآنُ الكَرِيمُ ثَنَاءً عَطِرًا خَالِدًا عَلَى أُولَئكَ الذِينَ يُحِبُّونَ الطَّهَارَةَ وَالنَّقَاءَ وَيُلاَزِمُونَ النَّظَافَةَ وَالصَّفَاءَ قَالَ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير في الشريعة الإِسلامية فهي شرط لصحة الصلاة وهي من العوامل الأساسية في المحافظة على الصحة التي هي من أكبر نعم الله على الإنسان لم يحثّ دينٌ من الأديان ولا حضارة من الحضارات على النظافة كما حث الإسلام حيث جعل الطهارة وهي أشمل و أبلغ من مجرد النظافة شطرَ الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان وقال تعالى{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وأمر الله بها نبيه وأمته با الطهارة فقال يا أيها الْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ

              إن المسلمين نماذج رائعة للطهر والجمال عندما ينفذون تعاليم دينهم في أبدانهم وبيوتهم وطرقهم ومدنهم ومساكينهم وما دخل الإسلام بيئة ولا بيتاً إلا وعلّمهم حسن اللباس وجمال الستر ونظافة البدن بالإيجاب تارة وبالاستحباب أخرى ولقد جَعَلَ الإِسلاَمُ النَّظَافَةَ مِنَ الإِيمَانِ وَأَسَاسًا مِنْ أُسُسِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ فنظام الكون كلِّه مبنيّ على النّظافة فالرّياح تكنس والمطر يغسل والأرض تدفن وهكذا حتى غريزة الحيوان مفطورة على النظافة والتنظّف

              أمة الطهر والعفاف يمضي الإسلام في بيان ما يجب نظافته
              وأول ذلك نظافة الجسد فقد فقال صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس الختان وحلق العانة وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط والفطرة السنة القديمة التي أمر بها الأنبياء وقد استمعت إلى دكتور يذكر أن مرض الكبد المميت ينتقل إلى الإنسان عن طريق ما تحت الأظافر فغسل اليدين قبل الطعام والعناية بقص الأظافر والمبالغة بتنظيف ما تحت الأظافر هذا جزء من الوقاية الصحية وللفم حظُّه من هذه القيمة الحضارية في الإسلام فمن السنةِ المبالَغةُ في المضمضةِ والاستياك قال صلى الله عليه وسلم تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ولقد أوصاني جبريل بالسِّواك حتى خشيت أن يفرض عليَّ وعلى أمتي ويدخل في معنى السواك كل ما يُنقي من أدوات تنظيف الأسنان إذ المقصود تنظيفها وتطهيرُ الفم يذكر أن سائح بريطاني زار الشرق الأوسط وكتب في مذكراته عن هذه الخشبة التي يستعملها المسلمون في تنظيف أسنانهم كتابةً ساخرة قرأ هذا البحث عالم ألماني فوصى زميله المسافر إلى السودان أن يأتيه بهذه الأعواد أعواد الأراك سحقها ووضعها في مكان ووضع عليها الجراثيم فإذا فعلها كفعل البنسلين تماماً تطهر الفم من كل جرثوم قال صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ

              ومن صور النظافة في الإسلام إكرام الشعر والتجمُّل بتوفير شعر الرأس مشروع ولكن بشرطه وهو أن يتعاهدَه غَسلاً وتسريحاً وإلا فليحلِقْه أو ليُقصِّرْه ولا يتركه مأوى للأوساخ والأقذار كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً مرة بين أصحابه في مسجده فدخل عليهم رجلٌ ثائرُ الرأسِ فأشار إليه صلى الله عليه وسلم‏ ‏بيده أن اخرج ‏كأنه‏ ‏يعني إصلاحَ شعرِ رأسه ولحيته‏ ‏ففعل الرجلُ ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم‏ ‏أليس هذا خيراً من أن يأتيَ أحدُكم ثائرَ الرأس كأنه شيطانٌ وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ

              ومن صور النظافة أنه دعانا إلى الغسل فجعله واجباً تارة وحث عليه أخرى مع كونه سنة ورتب عليه أجراً كبيراً ولقد شُرِعَ الوُضُوءُ والاغتسال وَالاعتِنَاءُ بِالنَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ لِِمَا لَهَا مِنْ أَثَرٍ في الصِّحَّةِ الجِسْمِيَّةِ وَلِلتَّرغِيبِ فِي ذَلِكَ جُعِلَ الحِرصُ عَلَيْهِ مَدْعَاةً لإِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَبُولِ التَّضَرُّعِ لِخَالِقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ فَعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ مُسلِمٍ يَبِيْتُ طَاهِرًا فَيَتَعارُّ مِنَ اللَّيلِ أَي يَستَيقَظُ فَيَسأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ

              ومن صور النظافة في الإسلام تنظيف الثوب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ عن الأحوص قال رآني النبي وعلي أطمارٌ أي ثياب بالية فقال هل لك من مال قلت نعم قال ومن أي المال قلت من كل ما أتى الله من الإبل والشاء قال فلتر نعمته وكرامته عليك فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوبُهُ حَسَنًا وَنَعلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ فعلى المسلم أن يتحلّى بالتواضع والبعد عن الكبر فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال الكبر ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته أي أهلكته وأبدته وقال صلى الله عليه وآل وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة خردل من كبر وقال صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة

              وغاية المقصود بحسن الهندام والنظافة أن يهتم المؤمن بهيئته وتناسق لبسه فلا يخالف مألوف الناس بملبوسه بحيث يستثير عجبهم ولا يرتدي من الثياب ما يزري به كان رسول الله يلبس الثياب الحسنة النظيفة ويحبّ الأبيض منها وكان يتطيب بالمسك والعنبر ويتبخر بهما وحسن الملبس وجمال الهندام مطلوب قدر الاستطاعة وحسب الوجد فَاعتِنَاءُ الإِنْسَانِ بِمَلْبَسِهِ وَهِنْدَامِهِ يَحْمِلُ الآخَرِينَ عَلَى تَقْدِيرِهِ وَاحتِرَامِهِ إن بعض الجهال يحسبون فوضى اللباس وإهمال الهيئة والتبذل المستكره ضرباً من العبادة وربما ارتدوا المرقعات والثياب المهملات وهم قادرون على اللباس الحسن ولا كن ليظهروا زهدهم في الدنيا وحبهم للأخرى وهذا جهل وخروج عن الجادة إنه لا يطيق الروائح الكريهة والأقذار المستنكرة إلا ناقص الفطرة وجمال الأدب ولقد جاء كذلك الحرص على الطيب والحث على التطيب ونبيكم محمد يحب الطيب ويكثر من التطيب

              ومن صور النظافة في الإسلام أن من أكلَ شيئاً حتى وُجدتْ منه رائحةٌ كريهةٌ يتأذى منها الناسُ فهو ممنوع من حضور الصلاة في المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربنّ مسجدنا حتى يذهبَ ريحُها فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس وفي حكم الثوم والبصل كلُّ ما له رائحة كريهة فالعبرة بتأذِّي الناس ومما ورد في المحافظة على النظافة غطوا الإناء وأوكئوا السقاء واجتنبوا الجشاء ولا تشربوا من فم السقاء ولا تتنفسوا في الإناء ولا تنفخوا فيه

              ومن صور النظافة في الإسلام نظافة البيوت عَنْ صَالِحِ ابْنِ أَبِي حَسَّانَ قَال سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُواأَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ والأفنية جمع فناء وهو البيت وساحته

              ومن صور النظافة في الإسلام نظافة الزوجين فإن تزيُّن كل من الزوجين للآخر من أهم الأمور في سعادتهما الزوجية إذ يجعل في علاقتهما حيوية ويغمرها بالبهجة والسرور لأن كلاً منهما يرى صاحبه في صورة جديدة وشكل جديد يطردان بذلك من حياتهما الملل والسآمة لتكون الحياة كلها حركة وعملاً ونشاطًا وقد رُوي أنه دخل على الخليفة الفاروق رجل أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول لا أنا ولا هذا يا أمير المؤمنين فعرف عمر كراهية المرأة لزوجها فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعره ويقلم أظافره فلما حضر أمره أن يتقدم من زوجته فاستغربت ونفرت منه ثم عرفته فقبلت به ورجعت عن دعواها فقال عمر وهكذا فاصنعوا لهن فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزينَّ لكم

              هكذا ينهج الإسلام بأهله منهج تجديد العواطف والعلاقات لاستبقاء الزوجة ريحانة البيت تنشر في أرجائه البهجة والفرح والسرور وتتجدد بذلك حيوية الرجل فلا تذبل زهرة البيت ومن ثم يمد كل منهما الآخر بأسباب الحيوية والبهجة والقوة وهذه رسالة عتاب وحب من زوجة لزوجها تقول له فيها يا أبا عبد الله إنك إنسان جانبت طريق النظافة في ملبسك وفي مظهرك ولا أراك تستعمل فرشاة أسنان أما السواك فإنه مفقود من جيبك منذ شهور فأين النظافة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تغضب وراجع نفسك ولو أصبح حالي مثل حالك ماذا تفعل يقول الله وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُف و قال تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

              الحمد لله المتفرد بالعزة والجلال والمتنزه عن الأنداد والأمثال أحمده وأشكره فهو جميل يحب الجمال
              من صور النظافة المحافظة على نظافة الطريق فلا يلقى فيه الأوساخ لا سيما ما يؤذي الناس كالأشياء التي تسبب الانزلاق لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار بل المطلوب من المسلم أن يرفع عن الطريق ما يؤذي المارة من حجر أو شوك أو كل ما يسبب ضررا بالآخرين إن الحياة التي ألفها المؤمنون سابقاً كانت مشفوعة بالتعاون والتواصل فكان الناس ينظفون طرقهم بأيديهم ولم تكن في السابق مديرية البلدية وكان يضع كل منزل مشكاةً ومصباحاً فوق داره ليضئ الدار وطريق المارة وكانوا يتسابقون في إماطة الأذى عن طريق الناس إنك ترى في بعض بلداننا كراسي حافلات نقل الركاب ملوثة وممزقة وأعقاب السجائر ملقاة هنا وهناك والقمامة أكواما أكواما وبقايا هدم المنازل وفضلات البناء قد سدت الطرق الفرعية وكثرت على جانبي الطرق العامة والسريعة وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَتْ شَجَرَةٌ فِي طَرِيقِ النَّاسِ تُؤْذِي النَّاسَ فَأَتَاهَا رَجُلٌ فَعَزَلَهَا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتَقَلَّبُ فِي ظِلِّهَا فِي الْجَنَّةِ

              إن نظافة الطريق أبهج لنفوس السالكين وأنقى للنسيم وأبعد عن أذى العاثرين ووسيلة هامة للحد من تكاثر الذباب ونقله لجراثيم الأمراض وما أقبح عادة من يرمي الأقذار إلى الشارع من شرف الطوابق فتنتشر فيه وتسيء إلى منظره وهوائه وإلى الصحة العامة فمن فعل ذلك فقد أذى مجتمعه ولوث سمعة بلده وفعل فعلا مستهجناً ووقع في الإثم
              ومن المناظر التي نراها تتكرر كثيرا أن نجد البعض مستقلاً سيارة فارهة آخر صيحة والسيارة تعد علامة حضارية ولكنه أو من معه في السيارة لا يجدون غضاضة في فتح نافذة السيارة لإلقاء المخلفات في الشارع وقد تكون قشرة موز تتسبب في انزلاق مواطن وفضلاً عن ذلك فإن تراكم المخلفات في الشوارع يجلب معه الذباب وبقية الحشرات التي تضر المواطنين وهذا كله يؤثر بالتالي سلباً على قدرتهم على العمل والإنتاج فيخسر الوطن والمواطنون معاً وبجهد قليل في الحرص على النظافة يمكن تفادي ذلك كله

              ومن صور عناية الإسلام المحافظة على نظافة المسجد وعدم إلقاء القاذورات والأوساخ فيه وذلك تعظيما لشأنه قال تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} وقال تعالى يَٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ
              ومن صور عناية الإسلام با النظافة ماورد في فضل يوم الجمعة عَنْ سَلَمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا استَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ وَيَمَسُّ مِنْ طِيْبِ بَيتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثنَيْنِ ثُمَّ يُصلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى وقال صلى الله عليه وسلم مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ

              إن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين فهو يتطلب أجسامًا قوية تجري في عروقها دماء الفتوّة والبطولة وينبعث من أفئدتها الإيمان ومن أجل ذلك وضع كل الحواجز أمام انتشار الجراثيم ووفر أسباب الوقاية بما شرع من قواعد النظافة الدائمة إنه لم يهتم دين بالطهارة والنظافة عموما كما اهتم دين الإسلام فاهتم بنظافة الإنسان ونظافة البيت ونظافة الطريق ونظافة المسجد وغير ذلك حتى شاع بين المسلمين دون غيرهم هذه الكلمة النظافة من الإيمان

              في حين كان بعض رجال الأديان في العصور الوسطى كالرهبان في الغرب يتقربون إلى الله بالقذارة والبعد عن استخدام الماء حتى قال أحدهم يرحم الله القديس فلانا لقد عاش خمسين سنة ولم يغسل رجليه وقال آخر لقد كان مَن قبلنا يعيش أحدهم طول عمره لا يبل أطرافه بالماء ولكنا أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات
              أيّها اليمانيون ويا أبناء الإيمان و أيّها المسؤولون إنّ البلد يمثّل أمانةً في أعناقكم فلا تجعلوه رهينةً بيد لصوص الأوطان ولا تتخلّوا عن مسؤوليّاتكم السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في مرحلةٍ الحرجة

              إن وطننا العربيينبغي أن يكون أرقى الأوطان على كافة النواحي والأصعدة فا َلْنُعَلِّمْ أَوْلادَنَا وَشَبَابَنَا هَدْيَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالتَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ وَلْنُعَلِّمْهُمْ أَنَّ الإِسْلامَ يَدْعُو إِلَى النَّظَافَةِ وَأَنَّ النَّظَافَةَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ وَأَنَّ ذَلِكَ لا يَقْتَصِرُ عَلَى العِنَايَةِ بِنَظَافَتِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ فَحَسْبُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى نَظَافَةِ مُجتَمَعِهِمْ بِمَرَافِقِهِ المُخْتَلِفَةِ فالنظافة إذن واجب ديني و التزام حضاري و مسلك أخلاقي لا ينبغي أن نفقده أو نخالفه

              إننا ندعو من هم في مقام المسؤولية والمهندسين والمقاولين أن يتقو الله في أموال الشعب ومقدرات الأمة وخيراتها فيجب عليهم ألا يستغلو مثل هذه الحملات للكسب الحرام ونهب أموال الدوله والسرقة والإختلاس ووالله أنهم سيقفون بين يدي الله وسياسئلهم عما إقترفته أيدهم في هذه الحياه

              أيها الأحبة المتطهّرون وأخيرآآآ هذه أخلاق المؤمنين أيها الإخوة هذه توجيهات النبي نظافة البدن ونظافة الثوب ونظافة المكان ونظافة المنزل ونظافة الطريق ونظافة السلوك الشخصي هذه جزء من نمط سلوك المسلم

              اَللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيْمَانَ وَالنَّظَافَةَ وَالطَّهَارَةَ وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ وَالقَذَارَةَ اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنَا مِنَ المُتَطَهِّرِينَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تُحِبُّهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
              اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً
              اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يا أرحم الراحمين , يا خالق الخلق أجمعين يَا مَنْ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ يَا مَنْ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ يَا مَنْ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ يَا مَنْ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يَا مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يا مجيب السائلين نسألك اللهم بعزتك عزة للإسلام و المسلمين وأن تردنا ردا جميلا إلى هذا الدين وأن تجمع شملنا على الصدق والحق المبين وأن تكرمنا شفاعة سيد المرسلين


              ************************************************** ***

              خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الله الهتاري من دولة اليمن الشقيقة











              التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 06-28-2013, 01:23 PM.


              تعليق

              • سُلاف
                مشرفة المواضيع الإسلامية
                من مؤسسين الموقع
                • Mar 2009
                • 10535





                صـــوم المســـافـــر







                الخطبة الأولى
                أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ دُنْيَاكُمْ لِآخِرَتِكُمْ، وَتَزَوَّدُوا فِي يَوْمِكُمْ لِغَدِكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي حَيَاتِكُمْ مَا يَسُرُّكُمْ يَوْمَ عَرْضِكُمْ؛ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ

                أَيُّهَا النَّاسُ، الإِخْلاَصُ فِي العِبَادَةِ، وَتَجْرِيدُ المُتَابَعَةِ، وَتَحَمُّلُ المَشَقَّةِ؛ أَسْبَابٌ لاسْتِيفَاءِ الأَجْرِ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ، وَقَبُولِ الأَعْمَالِ؛ وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لِعَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا فِي نُسُكِهَا: «إِنَّ لَكِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ».

                وَحِينَ يَقْدُمُ رَمَضَانُ عَلَى قَوْمٍ يَطُولُ فِيهِ نَهَارُهُمْ، وَيَقْصُرُ لَيْلُهُمْ، وَيَشْتَدُّ حَرُّهُمْ؛ فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ بِقَدْرِ نَصَبِهِمْ وَعَطَشِهِمْ وَتَعَبِهِمْ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى مَتَى مَا حَقَّقُوا رُكْنَيِ العِبَادَةِ: الإِخْلاَصَ وَالمُتَابَعَةَ. وَلَيْسَ صَوْمُ هَؤُلاَءِ كَصَوْمِ مَنْ قَصُرَ نَهَارُهُمْ، وَطَالَ لَيْلُهُمْ، وَأَبْرَدَتْ أَرْضُهُمْ، وَطَابَ هَوَاؤُهُمْ، وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ السَّلَفِ بِأَسَفِهِمْ حَالَ مَوْتِهِمْ عَلَى ظَمَأِ الهَوَاجِرِ؛ لِمَا يَرْجُونَهُ مِنْ عَظِيمِ الأَجْرِ عَلَيْهَا.

                وَكَثِيرٌ مِنَ القَادِرِينَ يَفِرُّونَ مِنَ البِلاَدِ الحَارَّةِ فِي الصَّيْفِ إِلَى بِلاَدٍ بَارِدَةٍ، فَيَكُونُ الصَّوْمُ عَلَيْهِمْ أَخَفَّ مِمَّنْ عَالَجُوا حَرَارَةَ بُلْدَانِهِمْ، وَلاَ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِيَامِ العَبْدِ، وَلاَ يُنْقِصُ أَجْرَ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّدَ حَالَ الصِّيَامِ بِالسِّبَاحَةِ أَوْ بِالمُكَيِّفَاتِ أَوْ بِالسَّفَرِ إِلَى بِلاَدٍ بَارِدَةٍ مَشْرُوعٌ، وَلاَ يُشْرَعُ حَالَ الصَّوْمِ قَصْدُ الشَّمْسِ أَوِ البِلاَدِ الحَارَّةِ لِزِيَادَةِ العَطَشِ أَوِ التَّعَبِ؛ لِأَنَّ رَجُلاً نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

                وَلَمَّا كَانَ رَمَضَانُ يُوَافِقُ شِدَّةَ الحَرِّ كَثُرَ فِيهِ السَّفَرُ، وَالصَّوْمُ فِي السَّفَرِ لَهُ أَحْكَامٌ، وَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ المَشَقَّةِ، فَخَفَّفَ اللهُ تَعَالَى عَنِ المُسَافِرِ بِالفِطْرِ وَالقَضَاءِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَثَبَتَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ الصَّوْمَ عَنِ المُسَافِرِ، وَهَذَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ المُحْكَمُ مُعَلَّقٌ بِالسَّفَرِ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرًا بَعِيدًا أَمْ قَرِيبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُرْهِقًا أَمْ مُرِيحًا، وَبِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَتِ السَّفَرُ، وَإِلَى أَيِّ وِجْهَةٍ كَانَتْ، فَمَا دَامَ أَنَّهُ سَفَرٌ تُعَدُّ لَهُ عُدَّةُ السَّفَرِ شُرِعَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ بِالفِطْرِ وَالقَضَاءِ.

                وَكَثِيرٌ مِنَ المُسَافِرينَ يُرِيدُونَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ، وَلاَ يُحِبُّونَ الفِطْرَ فِيهِ، وَالمُسَافِرونَ لَهُمْ أَحْوَالٌ:

                فَمِنَ المُسَافِرينَ فِي رَمَضَانَ مَنْ لاَ يَضُرُّهُمُ الصَّوْمُ حَالَ السَّفَرِ، وَلاَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَيَثْقُلُ عَلَيْهِمْ القَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُشْرَعُ لِهَؤُلاَءِ الصَّوْمُ، وَقَدْ يَكُونُ الأَفْضَلَ فِي حَقِّهِمْ؛ لِإِبْرَاءِ ذِمَمِهِمْ، وَلِدَرْءِ المَشَقَّةِ عَنْهُمْ، وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تُحْمَلُ أَحَادِيثُ صِيَامِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي السَّفَرِ، وَرُخْصَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا: أنَّ حَمزَةَ الأَسْلَمِيَّ قَالَ للنَّبيِّ : أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «صَامَ رَسُولُ اللهِ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ ومَنْ شَاءَ أَفْطَر» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ فَلَم يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ : «وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّه مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأفْطَرَ فَحَسَنٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

                وَمِنَ المُسَافِرينَ مَنْ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ لِمَرَضِهِ أَوْ ضَعْفِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ؛ لِئَلاَّ يَضُرَّ نَفْسَهُ.

                وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ وَلاَ يَضُرُّهُ، فَهَذَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَتْرُكَ رُخْصَةَ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَالمَشَقَّةُ تَلْحَقُهُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ فِي سَفَرٍ، فَصَامَ بَعْضٌ، وَأَفْطَرَ بَعْضٌ، فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

                وَأَمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ فَالقَاعِدَةُ أَنَّ المُسَافِرَ يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَصُومُ مُقِيمًا مَا دَامَ أَنَّ السَّفَرَ مَنَعَهُ مِنْ صِيَامِهِ، وَيُشْرَعُ لَهُ الصَّوْمُ إِذَا لَمْ يَضُرَّهُ أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ وَيُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: (عَاشُورَاءُ يَفُوتُ، ورَمَضَانُ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر).

                وَإِذَا كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ يُفَوِّتُ مَصْلَحَةً عَلَى المُسَافِرِ أَوْ عَلَى المُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ الفِطْرُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ إِلَى مكَّةَ ونَحْنُ صِيامٌ، فنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ»، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فقَالَ: «إِنَّكُم مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا»، وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

                وَلاَ يُفْطِرُ مَنْ نَوَى السَّفَرَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ مُسَافِرًا بِالنِّيَّةِ، وَلاَ يُبَيِّتُ الفِطْرَ مِنَ اللَّيْلِ، بَلْ يُبَيِّتُ الصَّوْمَ، فَإِذَا رَكِبَ رَحْلَهُ وَبَاشَرَ السَّفَرَ حَلَّ لَهُ الفِطْرُ.

                وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَأَمْسَكَ، ثُمَّ تَعِبَ فِي سَفَرِهِ وَبَدَا لَهُ أَنْ يُفْطِرَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ صَحِيحٍ.

                وَالأَصْلُ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ فِي إِمْسَاكِهِ فِي الصِّيَام وَإِفْطَارِهِ، وَأَوْقَاتِ صَلاتِهِ حُكْمَ الأَرْضِ الَّتي هُوَ عَلَيْهَا، أَو الجوِّ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ، فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي المطَارِ فأفطر وصَلَّى المغْرِبَ، ثُم أَقْلَعَتْ بِه الطَّائِرَةُ باتِّجاهِ الغَرْبِ فَرَأَى الشَّمْسَ فَلا يَلْزَمُهُ الإِمْسَاكُ، وَصَلاتُهُ وصِيَامُهُ صَحِيحَانِ؛ لأَنهُ وَقْتَ الإِفْطَارِ والصَّلاةِ لَهُ حُكْمُ الأَرْضِ الَّتي هُوَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَقْلَعَتْ بهِ الطَّائِرَةُ قَبْلَ الغُرُوبِ بِدَقَائِقَ، وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ النَّهَارُ فَلا يَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ ولا الصَّلاةُ حَتَّى تَغْرُبَ شَمْسُ الجوِّ الَّذي يَسِيرُ فيهِ، ولَوْ مَرَّ بِسَماءِ بَلَدٍ أَهْلُهَا قَدْ أَفْطَرُوا وَصَلَّوا المغْرِبَ، وَهُوَ فِي سَمائِهَا يَرَى الشَّمْسَ فَلا يَحلُّ لَهُ الفِطْرُ ولا الصَّلاةُ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبها.

                وَإِذَا تَنَقَّلَ الصَّائِمُ بَيْنَ بَلَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَثْنَاءَ رَمَضَانَ فَيَعْتَدُّ فِي نِهَايَةِ رَمَضَانَ وَفِي العِيدِ بِالبَلَدِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَيُعَيِّدُ مَعَ أَهْلِهَا؛ فَإِنْ كَانَ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلاَثِينَ يَوْمًا فَفِعْلُهُ صَحِيحٌ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَامَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى يَوْمًا بَعْدَ العِيدِ.

                وَإِذَا تَهَيَّأَتْ لَهُ العُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ، وَوَصَلَ مَكَّةَ فِي النَّهَارِ صَائِمًا، وَكَانَ بَيْنَ أَنْ يَتِمَّ صَوْمَهُ وَيُرْجِئَ عُمْرَتَهُ إِلَى اللَّيْلِ، أَوْ يُفْطِرَ وَيُبَادِرَ بِالعُمْرَةِ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُبَاشِرَ العُمْرَةَ؛ أَخْذًا بِرُخْصَةِ السَّفَرِ، وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فِي المُبَادَرَةِ بِالنُّسُكِ.

                تِلْكُمْ كَانَتْ جُمْلَةً مِنْ أَحْكَامِ المُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّ رُخْصَةَ اللهِ تَعَالَى لَهُ هِيَ الفِطْرُ وَالقَضَاءُ، وَهِيَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ؛ لِئَلاَّ تَحُولَ العِبَادَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْفَارِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ؛ وَلِيَقُومُوا بِفَرَائِضِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ.

                يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

                بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ...




                الخطبة الثانية
                الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

                أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ الكَرِيمِ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الذُّنُوبِ، وَالإِقْبَالِ عَلَيْهِ بِالطَّاعَاتِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَاصْطِبَارِهَا عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ، يَرْبَحُ فِيهَا العَامِلُونَ، وَيَخْسَرُ فِيهَا العَابِثُونَ؛ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

                أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، لِنُجَدِّدْ قُبَالَةَ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ عَهْدَنَا مَعَ اللهِ تَعَالَى، بِلُزُومِ التَّوْبَةِ وَكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، وَالإِقْلاَعِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى الفَرَائِضِ، وَتَعْوِيدِ النَّفْسِ عَلَى لُزُومِ المَسَاجِدِ، وَالتَّبْكِيرِ إِلَى الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ، وَكَثْرَةِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ.

                وَفِي الاسْتِغْفَارِ سِرٌّ عَجِيبٌ فِي قُوَّةِ قَلْبِ العَبْدِ وَبَدَنِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَلْنُكْثِرْ مِنْهُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الشَّهْرَ الكَرِيمَ، قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ نَبِيُّ اللهِ تَعَالَى هُودٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَدْعُو قَوْمَهُ: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ

                عِبَادَ اللهِ، وَلْنُطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنْ غِشِّهَا وَبَلاَبِلِهَا وَأَحْقَادِهَا وَحَسَدِهَا، وَلْنَجْعَلْهَا صَافِيَةً نَقِيَّةً عَلَى إِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ؛ فَنَصِلُ القَرَابَةَ الَّتِي قَطَعْنَا، وَلْتَمْتَدَّ أَيْدِينَا بِمُصَافَحَةِ مَنْ جَفَانَا؛ إِذْ لاَ يَلِيقُ أَبَدًا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْنَا الشَّهْرُ الكَرِيمُ وَفِي قُلُوبِنَا شَيْءٌ عَلَى إِخْوَانِنَا، وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا أَنَّ رَفْعَ أَعْمَالِنَا مَرْهُونٌ بِسَلاَمَةِ قُلُوبِنَا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: « تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

                فَلْيَتَخَيَّلْ كُلُّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُؤْمِنٍ شَحْنَاءُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ صَدِيقٍ أَوْ زَمِيلِ عَمَلٍ، أَنَّهُ يَصُومُ نَهَارَ رَمَضَانَ، وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، وَيَمُدُّ مَوَائِدَ الإِفْطَارِ، وَيَبْذُلُ الصَّدَقَةَ وَالإِحْسَانَ، ثُمَّ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ مِنْ رَمَضَانَ تُرْفَعُ أَعْمَالُ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَعَمَلُهُ مَوْقُوفٌ عَنِ الرَّفْعِ حَتَّى يَصْطَلِحَ مَعَ أَخِيهِ وَيُزِيلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنْ شَحْنَاءَ.

                وَاللهِ لَوْ أَنَّ رَاتِبَ المُوَظَّفِ أُوقِفَ، أَوْ أُوقِفَتْ أَرْبَاحُ التَّاجِرِ، أَوْ كِرَاءُ المُؤَجِّرِ، شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ مِنْ أَجْلِ خُصُومَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، لأَزَالَهَا مَهْمَا عَظُمَتْ أَسْبَابُهَا، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ أَنْ يُبْقِيَ فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءَ عَلَى قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ زَمِيلٍ أَوْ صَدِيقٍ أَدَّتْ إِلَى التَّهَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ أَشْهُرًا عِدَّةً وَرُبَّما سَنَوَاتٍ، تَوَقَّفَ خِلَالَهَا عَرْضُ العَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى اللهِ تَعَالَى؟!

                وَقَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ الصِّيَامَ سَبَبٌ لِإِزَالَةِ مَا فِي القَلْبِ مِنَ الغِشِّ وَالغِلِّ وَالشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ، فَلْيَكُنْ صَيَامُنَا مُزِيلاً لِضَغَائِنِ قُلُوبِنَا، وَلْنُصْلِحْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، وَإِذَا حَقَّقَ العَبْدُ التَّوْبَةَ فَقَدْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وَإِذَا صَالَحَ إِخْوَانَهُ وَوَاصَلَهُمْ فَقَدْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الخَلْقِ، فَيَكُونُ مُتَهَيِّئًا لِرَمَضَانَ تَهَيُّئًا حَسَنًا، فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَصُونَ الصِّيَامَ، وَيُحْسِنَ الْقِيَامَ، وَيُكْثِرَ الإِحْسَانَ، فَتُرْفَعُ أَعْمَالُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ.

                وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...




                ************************************************


                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : إبراهيم بن محمد الحقيل








                تعليق

                • سُلاف
                  مشرفة المواضيع الإسلامية
                  من مؤسسين الموقع
                  • Mar 2009
                  • 10535





                  مِنْهَـاجُ الْمُسْلِـمِ فِي رَمَضَـــان






                  إِنَّ الْحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
                  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
                  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
                  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.

                  أَمَّا بَعْدُ:

                  فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ سيدنا مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

                  أَحِبَّتِي فِي اللهِ:

                  إِنَّنَا مَعَ وِفَادَةِ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَقُومُ لَيْلَهُ، وَنَصُومُ نَهَارَهُ، وَنَمْنَعُ النَّفْسَ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي أَمَرَنَا اللهُ بِتَرْكِهَا طَاعَةً لَهُ، وَعَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي بِمُخْتَلِفِ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا، فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ- هَذَا الضَّيْفَ الْعَزِيزَ الَّذِي لاَ يَفِدُ إِلَيْنَا إِلاَّ مَرَّةً فِي الْعَامِ- يَعْرِفُهُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، لأَِنَّهُمْ هُمْ أَنْفُسُهُمُ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ حَقَّهُ، وَيُقَدِّرُونَهُ قَدْرَهُ، فَيُكْرِمُونَ وِفَادَتَهُ صِدْقاً وَعَدْلاً، قَالَ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

                  وَلأَِهَمِّيَّةِ هَذَا الشَّهْرِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَالْعُصُورِ، فَقَدْ رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ بِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ ، فَجَعَلَ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِيهِ، فِي أَوَّلِهِ وَوَسِطِهِ وَآخِرِهِ، وَلِهَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْ أَبْرَزِ فَضَائِلِهِ:

                  أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلاَّ هَذَا الْفَضْلُ لَكَفَى، وَلَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ الْعَمِيمِ، وَالثَّوَابِ الْكَثِيرِ، وَالأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضَائِلِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى، وَأَكْرَمُهَا مِنَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِمْ، وَرَفْعُ دَرَجَاتِهِمْ، وَمُضَاعَفَةُ حَسَنَاتِهِمْ، وَإِقَالَةُ عَثَرَاتِهِمْ، يُعْتِقُ اللهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ.. وَيُنَادِي مُنَادٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ مَنْ حُرِمَهَا حُرِمَ خَيْراً كَثِيراً، لَيْلَةٌ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، إِنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فِيهِ انْتَصَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَهَمِّ الْمَعَارِكِ الْفَاصِلَةِ ضِدَّ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، فَكَانَتْ مَعْرَكَةُ بَدْرٍ نَمَوْذَجاً لِلْعَزِيمَةِ وَالصَّبْرِ فِي الشَّهْرِ الْفَضِيلِ، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْخَصَائِصِ أَيْضاً: أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

                  أَحِبَّتِي فِي اللهِ:

                  وَمِثْلُ مَا لِهَذَا الشَّهْرِ مِنْ فَضَائِلَ، فَإِنَّ هُنَاكَ وَظَائِفَ شَرْعِيَّةً فِي رَمَضَانَ بَيَّنَهَا رَسُولُنَا الْكَرِيمُ سيدنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِسُنَّتِهِ الْقَوْلِيَّةِ وَسِيرَتِهِ الْعَمَلِيَّةِ، وَهَذِهِ الْوَظَائِفُ تَتَضَمَّنُ أُمُوراً مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَشْمَلُ شَهْرَهُ كُلَّهُ مُفْعَمَةً بِأَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَعَلَى هَدْيِ هَذِهِ الْوَظَائِفِ يَكُونُ مَنْهَجُ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَسِيرُ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ كَيْ يَظْفَرَ بِالْقَبُولِ وَالرِّضْوَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى:

                  أَوَّلاً: الإِحْسَانُ فِي الصِّيَامِ؛ فَالْعِبْرَةُ -أَيُّهَا الأَحْبَابُ- لَيْسَتْ بِتَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَطْ، وَلَكِنْ بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ حَالِنَا عِنْدَ رَبِّنَا بِصِيَامٍ كَرِيمٍ، وَالإِحْسَانِ فِيهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال : قال رسول اللع صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»

                  وَمِثْلُهُ حِفْظُ النَّفْسِ مِنَ الاِقْتِرَابِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يَخْدِشُ أَوْ يُزَلْزِلُ بُنْيَانَ الصِّيَامِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، فَإِذَا صَامَ الْمُؤْمِنُ صَامَ مَعَهُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَلِسَانُهُ وَجَمِيعُ جَوَارِحِهِ، وَلاَ يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِهِ وَيَوْمُ فِطْرِهِ سَوَاءً، وَعَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَحْذَرَ الْغَضَبَ بِحُجَّةِ أَنَّهُ صَائِمٌ، إِذْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ سَبَباً فِي سَكِينَةِ نَفْسِهِ لاَ فِي ثَوْرَتِهَا، وَإِذَا ابْتُلِيَ بِجَاهِلٍ أَوْ شَاتِمٍ فَلاَ يُقَابِلْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَعِظَهُ وَيَنْصَحَهُ.
                  ثانيا : إحياء ليله بالقيام ؛ فينبغي على المسلم ان يحافظ على صلاة التراويح وهي قيام رمضان
                  فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
                  «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً

                  وَيُسْتَحْسَنُ أَنْ يَقُومَ الْمُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْتَهِيَ لِيُكْتَبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا، حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ].

                  ثَالِثاً: الدُّعَاءُ: وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُلِحَّ عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ وَالاِسْتِغْفَارِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي حَالِ صِيَامِهِ، وَعِنْدَ سَحُورِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] وَوَرَدَ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي حَالِ الصِّيَامِ وَعِنْدَ الإِفْطَارِ، وَأَنَّ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَةِ دُعَاءَ الصَّائِمِ حَتَّى يُفْطِرَ أَوْ حِينَ يُفْطِرُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ بِالإِجَابَةِ، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

                  رَابِعاً: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: فَشَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ

                  وَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَدَارَسَ الْقُرْآنَ مَعَ غَيْرِهِ لِيَفُوزُوا بِالْكَرَامَاتِ الأَرْبَعِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ فعن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

                  خَامِساً: الْعُمْرَةُ: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، فَانْظُرُوا -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- لِهَذَا الْفَضْلِ، مَا أَعْظَمَهُ! وَمَا أَفْضَلَهُ!.

                  سَادِساً: الْجُودُ وَالْكَرَمُ : وَلَنَا فِي رَسُولِنَا الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ، فَقَدْ كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا الْجُودُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَعَانِي الصَّدَقَةِ، وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ، إِذِ الْجُودُ: هُوَ سَعَةُ الْعَطَاءِ وَكَثْرَتُهُ، وَهَذَا شَامِلٌ لِكَثِيرٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

                  سَابِعاً: تَفْطِيرُ الصَّائِمِ: فَقَدْ حَضَّ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَثِيرَ الأَجْرِ وَعَظِيمَ الثَّوَابِ؛ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

                  ثَامِناً: تَحَرِّي الْحَلاَلِ وَتَجَنُّبُ الْحَرَامِ: فَعَلَى الْمُسْلِمِ الصَّائِمِ أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَتِجَارَتُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِنْ حَلاَلٍ، وَإِذَا كَانَ يَتَوَرَّعُ عَنِ الْحَرَامِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَفِي رَمَضَانَ أَوْلَى، فَلاَ مَعْنَى لأَِنْ يَصُومَ عَنِ الْحَلاَلِ وَيُفْطِرَ عَلَى الْحَرَامِ.

                  تَاسِعاً: تَنْظِيمُ الْوَقْتِ: فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْفَظَ أَوْقَاتَ حَيَاتِهِ الْقَصِيرَةِ الْمَحْدُودَةِ فَيَشْغَلَهَا فِيمَا يَنْفَعُهُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَيَصُونَهَا عَمَّا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَخُصُوصاً أَوْقَاتَ شَهْرِ رَمَضَانَ الشَّرِيفَةَ الْفَاضِلَةَ الَّتِي لاَ تُعَوَّضُ وَلاَ تُقَدَّرُ بِكُنُوزِ الدُّنْيَا، وَهِيَ شَاهِدَةٌ لِلطَّائِعِينَ بِطَاعَاتِهِمْ، وَشَاهِدَةٌ عَلَى الْعَاصِينَ وَالْغَافِلِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَغَفَلاَتِهِمْ .

                  إِخْوَانِي الأَحْبَابَ:

                  يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الرَّاجِي رَحْمَةَ رَبِّهِ، الْخَائِفِ مِنْ عَذَابِهِ، أَنْ يُرَاقِبَ اللهَ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ؛ فِي سِرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ.

                  وَمِنْ عَلاَمَاتِ الْقَبُولِ لُزُومُ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِمَا سَبَقَ سَبِيلُ السَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ، وَالْقَبُولِ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَبُلُوغِ التَّقْوَى الصَّادِقَةِ.

                  بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَجَعَلَنَا لِنَبِيِّنَا مُتَّبِعِينَ، وَبِشَرِيعَتِهِ مُحَكِّمِينَ، وَبِسُنَّتِهِ مُهْتَدِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً.

                  الخطبة الثانية

                  الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الأَنْبِيَاءِ إِخْوَانِهِ، وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

                  أَيُّهَا الأَحْبَابُ الْكِرَامُ:

                  أَعْلَمُ أَنَّ فَرِيضَةَ الصِّيَامِ وَأَحْكَامَهُ الْفِقْهِيَّةَ وَاضِحَةٌ عِنْدَكُمْ، وَأَمَّا الْوَظِيفَةُ الْكَامِلَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ حِفْظُهَا فِي شَهْرِ الصَّبْرِ وَالطَّاعَاتِ: هِيَ الْكَفُّ عَنِ الْمَسَاوِئِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الأَذَى، وَحِفْظُ الْبَاطِنِ، وَأَدَاءُ حَقِّ الظَّاهِرِ بِالاِلْتِزَامِ بِأَحْكَامِ الإِسْلاَمِ، وَاتِّبَاعِ سُّنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فَإِصْلاَحُ الْبَاطِنِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَادَةِ الصِّيَامِ، مِنْ مُنْطَلَقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، وَاللهَ نَسْأَلُ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ لَنَا جَمِيعاً.

                  وَمِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي أَحُثُّ أَحِبَّتِي فِي اللهِ عَلَى الْحِرْصِ عَلَيْهَا: تَعْجِيلُ الإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ؛ فَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ بِذَلِكَ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَكَانَ بَيْنَ سُحُورِهِ وَقِيَامِهِ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً.

                  وَيَا أَيُّهَا الأَحْبَابُ، كُونُوا عَلَى شَوْقٍ وَتَرَقُّبٍ لأَِكْرَمِ وَأَعْظَمِ لَيْلَةٍ، أَلاَ وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، بِحُسْنِ تَحْرٍّ لَهَا: بِالْعَمَلِ وَحُسْنِ الْعِبَادَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

                  أَحِبَّتِي فِي اللهِ:

                  صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى، وَالنَّبِيِّ الْمُجْتَبَى، أَفْضَلِ الْخَلْقِ شَرَفاً وَنَسَباً، وَأَعْظَمِ الْبَشَرِيَّةِ عِزّاً وَمَجْداً، مُمْتَثِلِينَ أَوَامِرَ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلاَ، حَيْثُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى عِبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

                  اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَالِحَ أَعْمَالِنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْقَائِمِينَ وَالْقَائِمَاتِ، وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُحْسِنَاتِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ جُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ، يَا خَيْرَ النَّاصِرِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النِّيرَانِ. وَوَفِّقِ - اللَّهُمَّ – وُلاَةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.




                  *******************************************


                  من خطب وزارة الأوقاف الكويتية







                  التعديل الأخير تم بواسطة سُلاف; الساعة 07-12-2013, 01:32 PM.


                  تعليق

                  • سُلاف
                    مشرفة المواضيع الإسلامية
                    من مؤسسين الموقع
                    • Mar 2009
                    • 10535








                    فضـل صلـة الرحــم




                    أمّا بعد: فاتقوا الله أيّها المسلمون، وأدّوا الحقوقَ لأربابها، وأوصِلوها لأصحابها، يكتبِ الله لكم عظيمَ الثواب، ويجزكم على ذلك ثوابًا عظيمًا، ويجِركم من أليم العقاب.

                    واعلموا ـ عباد الله ـ أن ربَّكم بمنِّه وكرمه فصَّل في كتابه كلَّ شيء، وأرشدكم رسولُ الهدى عليه الصلاة والسلام إلى ما يقرِّبكم من الجنّة وما يباعدكم من النار ويسعدكم في هذه الدار، فبيَّن الحقوقَ التي لربِّ العالمين على عباده؛ لأنّ حقَّ الله علينا أعظم ما افترضه وأكبر ما أوجبه، ولكنّ الله برحمته فرض علينا بعضَ ما في وُسعنا، وإلاَّ فحقّ الله أن يُذكَر فلا ينسَى، وأن يطاع فلا يُعصَى، وأن يشكَر فلا يكفَر.

                    وبيَّن الله حقوقَ العباد بعضِهم على بعض؛ لتكونَ الحياة آمنة مطمئنّة راضية مباركة، تظلُّها الرحمة، وتندفع عنها النِّقمة، ويتمّ فيها التعَاون، ويتحقّق فيها التناصُر والمودّة، فبيَّن حقوقَ الوالدين على الولَد وحقوقَ الولد على الوالدين وحقوقَ ذوي القربى والأرحام بعضِهم على بعض.

                    وكلٌّ يُسأَل عن نفسِه في الدنيا والآخرة عن هذه الحقوقِ الواجبات، فإن أدَّاها وقام بها على أحسنِ صِفة كان بأعلى المنازل عند ربِّه تبارك وتعالى، وقام بأداء هذه الأمانة التي أشفَقت منها السموات والأرض والجبال، ومن ضيَّع هذه الحقوقَ كان بأخبثِ المنازل عند ربّه الذي هو قائم على كلّ نفس بما كسبت، لا يعزُب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.

                    عباد الله، إنَّ صلةَ الرحم حقٌّ طوَّقه الله الأعناقَ، وواجبٌ أثقل الكواهلَ وأشغل الذمم. والأرحامُ هم القراباتُ من النَّسَب والقرابات من المصَاهرة.

                    وقد أكَّد الله تعالى على صِلة الأرحام وأمَر بها في مواضعَ كثيرة من كتابه، فقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) ، وجعل صلةَ الرحم بعد التّقوى من الله تعالى فقال عز وجل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

                    ولعِظم صلةِ الرحم ولكونها من أسُسِ الأخلاق وركائز الفضائلِ وأبواب الخيرات فرَضها الله في كلِّ دين أنزله، فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وفي حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال أولَ مقامٍ بالمدينة: ((أيّها الناس، أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعام وصِلوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلُوا الجنة بسلام)) رواه البخاري.

                    وثوابُ صِلة الرحِم معجَّل في الدنيا مع ما يدَّخر الله لصاحبِها في الآخرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه وأن يُنسَأَ له في أثره فليصِل رحمه)) رواه البخاري والترمذي ولفظه قال: ((تعلَّموا من أنسابِكم ما يَصِلون به أرحامكم، فإنّ صلَة الرحم محبَّةٌ في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر))

                    وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن يُمَدّ له في عُمُره ويوسَّع له في رزقه ويُدفع عنه ميتةُ السوء فليتَّق الله وليصِل رحمه)) رواه الحاكم والبزار، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله ليعمِّر بالقوم الديار، ويثمِّر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلَقَهم بُغضًا لهم))، قيل: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: ((بصِلَتهم أرحامَهم)) رواه الحاكم والطبراني، قال المنذري: "بإسناد حسن"
                    وعن أبي بكرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة من البغيِ وقطيعة الرحم)) رواه ابن ماجه والترمذي والحاكم، وعن أبي بكرةَ رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ أعجل البرّ ثوابًا لصِلةُ الرحم، حتى إنَّ أهلَ البيت ليكونون فَجَرة، فتنمو أموالهم ويكثُر عددهم إذا تواصلوا)) رواه الطبراني وابن حبان.
                    وصلة الرحِم لها خاصّيّة في انشراحِ الصدر وتيسُّر الأمر وسماحةِ الخلُق والمحبّة في قلوب الخلق والمودَّة في القربى وطيب الحياة وبركتها.

                    والمسلم فرضٌ عليه صلةُ الرحم وإن أدبَرت، والقيامُ بحقِّها وإن قطَعت، ليعظمَ أجرُه ويقدِّم لنفسه، وليتحقّق التعاون على الخير، فإنَّ صلَة الرحم وإن أدبرت أدعى إلى الرجوعِ عن القطيعة وأقربُ إلى صفاء القلوب، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بخصالٍ من الخير: (أوصاني أن لا أنظرَ إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحبّ المساكين والدُنُوِّ منهم، وأوصاني أن أصِلَ رحمي وإن أدبرت، وأوصاني لا أخاف في الله لومة لائم) رواه الإمام أحمد وابن حبان
                    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابةً أصِلُهم ويقطعوني، وأحسِن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلُم عليهم ويجهَلون عليّ، فقال: ((إن كنتَ كما قلت فكأنما تسفُّهم الملّ ـ أي: الرماد الحار ـ، ولا يزالُ معك من الله عليهم ظهير ما دمتَ على ذلك)) رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الواصلُ بالمكافئ، ولكنّ الواصل الذي إذا قطعت رحمُه وصلها)) رواه البخاري.

                    وقطيعةُ الرحِم شؤمٌ في الدنيا ونَكَد وشرّ وحَرج وضيقٌ في الصدر وبُغض في قلوب الخلقِ وكراهةٌ في القربى وتعاسَة في أمور الحياة وتعرّضٌ لغضَب الله وطردِه وعقوبةٌ أليمة في الآخرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله خلق الخلقَ حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال الله: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلَك وأقطعَ من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك))
                    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) )) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ أعمالَ بني آدم تعرَض كلَّ خميس ليلةَ الجمعة فلا يقبَل عملُ قاطع رحِم)) رواه أحمد
                    وعن الأعمش قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا بعد الصبح في حلقة فقال: (أنشد الله قاطع رحم لما قام عنا، إنَّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا، وإنَّ أبواب السماء مُرتَجَة دون قاطِع رحم) رواه الطبراني، وعن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمنُ الخمر وقاطع الرحم ومصدِّقٌ بالسحر)) رواه أحمد والطبراني والحاكم.

                    أيها المسلمون، إنَّ صلةَ الرحِم هي بذلُ الخير لهم وكفُّ الشرّ عنهم، هي عيادةُ مريضهم ومواساة فقيرهم ونفع وإرشاد ضالّهم وتعليمُ جاهلهم وإتحاف غنيّهم بالهدية له ونحوها ودوامُ زيارتهم والفرحُ بنعمتهم والتهنئة بسرورهم والحزنُ لمصيبتهم وتفقُّدُ أحوالهم وحفظهم في غيبتهم وتوقيرُ كبيرهم ورحمةُ صغيرهم والصبر على أذاهم وحسنُ صحبتهم والنصحُ لهم، وفي مراسيل الحسن: ((إذا تحابَّ الناس بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا بالأرحام لعنهم الله عند ذلك، فأصمَّهم وأعمى أبصارهم)).

                    وإنَّ القطيعة بين الأرحام في هذا الزمان قد كثُرت، وساءت القلوب، وضعُفت الأسباب، وعامّةُ هذه القطيعة على الدنيا الحقيرة وعلى الحظوظ الفانية، فطوبى لمن أبصر العواقبَ، ونظر إلى نهاية الأمور، وأعطى الحقَّ من نفسه، وأبدى الذي عليه، ورغب إلى الله في الذي له على غيره، وأتى إلى الناس ما يحبُّ أن يأتوه إليه.
                    وإنَّ القطيعةَ المشؤومة قد تستحكم وينفخ الشيطان في نارها، فيتوارثها الأولاد عن الآباء، وتقع الهلكة وتتَّسع دائرة الشرّ، ويكون البغي والعدوان، وقد تدوم هذه القطيعةُ بين ذوي الرحِم حتى يفرِّق بينهما الموتُ على تلك الحالِ القبيحة، وعند ذلك يحْضر الندم وتثور الأحزان وتتواصَل الحسرات وتتصاعد الزفرات، وعند ذلك لا ينفعُ الندم، ولا يداوي الأسف جراحاتِ القلوب، ويتركون جيفةَ الدنيا بعدَهم، فلا لقاءَ إلاَّ بعد البعث والنشور، فيجثو كلٌّ أمام الله الحَكَم العدل، فيقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.

                    والصبرُ والاحتمال والمعروف والعفو خير الأمور وأفضل دواءٍ لما في الصدور، عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخذتُ بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضلِ الأعمال، فقال: ((يا عقبة، صِل من قطعَك، وأعطِ من حرمك، وأعرض عمّن ظلمك))، وفي رواية: ((واعفُ عمّن ظلمك)) رواه أحمد والحاكم.

                    أيها المسلمون، إنّ المرأةَ قد تكون من أسباب القطيعة؛ بنقلها الكلام وبثِّها المساوئ ودفنها المحاسن وتحريشها للرجال، وقد تَرى لحماقتها أنَّ لها في ذلك مصلحةً، وقد تدفع أولادَها في الإساءة لذوي القربى، فعليها يكونُ الوزرُ، والله لها بالمرصاد.

                    وقد تكون المرأة من أسبابِ التواصل بين الأرحام وتوطيدِ المودّة بينهم؛ بصبرها وتحمُّلها ونصيحتها لزوجها وأولادها وحثِّها على الخير وتربية أولادها، والله عز وجل سيثيبها، ويصلِح حالها وحالَ أولادها، ويحسِن عاقبتها.
                    فيا أيتها المسلمات، اتقِين الله تعالى وأصلِحن بين ذوي القربى، ولا تكن القطيعةُ مِن قِبَلكن، فإنّ الله لا يخفَى عليه خافية، قال الله تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)

                    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.



                    الخطبة الثانية:


                    الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربي وأشكره على فضلِه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له العليم الحكيم، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الهادي إلى صراط مستقيم، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد النبيّ الأميّ ذي الخلُق الكريم، وعلى آله وصحبه ذوي النهج القويم.

                    أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، فتقوى الله أربحُ بضاعة والعدّةُ لكلِّ شدّة في الدنيا ويوم تقوم الساعة.

                    أيّها المسلمون، عظِّموا أوامرَ الله بالعمل بها، وعظِّموا ما نهى الله عنه باجتنابِه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، واعمَلوا للدار الآخرة صالحَ الأعمال، فإنها دار القرار، لا ينفَد نعيمها، ولا يبلى شبابها، ولا تخرب دارها، ولا يموت أهلُها، واتّقوا نارًا وقودُها الناس والحجارة، عذابها شدِيد، وقعرُها بعيد، وطعام أهلِها الزقوم، وشرابهم المهلُ والصديد، ولباسهم القطران والحديد.

                    واعلموا أن لله عمَلاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأعمالُ العباد هي ثوابُهم أو عقابهم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) ، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ربّه تعالى أنه قال: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلاَّ نفسه)). وتذكَّروا تطايرَ صحفِ الأعمال، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)

                    عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)).

                    فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

                    اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارض عن الصحابة أجمعين...


                    *****************************************

                    خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : علي عبد الرحمان الحذيفي






                    تعليق

                    • engalaraby
                      زراعي جديد
                      • Jun 2012
                      • 9

                      لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن بالله عزوجل
                      روي الإمام مسلم وأبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّE قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ m، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ»
                      فإذا كان رسول الله m يوصينا بأن لا نفارق الدنيا إلا ونحن نحسن الظن بالله U الذي يقول في الحديث القدسي الذي أخرجه البُخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً "
                      فمن الخير أن تكون حسن الظن بالله U مهما كانت أخطاؤك ما دمت تبت إلي الله U وندمت علي ما فعلت ، وحسبك ترغيباً لك في هذا قول الحق جلا وعلا في كتابه الكريم : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : 53]
                      وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْآيَةِ (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرفُوا على أنْفُسِهم لَا تَقْنَطوا......الْآيَةَ» فَقَالَ رَجُلٌ: فَمَنْ أَشْرَكَ؟ فَسَكَتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «أَلا وَمن أشرَكَ» ثَلَاث مرَّاتٍ[1]
                      قَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا وَحْشِيٌّ قَاتِلُ حَمْزَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ -دُونَ سَائِرِ الْآيَاتِ. [2]
                      وقيل إن أرجي آية هي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]
                      وقيل هي: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]
                      وعنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5][3]
                      وقال جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (الصادق): فَلَمْ يَكُنْ يَرْضَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ النَّارَ.[4]
                      فكن راجيا رحمة الله تعالي فهو كما رأينا صاحب الكرم والعطاء الذي يقول عنه النبي m كما فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا»[5]
                      واعلم أن الرجاء هو حسن الظن بالله تعالي في قبول طاعة وفقت لها أو مغفرة سيئة تُبت منها، بمعني أن ترجو أن يتقبل الله طاعتك ويغفر معصيتك.
                      أما الطُمأنينة مع ترك الطاعات والإصرار على المخالفات إنما هي أمنٌ وغرور وقد نهي الله عنه فقال: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] أي الشيطان فإنَّهُ يُحسِّنُ لك المعاصي وربما يجرك إليها برجاء في عفو الله وكرمه.
                      وقد وصف الله الراجين بأهم صفاتهم التي يُعرفون بها فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29].
                      كما ذمَّ اللهُ سبحانه وتعالي الذين ينقطعون عن رجائه فقال: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]
                      واستمع معي إلي حديث النبي m الذي رواه الامام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ»
                      وروي الامام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ "
                      وعن عبد الله بن عمر قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]
                      وليس معني هذا أن نتكل علي رحمة الله تعالي وكرمه دون عمل فقد ورد في تفسير الثعلبي بدون اسناد يقال: أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) أن يا موسى ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل، يا موسى كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي (
                      ولهذا قال تعالي عن الذين كتب لهم رحمته: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] ولو انتهت الآية عند هذا الحد لجاز لإبليس عليه اللعنة أن يُطالب بدخول الجنة فهو شيء من الأشياء ، ولكن الله تعالي وهو العليم الخبير لم يترك للأبالسة احتجاجاً لهذا نراه قال بعدها : {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ۝الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف : 157]
                      فإذا كنت من هؤلاء فأنت من أهل افلاح الذين أعد الله لهم في الجنة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر علي قلب بشر.
                      لهذا لا بد وأن تكون مع الرجاء خائفاً من الله U إلي أن تموت حتي تظل مشمراً عن ساعد الجد في طاعته سبحانه وتعالي فقد ورد في الحديث الشريف عن أَبَي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ[6]، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ»
                      وعَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " يأْمُرُ اللهُ تَعَالَى بِإِخْرَاجِ رَجُلَيْنِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَخْرُجَانِ بِسَلَاسِلِهِمَا وَأَغْلَالِهِمَا فَيُوقَفَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: كَيْفَ وَجَدْتُمَا مَقِيلَكُمَا وَمَصِيرَكُمَا؟ فَيقُولَانِ: شَرُّ مَقِيلٍ، وَأَسْوَأُ مَصِيرٍ، فَيقُولُ: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمَا، وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَيَأْمُرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَيمْضِي بِسَلَاسِلِهِ وَأَغْلَالِهِ حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيمْضِي وَهُوَ يتَلَفَّتُ فَيَأْمُرُ بِرَدِّهِمَا، فَيقُولُ لِلَّذِي غَدَا بِسَلَاسِلِهِ وَأَغْلَالِهِ حَتَّى اقْتَحَمَهَا: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ وَقَدِ اخْتَرْتَهَا؟ فَيقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ ذُقْتُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِكَ مَا لَمْ أَكُنْ أَتَعَرَّضْ لِسَخَطِكَ ثَانِيًا، وَيَقُولُ لِلَّذِي مَضَى وَهُوَ يتَلَفَّتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنِّي بِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟ قَالَ: كَانَ ظَنِّي حَيْثُ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنَّكَ لَا تُعِيدُنِي إِلَيْهَا، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ ظَنِّكَ بِي، وَأَمَرَ بِصَرْفِهِمَا إِلَى الْجَنَّةِ "[7]



                      [1] . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) حديث رقم 2360 ص 1635 ج 4

                      [2] . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) حديث رقم 2360 ص 1635 ج 4

                      [3] . كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311هـ) (ص673 ج 2)

                      [4] . المجالسة وجواهر العلم أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي (المتوفى: 333هـ) (7/119)

                      [5] . (أخرجه: البخاري 8/9 (5999)، ومسلم 8/97 (2754) (22) من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، به.

                      [6] . "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ" يقال: أدلج بالتخفيف: إذا سار أول اللَّيل، وأدَّلَج " [بالتشديد] إذا سار من آخره.

                      [7] . حلية الأولياء

                      تعليق

                      • engalaraby
                        زراعي جديد
                        • Jun 2012
                        • 9

                        )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(

                        أما بعدُ :
                        إن آيةً في كتاب ربنا - جل وعلا - عظيمةُ المعاني، جمعت مكارمَ الأخلاق ومحاسِن الأعمال،والتحذير من مساوئها ، تستوجِبُ منا الوقوفَ عندها، والاتعاظَ بتوجيهاتها، والعملَ بمدلولاتها، لتكون لنا نبراسًا لنا في حياتنا ومنهجًا سلوكيا نتبعه ، لنسير في إراداتنا وتوجُّهاتنا وتحرُّكاتنا وتصرُّفاتنا وفق أحكامها، وعلى ضوء مبادئها وقواعدها ومقاصدها.
                        آيةٌ تضمَّنت قواعد عُظمى، ومبادئ كبرى تحصُل بها المصالحُ العُليا، ويتحقَّقُ بالعمل بها السعادةُ الكبرى، قال عنها ابن مسعود - رضي الله عنه -: أجمعُ آيةٍ في القرآن للخير والنهي عن الشر هذه الآية". ويقول الحسن : " لم تترك هذه الآيةُ خيرًا إلا أمَرَت به، ولا شرًّا إلا ونهَت عنه. ويقول قتادة: "ليس من خُلُقٍ حسنٍ يُعمَلُ به ويُستحبُّ إلا أمرَ الله به في هذه الآية، وليس من خُلُقٍ سيءٍ إلا نهى الله عنه في هذه الآية".
                        إنها من جوامع الكلِم الربَّاني الذي خُصَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما قاله الحافظ ابن رجب - e - ولما سمعها أكثم بن صيفي e قال: إني قد أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رءوسا، ولا تكونوا فيه أذنابا
                        وكانت سبباً في إسلام عثمان بن مظعون t لما سمعها فرأى أنها جامعة لخصال الخير والشر ، ورأى أن ديناً يأتي بهذا جدير أن يتبع , وعن الحسن البصري e قال: إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه .([1])
                        إنها قول الله - جل وعلا -: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )النحل: 90 )
                        أيها الأخوة : في هذا النص القرآني ورد الأمر بثلاثة أشياء والنهي عن ثلاثة أشياء , أما الثلاثة التي أمرنا الله U بها هي العدل أولا ثم الإحسان ثم إيتاء ذي القربي .
                        والعدل هو : القاعدة الأصلية في بناء الأمم , إذ هو وضع الشئ موضعه وإقامة الميزان بالقسط وإعطاء كل ذي حق حقه .
                        ولما كان العدل هو الذي يقيم الأمم ويقومها فإن الظلم يدمرها ويهلكها , وقد تضافرت آيات الكتاب العزيز علي بيان ذلك قال تعالي : {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس : 13] وقال تعالي : {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج : 48] وقال تعالي : {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء : 160] , وهكذا تقوم الأمم بالعدل وتهلك بالظلم يقول الحق جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة : 8] .
                        فالبعدل قامت السماوات والأرض وبالعدل تقوم الحياة الهادئة المطمئنة إذ هو ميزان الحياة الصحيحة , به تطمأن النفوس وتنشرح الصدور ويأمن الأفراد علي حقوقهم والحكام علي أنفسهم , فالعاقل من حفظ نفسه من الجور وعدل مع ربه وخالقه ورازقع فعمل بما أمره الله به وترك ما نهاه عنه وراقبه في السر والعلن وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .
                        عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ([2]) وروي عن عُمر بن الخطاب t أنه قال : لو عثرت دابة في العراق لسألني الله عنها لم لم تُمهد لها الطريق يا عمر ؟ ([3])
                        وهذا على كرم الله وجهه عندما يتخاصم إلى القاضى مع يهودى ينادى القاضى على علىّ: يا أمير المؤمنين يا أبا الحسن، ولكن ينادى على اليهودي باسمه.. فيقول علىّ t : والله ما عدلت، كنّيتنى فقلت يا أبا الحسن وناديت الرجل باسمه والله ما عدلت. ولما طعنه عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج قال علىّ t وهو فى سكرات الموت : إن عشت فشأنى به وإن مت فاقتلوه ولا تقتلوا غيره .
                        عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ , فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا، قَالَ: فَعَرَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الدِّرْعَ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي، بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَكَانَ قَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ شُرَيْحٌ، كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَقْضَاهُ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى شُرَيْحٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَامَ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَأَجْلَسَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مَجْلِسِهِ , وَجَلَسَ شُرَيْحٌ قُدَّامَهُ إِلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَا يَا شُرَيْحُ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَقَعَدْتُ مَعَهُ مَجْلِسَ الْخَصْمِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تُصَافِحُوهُمْ، وَلَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَلَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ , وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ، وَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى مَضَايِقِ الطُّرُقِ، وَصَغِّرُوهُمْ كَمَا صَغَّرَهُمُ اللهُ " , اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ، قَالَ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَا أُكُذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الدِّرْعُ هِيَ دِرْعِي قَالَ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا أَرَى أَنْ تُخْرَجَ مِنْ يَدِهِ، فَهَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: صَدَقَ شُرَيْحٌ، قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَمَّا أَنَا، أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَجِيءُ إِلَى قَاضِيهِ، وَقَاضِيهِ يَقْضِي عَلَيْهِ هِيَ وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دِرْعُكَ، اتَّبَعْتُكَ مِنَ الْجَيْشِ وَقَدْ زَالَتْ عَنْ جَمَلِكَ الْأَوْرَقِ، فَأَخَذْتُهَا، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَّا إِذَا أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ، وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ " قَالَ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ [ص:231] الْمُشْرِكِينَ([4])
                        وهذه أيها الأخوة المؤمنون مكانة العدل .
                        أما الإحسان : ففيه زيادة عن العدل وفضل ورحمة وكرم , استمع يا أخي إليه I يقول في شأن العدل : {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى : 39] ويقول في شأن الإحسان : {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى : 37] ويقول في شأن العدل : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى : 40] ويقول في الإحسان : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى : 40] ويقول في شأن العدل : {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى : 41] وفي الإحسان يقول : {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى : 43] .
                        والإحسان قد يرد بمعني آخر كما في حديث النبي m عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَاحْسَبْ نَفْسَكَ مَعَ الْمَوْتَى، وَاجْتَنِبْ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُسْتَجَابَةٌ»([5])
                        هذا المعني للإحسان يرتفع بالنفس البشرية من غياهب الظلمات إلي قمم عالية مضيئة حيث يشتمل علي درجتين : درجة المشاهدة : أن تعبد الله كأنك تراه أي كأنك تشاهده رأي العين , ودرجة المراقبة : فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
                        يروي أنه ذات ليلة خرج عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفى أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء .
                        فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة ( أمر )أمير المؤمنين اليوم؟!
                        قالت الأم: وما كان من عزمته ( أمره )؟
                        قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُشَابُ (أي لا يُخلط ) اللبن بالماء.
                        فقالت الأم: يا بنتاه، قومى إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر.
                        فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا.
                        فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لورعها ومراقبتها لله رب العالمين. وقال:
                        يا أسلم، علِّم الباب ( أي ضع عليه علامة ) ، واعرف الموضع. ثم مضي. فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة ؟ ومن المقول لها ؟ وهل لهما من بعل (زوج).
                        فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر.
                        دعا عمر أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية.
                        فقال عبد اللَّه بن عمر: لى زوجة.
                        وقال أخوه عبد الرحمن: لى زوجة.
                        وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لى فزوِّجني.
                        فبعث إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أمَّا [لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس -رضى اللَّه عنه
                        إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي التي خَلَّدت اسمَها فى التاريخ، بأمانتها وخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، والذى أكرمها فى الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو عمر بن عبد العزيز([6])
                        أيها الأخوة المسلمون : كما سمعتم بإقامة العدل تحيا النفوس , وبالإحسان يرتفع شأنها ولكنه بإيتاء ذي القربي يعم الإخاء والرحمة فليس هناك مكانة تعدل صلة الرحم , وأول الأرحام الوالدان يليهما ألقرب فالأقرب , ويستدل علي المكانة العظيمة التي جعلها رب العزة I للرحم والأرحام ورودها معطوفة علي لفظ الجلالة في قوله تعالي : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1] , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ»([7]) , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» ([8]) , واستمع معي يا أخي وتدبر قول الحق تبارك وتعالي : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ` أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد : 22- 23] , وفي الحديث القدسي عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ»([9]) , وقال البشير المبعوث رحمة للعالمين m : «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمِسْكينِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» ([10])
                        أما النواهي الثلاثة التي شملتها الآية الكريمة فهي الفحشاء والمنكر والبغي , والْفَحْشَاءُ هي : الْفُحْشُ، وَهُوَ كُلُّ قَبِيحٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ . ([11]) لذا نجد القرآن الكريم يعبر عن بعض الذنوب بالفاحشة أو الفحشاء فيقول تعالي في نكاح زوجة الأب : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء : 22] وفي النهي عن جريمة الزنا يقول : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء : 32] , وفي آيةٍ جامعةٍ ينهانا ربُّ العزة تبارك وتعالي عن جميع الفواحش الظاهر منها والباطن أي المخفي فيقول : {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام : 151] وقال تعالي : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف : 33] .
                        وَالْمُنْكَرُ: مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ وَالدَّنَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. ([12])وهو ما أنكرته الفطرة السليمة والأذواق الصحيحة ولا يقره العرف السليم , واستمع معي أخي الكريم إلي قول الحق تبارك وتعالي عن وصية لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان : 17] وقال تعالي : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104]
                        وقياساً علي ما سبق يمكننا تحديد بعض أنواع المنكرات التي علينا أن نتجنبها , فأكل مال اليتيم منكر , والسحر منكر , وقذف المحصنات الغافلات منكر , وقتل النفس منكر , والغيبة والنميمة منكر , وقطع طريق الناس منكر والوقوع في الأعراض منكر , والهمز واللمز منكر .
                        النهيُ الثَالثُ الذي تَضَمنتهُ الآيةُ الكريمة الْبَغْيُ: هُوَ الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ وَالْحِقْدُ وَالتَّعَدِّي، وَحَقِيقَتُهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتِ الْمُنْكَرِ، لَكِنَّهُ تَعَالَى خَصَّهُ بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِهِ لِشِدَّةِ ضَرَرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا ذَنْبَ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ بَغْيٍ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" الْبَاغِي مَصْرُوعٌ". وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ بِالنَّصْرِ. وَفَى بَعْضُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ: لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجُعِلَ الْبَاغِي مِنْهُمَا دكا. ([13])
                        إذن فالبغي يؤدي إلي الظلم والظلم مُحرم قال تعالي : {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر : 18] وقال تعالي : {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [مريم : 38] وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ فَلَا تَظَالَمُوا. ([14])
                        قال الشاعر :
                        لا تَظلِمَن إذا ما كُنتَ مُقتَدِرا
                        فالظُّلمُ تَرجِعُ عُقباهُ إلى النَدَمِ
                        تَنامُ عَينُكَ والمَظلومُ مُنتَبِهٌ
                        يَدعو عَليكَ وعَينُ اللهِ لَم تَنَمِ




                        ويقول آخر:
                        رأيتُ الذُّنوبَ تُميتُ القُلوبَ
                        وقَد يُورِثُ الذُّلَّ إدمانَها
                        وتَركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ
                        وخيرٌ لِنَفسِكَ عِصيانُها




                        أخي المسلم إياك والظلم فإن الرسول k يقول من حديث أبي موسى الأشعرى : ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال : ثم قرأ : )وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( ([15])
                        بقي أمر أخير وهو : أن نقف إلي جوار المظلوم حتي يأخذ حقه ونلمس هذا في الحديث القدسي الذي أخرجه الطبراني وأبي نعيم في الحلية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ رَبُّكُمْ : وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَنْتَقِمَنَّ مِنَ الظَّالِمِ فِي عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، وَلأَنْتَقِمَنَّ مِمَّنْ رَأَى مَظْلُومًا فَقَدِرَ أَنْ يَنْصُرَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ " .
                        وليكن مثلك الأعلي رسول الله m فقد ورد أن أبا جهل الَّذي اشترى إبل رجلٍ من غير أهل مكَّة ثمَّ ماطله في دفع الثَّمن حتَّى كاد الرَّجل ييأس من الحصول على حقِّه، ثمَّ بدا له أن يستعين بالملأ من قريش، فوقف على ناديهم واستنصرهم على أبي جهل، فدلُّوه على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هازئين لعلمهم مقدار ما يكنُّه أبو جهل من العداوة لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فعلوا ذلك وهم يمنون أنفسهم برؤية النَّبيِّ -صلِّى الله عليه وسلَّم- في موقف الجبان المتخاذل عن نصرة الضَّعيف أو المهان تحت غشم أبي جهل.
                        فأقبل الرَّجل -وهو لا يفطن لمراد القوم- حتَّى وقف على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا عبد الله إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حقٍّ لي قبله وأنا رجلٌ غريبٌ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجلٍ يأخذ لي حقِّي منه فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقِّي منه يرحمك الله، فقام معه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلمَّا رأوه قام معه قالوا الرَّجل ممَّن معهم اتبعه فانظر ماذا يصنع.
                        وخرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتَّى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال: محمَّد، فاخرج إليَّ وما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه فقال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أعط هذا الرَّجل حقه، قال: نعم لا تبرح حتَّى أعطيه الَّذي له، فدخل فخرج إليه وأعطاه حقَّه ثمَّ انصرف -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقال للرَّجل الحقّ بشأنك فأقبل الرَّجل حتَّى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيرًا فقد والله أخذ لي حقِّي.
                        ثمَّ لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا -وقد جنَّ جنونهم- ويلك؟ مالك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط؟! قال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب على بابي وسمعت صوته فملئت رعبًا ثمَّ خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلًا من الإبل ما رأيت مثله قط والله لو أبيت لأكلني .
                        فإذا فعلت ذلك أخي المسلم ستكون إن شاء الله تعالي من الذين سيثبتهم الله تعالي علي الصراط يوم تزول الأقدام .


                        [1] . رواه البيهقي في شعب الإيمان

                        [2] . رواه البخاري ومسلم وفي مسند ابي داود الطيالسي ومصنف عبد الرزاق الصنعاني ومصنف ابن ابي شيبة ومسند غسحاق بن راهويه ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي والسنن الكبري للنسائي وسنن النسائي ومسند أبي يعلي الموصلي والمنتقي لابن جارود ومستخرج أبي عوانة وشرح مشكل الآثار للطحاوي وشرح معاني الآثار للطحاوي ومعجم ابن الأعرابي وصحيح ابن حبان وتثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم والسنن الكبري للبيهقي ومعرفة السنن والآثار للبيهقي وجزء علي بن محمد الحميدي ودلائل النبوة للبيهقي .

                        [3] . الأثر بلاغا عن الأوزاعي بلفظ :أن عمر بن الخطاب قال : لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها ) عند البيهقي في الشعب وأبي نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق
                        وقد جاء موصولا في أنساب الأشراف : حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عاصم بن عمر عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن عن حاطب عن أبيه عن عمر أنه قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها.
                        وجاء في كتاب (محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ) - (ج 2 / ص 621)(وهو كتاب نفيس)
                        وعن داود بن علي ( ابن عبد الله بن عباس، أمير مكّة وغيرها، مقبول، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة. (التقريب ص 199). قال: قال عمر رضي الله عنه "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن اللّه عز وجل سائلي عنها يومالقيامة"( أبو نعيم: الحلية 1/53. ).
                        وعن عبد اللّه بن عمر قال: كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: لو مات جدي بطف( الشاطئ ) الفرات لخشيت أن يحاسب اللّه به عمر(ابن الجوزي: مناقب ص 161، ومسدد عن الحسن بنحوه كما في المطالب العالية 4/41، وابن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب: الطبقات 3/305، وابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن: المنصف 13/277، والطبري: التاريخ 4/202، وهو حسن لغيره. ).
                        وعن علي رضي الله عنه قال: "رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: "يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: "بعير نَدَّ من إبل الصدقة أطلبه" فقلت: "لقد أذللت الخلفاء بعدك، فقال: "يا أبا الحسن لا تلمني [90 / ب] فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً أخذت بشاطيء الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة"
                        وجاء في الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة - بدون سند
                        وقال علي بن أبي طالب: ما رأيت عمر بن الخطاب يغدو على قتل، فقلت: يا أمير المؤمنين، إلى أين؟ فقال: بعير ند من الصدقة أطلبه. فقلت: لقد ذللت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين. فقال: لا تلمني يا أبا الحسن، فوالذي بعث محمداً بالنبوَّة لو أن سخلة ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة إنه لا حرمة لوالٍ ضيع المسلمين.
                        وفي تاريخ الطبري - (ج 3 / ص 272)
                        حدثني يونس بن عبدالاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال حدثنا عبدالرحمن بن زيد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خطب الناس فقال والذي بعث محمدا بالحق لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب قال أبو زيد آل الخطاب يعني نفسه ما يعني غيرها *
                        وفي الطبقات الكبرى (ج 3 / ص 305)
                        أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني عاصم بن عمر ، عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، عن عمر قال : لو مات جمل ضياعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.

                        [4] . رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء .

                        [5] . رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء وفي الأربعون علي مذهب المتحققين من الصوفية ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه . ومن رواية عمر بن الخطاب t : عن عبد الله بن عمر t قال : حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» رواه الإمام أحمد في مسنده وكذا في السنة لعبد الله ومسند أبي داود الطيالسي والفتن لنعيم ابن حماد وسنن ابن ماجة وسنن الترمذي وسنن أبي داود والسنة لابن أبي عاصم وتعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي والقدر للفريابي وسنن النسائي والسنة لأبي بكر بن الخلال وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والشريعة للآجري وسنن الدارقطني والإيمان لابن منده والأسماء والصفات للبيهقي والبعث والنشور للبيهقي والقضاء والقدر للبيهقي والمدخل إلي السنن الكبري للبيهقي وشعب الإيمان للبيهقي والأربعون للنسوي والأربعون حديثا للآجري والأربعون الصغري للبيهقي والضعفاء الكبير للعقيلي ودلائل النبوة للبيهقي .

                        [6] . أخرجها أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال:" بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس المدينة إذ أعيا واتكأ على جانب جدار في جوف الليل وإذا امرأة تقول لابنتها يا ابتناه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت لها يا أمتاه وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم قالت وما كان من عزمته يا بنية قالت إنه أمر مناديا فنادى ألا يشاب اللبن بالماء فقالت لها يا بنية قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فانك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية لآمها يا أمتاه ما كنت لأطيعه في الملأ واعصيه في الخلاء وعمر يسمع كل ذلك فقال يا أسلم علم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسسه حتى أصبح فلما أصبح قال يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بعل فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيّم لا يعل لها وإذا تيك أمها وإذ ليس لهم رجل فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه المرأة, فقال عبد الله لي زوجة وقال عبد الرحمن لي زوجة وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني, فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت وولدت الابنة عمر بن عبد العزيز" قال ابن الجوزي في صفة الصفوة:كذا وقع في رواية الآجري وهو غلط ولا أدري من أي الرواة. وإنما الصواب: فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت عمر بن عبد العزيز كذلك نسبة العلماء" اهـ

                        [7] . صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد ومسند أبي داود الطيالسي ومصنف ابن ابي شيبة والبروالصلة للحسين بن حرب والأدب المفرد للبخاري وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي والسنن الكبري للنسائي والمنتقي لابن الجارود مستخرج أبي عوانة وشرح مشكل الآثار للطحاوي وشرح معاني الآثار للطحاوي وصحيح ابن حبان والمعجم الأوسط للطبراني وحلية ألولياء وطبقات الصفياء وأمالي ابن بشران والسنن الصغير والكبري وشعب الإيمان ومعرفة السنن والآثار للبيهقي والجزء الأول من أمالي ابن اسحاق وتاريخ أصبهان والإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبي يعلى الخليلي، خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني (المتوفى: 446هـ)

                        [8] . أخرجه البخاري في صحيحه وغيره .

                        [9] . صحيح البخاري وصحيح مسلم والأدب المفرد للبخاري ومسند أحمد ومصنف ابن أبي شيبة ومسند أبي يعلي الموصلي وأمالي المحاملي رواية ابن يحي البيع والمعجم الأوسط والمستدرك علي الصحيحين للحاكم والأسماء والصفات للبيهقي والسنن الكبري للبيهقي وشعب الإيمان والزهد لوكيع والزهد لهناد بن السري

                        [10] . صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد ومصنف عبد الرزاق الصنعاني ومسند الحميدي ومسند ابن أبي شيبة ومصنف ابن ابي شيبة والبر والصلة للحسين بن حرب والأموال لابن زنجويه وسنن الدارمي والسنن المأثورة للشافعي وسنن ابن ماجة وسنن ابي داود وسنن الترمذي والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم وسنن النسائي والسنن الكبري للنسائي والكني والأسماء للدولابي وصحيح ابن خزيمة وشرح مشكل الآثار للطحاوي ومكارم الأخلاق للخرائطي و الفوائد المشهور بـ (الغيلانيات) لأبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدوَيْه البغدادي الشافعي البزَّاز (المتوفى: 354هـ) وصحيح ابن حبان والمعجم الأوسط والمعجم الكبير للطبراني ومعجم ابن المقرئ والترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين والمستدرك علي الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء ومسند الشهاب القضاعي والسنن الصغري للبيهقي والسنن الكبري للبيهقي وشعب الإيمان ومعرفة السنن والآثار للبيهقي والنفقة علي العيال لابن أبي الدنيا والأموال للقاسم ابن سلام ومعجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي ومعرفة الصحابة لأبي نعيم .

                        [11] . الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) , تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

                        [12] . الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) , تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

                        [13] . الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) , تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

                        [14] . صحيح البخاري رقم 490 - بنص : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ - أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ فَلَا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَلَا أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مِنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْكُمْ، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، وَلَوْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، وَلَوِ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ أَنْ يُغْمَسَ فِيهِ الْخَيْطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أَجْعَلُهَا عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومُ إِلَّا نَفْسَهُ» كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَى عَلَى رُكْبَتَيْهِ [قال الشيخ الألباني] : صحيح وكذا في صحيح مسلم وابن حبان وفي الدعاء للطبراني والمعجم الأوسط والمعجم الصغير للطبراني والمعجم الكبير للطبراني ومسند الشاميين للطبراني والترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين والإيمان لابن منده والمستدرك علي الصحيحين للحاكم وفوائد تمام وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعةأبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي (المتوفى: 418هـ) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء وأمالي ابن بشران الجزء الأول والآداب للبيهقي والأسماء والصفات للبيهقي والقضاء والقدر للبيهقي وشعب الإيمان للبيهقي ومشيخة ابن طهمان والدعء للطبري وحسن الظن بالله لابن أبي الدنيا وتهذيب الآثار مسند ابن عباس والزهد لابن حنبل والزهد لهناد بن السري ومعجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي ومعرفة الصحابة لأبي نعيم وغريب الحديث لإبراهيم الحربي .

                        [15] . متفق عليه .




                        تعليق

                        • engalaraby
                          زراعي جديد
                          • Jun 2012
                          • 9

                          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
                          أما بعدُ:
                          فإنّ الإنسان لا يمكن أن يعيش وحيدا منعزلاً عن الناس , مستغنٍ عنهم , فالإنسان مدني بطبعه كما يقول الشاعر :
                          الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ -- بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
                          وحركة الحياة تُلزم الناس بالتعامل والتعاون : تحتاج لصاحب حرفة ( نجّار أو بنّاء أو غيره ) كما تحتاج للطبيب والمهندس والمدرس , تضطر إلي الإقراض أو الإقتراض , والناس أثناء تعاونهم يتفقون ويتواعدون ويرتبطون بعهود ومواثيق , وتتوقف مصالحهم في الوفاء بتلك العهود والإلتزام بتلك المواثيق .
                          ولو تصورنا مجتمعا لا يلتزم أفراده بتعاقداتهم ومواثيقهم ولا يوفون لبعض بما تعاهدوا عليه لرأيناه مجتمعا قبيحا تتعطل فيه المصالح وتتوقف الشئون ويصبح المجتمع لايطاق لا يثق فيه أحد بأحد , قلوبهم متنافرة وصدورهم مملؤة بالعداوة والبغضاء .
                          أما الإسلام فقد رسم مجتمعا يعلم أن الوفاء بالعهد شرف يحمله علي عاتقه , وأنّه قيمة انسانية عظمي تدعم الثقة بين أفراد المجتمع .
                          فالمسلم انسان يفي بعهده ينتهي دائما عند كلمته – كما ينتهي الماءُ عند شُطآنه - لأنّ الإسلام أوجب علي المسلمين الوفاء بالعقود والعهود والوعود .
                          والعقود أو العهود أو الوعود " هي كل ما التزم به المسلم باختياره , مع ربه أو مع الناس " يقول تعالي في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة : 1] وقال تعالي : {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء : 34] وقال تعالي : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل : 91] وقال تعالي : {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام : 152] .
                          في الإسلام من يوفون بالعهد ولا ينقضون مواثيقهم فهم من أولي الألباب أهل الحكمة والعقل قال تعالي : {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ` الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد : 19-20] , وهم الموفقون إلي البر والخير وهم الذين صدقوا قال تعالي : { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة : 177] , وهم من المفلحين قال تعالي : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)} [المؤمنون : 1 - 8] .
                          والعهود التي يرتبط بها المسلم درجات فأعلاها مكانة وأقدسها ذماماً ، العهد الأعظم الذي بين العبد ورب العالمين تبارك وتعالي قال تعالي : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس : 60]
                          تأمل معي هذا الأثر الذي رواه البخاري وغيره عن رجلٍ من صحابة رسول الله m يُعاهد ربه ويُشهد نبيه m عَنْ أَنَسٍ t ، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ»، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ»، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ: " كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إِلَى آخِرِ الآيَةِ " ([1]) , وروي الإمام عن مُسلم عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا» فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ ([2])
                          وزيادة في إعلاء شأن الوفاء وأهله فإنّ الله جل شأنه كما أمر به في كتابه الكريم وأثني علي أهله ووعدهم الجزاء العظيم فإنه نهي عن نقيضه وهو الغدر والنكوص وذمّ أهله وتوعدّهم :
                          فهؤلاء في تعبير القرآن حمقي لا يدرون عاقبة غدرهم فهم بنقضهم للعهد سعوا إلي منفعة في الدنيا عاجلة ولكنهم خسروا دنياهم وأخراهم وقد صورهم القرآن الكريم في صورة امرأة بلهاء تغزل ثم تنقض ما غزلت : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل : 92]
                          والغدر بالعهدوالخلف بالوعد من الصفات التي يُعرف بها المنافقون روي البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ "([3])
                          وانظر إلي هذا الرجل الذي عاهد الله ورسوله ثم نقض عهده فكان من الخاسرين وقص القرآن خبره : {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} [التوبة : 75 - 78]
                          ومن القصص الذي يدل علي شؤم الغدر وعقوق النعمة ما أخرج البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ -، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ "([4])
                          ومن العقود التي يجب الوفاء بها :
                          1. اليمين : وهو عقد وعهد مع مراعاة أن مناط الوفاء والبر أن يتعلق بالخير فلا إبراء ليمين في ظلم ولا لقسم في مأثم فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ([5])
                          2. الدَين : وهو أيضا عقد وعهد يجب الوفاء به روي الطبراني عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ، فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ سَارِقٌ»
                          3. عقد الزواج : وهو من أهم العقود روي الطبراني عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، تَزَوَّجَهَا يَوْمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ زَانٍ، »
                          وفي النهاية علي المسلم أن يكون وفيا بعهده مؤديا لعقده ف عَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعُدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ "
                          واللهُ من وراء القصد
                          انتهيت من كتابته في
                          القليوبية في : ‏‏ ‏الثلاثاء‏، 20‏ جمادى الثانية‏، 1434الموافق : ‏‏30‏/04‏/2013‏ 11:09:12 م
                          العبد الفقير إلي الله تعالي : أحمد محمد العربي


                          [1] . صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أبي داود الطيالسي ومصنف ابن أبي شيبة ومسند الإمام أحمد والمنتخب من مسند عبد بن حميد وسنن الترمذي والجهاد لأبي عاصم والسنن الكبري للنسائي ومستخرج أبي عوانة وصحيح ابن حبان وتثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نُعيم والجهاد لابن المبارك والسير لأبي اسحاق الفزاري ودلائل النبوة للبيهقي ومعرفة الصحابة لأبي نُعيم .

                          [2] . صحيح مسلم ومسند أحمد والأموال لابن زنجويه وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود والسنة لأبي عاصم ومسند البزار والسنن الكبري للنسائي وسنن النسائي ومسند الروياني وصحيح ابن حبان والعجم الكبير للطبراني ومسند الشاميين للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي و تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار – مسند عمر لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)

                          [3] . صحيح البخاري (2459-3178-58) صحيح مسلم (58) مسند أحمد (6768-6864-6879) الترمذي ( 2632) السنن الكبري للبيهقي ( 18845-20087) السنن الكبري للنسائي (8681-11688) صحيح ابن حبان ( 254-255) وغيرهم

                          [4] . رواه البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي

                          [5] . رواه مسلم واحمد وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والدارمي وابن حبان وابن ماجة والنسائي والبيهقي

                          تعليق

                          • سُلاف
                            مشرفة المواضيع الإسلامية
                            من مؤسسين الموقع
                            • Mar 2009
                            • 10535




                            بارك الله فيك أخي العربي على المشاركة في ركن خطب الجمعة

                            سوف نتابع باذن الله معا فشكرا لكم جميعا








                            تعليق

                            • سُلاف
                              مشرفة المواضيع الإسلامية
                              من مؤسسين الموقع
                              • Mar 2009
                              • 10535







                              الالتزامُ بسُنَّةِ النَّبِيِّ







                              إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ خَلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظلماتِ والنورَ، خلقَ الشمسَ والقَمَرَ، خلقَ الملائكةَ والجنَّ والبشرَ، فأَنَّى يُشْبِهُ الخالقُ مخلوقَهُ يستحيلُ أن يُشبِهَ الخالقُ مخلوقَه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدِي يا علمَ الهدَى يا مُعَلِّمَ الناسِ الخيرَ يا أبَا الزَّهراءِ يا محمَّد.

                              أما بعد أَيُّها الأحِبَّةُ المسلمون، أوصِي نفسِي وإياكم بتقوى اللهِ العظيمِ والعمَلِ بِمُقْتَضَى القُرءَانِ الكريمِ الذي بنُزُولِه نسخَ اللهُ الشرائعَ كلَّها والكتبَ السماويةَ كُلَّها وقد أُنزلَ القرءانُ الكريمُ على من لا نبيَّ بعده فهو خاتمُ النبيينَ وهو القائل: "لا نبيَّ بعدي".

                              يقولُ اللهُ عز وجل: ﴿إنَّ اللهَ اصطفى ءادمَ ونوحاً وءالَ إبراهيمَ وءالَ عمرانَ على العالمين﴾.
                              أيها الأحبةُ المسلمون، هؤلاءِ الانبياءُ الذين أولُهم ءادمُ عليه السلامُ وخاتمُهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد وعظوا الناسَ وبلّغوا الناسَ الوحيَ الذي أُنزلَ عليهم ولم يكتُموا شيئًا من الشرعِ الذي أُمرُوا بتبليغِه للناسِ. والأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ بشرٌ وهم أحياءٌ في قبورِهم يُصلون، يُنتفَعُ بهم بعد مماتِهم كما يُنتفعُ بهم حالَ حياتِهم.
                              والنبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كان يخرُج إلى أصحابِه في غيرِ الجمعةِ والأعيادِ يعظُهم وكذلكَ كان يخرُجُ إلى النسوةِ يعظُهن ويذكِّرهُنَّ بالآخرةِ وبما أمرَ اللهُ تبارك وتعالى. وبعد وفاةِ النبيِ عليه الصلاةُ والسلامُ انقطعَ الوحيُ بوفاتِه والشرعُ اكتملَ نزولُه على النبيِ صلى الله عليه وسلم قبلَ وفاتِه.

                              ولنا في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ. فمواعظُهُ عليه الصلاةُ والسلامُ تُضيءُ لنا الطريقَ. مواعظُهُ صلى الله عليه وسلم هي دربُ الخيرِ والهدى لمن أرادَ الرشادَ وأن يبتعدَ عن الشرِ والرَّدى. وفي هذا وردَ هذا الحديثُ عن العرباضِ بنِ ساريةَ رضيَ اللهُ عنه قال: "وعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجِلَتْ منها القلوبُ وذرَفتْ منها العيونُ، فقلنا يا رسولَ اللهِ كأنها موعظةُ مُودِّع فأوصِنا. قال: "أُوصيكُم بتقوى اللهِ عز وجلَّ والسمعِ والطاعةِ" ثم قال: "فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ".

                              أيها الاحبةُ الكرام، هذا الحديثُ الذي رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ فيهِ من جوامِعِ الكلِم التي أُوتِيها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بعباراتٍ سهلةٍ مفهِمَةٍ موجَزَةٍ، يُعطي صلى الله عليه وسلم المعنى الجزيلَ الغزيرَ المفهمَ الواسِعَ، وقد أُوحيَ إليهِ عليه الصلاة والسلام ببعضٍ من أمورٍ ستحصُلُ بعد وفاتِه عليه الصلاةُ والسلام.
                              ففي هذا الحديثِ لمَّا وعظَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً وكانوا كأنَّ على رؤوسِهم الطيرَ، وجِلت قلوبُهم، ذرفَت عيونُهم الدمعَ لأنهم عرفوا الموعظةَ ومعناها الذي يفيدُهم لدُنياهم وءاخرتِهم. فقالوا له أوصِنا. فالوصيةُ التي أوصاهم إياها رسولُ اللهِ التقوى. والتقوى أيها الاحبةُ ليست جبةً وعمامةً ولا لحيةً، فكم من كثيرٍ يتسترون بالدينِ، ظاهرُهُ مسكينٌ وباطنُه سكينٌ. فالتَّقوى اداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ، التقوى التزامُ طاعةِ اللهِ تعالى بأداءِ ما فرضَ اللهُ واجتنابِ ما حرّمَ اللهُ وخلافُ ذلك لا تكونُ التَّقوى.

                              ثم النبيُ عليه الصلاة والسلام بعد أن أوصى كلَّ فردٍ بالتقوى أوصاهُم كيف ينبغِي أن يكونَ حالُهم لبناءِ مجتمعٍ سليمٍ والسمعِ والطاعةِ، لأنّ التفرَّقَ والتشتُّتَ والتمزُّقَ هوانٌ وضعفٌ بحيثُ يصيرُ حالُنا أوهى من بيتِ العنكبوتِ. فإنَّ التطاوعَ مع من يحمِلُ إلينا وصيةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وإن التزامَ طاعةِ ربِّنا كما أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبلّغَ بهِ نجاتُنا وبه فوزُنا وبه يصطلحُ حالُنا ومجتمعُنا.
                              فالنبيُّ يحذر من التفرقِ والتشتُّتِ والتمزُّقِ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: "فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسَيرى اختلافاً كثيرًا". وهذا مِمَّا أوحِي بهِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وإنهُ ستفترِقُ أمتُه إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً إلا التِي هِيَ علَى مَا عليهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ الذين أخذوا الدينَ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ونقلوهُ إلينا.
                              فلما قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسيَرى اختلافًا كثيرًا". فما الدواءُ وكيف العلاجُ وبمَن نستَنْصِرُ وبم نتمسَّك وعلامَ نعُض؟ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فعليكم بسُنَّتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجِذِ". ذلكَ لأنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُوحِي إليهِ بأنه سيكونُ هناك اختلافٌ وتفرُّقٌ. والنَّاجونَ الفائزونَ جمهورُ المسلمينَ هم الذين على ما عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ.
                              نعم. ذلك لأنّ كثيرينَ منَ النَّاسِ يتستَّرون بالدينِ، ذلك لأنّ كثيرينَ من الناسِ يتستَّرونَ بالعملِ باسمِ الدعوة، ذلك لأنَّ كثيرينَ من الناسِ لا يعجبُهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى قالَ قائلُهم: "وماذا ينفعُ وهو كالجيفةِ في قبرِه" صلى الله عليه وسلم، هؤلاءِ قساةُ القلوب، هؤلاءِ الذين في قلوبِهم غِلظةٌ، هؤلاء الذين اليومَ لا يُوقِّرونَ مسلِما حتى في حفرةِ قبرِه، وبما أنهم لا يوقِّرونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويتمنُّون أن يقتلِعوهُ من قبرِه حتى لا يقصِدَ قبرَه المسلمون للتبرُّك، حتى لا يزورَ المسلمونَ مسجدَ رسولِ اللهِ للتبرُّكِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقبرِهِ الشريفِ. هؤلاء ليسوا على سنةِ رسولِ اللهِ وليسوا على سنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "فعليكم بسنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ".
                              فيا أيُّها المسلِمونَ الكرام، إنَّ النجاةَ بِالتَّمَسُّكِ بِمَنْهَجِ الصَّحابَةِ الكِرَامِ، اللهُمَّ يا وَلِيَّ الإسلامِ وأهلِه ثَبِّتْنَا على الإيمانِ حتَّى الممَات يا رَبِّ العَالَمِينَ. أقول قولي هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُم.


                              الخطبة الثانية:
                              إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
                              أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.



                              *************************************************

                              خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد الله الهرري




                              تعليق

                              • سُلاف
                                مشرفة المواضيع الإسلامية
                                من مؤسسين الموقع
                                • Mar 2009
                                • 10535




                                تقلب الفصول وتعاقب المواسم : عبر وأحكام




                                الخطبة الأولى
                                أما بعد: فيا عباد الله, اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
                                أيها الإخوة المؤمنون, الدهور والأعوام الليالي والأيام سنن الله تتعاقب في هذه الدنيا ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وبتعاقبها وسيرها تتعاقب الفصول على الناس، فهذا فصل للصيف وذا للشتاء وذاك للخريف وذا للربيع، ومن نعمه أن خص كل موسم بما يناسبه من الزروع والثمار ونوّع الأعمال، ودفع السآمة عن الإنسان, والمؤمن الحق من وقف مع هذه النعمة وتدبرها حق التدبر وشكر الله لأجلها قولاً وعملاً، ولأننا في فصل الشتاء فإننا نقف بكم اليوم إخوة الإيمان على شيء مما ورد فيه، وكذلك غيض مما يحتاجه المسلم من الأحكام، وما شرع له من السنن فيه، أخرج الإمام أحمد في حديثٍ حسنٍ عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((الشتاء ربيع المؤمن)) أخرجه البيهقي، وزاد فيه: ((طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه)) وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل به من جوع أو عطش، فلا يحس بمشقة الصيام.
                                ففي المسند والترمذي عن النبي : ((الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة))، وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: (ألا أدلكم على الغنيمة الباردة) قالوا: بلى, فيقول: (الصيام في الشتاء وقيام ليل الشتاء) نسأل الله أن يوفقنا لذلك.
                                يكون يسيراً لطول الليل فيه, يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة.
                                وروي عن ابن مسعود قال: (مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة, ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام)، وعن الحسن قال: "ونعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه".
                                قال ابن رجب رحمه الله : "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلق الذكر". انتهي كلامه رحمه الله، ومن فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجب الاستعاذة منها, ذكر ابن رجب في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي قال: ((إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم إن عبداً من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته)) قالوا وما زمهرير جهنم. قال: ((بيت يلقى فيه الكفار فيتميز من شدة برده))، وفي الحديث عند الشيخين وغيرهما عن النبي أنه قال: ((إن لجهنم نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، وأشد ما تجدون من الحر من سمومها))، وروي عن ابن عباس قال: (يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر ويستغيثون بحر جهنم).
                                كم يكون الشتاء ثم المصيـف وربيع يمضي ويأتي الخريف
                                وارتحال من الحرور إلى البر دِ وسيف الردى عليك منيف
                                عجبا لامرئ يذل لـذي الدنـ ـيا ويكفيه كل يوم رغيـف
                                أيها الإخوة المؤمنون, ومما يحتاجه المؤمن كثيراً في الشتاء وغيره كذلك، المسح على الخفين، وإن من تيسير الله علينا في هذا الدين العظيم، أن أجاز الله لعباده عدداً من الرخص يترخصون بها، وفيها المسح على الخفين بدلاً من غسل الرجلين، ويلزم الإنسان عند لبس الخفين أو الشراب ـ الجورب ـ ونحوه أن يكون طاهراً متوضئاً، ويمسح عليهما عند الوضوء، إن كان مقيماً يوماً وليلة، وإن كان مسافراً ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح على الخفين من أول مسحة عليهما, فإن لبس الإنسان خفيه عند صلاة الفجر ومسح عليهما في صلاة الظهر فابتداء المدة من الوقت الذي مسح فيه عند صلاة الظهر، فيمسح المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد، وإذا تمت المدة، وهو على طهارته، فطهارته باقية حتى ينتقض وضوؤه، وإذا انتقض بعد تمام المدة وجب عليه غسل رجليه إذا توضأ، ثم يلبس من جديد، ومن تمت مدته فنسي ومسح بعد تمام المدة فعليه أن يعيد الصلاة التي صلاها بذلك المسح، ومن لبس الكنادر فله أن يمسح عليها وإن شاء مسح على الشراب, إذا مُسِح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به، فإذا قدر أن يمسح الكنادر فليستمر على مسحها ولا يخلعهما حتى تتم المدة، فإن خلعهما قبل تمام المدة لنوم أو لغيره فإنه لا يعيدها إذا توضأ حتى يغسل رجليه لأن الممسوح إذا خلع لا يعود المسح عليه إلا بعد غسل الرجلين أما إذا تعلق المسح بالشراب فلا يضر خلع الكنادر، وكيفية المسح أن يبل يديه بالماء ثم يمرهما على ظهر الخفين من أطرافه مما يلي الأصابع إلى الساق مرة واحدة، ومن رحمة الله بالعباد أن من احتاج إلى ربط شيء على كسر أو جرح بجبيرة فإنه يمسح عليها كلها بدلاً من غسلها في الوضوء والغسلِ حتى تبرأ, ويقوم مسحها مقام غسلها تيسيراً من الله تسهيلاً على عباده ولله الحمد والمنة.
                                إخوة الإيمان, وكذلك مما يرد على الإنسان في الشتاء كثرة الأمطار، وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد، تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، ومما ورد من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: ((مطرنا بفضل الله ورحمته))، وكذلك أن يقول: ((اللهم اجعله صيباً نافعاً))، وغير ذلك من الأدعية والسنن، وإن في تصريف الأمطار في بعض الأمصار وحبسها عن بعض الديار لعبرة لأولي الأبصار وعظة للعصاة الفجار، قال تعالى: وَهُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء طَهُوراً لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً [الفرقان:48-50].
                                وفي نهاية الشتاء تخضر الأرض، وتخرج بركاتها بفضل الله ومنته، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم ما يُخرِجُ الله لكم من بركات الأرض، قيل : ومابركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت النبي حتى ظننا أنه يُنزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال أين السائل ؟ قال: أنا، قال: لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حَبَطاً أو يُلِمُّ ـ أي يشبع ـ إلا آكلةَ الخَضِرَةِ أكلتْ حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت الشمس فاجترَّتْ وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونةُ هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع)). عباد الله, كل ما في الدنيا فهو مذكِّر بالآخرة، ودليل عليه، فإنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد يبسها، يدل على بعث الموتى من الأرض، وذكر الله ذلك في مواضع كثيرة من كتابه فهو يقول: وَتَرَى ٱلأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاء ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى ٱلْقُبُورِ [الحج:5-7]. ويقول جل وعلا: وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ [ق:9-11]. قال أبو رزين للنبي : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال: ((أما مررت بواد أهْلِكَ مَحْلاً, قال: بلى, قال: أما مررت به يهتز خَضِراً قال: قلت بلى، قال: ثم مررت به محلاً, قال: بلى, قال: فكذلك يحيي الله الموتى, وذلك آيته في خلقه)) خرجه الإمام أحمد.
                                تفكر في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليـك
                                عيون من لجيـن ناظـرات بأحداق هي الذهب السبيك
                                على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس لـه شريـك
                                إخوة الإيمان, فصول السنة تذكر بالآخرة, فشدة حر الصيف يذكر بحرِّ جهنم، وهو من سمومها، وشدة برد الشتاء يذكر بزمهرير جهنم، وهو من نفسها، والخريف يكمل فيه اجتناء الثمرات التي تبقى وتدخر في البيوت، فهو منبه على اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة، وأما الربيع فهو أطيب فصول السنة وهو يذكر بنعيم الجنة، وطيب عيشها, فهذه التنقلات توجب للعاقل الدهش والتعجب من صنع صانعه وقدرة خالقه جل وعلا.
                                فوا عجباً كيف يعصى الإلـ ـه أم كيف يجحده الجاحد
                                ولله فـي كـل تحريـكـة وتسكينـة أبـداً شـاهـد
                                وفي كـل شيء لـه آيـة تـدل علـى أنـه واحـد
                                أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوٰنٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّـٰتٍ مّنْ أَعْنَـٰبٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ لأَيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة الأنعام:99].
                                بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم . . .


                                الخطبة الثانية
                                الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
                                أما بعد, فيا عباد الله, اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
                                خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: (كان رسول الله يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر, ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم, ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان؛ فقلت: يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد تفطر, وتفطر لا تكاد تصوم, إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟ قال : ((أي يومين؟)) قال: يوم الاثنين والخميس؛ قال: ((ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)) قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم شعبان؟ قال: ((ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)) وفي رواية للنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصوم شعبان كان يصله برمضان).
                                إخوة الإيمان, ها أنتم في شهر شعبان الذي أدرككم، فاستغلوه بالصيام وفعل الخيرات، كما ورد ذلك عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهو من مواسم الخير التي ينبغي للإنسان استغلالها، ويجب على من فاته شيء من رمضان الماضي فأفطره لعذر، أن يتدارك نفسه ويصومه قبل مجيء شهر الخير والإحسان شهر رمضان، قال ابن رجب رحمه الله: "ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن..... لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها".

                                واعلموا يا عباد الله, أن تخصيص صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته بدعة لم يرد فيه شيء عن النبي ، أما من مر عليه النصف في صيامه فلا بأس، فتنبهوا لذلك ونبهوا غيركم وخصوصا من العمالة الوافدة التي تنتشر هذه البدعة في بلادهم, وقد تكلم أهل العلم عنها فلهم من الله الأجر والمثوبة.
                                واتقوا الله يا عباد الله, وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم وما كان عليه السلف الصالح وصلوا وسلموا يا عباد الله...



                                **********************************************

                                خطبة اليوم لفضيلة الشيخ : عبد المحسن بن عبد الرحمان القاضي






                                تعليق

                                مواضيع شائعة

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                جاري المعالجة..
                                X