تناتابنا الحيرة أحيانا في أمور كثيرة تواجهنا أثناء حياتنا اليومية من خلال تعاملنا مع النباتات والأشجار والحيوانات في البيت والحديقة أو المزرعة
وقد يترتب على هذه المعاملات التلقائية والبسيطة من وجهة نظرنا حكم شرعي بالحلية او الحرمة أو الكراهة ... ولكن غالبا ما نجهله و لا نلتفت اليه لظننا بأنه أمر عادي لا يحتاج الى فتوى من أهل العلم
لذلك ارتأيت أن أنقل لكم بعضا من الفتاوى المختارة والمتعلقة بمجال الزراعة حتى نكون دائما ان شاء الله على بينة من أمور ديننا مادام السبيل الى المعرفة متوفرا
أبدأ معكم بهذه المجموعة ثم سوف أتابع ان شاء الله بكل ما يستجد عندي مع البحث
************************************************
حكم الأطعمة والنباتات التي يتم تسميدها بالنجاسة
السؤال: ما حكم الخضار والفواكه المستوردة من الدول الأوروبية وأمريكا والصين وغيرها من الدول التي تستعمل أنواعاً متعددة من الأسمدة المختلطة ، لتسريع الإنتاج ، والحفاظ على النوعية ، وزيادة المنتج وتضخيمه. ومن ضمن هذه الأسمدة التي تستعملها: سماد الخنازير ، سواء بتسييله كسائل وإضافته ضمن السماد الصناعي ، أو في حالته الصلبة . هل ذلك يؤثر على النبات المنتج سواء فاكهة أو خضار ، مثل : التفاح الأخضر الفرنسي ، أو الجنوب إفريقي ، أو الصيني ؟. هل نمتنع عن شراء المنتج الزراعي المزروع في أراضٍ غير موثوقة ؟. وكيف نعرف أن السماد المستورد من الخارج لا يدخل ضمنه منتجات الخنزير ؟
نص الجواب لفضيلة الشيخ : محمد صالح المنجد
لا حرج في تسميد المزروعات بالأسمدة النجسة ، سواء كانت متخذة من روث الحيوانات غير مأكولة اللحم ، أو من فضلات الإنسان ، أو أجزاء الميتة ، أو الحيوانات النجسة .
وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية .
قال ابن القيم : " جوَّز جمهورُ العلماء الانتفاع بالسِّرقين [ أي : الزبل ] النَّجس في عمارة الأرض ؛ للزرع والثمر والبقل مع نجاسة عينه ". انتهى من " زاد المعاد " (5/ 664) .
وقال النووي : " يجوز تسميدُ الأرض بالزَّبل النجس ... قال إمام الحرمين: ولم يمنع منه أحد ، وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي خلافاً فيه ، والصواب : القطع بجوازه مع الكراهة " انتهى "المجموع" (4/448) .
ثانياً :
لا تأثير لتسميد الأرض بالنجاسة على الثمار والمزروعات ، وذلك لأنَّ النجاسات قد طَهُرت باستحالتها إلى غذاءٍ طيب تغذَّت به الشجرة .
ويؤكد ذلك عدم ظهور أي تأثير للنجاسة على الثمرة ، لا في اللون ، ولا الرائحة ، ولا الطعم.
قال ابن حزم: " وَالزِّبْلُ ، وَالْبِرَازُ ، وَالْبَوْلُ ، وَالْمَاءُ ، وَالتُّرَابُ ، يَسْتَحِيلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي النَّخْلَةِ وَرَقًا وَرُطَبًا ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِبْلا ، وَلا تُرَابًا ، وَلا مَاءً ، بَلْ هُوَ رُطَبٌ حَلالٌ طَيِّبٌ ، وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ النَّبَاتِ كُلِّهِ ". انتهى من " المحلَّى " (1/ 294) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" المشهور عند الحنابلة أنه يحرم ثمرٌ وزرعٌ سُقيَ بنجس ، أو سُمِّد به ؛ لنجاسته بذلك ، حتى يُسقى بطاهر وتزول عين النجاسة ... وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يحرم ولا ينجس بذلك ، إلا أن يظهر أثر النجاسة في الحب والثمر ، وهذا هو الصحيح ، والغالب أن النَّجاسة تستحيل فلا يظهر لها أثر في الحبّ والثمر". انتهى من " مجموع الفتاوى والرسائل " (11/52).
ولكن ما كان من المزروعات والثمار نابتاً في الأرض ، بحيث يكون ملابساً لهذه النجاسات ، فلا بد من غسله قبل الأكل .
تنبيه :
قد يحرم استعمال هذا السماد لا من أجل نجاسته أو أنه من حيوان محرم كالخنزير ، ولكن لكونه مضراًّ ، والمرجع في هذا إلى أهل التخصص ، الذين يستطيعون الحكم بهذا .
*************************************************
حكم الشجرة إذا مالت إلى ملك الغير
السؤال: عندنا في بعض المناطق الجبلية تنجرف الأرض، وتتداخل الأراضي، فيدخل بعض الأشجار في حدود الغير، فلمن تكون هذه الأشجار؟
نص الإجابة لفضيلة الشيخ : عبد المحسن بن حمد العباد
الأرض لابد أن لها حدوداً، وما كان داخل حدود كل واحد فهو لصاحبه، وإن كان المقصود أن الأصل في جهة ولكن رأسها مائل، فمعلوم أنها لصاحب الأصل، وليست لصاحب الأرض التي مالت الشجرة إليها.
*****************************************
أخذ عينة من نباتات الحرم المكي
. قبل حوالي أربع سنوات وأنا طالبة في الجامعة ، قمت بعمل بحث على أنواع النباتات ، وقد أخذت عينه من نباتات مكة (من 3 إلى 5) أوراق شجر من داخل منطقة الحرم ، مع العلم أنني لم أقم بقطع غصن أو ما شابه ذلك ، مع علمي بحرمة البلد الحرام ؛ ولكن عللت فعلي بأنه في سبيل العلم ، وأنه جائز ؟! أفيدوني بارك الله فيكم : هل تجب علي كفارة ؟ وإذا وجبت بكم تقدر وكيف توزع ؟
نص الجواب لفضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد
فقد وردت الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في تحريم شجر الحرم المكي ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة : ( أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؛ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ ؛ لَا يُخْتَلَى [ أي : لا يحصد ] شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/161): " أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم , وإباحة أخذ الإذخر , وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين . حكى ذلك ابن المنذر" انتهى .
وهم وإن أجمعوا على تحريم قطع شجر الحرم ، فقد اختلفوا في مسائل ، منها :
هل يحرم كل شيء في الحرم ، أم التحريم خاص لما نبت بنفسه ؟ فأكثر أهل العلم يقولون المحرم إنما هو ما نبت بنفسه ، أما ما غرسه الآدمي فليس بحرام .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/218): " المحرم ما كان من شجر الحرم ، لا من شجر الآدمي ، وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام ، لأنه مُلْكه ولا يضاف إلى الحرم ، بل يضاف إلى مالكه." انتهى.
ومنها: هل يحرم أخذ الورق من الشجر المحرم أم لا ؟ فالحنابلة لا يجيزون أخذ الورق ، خلافاً لجمهور أهل العلم القائلين بجواز أخذه ؛ لأنه لا يضر بالشجر ، وعلى هذا المذاهب الثلاثة . قال ابن قدامة في "المغني" (3/170) : " وليس له أخذ ورق الشجر . وقال الشافعي : له أخذه ; لأنه لا يضر به . وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السَّنَى [ نبت يُتداوى به ] , يستمشي به [ أي يُشرَبُ ماؤُه للمَشِيِّ ، كما في تاج العروس ] , ولا يُنزع من أصله . ورخص فيه عمرو بن دينار .
ولنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخبط شوكها , ولا يعضد شجرها } , رواه مسلم . ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه , كريش الطائر .
وقولهم : لا يضر به . لا يصح فإنه يضعفها , وربما آل إلى تلفها " انتهى .
وعلى هذا فإن كان ما أخذته الأخت السائلة من الأوراق قد أخذته من شجر لم يغرسه الأدمييون ، فإن أخذها له محل خلاف بين العلماء ؛ والجمهور على جوازه ، ويمنعه الحنابلة ، إن لم تكن هناك حاجة عامة تدعو إلى أخذه ؛ فإن كانت قد أخذته مع إمكان أن تستغني عنه بغيره من أشجار الحل ، فينبغي أن تستغفر وتتوب إلى الله تعالى ، وإن كانت هناك حاجة تعليمية تعود على عموم الناس بالنفع ولا يقوم شجر الحل مقامها ، فلا حرج إن شاء الله.
وعلى كل الاحتمالات ، لا ضمان عليها ولا كفارة، لأن الفقهاء الذين يمنعون أخذ الورق وهم الحنابلة ، لا يوجبون ضمان شجر الحرم ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء .
جاء فيها : " وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك "
... أما إن كان هذا الشجر مملوكاً فلا حرج في أخذ هذه الأوراق إن شاء الله لأن هذا مما جرت العادة بالمسامحة فيه.
والله أعلم.
*************************************
قطع الشجر التي في الملك العام
ما حكم قطع الثمار أو الأشجار التي تكون للعامة وليست لأحد معين؟
نص الجواب لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز
الأشجار التي في البراري والقفار غير مملوكة لأحد هذا ينظر فيها: فإن كان فيها مصلحة للمسلمين يستظلون بها، ترعاها دوابهم لا تقطع. أما إن كانت في مضرة في طريق يؤذي المسلمين في محل يؤذي المسلمين فقطعها فيها أجر، وقد ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- (أن رجلاً رأى..... شوكاً في طريق المسلمين [في رواية شجرة] في طريق المسلمين فقطعها، قال: أزيلها عن أذى المسلمين، فشكر الله له ذلك، فغفر له). فالحاصل أن هذا فيه تفصيل فالذي ينفع الناس بقاؤه لا يقطع، والذي يضر الناس بقاؤه يزال، والمملوك لايزال إلا بإذن ربه، فإذا كان مملوك لا يزال إلا بإذن صاحبه، وإذا كان يؤذي الناس يرجع فيه إلى المحكمة، ولا يتجرأ الناس على ملك الناس إلا من طريق الشرع. أما البراري والصحراء التي ليس فيها ملك لأحد بل للمسلمين عامة هذا مثل ما تقدم، يرعى المسلم فيها يرعى إبله وغنمه وبقره، يحتش منها لا بأس، لكن لا يقطع الشجر الذي ينفع الناس ويستظلون به، أو هو علامات على مياه أو على بلدان يهتدي به السالكون، هذا يترك لا يتعرض له؛ لأن في قطعها مضرة. أما إذا كانت الشجرة أو الغصون في طرق تؤذي الناس فإنها تزال، وصاحبها مشكور ومأجور.
تعليق